احمد العتيبي
09-19-2012, 08:16 PM
ضياع ثورة في فيلم لا قيمة له
نتالي أبو شقرا*
2012-09-14
ها نحن مجدّداً أمام مسلسل التظاهرات العنيفة ضدّ منتوجٍ غربيّ بمنتهى السفاهة، يسيء للاسلام و لنبيّه، وهو إعادةٌ لأحداث عامَيْ 2005/2006 حين قامت الاحتجاجات ضدّ الرسم الكاريكاتوري الذي نُشر في 30 سبتمبر 2005 في جريدة دنماركية.
ما جرى ليس بجديد، بل هو جزء من الحملة العنصرية الاستشراقية الحديثة المتغلغلة في وسط المجتمعات الغربية، وفي وسائل الإعلام الرئيسية الغربية ضدّ العرب والمسلمين، مثل قرار منع بناء المآذن في سويسرا، وحظر ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية، والاستمرار بتصوير العرب والمسلمين كأعداء الإنسانية، والمهووسين بالعنف والتعنيف، ويتّبعون اعتقادات وممارسات جنسية 'غريبة' (و هذا أكثر ما يتداوله الفيلم وبشكل بذيء). هذا واقع اعتاد عليه العرب في الشتات، خصوصاً الذين يتعرّضون للتمييز المتواصل على أساس العِرق والدِّين في الغرب، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر التي دفع ثمنها الأبرياء في العراق و في أفغانستان دماءً زكية، وعوقب عليها عِرقٌ بأكمله.
كانت ردّة الفعل الناتجة من الرسم الكاريكاتوري سابقاً عبارة عن تظاهرات عنيفة وحرق السفارات، وتفسير ذلك متّفق عليه، إذ أنّه نابع من الشعور بالإحباط المستمر وخيبة الأمل بالغرب وأفعاله، وردّات الفعل هذه، هي مَخرج ومفرّ من قمع الحكومات العربية حليفة الغرب الاستعماري، والهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية.
ولكن، أين كانت هذه الجماهير بعد غزو العراق عام 2003 وتدمير لبنان وقتل أبنائه في تموز/آب 2006؟ وفي فرض الحصار على غزّة، ثمّ قتل أكثر من 300 طفل خلال العدوان 'الإسرائيلي' الأخير؟.
هدف الفيلم واضحٌ، وهو استفزاز الجماهير العربية وحثّها على اتّباع سلوك متطرّف مثل قتل السفير الأميركي في بنغازي. وهذه فرصة انتهزتها الولايات المتحدة لإرسال فِرق الـ'مارينز' وقوّاتها الدفاعية إلى الأراضي الليبية، وتحويل الصراع إلى صراع عرقيّ ودينيّ وطائفيّ. ولكن، على المحتجّين والمتظاهرين الانتباه إلى أنّ السفير الأمريكي ليس من كَتب الفيلم وأنتجه أو أخرجه، بل إنّ المسؤول عنه هو المُخرج 'الإسرائيلي' والمستثمر العقاري (حكومة الاحتلال نفت ادّعائه هذا) سام باسيل الذي أصرّ أنّ غايته كانت 'فضح' الإسلام وإن 'الإسلام سرطان'.
الوطن العربي في 2012 ليس كما كان في 2005: الشعوب العربية ليست نفسها الشعوب المطيعة الراضخة لقرارات حكوماتها وأفعالها، هذه الحكومات الموالية للغرب الإمبريالي والمنقادة والمتذللة له، وهو (الغرب) الّذي تعوّد على التعامل معها.
إنّ توظيف هذه العاطفة في خلق ردّ فعل عنيف وحرق السفارات، يحول دون تحقيق نتائج نسعى إليها، وهي عاطفة يستغلها العدو المستعمر. فغزو العراق انطلق من بعض القواعد العربية، وقرار ضرب غزّة اتُّخذ من مصر بموافقة أبو الغيط. إن معارك المضطّهدين تتشابك ومن يناور بِاسمِ الدِّين، ويدغدغ مشاعر الجماهير الفقيرة، غير مكترث بواقع المواطن/ة العربي/ة ومستقبلهما، بل هدفه مصلحة جماعته.
هل سنسمح لفيلم مبتذل أن يصرف انتباهنا عن القِيم و المبادئ التي دفع ثمنها غالياً شبابنا في التحرير؟ هل نسينا السبب الذي أدّى بالبوعزيزي إلى إضرام النار في نفسه، وهو احتكار السلطة مصدر رزقه؟ هل نسينا أكثر من ستين ألف فلسطيني قتلوا منذ عام 1967 حتى الآن من أجل حقّهم في تحقيق المصير والعدالة؟ لنتمسك بشعار 'عيش- حرّيةـ كرامة إنسانيةـ عدالة اجتماعية' وننزل إلى الشارع بالوعي الثوريّ الذي بدأت الانتفاضات العربية به، ولنتحدّث بنفس الوجدان العربيّ الناصريّ الذي توجّ شعارات المتظاهرين. ما الجدوى من قتل سفير الولايات المتحدة إذا كانت بلادنا حليفة لها؟ لما لا تُستخدم العواطف لخلق عملٍ سياسيّ تحت أرضي، يتمحور حول المقاطعة وعدم التطبيع مع من يقتل أطفالنا ومن يؤيده؟.
تحرير بلادنا العربية من عقود الوعي الانهزامي والوطنية القُطرية الانقسامية وطغيان نخبة سياسية رأسمالية متعطشة البترودولار، يجب أن تكون من أولويات الشعوب العربية وليس المغالاة والتعظيم بفيلمٍ لا قيمة له.
* ناشطة عربية مستقلة
طالبة دكتوراه في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن
نتالي أبو شقرا*
2012-09-14
ها نحن مجدّداً أمام مسلسل التظاهرات العنيفة ضدّ منتوجٍ غربيّ بمنتهى السفاهة، يسيء للاسلام و لنبيّه، وهو إعادةٌ لأحداث عامَيْ 2005/2006 حين قامت الاحتجاجات ضدّ الرسم الكاريكاتوري الذي نُشر في 30 سبتمبر 2005 في جريدة دنماركية.
ما جرى ليس بجديد، بل هو جزء من الحملة العنصرية الاستشراقية الحديثة المتغلغلة في وسط المجتمعات الغربية، وفي وسائل الإعلام الرئيسية الغربية ضدّ العرب والمسلمين، مثل قرار منع بناء المآذن في سويسرا، وحظر ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية، والاستمرار بتصوير العرب والمسلمين كأعداء الإنسانية، والمهووسين بالعنف والتعنيف، ويتّبعون اعتقادات وممارسات جنسية 'غريبة' (و هذا أكثر ما يتداوله الفيلم وبشكل بذيء). هذا واقع اعتاد عليه العرب في الشتات، خصوصاً الذين يتعرّضون للتمييز المتواصل على أساس العِرق والدِّين في الغرب، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر التي دفع ثمنها الأبرياء في العراق و في أفغانستان دماءً زكية، وعوقب عليها عِرقٌ بأكمله.
كانت ردّة الفعل الناتجة من الرسم الكاريكاتوري سابقاً عبارة عن تظاهرات عنيفة وحرق السفارات، وتفسير ذلك متّفق عليه، إذ أنّه نابع من الشعور بالإحباط المستمر وخيبة الأمل بالغرب وأفعاله، وردّات الفعل هذه، هي مَخرج ومفرّ من قمع الحكومات العربية حليفة الغرب الاستعماري، والهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية.
ولكن، أين كانت هذه الجماهير بعد غزو العراق عام 2003 وتدمير لبنان وقتل أبنائه في تموز/آب 2006؟ وفي فرض الحصار على غزّة، ثمّ قتل أكثر من 300 طفل خلال العدوان 'الإسرائيلي' الأخير؟.
هدف الفيلم واضحٌ، وهو استفزاز الجماهير العربية وحثّها على اتّباع سلوك متطرّف مثل قتل السفير الأميركي في بنغازي. وهذه فرصة انتهزتها الولايات المتحدة لإرسال فِرق الـ'مارينز' وقوّاتها الدفاعية إلى الأراضي الليبية، وتحويل الصراع إلى صراع عرقيّ ودينيّ وطائفيّ. ولكن، على المحتجّين والمتظاهرين الانتباه إلى أنّ السفير الأمريكي ليس من كَتب الفيلم وأنتجه أو أخرجه، بل إنّ المسؤول عنه هو المُخرج 'الإسرائيلي' والمستثمر العقاري (حكومة الاحتلال نفت ادّعائه هذا) سام باسيل الذي أصرّ أنّ غايته كانت 'فضح' الإسلام وإن 'الإسلام سرطان'.
الوطن العربي في 2012 ليس كما كان في 2005: الشعوب العربية ليست نفسها الشعوب المطيعة الراضخة لقرارات حكوماتها وأفعالها، هذه الحكومات الموالية للغرب الإمبريالي والمنقادة والمتذللة له، وهو (الغرب) الّذي تعوّد على التعامل معها.
إنّ توظيف هذه العاطفة في خلق ردّ فعل عنيف وحرق السفارات، يحول دون تحقيق نتائج نسعى إليها، وهي عاطفة يستغلها العدو المستعمر. فغزو العراق انطلق من بعض القواعد العربية، وقرار ضرب غزّة اتُّخذ من مصر بموافقة أبو الغيط. إن معارك المضطّهدين تتشابك ومن يناور بِاسمِ الدِّين، ويدغدغ مشاعر الجماهير الفقيرة، غير مكترث بواقع المواطن/ة العربي/ة ومستقبلهما، بل هدفه مصلحة جماعته.
هل سنسمح لفيلم مبتذل أن يصرف انتباهنا عن القِيم و المبادئ التي دفع ثمنها غالياً شبابنا في التحرير؟ هل نسينا السبب الذي أدّى بالبوعزيزي إلى إضرام النار في نفسه، وهو احتكار السلطة مصدر رزقه؟ هل نسينا أكثر من ستين ألف فلسطيني قتلوا منذ عام 1967 حتى الآن من أجل حقّهم في تحقيق المصير والعدالة؟ لنتمسك بشعار 'عيش- حرّيةـ كرامة إنسانيةـ عدالة اجتماعية' وننزل إلى الشارع بالوعي الثوريّ الذي بدأت الانتفاضات العربية به، ولنتحدّث بنفس الوجدان العربيّ الناصريّ الذي توجّ شعارات المتظاهرين. ما الجدوى من قتل سفير الولايات المتحدة إذا كانت بلادنا حليفة لها؟ لما لا تُستخدم العواطف لخلق عملٍ سياسيّ تحت أرضي، يتمحور حول المقاطعة وعدم التطبيع مع من يقتل أطفالنا ومن يؤيده؟.
تحرير بلادنا العربية من عقود الوعي الانهزامي والوطنية القُطرية الانقسامية وطغيان نخبة سياسية رأسمالية متعطشة البترودولار، يجب أن تكون من أولويات الشعوب العربية وليس المغالاة والتعظيم بفيلمٍ لا قيمة له.
* ناشطة عربية مستقلة
طالبة دكتوراه في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن