احمد العتيبي
07-16-2013, 11:26 PM
هل يتجدد إحياء معسكر الاعتدال العربى؟
فهمي هويدي (http://www.al3tban.net/vb/redirect-to/?redirect=http%3A%2F%2Fshorouknews.com%2Fcolumns%2 Ffahmy-howaidy)
آخر تحديث : الثلاثاء 16 يوليو 2013 - 8:00 ص
القرائن التى لاحت فى الأفق السياسى خلال الأيام الأخيرة تستدعى السؤال التالى: هل مصر بصدد العودة إلى دورها فى معسكر الاعتدال العربى؟
(1)
لعلى لست بحاجة لأن أنوه إلى أن المعسكر المذكور ليس حسن السمعة السياسية، لأنه ببساطة يضم الدول الموالية أو الداخلة فى الفلك الأمريكى والإسرائيلى. وتلك المعادية للمقاومة الفلسطينية والمتساهلة فى مسألة الاستقلال الوطنى والمخاصمة لإيران والمستهجنة لفكرة وحدة الأمة العربية.
وأرجو أن تكون قد لاحظت أننى أتساءل ولا أقرر، حيث لا أريد أن أقول إن عودة الدور المصرى فى إطار ذلك المحور حاصلة حتما، وإنما فقط أطرحها باعتبارها احتمالا بات واردا. كما أننى لا أريد أن يفهم أن مصر فى عهد الدكتور محمد مرسى خرجت من المعسكر المذكور، لأننى أزعم أنها ظلت فى إطاره ولم تغادره.
ولعل البعض يذكر أننى كتبت أثناء حكم الدكتور محمد مرسى منوها إلى أن السياسة الخارجية لمصر لايزال يديرها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث لم يتغير فيها شىء جوهرى، على الأقل فيما خص التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إذ إن الأداء فى مواجهة هذين البلدين ظل كما كان عليه قبل الثورة، حتى الموقف إزاء قطاع غزة ظل فى جوهره كما هو، وإن طرأت عليه تحسينات بسيطة أدت إلى كسر الحصار السياسى إلى حد ما. إلا أن معبر رفح لايزال عنصر ضغط على الفلسطينيين. كما أن الأنفاق التى تعد شريان الحياة الاقتصادية للقطاع ظلت تدمر أولا بأول. وفى الوقت ذاته فإن الاتصالات الأمنية بين الطرفين المصرى والإسرائيلى ظلت على حالها.
صحيح أن الدكتور مرسى حاول تغيير الصورة التقليدية والموروثة للسياسة الخارجية من خلال الاهتمام بأفريقيا وزيارة الصين وروسيا والبرازيل والهند، كما فتح خطا للتواصل مع إيران، إلا أن تلك المحاولات لم تحدث تغييرا ملموسا فى سياسة مصر الخارجية. وإنما كان فيها من توجيه الإشارات والتعبير عن النوايا أكثر مما فيها من التعبير عن استلهام روح الثورة المصرية ومقاصدها.
بوسع أى أحد أن يقول إن الدكتور مرسى أمضى سنة واحدة فى منصبه، وهى فترة قصيرة ومحدودة نسبيا، وأنه كان يركز على إنقاذ ما يمكن إنقاذه فى الداخل الأمر الذى لم يعطه فرصة كافية للاهتمام بالخارج. وقد يبرر آخرون موقفه بأنه كان مكبلا بارتباطات وتعهدات نظامى مبارك والسادات التى قدمها للأمريكيين والإسرائيليين، الأمر الذى قيده وأضعف حركته. ولا أستبعد أن يضيف البعض إلى ما سبق أن حسابات الدكتور مرسى كانت خاطئة، كل ذلك وارد، ولكنه يوصلنا إلى ذات النتيجة التى ذكرتها، وهى أن مصر فى عهده لم تغادر مربع الاعتدال. وكل ما فعله أنه جمَّد ذلك الدور ولم يقم بتنشيطه. يؤيد ذلك أن إسرائيل التى لم تكن سعيدة به بسبب موقفه من حماس وقطاع غزة وبعض تحركاته الأخرى. لكنها لم تكن منزعجة أيضا. حتى إن صحيفة هاآرتس نشرت فى اليوم التالى لعزله (يوم 4/7) تحليلا ذكر أن إسرائيل ستذكر له أربع إيجابيات هى: التزامه بمعاهدة كامب ديفيد ـ إسهامه فى التوصل إلى اتفاق لتجنيب إسرائيل صواريخ حماس ـ هدم الأنفاق ـ انخراطه فى الاصطفاف إلى جانب السنة فى مواجهة الشيعة.
(2)
يوم السبت الماضى 13/7 نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تقريرا كان عنوانه: «الدولة العميقة تعود إلى مصر مرة أخرى». تضمن التقرير الذى لم يكذبه أحد تفاصيل كثيرة حول اجتماعات عقدها ممثلون عن جبهة الإنقاذ وشخصيات أخرى معارضة مع بعض العسكريين، وحول دور رجال النظام السابق فى دعم حركة «تمرد» ومساندة الدعوة إلى الخروج إلى الشوارع فى مظاهرة 30 يونيو. وأعطى التقرير انطباعا مفاده أن حملة عزل الرئيس مرسى جمعت بين رموز المعارضة وبعض الجنرالات وممثلين عن حركة تمرد إضافة إلى عناصر مثلت الحزب الوطنى.
من المعلومات التى أوردها التقرير أن اجتماعات رموز المعارضة مع الجنرالات ظلت منتظمة قبل عدة أشهر، وكانت تتم فى نادى ضباط البحرية بالقاهرة.. وأن الجنرالات أبلغوهم بأن المعارضة إذا استطاعت تأمين عدد كاف من المتظاهرين فى الشوارع فإن الجيش سيتدخل لعزل الدكتور مرسى بشكل قسرى.
من تلك المعلومات أيضا أن أحد محامى أحمد عز رجل جمال مبارك السابق والقيادى فى الحزب الوطنى حضر بعض تلك الاجتماعات. منها كذلك أن نائبا سابقا عن الحزب الوطنى فى محافظة الشرقية هو الذى كان أهم الداعمين لحملة تمرد فى مدينة الزقازيق.
أحذر من استسهال التعميم، لأن فى مقدمة الذين خرجوا معارضين للدكتور مرسى يوم 30 يونيو أناس وطنيون كانوا خائفين على الثورة أو خائفين من الإخوان، لكن الذى لا شك فيه أيضا أن المشهد كله لم يكن بريئا لأن الأطراف التى تحدثت عنها الصحيفة الأمريكية، خصوصا أركان النظام القديم وأعوانه وجدتها فرصة لتصفية حسابها مع الثورة ومع الإخوان.
بموازاة ذلك يثير انتباهنا أن الدول الخليجية المنخرطة فى معسكر الاعتدال، والتى كانت حليفة لمبارك ونظامه، سارعت إلى مد جسورها من النظام الجديد. بعد ساعات قليلة من إعلان عزل الدكتور محمد مرسى. فى حين أن تلك الدول عمدت إلى مقاطعة القاهرة بعد ثورة 25 يناير وتحولت تلك المقاطعة إلى موقف معلن بعد انتخاب الدكتور مرسى. وأذكر أن أحد حكام تلك الدول بعث برسالة إليه بعد انتخابه طالبه فيها بوضع حد للمليونات التى تكرر احتشادها آنذاك فى ميدان التحرير، وقال إنها تشجع الناس فى بلاده على الخروج بدورهم إلى الشوارع ورفع أصوات الاحتجاج والغضب ضد نظامه.
لقد تقاطرت تلك الوفود على القاهرة بعد عزل الدكتور مرسى، معبرة عن تأييد النظام الجديد ودعمه. وخلال أيام قليلة قدمت إلى مصر نحو 12 مليار دولار، على الأقل فى التصريحات التى صدرت.
تحضرنى فى هذا السياق قصة سمعتها قبل ثلاثة أشهر من أحد المسئولين فى رئاسة الجمهورية، خلاصتها أن السيدة آن باترسون السفيرة الأمريكية نقلت ذات مرة إلى الرئيس المصرى رسالة تضمنت طلبات معينة موجهة من واشنطن، وهى تنقلها ذكرت أن من شأن الاستجابة لتلك الطلبات أن تشجع الدول الخليجية على توجيه بعض استثماراتها إلى مصر لحل أزمتها الاقتصادية، وكانت العبارة التى قيلت فى هذا الصدد إن «مفاتيح خزائن الدول الخليجية بيد واشنطن».
(3)
كل ما سبق فى كفة والحفاوة والتهليل لما جرى فى مصر عبرت عنه إسرائيل فى كفة أخرى. ذلك اننى حين تتبعت أصداء الحدث هناك وقعت على ما يلى:
● فى يوم 6/7 ذكرت الإذاعة العبرية أن رئيس الوزراء نتنياهو اقترح على الأمريكيين تنفيذ خطة «مارشال» اقتصادية جديدة لدعم العسكر فى مصر، ولمنع تحقيق أية سياقات يمكن أن تعيد الإسلاميين إلى الحكم.
● فى 9/7 ذكرت صحيفة هاآرتس على موقعها الالكترونى نقلا عن موظف كبير فى الإدارة الأمريكية أن الحكومة الإسرائيلية توجهت من خلال عدة قنوات لمسئولين كبار فى الإدارة الأمريكية طالبة عدم المساس بالمعونات الأمريكية للجيش المصرى التى تقدر بـ1.3 مليار دولار، لما قد يحله ذلك من تداعيات على أمن إسرائيل. أضافت الصحيفة أن محادثات ماراثونية إسرائيلية أمريكية، جرت نهاية الأسبوع السابق وتناولت ما حدث فى مصر حيث كان هذا الموضوع مدار بحث فى محادثة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية جون كيرى وفى محادثة أخرى بين وزير الأمن موشيه يعالون مع وزير الدفاع الأمريكية تشاك هاغل، ومحادثة ثالثة بين مستشار الأمن القومى يعقوب عميدرور ونظيرته الأمريكية سوزان رايس.
● فى اليوم ذاته (9/7) نشرت صحيفة إسرائيل اليوم مقالة للمفكر البارز بوعاز بسموت قال فيها: إن إسقاط الدكتور مرسى يمثل نهاية للربيع العربى، وذلك يمثل تحولا استراتيجيا يفوق فى أهميته هزيمة مصر ونكستها فى عام 1967.
● فى 7/4 نشر مركز بيجين ـ السادات للدراسات الاستراتيجية ورقة بحثية على موقعه الالكترونى للبروفيسور هليل فريتش توصل فيها إلى خلاصة صاغها على النحو التالى: ما شهدته مصر بمثابة زلزال كبير. فقد عادت أرض النيل لديكتاتورية عسكرية على غرار ديكتاتورية مبارك، وانتهى الفصل الأخير من الثورة المصرية.
● فى 11/7 نشرت صحيفة هاآرتس مقالة للمفكر الإسرائيلى ارييه شافيت قال فيها إن الأمر محسوم فى إسرائيل فـ«كلنا مع السيسى، كلنا مع الانقلاب العسكرى، كلنا مع الجنرالات حليقى اللحى، الذين تلقوا تعليمهم فى الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم فى إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح».
(4)
إضافة إلى ما سبق فإن كبار خبراء مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى قدموا مجموعة من التوصيات إلى حكومتهم بشأن ما يجب أن تفعله لدعم الانقلاب . وقد ذكروا فى تقديم تلك التوصيات أن هدف إسرائيل الرئيسى ليس فقط الحفاظ على علاقات سلام مع مصر فى المرحلة المقبلة، بل تعميق تلك العلاقات، لأن المصلحة الإسرائيلية تتطلب تشكيل نظام علمانى ليبرالى ذى فاعلية فى مصر، لا تمنعه قيود أيديولوجية من مواجهة العناصر المتطرفة.
توصيات أولئك الخبراء (معظمهم من الجنرالات المتقاعدين) أوردها المركز المذكور على موقعه فى 11/7، ومن أهمها ما يلى:
1 ـ تعزيز التعاون مع الجيش المصرى ومواصلة السماح له بدفع المزيد من القوات فى سيناء، وذلك لكى يتمكن من العمل ضد البؤر الجهادية ولكى يتصدى لعمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة.
2 ـ يجب على إسرائيل أن تواصل تعزيز علاقتها وتنسيقها من قيادة الجيش المصرى، وفى الوقت ذاته تحرص على بناء مركبات قوتها العسكرية بحيث لا تكون عرضة لمفاجآت فى المستقبل.
3 ـ إسرائيل مطالبة ببذل جهود كبيرة من أجل ضمان تواصل الدعم الدولى لقادة العسكر فى مصر، وعليها تشجيع المستثمرين الأجانب على تدشين مشاريع البنى التحتية فى مصر من أجل توفير فرص العمل على اعتبار أن تدهور الأوضاع الاقتصادية يمكن أن يهدد حكمهم.
4 ـ يجب تشجيع القوى العربية الاقليمية فى الخليج والأردن التى عارضت حكم الإخوان على مواصلة تقديم المساعدات لمصر لضمان نجاح الحكم الجديد. وعلى إسرائيل عدم استبعاد إمكانية التنسيق مع تلك الدول والتشاور معها حول كيفية مساعدة حكم العسكر، علاوة على أن هذا التنسيق يمكن أن يتطور بشكل يسمح بإيجاد قاعدة للتعاون ضد إيران والمحور الذى تقوده.
5ـ على إسرائيل البحث عن قنوات اتصال مع الجهات المسئولة عن الثورة المصرية فى الوقت الراهن علها تجد فى إسرائيل الطرف الذى بإمكانه أن يوظف إمكانياته وعلاقاته فى خدمة الأهداف التى تتوخاها.
لا أريد أن نتعجل فى الحكم على الوضع المستجد، لكن الخلفيات التى مررنا بها تسوغ لنا أن نقلق على المستقبل، وأن نتساءل بصوت عالٍ: إلى أين نحن ذاهبون بثورة 25 يناير؟
فهمي هويدي (http://www.al3tban.net/vb/redirect-to/?redirect=http%3A%2F%2Fshorouknews.com%2Fcolumns%2 Ffahmy-howaidy)
آخر تحديث : الثلاثاء 16 يوليو 2013 - 8:00 ص
القرائن التى لاحت فى الأفق السياسى خلال الأيام الأخيرة تستدعى السؤال التالى: هل مصر بصدد العودة إلى دورها فى معسكر الاعتدال العربى؟
(1)
لعلى لست بحاجة لأن أنوه إلى أن المعسكر المذكور ليس حسن السمعة السياسية، لأنه ببساطة يضم الدول الموالية أو الداخلة فى الفلك الأمريكى والإسرائيلى. وتلك المعادية للمقاومة الفلسطينية والمتساهلة فى مسألة الاستقلال الوطنى والمخاصمة لإيران والمستهجنة لفكرة وحدة الأمة العربية.
وأرجو أن تكون قد لاحظت أننى أتساءل ولا أقرر، حيث لا أريد أن أقول إن عودة الدور المصرى فى إطار ذلك المحور حاصلة حتما، وإنما فقط أطرحها باعتبارها احتمالا بات واردا. كما أننى لا أريد أن يفهم أن مصر فى عهد الدكتور محمد مرسى خرجت من المعسكر المذكور، لأننى أزعم أنها ظلت فى إطاره ولم تغادره.
ولعل البعض يذكر أننى كتبت أثناء حكم الدكتور محمد مرسى منوها إلى أن السياسة الخارجية لمصر لايزال يديرها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث لم يتغير فيها شىء جوهرى، على الأقل فيما خص التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إذ إن الأداء فى مواجهة هذين البلدين ظل كما كان عليه قبل الثورة، حتى الموقف إزاء قطاع غزة ظل فى جوهره كما هو، وإن طرأت عليه تحسينات بسيطة أدت إلى كسر الحصار السياسى إلى حد ما. إلا أن معبر رفح لايزال عنصر ضغط على الفلسطينيين. كما أن الأنفاق التى تعد شريان الحياة الاقتصادية للقطاع ظلت تدمر أولا بأول. وفى الوقت ذاته فإن الاتصالات الأمنية بين الطرفين المصرى والإسرائيلى ظلت على حالها.
صحيح أن الدكتور مرسى حاول تغيير الصورة التقليدية والموروثة للسياسة الخارجية من خلال الاهتمام بأفريقيا وزيارة الصين وروسيا والبرازيل والهند، كما فتح خطا للتواصل مع إيران، إلا أن تلك المحاولات لم تحدث تغييرا ملموسا فى سياسة مصر الخارجية. وإنما كان فيها من توجيه الإشارات والتعبير عن النوايا أكثر مما فيها من التعبير عن استلهام روح الثورة المصرية ومقاصدها.
بوسع أى أحد أن يقول إن الدكتور مرسى أمضى سنة واحدة فى منصبه، وهى فترة قصيرة ومحدودة نسبيا، وأنه كان يركز على إنقاذ ما يمكن إنقاذه فى الداخل الأمر الذى لم يعطه فرصة كافية للاهتمام بالخارج. وقد يبرر آخرون موقفه بأنه كان مكبلا بارتباطات وتعهدات نظامى مبارك والسادات التى قدمها للأمريكيين والإسرائيليين، الأمر الذى قيده وأضعف حركته. ولا أستبعد أن يضيف البعض إلى ما سبق أن حسابات الدكتور مرسى كانت خاطئة، كل ذلك وارد، ولكنه يوصلنا إلى ذات النتيجة التى ذكرتها، وهى أن مصر فى عهده لم تغادر مربع الاعتدال. وكل ما فعله أنه جمَّد ذلك الدور ولم يقم بتنشيطه. يؤيد ذلك أن إسرائيل التى لم تكن سعيدة به بسبب موقفه من حماس وقطاع غزة وبعض تحركاته الأخرى. لكنها لم تكن منزعجة أيضا. حتى إن صحيفة هاآرتس نشرت فى اليوم التالى لعزله (يوم 4/7) تحليلا ذكر أن إسرائيل ستذكر له أربع إيجابيات هى: التزامه بمعاهدة كامب ديفيد ـ إسهامه فى التوصل إلى اتفاق لتجنيب إسرائيل صواريخ حماس ـ هدم الأنفاق ـ انخراطه فى الاصطفاف إلى جانب السنة فى مواجهة الشيعة.
(2)
يوم السبت الماضى 13/7 نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تقريرا كان عنوانه: «الدولة العميقة تعود إلى مصر مرة أخرى». تضمن التقرير الذى لم يكذبه أحد تفاصيل كثيرة حول اجتماعات عقدها ممثلون عن جبهة الإنقاذ وشخصيات أخرى معارضة مع بعض العسكريين، وحول دور رجال النظام السابق فى دعم حركة «تمرد» ومساندة الدعوة إلى الخروج إلى الشوارع فى مظاهرة 30 يونيو. وأعطى التقرير انطباعا مفاده أن حملة عزل الرئيس مرسى جمعت بين رموز المعارضة وبعض الجنرالات وممثلين عن حركة تمرد إضافة إلى عناصر مثلت الحزب الوطنى.
من المعلومات التى أوردها التقرير أن اجتماعات رموز المعارضة مع الجنرالات ظلت منتظمة قبل عدة أشهر، وكانت تتم فى نادى ضباط البحرية بالقاهرة.. وأن الجنرالات أبلغوهم بأن المعارضة إذا استطاعت تأمين عدد كاف من المتظاهرين فى الشوارع فإن الجيش سيتدخل لعزل الدكتور مرسى بشكل قسرى.
من تلك المعلومات أيضا أن أحد محامى أحمد عز رجل جمال مبارك السابق والقيادى فى الحزب الوطنى حضر بعض تلك الاجتماعات. منها كذلك أن نائبا سابقا عن الحزب الوطنى فى محافظة الشرقية هو الذى كان أهم الداعمين لحملة تمرد فى مدينة الزقازيق.
أحذر من استسهال التعميم، لأن فى مقدمة الذين خرجوا معارضين للدكتور مرسى يوم 30 يونيو أناس وطنيون كانوا خائفين على الثورة أو خائفين من الإخوان، لكن الذى لا شك فيه أيضا أن المشهد كله لم يكن بريئا لأن الأطراف التى تحدثت عنها الصحيفة الأمريكية، خصوصا أركان النظام القديم وأعوانه وجدتها فرصة لتصفية حسابها مع الثورة ومع الإخوان.
بموازاة ذلك يثير انتباهنا أن الدول الخليجية المنخرطة فى معسكر الاعتدال، والتى كانت حليفة لمبارك ونظامه، سارعت إلى مد جسورها من النظام الجديد. بعد ساعات قليلة من إعلان عزل الدكتور محمد مرسى. فى حين أن تلك الدول عمدت إلى مقاطعة القاهرة بعد ثورة 25 يناير وتحولت تلك المقاطعة إلى موقف معلن بعد انتخاب الدكتور مرسى. وأذكر أن أحد حكام تلك الدول بعث برسالة إليه بعد انتخابه طالبه فيها بوضع حد للمليونات التى تكرر احتشادها آنذاك فى ميدان التحرير، وقال إنها تشجع الناس فى بلاده على الخروج بدورهم إلى الشوارع ورفع أصوات الاحتجاج والغضب ضد نظامه.
لقد تقاطرت تلك الوفود على القاهرة بعد عزل الدكتور مرسى، معبرة عن تأييد النظام الجديد ودعمه. وخلال أيام قليلة قدمت إلى مصر نحو 12 مليار دولار، على الأقل فى التصريحات التى صدرت.
تحضرنى فى هذا السياق قصة سمعتها قبل ثلاثة أشهر من أحد المسئولين فى رئاسة الجمهورية، خلاصتها أن السيدة آن باترسون السفيرة الأمريكية نقلت ذات مرة إلى الرئيس المصرى رسالة تضمنت طلبات معينة موجهة من واشنطن، وهى تنقلها ذكرت أن من شأن الاستجابة لتلك الطلبات أن تشجع الدول الخليجية على توجيه بعض استثماراتها إلى مصر لحل أزمتها الاقتصادية، وكانت العبارة التى قيلت فى هذا الصدد إن «مفاتيح خزائن الدول الخليجية بيد واشنطن».
(3)
كل ما سبق فى كفة والحفاوة والتهليل لما جرى فى مصر عبرت عنه إسرائيل فى كفة أخرى. ذلك اننى حين تتبعت أصداء الحدث هناك وقعت على ما يلى:
● فى يوم 6/7 ذكرت الإذاعة العبرية أن رئيس الوزراء نتنياهو اقترح على الأمريكيين تنفيذ خطة «مارشال» اقتصادية جديدة لدعم العسكر فى مصر، ولمنع تحقيق أية سياقات يمكن أن تعيد الإسلاميين إلى الحكم.
● فى 9/7 ذكرت صحيفة هاآرتس على موقعها الالكترونى نقلا عن موظف كبير فى الإدارة الأمريكية أن الحكومة الإسرائيلية توجهت من خلال عدة قنوات لمسئولين كبار فى الإدارة الأمريكية طالبة عدم المساس بالمعونات الأمريكية للجيش المصرى التى تقدر بـ1.3 مليار دولار، لما قد يحله ذلك من تداعيات على أمن إسرائيل. أضافت الصحيفة أن محادثات ماراثونية إسرائيلية أمريكية، جرت نهاية الأسبوع السابق وتناولت ما حدث فى مصر حيث كان هذا الموضوع مدار بحث فى محادثة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية جون كيرى وفى محادثة أخرى بين وزير الأمن موشيه يعالون مع وزير الدفاع الأمريكية تشاك هاغل، ومحادثة ثالثة بين مستشار الأمن القومى يعقوب عميدرور ونظيرته الأمريكية سوزان رايس.
● فى اليوم ذاته (9/7) نشرت صحيفة إسرائيل اليوم مقالة للمفكر البارز بوعاز بسموت قال فيها: إن إسقاط الدكتور مرسى يمثل نهاية للربيع العربى، وذلك يمثل تحولا استراتيجيا يفوق فى أهميته هزيمة مصر ونكستها فى عام 1967.
● فى 7/4 نشر مركز بيجين ـ السادات للدراسات الاستراتيجية ورقة بحثية على موقعه الالكترونى للبروفيسور هليل فريتش توصل فيها إلى خلاصة صاغها على النحو التالى: ما شهدته مصر بمثابة زلزال كبير. فقد عادت أرض النيل لديكتاتورية عسكرية على غرار ديكتاتورية مبارك، وانتهى الفصل الأخير من الثورة المصرية.
● فى 11/7 نشرت صحيفة هاآرتس مقالة للمفكر الإسرائيلى ارييه شافيت قال فيها إن الأمر محسوم فى إسرائيل فـ«كلنا مع السيسى، كلنا مع الانقلاب العسكرى، كلنا مع الجنرالات حليقى اللحى، الذين تلقوا تعليمهم فى الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم فى إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح».
(4)
إضافة إلى ما سبق فإن كبار خبراء مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى قدموا مجموعة من التوصيات إلى حكومتهم بشأن ما يجب أن تفعله لدعم الانقلاب . وقد ذكروا فى تقديم تلك التوصيات أن هدف إسرائيل الرئيسى ليس فقط الحفاظ على علاقات سلام مع مصر فى المرحلة المقبلة، بل تعميق تلك العلاقات، لأن المصلحة الإسرائيلية تتطلب تشكيل نظام علمانى ليبرالى ذى فاعلية فى مصر، لا تمنعه قيود أيديولوجية من مواجهة العناصر المتطرفة.
توصيات أولئك الخبراء (معظمهم من الجنرالات المتقاعدين) أوردها المركز المذكور على موقعه فى 11/7، ومن أهمها ما يلى:
1 ـ تعزيز التعاون مع الجيش المصرى ومواصلة السماح له بدفع المزيد من القوات فى سيناء، وذلك لكى يتمكن من العمل ضد البؤر الجهادية ولكى يتصدى لعمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة.
2 ـ يجب على إسرائيل أن تواصل تعزيز علاقتها وتنسيقها من قيادة الجيش المصرى، وفى الوقت ذاته تحرص على بناء مركبات قوتها العسكرية بحيث لا تكون عرضة لمفاجآت فى المستقبل.
3 ـ إسرائيل مطالبة ببذل جهود كبيرة من أجل ضمان تواصل الدعم الدولى لقادة العسكر فى مصر، وعليها تشجيع المستثمرين الأجانب على تدشين مشاريع البنى التحتية فى مصر من أجل توفير فرص العمل على اعتبار أن تدهور الأوضاع الاقتصادية يمكن أن يهدد حكمهم.
4 ـ يجب تشجيع القوى العربية الاقليمية فى الخليج والأردن التى عارضت حكم الإخوان على مواصلة تقديم المساعدات لمصر لضمان نجاح الحكم الجديد. وعلى إسرائيل عدم استبعاد إمكانية التنسيق مع تلك الدول والتشاور معها حول كيفية مساعدة حكم العسكر، علاوة على أن هذا التنسيق يمكن أن يتطور بشكل يسمح بإيجاد قاعدة للتعاون ضد إيران والمحور الذى تقوده.
5ـ على إسرائيل البحث عن قنوات اتصال مع الجهات المسئولة عن الثورة المصرية فى الوقت الراهن علها تجد فى إسرائيل الطرف الذى بإمكانه أن يوظف إمكانياته وعلاقاته فى خدمة الأهداف التى تتوخاها.
لا أريد أن نتعجل فى الحكم على الوضع المستجد، لكن الخلفيات التى مررنا بها تسوغ لنا أن نقلق على المستقبل، وأن نتساءل بصوت عالٍ: إلى أين نحن ذاهبون بثورة 25 يناير؟