احمد العتيبي
07-12-2013, 08:03 AM
بعد الإتكال على الشعب
عناية جابر
July 11, 2013
عندما يضيع المحلّل السياسي في مآلات الوضع وتفسيراته لا أحلى من مصطلح الشعب لإغراق الغموض فيه. وإذا كان الغموض أشد تعقيداً فيستعمل الله مع الشعب. ‘بعد الإتكال على الله والشعب قررنا القيام بانقلاب وهذا هو البلاغ رقم واحد’ هكذا تكلم في الماضي الأخوان رحباني في إحدى مسرحياتهم الشهيرة. ومن قبلهم وبعدهم بقي الله والشعب عماد جميع الإنقلابيين في كل زمان ومكان.
لكن الجديد في أمر الإتكال على الشعب تحوّل هذا المصطلح الى مفهوم ‘ندحش فيه كل شيء’ كما يقول الفرنسيون أحفاد الثورة الفرنسية. هذه المرة لم يعد وقفاً على أصحاب الإنقلابات بل صار من شيم المحللين والكتاب الكبار الذين استغنوا عن تحليل اللوحة الإجتماعية وقواها السياسية واستبدلوه بمصطلح الشعب.
وكان لا ينقص إلا تعبير المظاهرات المليونية الجديد حتى يكتمل ‘النقل بالزعرور’ ويقوم فريق القوى السياسية ذاتها بتبني المفهوم والإتكال عليه. فمع نزول هذا العدد الهائل من الناس إلى الساحات تحوّل ‘الشعب’ إلى ما يشبه السحر يستطيع كل طرف أن يحلم به ويظنه منه وله. فمن من القوى السياسية في الكون لم يحلم يوما بالجماهيرية؟ من منهم لم يحلم باستقطاب الشعب اليه ؟ وها هو الشعب يملأ الساحات والشوارع ويعطل السلطة وعملها المؤسساتي المعتاد كما يعطل مفعول صندوق الانتخاب وكافة مندرجاته الديمقراطية وتداول السلطة واحترام الآخر والمواعيد الدستورية وما إليها.
‘الشعب’ مصطلح عام أو عمومي إلى درجة يستطيع معها كل طرف أن يظنه شعبه الخاص. فتعطل اللعبة السياسية على قاعدة المظاهرات المليونية واتخاذ الوضع شكلاً فوضوياً يبدوان للجميع وكأن فرصتهم التاريخية قد أزفت. حالة ضياع الروائز التي ترافق عادة مثل تلك الحالات الإنتفاضية للمجتمعات تجعل الأطراف المشاركة فعلياً، أو حتى تلك التي تظن أنها مشاركة، تعتقد أن الشعب نزل نزولا عند رغبتها وتلبية لندائها وطاعة لشعاراتها وأهدافها.
في مصر (http://www.alquds.co.uk/?tag=uouo) اليوم خير مثل على ما نسوق. فالإسلامي السلفي النوري ـ حزب النور- الذي قام بدعم الإخوان حتى يوم أمس انقلب عليهم ظنا منه أغلب الظن أن ‘الشعب’ انقلب على الإخوان رغبة منه بمزيد من الإسلام ‘الحقيقي’. ‘الشعب’ اذن بالنسبة للسلفي يرفض الإسلام الإخواني فقط وهو يعرف ما يريد. يريد المزيد من الإسلام الحقيقي الذي يمثله هو برأيه طبعاً.
جماعة حمدين صباحي الذي يظن أنه مرّ من جنب الرئاسة وجافته على شعرة انتخابية واحدة يرى في ‘الشعب’ المتمدد في الساحات شعبه وفرصته الذهبية. فهو البديل الناصري الذي يستطيع أن يشفي غليل ‘الشعب’ الثائر على مرسي.
أما جماعة النظام المندحر أو ما يسمى بالفلول فيرون في ‘الشعب’ ثأراً طبيعياً لخدعة الإخوان التي مرت في المرة الأولى دون كبير انتباه. الفلول، من عمرو موسى إلى محمد البرادعي إلى شفيق إلى غيرهم، يرون في ‘الشعب’ كذلك حليفهم الطبيعي.
التيارات الليبرالية، هي أيضاً، ترى اليوم في الشعب فرصتها التاريخية. فبعد فشل ‘الإسلام السياسي’ كما يقولون لم يعد ‘الشعب’ يحلف بغيرهم لإحداث النقلة التاريخية الموعودة من الماضي إلى الحداثة.
اليسار، أو ما بقي منه في مصر، يحلم هو أيضاً ب’الشعب’ الذي يريد، الذي يريده هو بالطبع. إذ لا يعقل برأيه أن ينزل الشعب الى الشارع لغير المطالبة بحكم اليسار العادل صاحب مقولات العدالة الإجتماعية وبعد أن انفضح الإسلام السياسي ببعده عن مصالح وطموحات الطبقات الشعبية. الشعبية من شعب نعم.
حتى الجيش الذي لم يعرف له مواقف مؤيدة عادة للـ’الشعب’ وجد هذه المرّة الفرصة مناسبة للقيام بعزل الرئيس المنتخب ‘ديمقراطياً’ بدون أن يتهم بالقيام بالإنقلاب على الدستور والديمقراطية. فبعد الإتكال على ‘الشعب’،قام الجيش، هو ايضاً، ليس بانقلاب عسكري بل بالاستجابة لصوت ‘الشعب’ وضميره. ليس ‘الشعب’ من دعم الجيش بل الجيش هو الذي انحاز إلى ‘الشعب’ بالطبع.
مصطلح ‘الشعب’ إذا نموذجي في مثل تلك الحالات الثورية. جسمه لبّيس ويليق بكل حالم ولاعب وحتى غير لاعب. مصطلح يتيح للجميع أن يربح أو على الأقل أن يحلم بالربح. عمومي الى درجة تتيح للجميع التلحف به والإتكال عليه. والجميل في هذا المصطلح أنه ينفي الأطراف الأخرى المتصارعة بكل سهولة فهي مجرد ‘غير الشعب’، اقلية يجب ان تكون مجنونة لكي تسمح لنفسها بمحاربة ‘الشعب’.
‘الشعب’ عندما يتجمع في الساحات يعرف هو طريقه كما كتب الكثيرون من المحللين القلقين على المستقبل. ‘عندما أترك الشعب المتجمع يصيبني القلق والضياع′ كتب أحدهم صادقاً. ‘الشعب’ إذا ما أجتمع في مكان واحد يريح المحللين ويعفيهم من طرح الأسئلة. فمن العبث اليوم أن نعرف أسباب الخلاف العميقة بين مختلف الفئات والتيارات المتصارعة. ومن المستحيل معرفة القوى الإجتماعية التي يمثلها هذا الطرف السياسي أم ذاك. ومن غير الممكن وضع اليد على التناقضات الإجتماعية التي جعلت من المستحيل متابعة العيش كما في السابق، ودفعت بالجميع الى الشارع بحثاً عن حلول جديدة مغايرة لما كان وللنظام الذي وصل الى سقف ما يمكن أن يتحمله مجتمع.
مصطلح ‘الشعب’ أخفى عنا وعن الكثيرين البحث العلني والمفتوح من قبل نخب المجتمع وكفاءاته الكبرى عن الوجهة الجديدة التي على المجتمع أن يأخذها لكي يأتي بالجواب على حالة الإنسداد السياسي والمجتمعي التي وصل إليها، عن الإحتمالات الممكنة ومحتوى البرامج والرؤى التي يمكن استشرافها لتأمين مستقبل الأمة و’الشعب’.
مصطلح ‘الشعب’ أخفى عنا ما يعتمل الشعب عادة من قوى اجتماعية متناقضة المصالح والمطامح إزاء السلطة والدستور والديمقراطية والموارد وملكيتها وتوزيعها والقضاء والقانون والحق والعدالة إلى ما هنالك من مواضيع اخرى كثيرة.
عناية جابر
July 11, 2013
عندما يضيع المحلّل السياسي في مآلات الوضع وتفسيراته لا أحلى من مصطلح الشعب لإغراق الغموض فيه. وإذا كان الغموض أشد تعقيداً فيستعمل الله مع الشعب. ‘بعد الإتكال على الله والشعب قررنا القيام بانقلاب وهذا هو البلاغ رقم واحد’ هكذا تكلم في الماضي الأخوان رحباني في إحدى مسرحياتهم الشهيرة. ومن قبلهم وبعدهم بقي الله والشعب عماد جميع الإنقلابيين في كل زمان ومكان.
لكن الجديد في أمر الإتكال على الشعب تحوّل هذا المصطلح الى مفهوم ‘ندحش فيه كل شيء’ كما يقول الفرنسيون أحفاد الثورة الفرنسية. هذه المرة لم يعد وقفاً على أصحاب الإنقلابات بل صار من شيم المحللين والكتاب الكبار الذين استغنوا عن تحليل اللوحة الإجتماعية وقواها السياسية واستبدلوه بمصطلح الشعب.
وكان لا ينقص إلا تعبير المظاهرات المليونية الجديد حتى يكتمل ‘النقل بالزعرور’ ويقوم فريق القوى السياسية ذاتها بتبني المفهوم والإتكال عليه. فمع نزول هذا العدد الهائل من الناس إلى الساحات تحوّل ‘الشعب’ إلى ما يشبه السحر يستطيع كل طرف أن يحلم به ويظنه منه وله. فمن من القوى السياسية في الكون لم يحلم يوما بالجماهيرية؟ من منهم لم يحلم باستقطاب الشعب اليه ؟ وها هو الشعب يملأ الساحات والشوارع ويعطل السلطة وعملها المؤسساتي المعتاد كما يعطل مفعول صندوق الانتخاب وكافة مندرجاته الديمقراطية وتداول السلطة واحترام الآخر والمواعيد الدستورية وما إليها.
‘الشعب’ مصطلح عام أو عمومي إلى درجة يستطيع معها كل طرف أن يظنه شعبه الخاص. فتعطل اللعبة السياسية على قاعدة المظاهرات المليونية واتخاذ الوضع شكلاً فوضوياً يبدوان للجميع وكأن فرصتهم التاريخية قد أزفت. حالة ضياع الروائز التي ترافق عادة مثل تلك الحالات الإنتفاضية للمجتمعات تجعل الأطراف المشاركة فعلياً، أو حتى تلك التي تظن أنها مشاركة، تعتقد أن الشعب نزل نزولا عند رغبتها وتلبية لندائها وطاعة لشعاراتها وأهدافها.
في مصر (http://www.alquds.co.uk/?tag=uouo) اليوم خير مثل على ما نسوق. فالإسلامي السلفي النوري ـ حزب النور- الذي قام بدعم الإخوان حتى يوم أمس انقلب عليهم ظنا منه أغلب الظن أن ‘الشعب’ انقلب على الإخوان رغبة منه بمزيد من الإسلام ‘الحقيقي’. ‘الشعب’ اذن بالنسبة للسلفي يرفض الإسلام الإخواني فقط وهو يعرف ما يريد. يريد المزيد من الإسلام الحقيقي الذي يمثله هو برأيه طبعاً.
جماعة حمدين صباحي الذي يظن أنه مرّ من جنب الرئاسة وجافته على شعرة انتخابية واحدة يرى في ‘الشعب’ المتمدد في الساحات شعبه وفرصته الذهبية. فهو البديل الناصري الذي يستطيع أن يشفي غليل ‘الشعب’ الثائر على مرسي.
أما جماعة النظام المندحر أو ما يسمى بالفلول فيرون في ‘الشعب’ ثأراً طبيعياً لخدعة الإخوان التي مرت في المرة الأولى دون كبير انتباه. الفلول، من عمرو موسى إلى محمد البرادعي إلى شفيق إلى غيرهم، يرون في ‘الشعب’ كذلك حليفهم الطبيعي.
التيارات الليبرالية، هي أيضاً، ترى اليوم في الشعب فرصتها التاريخية. فبعد فشل ‘الإسلام السياسي’ كما يقولون لم يعد ‘الشعب’ يحلف بغيرهم لإحداث النقلة التاريخية الموعودة من الماضي إلى الحداثة.
اليسار، أو ما بقي منه في مصر، يحلم هو أيضاً ب’الشعب’ الذي يريد، الذي يريده هو بالطبع. إذ لا يعقل برأيه أن ينزل الشعب الى الشارع لغير المطالبة بحكم اليسار العادل صاحب مقولات العدالة الإجتماعية وبعد أن انفضح الإسلام السياسي ببعده عن مصالح وطموحات الطبقات الشعبية. الشعبية من شعب نعم.
حتى الجيش الذي لم يعرف له مواقف مؤيدة عادة للـ’الشعب’ وجد هذه المرّة الفرصة مناسبة للقيام بعزل الرئيس المنتخب ‘ديمقراطياً’ بدون أن يتهم بالقيام بالإنقلاب على الدستور والديمقراطية. فبعد الإتكال على ‘الشعب’،قام الجيش، هو ايضاً، ليس بانقلاب عسكري بل بالاستجابة لصوت ‘الشعب’ وضميره. ليس ‘الشعب’ من دعم الجيش بل الجيش هو الذي انحاز إلى ‘الشعب’ بالطبع.
مصطلح ‘الشعب’ إذا نموذجي في مثل تلك الحالات الثورية. جسمه لبّيس ويليق بكل حالم ولاعب وحتى غير لاعب. مصطلح يتيح للجميع أن يربح أو على الأقل أن يحلم بالربح. عمومي الى درجة تتيح للجميع التلحف به والإتكال عليه. والجميل في هذا المصطلح أنه ينفي الأطراف الأخرى المتصارعة بكل سهولة فهي مجرد ‘غير الشعب’، اقلية يجب ان تكون مجنونة لكي تسمح لنفسها بمحاربة ‘الشعب’.
‘الشعب’ عندما يتجمع في الساحات يعرف هو طريقه كما كتب الكثيرون من المحللين القلقين على المستقبل. ‘عندما أترك الشعب المتجمع يصيبني القلق والضياع′ كتب أحدهم صادقاً. ‘الشعب’ إذا ما أجتمع في مكان واحد يريح المحللين ويعفيهم من طرح الأسئلة. فمن العبث اليوم أن نعرف أسباب الخلاف العميقة بين مختلف الفئات والتيارات المتصارعة. ومن المستحيل معرفة القوى الإجتماعية التي يمثلها هذا الطرف السياسي أم ذاك. ومن غير الممكن وضع اليد على التناقضات الإجتماعية التي جعلت من المستحيل متابعة العيش كما في السابق، ودفعت بالجميع الى الشارع بحثاً عن حلول جديدة مغايرة لما كان وللنظام الذي وصل الى سقف ما يمكن أن يتحمله مجتمع.
مصطلح ‘الشعب’ أخفى عنا وعن الكثيرين البحث العلني والمفتوح من قبل نخب المجتمع وكفاءاته الكبرى عن الوجهة الجديدة التي على المجتمع أن يأخذها لكي يأتي بالجواب على حالة الإنسداد السياسي والمجتمعي التي وصل إليها، عن الإحتمالات الممكنة ومحتوى البرامج والرؤى التي يمكن استشرافها لتأمين مستقبل الأمة و’الشعب’.
مصطلح ‘الشعب’ أخفى عنا ما يعتمل الشعب عادة من قوى اجتماعية متناقضة المصالح والمطامح إزاء السلطة والدستور والديمقراطية والموارد وملكيتها وتوزيعها والقضاء والقانون والحق والعدالة إلى ما هنالك من مواضيع اخرى كثيرة.