محسن ابراهيم المرير
04-01-2012, 09:40 PM
محطات في الذاكرة
بقلم الشيخ حواس شكر أحمد العاشج
بسم الله الرحمن الرحيم
في سابق العهد كان الشيخ احمد العاشج والشيخ محسن المرير رحمهم الله تربطهم أواصر المحبة والأخوة ، وكانت المودة بينهما قد وصلت الى ذروتها ، مما جعل بعض الناس يضربون بها مثلا ، وحين حدثت خلافات بين المرير وبعض أولاد عمومتنا في زمن بعيد وجد الشيخ محسن رحمه الله أن فرسان الدوايخ يحيطون به ويدافعون عنه لحين ماتم الصلح بينهم وهذه إحدى المواقف التي حصلت لأبين للقاريء مدى علاقة بيتنا مع بيت المرير حيث لايخفى أن هذين البيتين هما من أعرق بيوتات اللهيب مع ما ربطتهم أواصر المحبة وروابط العشائرية التي لازلنا متمسكين بها ليومنا هذا ، وبقيت العلاقة الطيبة تجمعنا حتى بعد رحيل الشيخ محسن والشيخ احمد العاشج رحمهما الله ثم إستمرت على عهد من جاء بعدهما من أولادهم وهم : الشيخ عبد محسن المرير والشيخ شكر احمد العاشج رحمه الله ..
وكانت الزيارات لاتنقطع بيننا في السراء والضراء ، وأثناء الحرب العراقية – الإيرانية ، بدأت تصقل معادن الرجال ، وحينها برز الشيخ ابراهيم حسين المرير ( أبو وضاح) وكان ضابطا في الجيش العراقي ، ولكونه من بيت قيادي في عشيرة اللهيب ، أصبح قائدا رغم حداثة سنه ، وكانت توكل إليه مهام كبار القادة ، لما شاهدت منه القيادة آنذاك من شجاعته وبسالته وعلو شأن هذا الرجل المتقد حماسا وغيرة على أرضه وبلاده ونيل الكرامة لأبناء وطنه ، ولم ينسى أنه من بيت عريق ، فقد كان له مضيف داخل ثكنته العسكرية ، يستقبل فيه الزائرين ومن يطلب منه المساعدة ، فكان حريصا على أن لايرد أحدا ، وكانت تأتيه كبار القادة ليتسامروا معه ويحتسوا القهوة العربية حتى في جبهات القتال ، وحين ينجلي الموقف يجلسون عنده ليزيحوا غبار هجوم أو معركة دحروا فيها العدو..
وكانت له مواقف مشرفة في الجيش العراقي الى أن أتى الإحتلال الأمريكي وكانت تلك نكبة على العراقيين بكل أطيافهم ، ومنهم ضباط الجيش العراقي ولكن لم يظهر حزنه أمام الناس حيث كان كثير المخالطة بالمجتمع ويحاول أن يجمع بينهم ويحل مشاكل المنطقة بإنصاف ويعطي كل ذي حق حقه ، ومن بعض هذه التي سعى بها ، كان خلاف قد حدث بيننا نحن بيت العاشج وعشيرة أخرى في ناحية القيارة ، وكنا مصممين على نزوح بيت صاحبه خارج حدود الناحية وفقا للأعراف العشائرية السائدة ، فإستجار به وإذا بأبو وضاح يلبي لهذا الرجل طلبه ويأتي الينا فجأة بوفد كبير من شيوخ القيارة وعلى رأسهم الشيخ عبد محسن المرير، ولمواقفه الطيبة لم نستطع رده فقبلنا الصلح وكان آنذاك والدي الشيخ شكر على قيد الحياة ، فقال بالحرف الواحد : أنت ومن معك لاترد دخالتكم حتى لو كان في ذلك عملية قتل وليس مشاجرة ، فحياكم الله ، فقبل الصلح لأن مكارم الأخلاق تحتم علينا هذا العمل مع هؤلاء الناس الأعزاء علينا ..
وقبل رحيله رحمه الله بأيام قليلة كنت في قضاء الشرقاط أنا والشيخ ابراهيم رحيل الصعب ، فإتّصلت به وأصر على مجيئي والشيخ ابراهيم ، فإستقبلنا إستقبالا حافلا وهو فرح ويضحك ، وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث وسأل عن أحوال أعمامه في الجزيرة التي بدأ واضحا شوقه إليهم وإلى مجالسهم وكأنه يعلم أنه سوف يفارقنا الى غير رجعة ، ويحاول أن يأخذ منا أكثر من أن يعطينا من الحديث ، وكأنه يريد أن يعرف كل مايدور حوله من أحوال الدنيا قبل أن يرحل رحلته الأخيرة ، ونظرا لمعرفة إبن العم ابراهيم رحيل بمحبة أبو وضاح بحبه للوطن والمواطن ، ألقى على مسامعنا قصيدة مؤثرة جدا مما جعل أبو وضاح رحمه الله يجهش بالبكاء بعد أن كان مسرورا جدا وفرحا بمقدمنا ، فأخذت منه هذه القصيدة ما أخذت من عبق الذكريات وبطولات الجيش العراقي في أوج تألقه وما أصبح عليه الآن ومن أوضاع هذا البلد الذي أصبح مطمع لكل من هب ودب ، فأثارت شجونه وأدمعت عيناه ، كأنه يقول أني مفارقكم لاحول لي ولاقوة ، وبدأ يوصينا بالتماسك وأن نكون يدا واحدة وعونا لبعضنا البعض فهذه معادن الرجال الأصلاء ، فودعناه على أمل لقاء قريب ، وكنا لانعلم أن القدر قد كتب موعد لقائه بربه عز وجل ، وأنّا لن نراه في هذه الدنيا ، فرحم الله أبو وضاح وأسكنه فسيح جناته ورزقه بدار خير من داره وصحبة خير من صحبته في الدنيا ، ويبقى أبو وضاح في ذاكرتنا وذاكرة الشرفاء وتبقى بطولاته ومآثره مفخرة لكل من يحاول أن ينصف الرجال الأصلاء ..
الشيخ : حواس شكر العاشج
قضاء الحضر – 19/4/2011
( رجل المواقف ..والمباديء التي لاتنسى – بقلم الشيخ نزار صالح الهندي )
بسم الله الرحمن الرحيم
لاشك أن الشيخ ابراهيم المرير ، رجل معروف وعلم لكل العشائر العربية ، وهو شخصية كفوءة في حياته العشائرية والعسكرية وشخصية تأريخية بكل معنى الكلمة ..
وإذا كانت هذه الكلمات القليلة هي مفتاح شخصيته وماتكلمت عنه وفي توصيفه لهو قليل ..قليل بحق إبن العائلة الأصيلة الشريفة ، كان مسار حياته نظيفا ناصعا مضمخا بنزاهة نادرة ، لايعرف الغش أو التلوّن في حياته العسكرية والمدنية ..
وبالنسبة لنا ( بيت هندي ) نعتبره علما من أعلام اللهيب ، ورمزا من رموزها خسرناه في لحظة كنّا نعده من الرجال الذين ستكتمل بهم مسيرة اللهيب ، بل أستطيع القول أن الكثير من العشائر خسرته لأنه كان من حصة الجميع ..
ذكرياتنا معه كثيرة ومواقفه معنا كبيرة ، خدم شطرا كبيرا من حياته العسكرية في محافظة ديالى وخاصة في جلولاء ، وكان ذلك دافعا له لإدامة صلة الرحم والتعرف على أبناء عمومته في تلك المناطق ، فكان بمجرد فراغه من واجبه العسكري يأتي الى مضايف عمامه ومعرفة أمورهم الحياتية ويتطارح معهم في الذكريات التاريخية والإجتماعية حتى أحبه الجميع ، وأصبح يشاركهم في مسراتهم وأحزانهم ، تقوده رغبة جامحة الى أن يصبح جزءا من ذكرياتهم ومشاركا لهم في حياتهم العشائرية ..
حقيقة وكما قلت الوصف بحقه قليل ، فهذا الرجل كان صادقا وشجاعا وكريما ولن ننسى نحن بيت هندي عند وفاة والدي الشيخ صالح الهندي عام 1998 جاء من وحدته العسكرية وكان آمر لواء في جلولاء ، وهو يحمل سلاحه ، وأخذ يطلق النار في الهواء بإنفعال الأبطال ، وكان هذا أمرا بالغ الخطورة عليه لكونه رجلا عسكريا ، فكيف يطلق النار في مثل هذا الموقف وفي جنازة عائلة أعدم عدد من شبابها ، لكن شجاعته أكبر من الخوف ، وصلة رحمه أعلى من الرتبة ، والمنصب ، والجاه ، وجرأته لاتحدّها القوانين ، ولن ننسى ذلك الموقف وهو يطلق النار وهو يحدو من شعر شقيقه عبدالمجيد حسين المرير:
يبو هندي الطّعن بالهيج عادات إلكم
شجعان بالموزمة محّد يعادلكم
عافت عيونه النوم كلمن يعاديكم
من حيث إنتو أل بنيتو مجدكم بالدم
أسود سادات تاطون المنايا دوم
ويبقى إسمكم علم مايندثر بالدم
وصفحات بأم العلى التاريخ عدّ إلكم
رحم الله الشيخ أبو وضاح ، الرجل ، والقائد العسكري ، والشيخ إبن العائلة العريقة ..
الشيخ نزار صالح الهندي
ديالى 8/4/2011
( ذكريات ومواقف عن أبو وضاح – بقلم فرحان ابراهيم سلمان الوكاع )
بسم الله الرحمن الرحيم
ان صدى الذكريات عن الشيخ ابراهيم حسين المرير تتزاحم بألم ونحن نتذكر مواقفه وبعض وميض الماضي الذي ذهب ولن يعود ..
ذلك الماضي الذي يحدثنا عن صلة الرحم التي تجمع عائلتي الوكاع والمرير ، فالشيخة رفعة المرير هي زوجة الشيخ سلمان الوكاع أي أن الشيخ محسن المرير وأشقائه حسين وعكاب هم أخوال والدي ، وجدتي حمدة سلمان الوكاع هي زوجة الشيخ حسين خلف المرير وأنجبت له الحاج ويس وخضير ، أما الشيخ ابو وضاح وأخوته فإخوالهم جبور الإمام ولكن كما قالت العرب ( خال الواحد خال الكل) ..
والشيخة عليه فرمان الوكاع هي زوجة عكاب خلف المرير وهي والدة الشيخة أم وضاح وأشقائها الآخرين ..
وهذه الدلالات التي قدمتها لصلة الرحم والقرابة التي تجمع عائلتينا ، أردت من خلالها أن أؤكد أن علاقتي مع أبو وضاح لها جذورا قديمة تعود لأكثر من مئة سنة وبالتالي فهي ليست علاقة عابرة ، بل معايشة وجدانية وتواصل أجيال ، وتمازج منذ الصبا عرفني وعرفته فيها وتبادلنا المواقف الإنسانية ..
فهذا الرجل الفذ عرفته جيدا من خلال دراستنا معا في ثأنوية القيارة ، فكان طالبا هادئا ، مقبول إجتماعيا بدرجة كبيرة ، فرض إحترامه على المدرسين بدون إستثناء وطيلة مدة دوامنا معا لم يؤنبه مدرسا أو يلفت نظره فقد كان عارفا لحدود نفسه صائنا لها من كل شائبة ، وعندما شب في الحياة كان سباقا الى فعل الخير وباحثا عن الطيبات والمكرمات يريد أن يترك بصمته في المجتمع وفي ساحة التاريخ ..
كثيرة هي مواقفه ووقفاته لكني سأذكر نتفا منها ، أتذكر أنه حضر مراسيم دفن والدتي عام 1998وشارك في مراسيم العزاء وأدى واجبه ، وكان يرى بنفسه الحشود الهائلة التي أتتنا ويبدو أنه أحس بهذا الزخم الجماهيري ومايمثله من إرهاق مادي ، إذ طرق باب الدار أحد أبنائه فإذا به يحمل ظرفا من والده وعندما فتحناه وجدنا بداخله مبلغا كبيرا من المال مساهمة منه رحمه الله وتعبيرا عن بعد نظره وإتساع أفق رؤيته الإنسانية ..
وموقف آخر ، حيث مرض والدي بشدة فكان أبو وضاح لاينقطع عن زيارته ورأى حالتي وأنا أداريه وكان وقتها يدرس في كلية الحرب ، ولما طالت فترة مرض الوالد إقترح أن نذهب معا الى أبو فلاح : حسن الزيدان رحمه الله الى قرية الحاج علي ، وقام بنخوة أبو فلاح من أجل نقلي الى مكان قريب من أهلي وفعلا تم ذلك فورا بما يعرف إداريا بالنقل بالأمرة ..
ان أفضال أبو وضاح لايمكن نسيانها أو تجاهلها وكان يعتز بنا ونعتز به وزياراتنا العائلية لاتنقطع وصلة رحمنا متواصلة وستبقى حتى بعد رحيله رحمه الله ..
كما كان متواصلا مع غيرنا من عوائل الجبور ، بل أن أحد أسباب نقله من الحرس الجمهوري هو علاقاته القوية مع أبناء الجبور ضباطا ومراتب ودفاعه عنهم وزياراته المتكررة للضلوعية والخرجة والحويجة ففي تلك المدن له علاقات متشعبة جدا جدا مع الجبور فيها ويقضي الكثير من وقته هناك ، وتربطه صله قوية باللواء الركن عامر شياع الجبوري ، وكان أبو وضاح مدافعا قويا وصلبا عن صلة الرحم والنسب المشترك بين الجبور واللهيب وشديد الإعتزاز بعمامه الجبور بدون تحفّظ وعلى رؤوس الأشهاد ..
كما كان صاحب شخصية قوية لاتلين وعلاقات إجتماعية هائلة يمكن لمسها من خلال الحشود الضخمة التي شاركت في مراسيم دفنه أو مراسيم العزاء من كل أنحاء العراق ..
كما لمستها ذات يوم حين دعانا الشيخ خالد أحمد صفوك الفيصل أحد شيوخ شمر الذي أقام لنا دعوة غذاء بمناسبة عيد الأضحى ورأيت كيف تحترم شمر وتجل هذا الرجل الفذ ، مثلما ذكر لي شخص أن الشيخ ضاري مشعان الفيصل وبعض شيوخ شمر في السعودية جاؤوا الى أهل الموصل ممن يؤدون العمرة يسألون هل معكم أحد من بيت المرير ..
وموقف آخر جرى لشقيقي الضابط موفق ، حيث ذهب الى الدكتور سبعاوي ابراهيم الحسن ، في دار إستراحته بالموصل وقدّم نفسه من بيت الوكاع وقال أن خالي هو الشيخ محسن المرير ، فأراد سبعاوي أن يتأكد من ذلك بطريقة ذكية فقال : المرير عندهم ( ضابط بتع ) أي شجاع وصارم وقوي ، فأجابه شقيقي موفق : نعم انه أبو وضاح ، فإبتسم سبعاوي وهزّ رأسه وقال : نعم انه أبو وضاح ابراهيم ..
وهذا يدل على قوة شخصيته رحمه الله وإحترام الآخرين له في الدولة وعلى أعلى المستويات
رحم الله أبو وضاح وأدخله فسيح جناته ..
العقيد
فرحان ابراهيم سلمان الوكاع
القيارة – قرية الحود
9/4/2011
رجل وتأريخ
( بقلم الشيخ الدكتور حسين يوسف محيميد آل زويد)
كان منذ صباه متطلعا الى المعالي والقيم السامية الرفيعة ، كيف لا وقد نشأ وترعرع في بيت يمثّل أحّد الأعمدة والدعامات والمثابات العالية في عشيرة اللهيب ، ومما زاد في إيقاد جذوة هذه المعاني في نفسه ، هي ، ملازمته لعمه الشيخ الجليل محسن خلف المرير رحمه الله .
وكان لايرتضي بأنصاف الحلول قاصدا الذرى في شبابه ، وكمثال على ذلك دخل كلية القوة الجوية آملا أن يكون أحّد صقور العراق ليحلّق في السماء في فضاء أرحب يناغي فيه تطلعاته وآماله ..
وبعد التخرج شاءت الصدف أن يتخرج بصيغة ضابط سيطرة جوية وليس طيارا ، فلم يستكن أو يهدأ له بال ، فسلك شتى السبل لتغيير صنفه الى ضابط درع في وقت كانت فيه تشتد ضراوة الحرب العراقية – الإيرانية ، وهذا يعني أنه سيكون في قلب المعارك ، فعل هذا في وقت كان فيه صنفه الأصلي في مأمن عن سوح الوغى ، لكنها الرجولة التي تأبى لصاحبها أن يقبل أن يكون متواريا عن الأنظار ..
وقد إلتقيت به في إحدى المرات وتحديدا في عام 1985 وكان يومها آمرا لإحدى كتائب اللواء المدرع العاشر في قاطع الطيب في العمارة ، حيث كنت أعمل مهندسا في المجهود الحربي ، والجهد الهندسي الداعم للقوات المسلحة في الحرب العراقية – الإيرانية ..
كان بطلا وليثا هصورا في المعارك ويكاد المرء يشعر في مقره بأنه دخل الى مضيف شيخ جليل حيث الدلال والقهوة وكرم الضيافة ، وكان عالي الهمة ، كبير النخوة ، كريما عزيزا ، يفوح بالشيمة والأصالة والشجاعة ..
وكان يحضى بإحترام وتقدير وتبجيل بين أبناء عشيرة اللهيب في كافة أماكن تواجدهم في العراق ، وله نفس الحظوة لدى أبناء القبائل الأخرى ..
ذلك هو الشيخ المبجّل ( ابراهيم الحسين الخلف المرير ) أبو وضاح رحمه الله وطيب ثراه .
الشيخ الدكتور
حسين يوسف محيميد الزويد
صلاح الدين – الشرقاط – قرية الحورية
بقلم الشيخ حواس شكر أحمد العاشج
بسم الله الرحمن الرحيم
في سابق العهد كان الشيخ احمد العاشج والشيخ محسن المرير رحمهم الله تربطهم أواصر المحبة والأخوة ، وكانت المودة بينهما قد وصلت الى ذروتها ، مما جعل بعض الناس يضربون بها مثلا ، وحين حدثت خلافات بين المرير وبعض أولاد عمومتنا في زمن بعيد وجد الشيخ محسن رحمه الله أن فرسان الدوايخ يحيطون به ويدافعون عنه لحين ماتم الصلح بينهم وهذه إحدى المواقف التي حصلت لأبين للقاريء مدى علاقة بيتنا مع بيت المرير حيث لايخفى أن هذين البيتين هما من أعرق بيوتات اللهيب مع ما ربطتهم أواصر المحبة وروابط العشائرية التي لازلنا متمسكين بها ليومنا هذا ، وبقيت العلاقة الطيبة تجمعنا حتى بعد رحيل الشيخ محسن والشيخ احمد العاشج رحمهما الله ثم إستمرت على عهد من جاء بعدهما من أولادهم وهم : الشيخ عبد محسن المرير والشيخ شكر احمد العاشج رحمه الله ..
وكانت الزيارات لاتنقطع بيننا في السراء والضراء ، وأثناء الحرب العراقية – الإيرانية ، بدأت تصقل معادن الرجال ، وحينها برز الشيخ ابراهيم حسين المرير ( أبو وضاح) وكان ضابطا في الجيش العراقي ، ولكونه من بيت قيادي في عشيرة اللهيب ، أصبح قائدا رغم حداثة سنه ، وكانت توكل إليه مهام كبار القادة ، لما شاهدت منه القيادة آنذاك من شجاعته وبسالته وعلو شأن هذا الرجل المتقد حماسا وغيرة على أرضه وبلاده ونيل الكرامة لأبناء وطنه ، ولم ينسى أنه من بيت عريق ، فقد كان له مضيف داخل ثكنته العسكرية ، يستقبل فيه الزائرين ومن يطلب منه المساعدة ، فكان حريصا على أن لايرد أحدا ، وكانت تأتيه كبار القادة ليتسامروا معه ويحتسوا القهوة العربية حتى في جبهات القتال ، وحين ينجلي الموقف يجلسون عنده ليزيحوا غبار هجوم أو معركة دحروا فيها العدو..
وكانت له مواقف مشرفة في الجيش العراقي الى أن أتى الإحتلال الأمريكي وكانت تلك نكبة على العراقيين بكل أطيافهم ، ومنهم ضباط الجيش العراقي ولكن لم يظهر حزنه أمام الناس حيث كان كثير المخالطة بالمجتمع ويحاول أن يجمع بينهم ويحل مشاكل المنطقة بإنصاف ويعطي كل ذي حق حقه ، ومن بعض هذه التي سعى بها ، كان خلاف قد حدث بيننا نحن بيت العاشج وعشيرة أخرى في ناحية القيارة ، وكنا مصممين على نزوح بيت صاحبه خارج حدود الناحية وفقا للأعراف العشائرية السائدة ، فإستجار به وإذا بأبو وضاح يلبي لهذا الرجل طلبه ويأتي الينا فجأة بوفد كبير من شيوخ القيارة وعلى رأسهم الشيخ عبد محسن المرير، ولمواقفه الطيبة لم نستطع رده فقبلنا الصلح وكان آنذاك والدي الشيخ شكر على قيد الحياة ، فقال بالحرف الواحد : أنت ومن معك لاترد دخالتكم حتى لو كان في ذلك عملية قتل وليس مشاجرة ، فحياكم الله ، فقبل الصلح لأن مكارم الأخلاق تحتم علينا هذا العمل مع هؤلاء الناس الأعزاء علينا ..
وقبل رحيله رحمه الله بأيام قليلة كنت في قضاء الشرقاط أنا والشيخ ابراهيم رحيل الصعب ، فإتّصلت به وأصر على مجيئي والشيخ ابراهيم ، فإستقبلنا إستقبالا حافلا وهو فرح ويضحك ، وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث وسأل عن أحوال أعمامه في الجزيرة التي بدأ واضحا شوقه إليهم وإلى مجالسهم وكأنه يعلم أنه سوف يفارقنا الى غير رجعة ، ويحاول أن يأخذ منا أكثر من أن يعطينا من الحديث ، وكأنه يريد أن يعرف كل مايدور حوله من أحوال الدنيا قبل أن يرحل رحلته الأخيرة ، ونظرا لمعرفة إبن العم ابراهيم رحيل بمحبة أبو وضاح بحبه للوطن والمواطن ، ألقى على مسامعنا قصيدة مؤثرة جدا مما جعل أبو وضاح رحمه الله يجهش بالبكاء بعد أن كان مسرورا جدا وفرحا بمقدمنا ، فأخذت منه هذه القصيدة ما أخذت من عبق الذكريات وبطولات الجيش العراقي في أوج تألقه وما أصبح عليه الآن ومن أوضاع هذا البلد الذي أصبح مطمع لكل من هب ودب ، فأثارت شجونه وأدمعت عيناه ، كأنه يقول أني مفارقكم لاحول لي ولاقوة ، وبدأ يوصينا بالتماسك وأن نكون يدا واحدة وعونا لبعضنا البعض فهذه معادن الرجال الأصلاء ، فودعناه على أمل لقاء قريب ، وكنا لانعلم أن القدر قد كتب موعد لقائه بربه عز وجل ، وأنّا لن نراه في هذه الدنيا ، فرحم الله أبو وضاح وأسكنه فسيح جناته ورزقه بدار خير من داره وصحبة خير من صحبته في الدنيا ، ويبقى أبو وضاح في ذاكرتنا وذاكرة الشرفاء وتبقى بطولاته ومآثره مفخرة لكل من يحاول أن ينصف الرجال الأصلاء ..
الشيخ : حواس شكر العاشج
قضاء الحضر – 19/4/2011
( رجل المواقف ..والمباديء التي لاتنسى – بقلم الشيخ نزار صالح الهندي )
بسم الله الرحمن الرحيم
لاشك أن الشيخ ابراهيم المرير ، رجل معروف وعلم لكل العشائر العربية ، وهو شخصية كفوءة في حياته العشائرية والعسكرية وشخصية تأريخية بكل معنى الكلمة ..
وإذا كانت هذه الكلمات القليلة هي مفتاح شخصيته وماتكلمت عنه وفي توصيفه لهو قليل ..قليل بحق إبن العائلة الأصيلة الشريفة ، كان مسار حياته نظيفا ناصعا مضمخا بنزاهة نادرة ، لايعرف الغش أو التلوّن في حياته العسكرية والمدنية ..
وبالنسبة لنا ( بيت هندي ) نعتبره علما من أعلام اللهيب ، ورمزا من رموزها خسرناه في لحظة كنّا نعده من الرجال الذين ستكتمل بهم مسيرة اللهيب ، بل أستطيع القول أن الكثير من العشائر خسرته لأنه كان من حصة الجميع ..
ذكرياتنا معه كثيرة ومواقفه معنا كبيرة ، خدم شطرا كبيرا من حياته العسكرية في محافظة ديالى وخاصة في جلولاء ، وكان ذلك دافعا له لإدامة صلة الرحم والتعرف على أبناء عمومته في تلك المناطق ، فكان بمجرد فراغه من واجبه العسكري يأتي الى مضايف عمامه ومعرفة أمورهم الحياتية ويتطارح معهم في الذكريات التاريخية والإجتماعية حتى أحبه الجميع ، وأصبح يشاركهم في مسراتهم وأحزانهم ، تقوده رغبة جامحة الى أن يصبح جزءا من ذكرياتهم ومشاركا لهم في حياتهم العشائرية ..
حقيقة وكما قلت الوصف بحقه قليل ، فهذا الرجل كان صادقا وشجاعا وكريما ولن ننسى نحن بيت هندي عند وفاة والدي الشيخ صالح الهندي عام 1998 جاء من وحدته العسكرية وكان آمر لواء في جلولاء ، وهو يحمل سلاحه ، وأخذ يطلق النار في الهواء بإنفعال الأبطال ، وكان هذا أمرا بالغ الخطورة عليه لكونه رجلا عسكريا ، فكيف يطلق النار في مثل هذا الموقف وفي جنازة عائلة أعدم عدد من شبابها ، لكن شجاعته أكبر من الخوف ، وصلة رحمه أعلى من الرتبة ، والمنصب ، والجاه ، وجرأته لاتحدّها القوانين ، ولن ننسى ذلك الموقف وهو يطلق النار وهو يحدو من شعر شقيقه عبدالمجيد حسين المرير:
يبو هندي الطّعن بالهيج عادات إلكم
شجعان بالموزمة محّد يعادلكم
عافت عيونه النوم كلمن يعاديكم
من حيث إنتو أل بنيتو مجدكم بالدم
أسود سادات تاطون المنايا دوم
ويبقى إسمكم علم مايندثر بالدم
وصفحات بأم العلى التاريخ عدّ إلكم
رحم الله الشيخ أبو وضاح ، الرجل ، والقائد العسكري ، والشيخ إبن العائلة العريقة ..
الشيخ نزار صالح الهندي
ديالى 8/4/2011
( ذكريات ومواقف عن أبو وضاح – بقلم فرحان ابراهيم سلمان الوكاع )
بسم الله الرحمن الرحيم
ان صدى الذكريات عن الشيخ ابراهيم حسين المرير تتزاحم بألم ونحن نتذكر مواقفه وبعض وميض الماضي الذي ذهب ولن يعود ..
ذلك الماضي الذي يحدثنا عن صلة الرحم التي تجمع عائلتي الوكاع والمرير ، فالشيخة رفعة المرير هي زوجة الشيخ سلمان الوكاع أي أن الشيخ محسن المرير وأشقائه حسين وعكاب هم أخوال والدي ، وجدتي حمدة سلمان الوكاع هي زوجة الشيخ حسين خلف المرير وأنجبت له الحاج ويس وخضير ، أما الشيخ ابو وضاح وأخوته فإخوالهم جبور الإمام ولكن كما قالت العرب ( خال الواحد خال الكل) ..
والشيخة عليه فرمان الوكاع هي زوجة عكاب خلف المرير وهي والدة الشيخة أم وضاح وأشقائها الآخرين ..
وهذه الدلالات التي قدمتها لصلة الرحم والقرابة التي تجمع عائلتينا ، أردت من خلالها أن أؤكد أن علاقتي مع أبو وضاح لها جذورا قديمة تعود لأكثر من مئة سنة وبالتالي فهي ليست علاقة عابرة ، بل معايشة وجدانية وتواصل أجيال ، وتمازج منذ الصبا عرفني وعرفته فيها وتبادلنا المواقف الإنسانية ..
فهذا الرجل الفذ عرفته جيدا من خلال دراستنا معا في ثأنوية القيارة ، فكان طالبا هادئا ، مقبول إجتماعيا بدرجة كبيرة ، فرض إحترامه على المدرسين بدون إستثناء وطيلة مدة دوامنا معا لم يؤنبه مدرسا أو يلفت نظره فقد كان عارفا لحدود نفسه صائنا لها من كل شائبة ، وعندما شب في الحياة كان سباقا الى فعل الخير وباحثا عن الطيبات والمكرمات يريد أن يترك بصمته في المجتمع وفي ساحة التاريخ ..
كثيرة هي مواقفه ووقفاته لكني سأذكر نتفا منها ، أتذكر أنه حضر مراسيم دفن والدتي عام 1998وشارك في مراسيم العزاء وأدى واجبه ، وكان يرى بنفسه الحشود الهائلة التي أتتنا ويبدو أنه أحس بهذا الزخم الجماهيري ومايمثله من إرهاق مادي ، إذ طرق باب الدار أحد أبنائه فإذا به يحمل ظرفا من والده وعندما فتحناه وجدنا بداخله مبلغا كبيرا من المال مساهمة منه رحمه الله وتعبيرا عن بعد نظره وإتساع أفق رؤيته الإنسانية ..
وموقف آخر ، حيث مرض والدي بشدة فكان أبو وضاح لاينقطع عن زيارته ورأى حالتي وأنا أداريه وكان وقتها يدرس في كلية الحرب ، ولما طالت فترة مرض الوالد إقترح أن نذهب معا الى أبو فلاح : حسن الزيدان رحمه الله الى قرية الحاج علي ، وقام بنخوة أبو فلاح من أجل نقلي الى مكان قريب من أهلي وفعلا تم ذلك فورا بما يعرف إداريا بالنقل بالأمرة ..
ان أفضال أبو وضاح لايمكن نسيانها أو تجاهلها وكان يعتز بنا ونعتز به وزياراتنا العائلية لاتنقطع وصلة رحمنا متواصلة وستبقى حتى بعد رحيله رحمه الله ..
كما كان متواصلا مع غيرنا من عوائل الجبور ، بل أن أحد أسباب نقله من الحرس الجمهوري هو علاقاته القوية مع أبناء الجبور ضباطا ومراتب ودفاعه عنهم وزياراته المتكررة للضلوعية والخرجة والحويجة ففي تلك المدن له علاقات متشعبة جدا جدا مع الجبور فيها ويقضي الكثير من وقته هناك ، وتربطه صله قوية باللواء الركن عامر شياع الجبوري ، وكان أبو وضاح مدافعا قويا وصلبا عن صلة الرحم والنسب المشترك بين الجبور واللهيب وشديد الإعتزاز بعمامه الجبور بدون تحفّظ وعلى رؤوس الأشهاد ..
كما كان صاحب شخصية قوية لاتلين وعلاقات إجتماعية هائلة يمكن لمسها من خلال الحشود الضخمة التي شاركت في مراسيم دفنه أو مراسيم العزاء من كل أنحاء العراق ..
كما لمستها ذات يوم حين دعانا الشيخ خالد أحمد صفوك الفيصل أحد شيوخ شمر الذي أقام لنا دعوة غذاء بمناسبة عيد الأضحى ورأيت كيف تحترم شمر وتجل هذا الرجل الفذ ، مثلما ذكر لي شخص أن الشيخ ضاري مشعان الفيصل وبعض شيوخ شمر في السعودية جاؤوا الى أهل الموصل ممن يؤدون العمرة يسألون هل معكم أحد من بيت المرير ..
وموقف آخر جرى لشقيقي الضابط موفق ، حيث ذهب الى الدكتور سبعاوي ابراهيم الحسن ، في دار إستراحته بالموصل وقدّم نفسه من بيت الوكاع وقال أن خالي هو الشيخ محسن المرير ، فأراد سبعاوي أن يتأكد من ذلك بطريقة ذكية فقال : المرير عندهم ( ضابط بتع ) أي شجاع وصارم وقوي ، فأجابه شقيقي موفق : نعم انه أبو وضاح ، فإبتسم سبعاوي وهزّ رأسه وقال : نعم انه أبو وضاح ابراهيم ..
وهذا يدل على قوة شخصيته رحمه الله وإحترام الآخرين له في الدولة وعلى أعلى المستويات
رحم الله أبو وضاح وأدخله فسيح جناته ..
العقيد
فرحان ابراهيم سلمان الوكاع
القيارة – قرية الحود
9/4/2011
رجل وتأريخ
( بقلم الشيخ الدكتور حسين يوسف محيميد آل زويد)
كان منذ صباه متطلعا الى المعالي والقيم السامية الرفيعة ، كيف لا وقد نشأ وترعرع في بيت يمثّل أحّد الأعمدة والدعامات والمثابات العالية في عشيرة اللهيب ، ومما زاد في إيقاد جذوة هذه المعاني في نفسه ، هي ، ملازمته لعمه الشيخ الجليل محسن خلف المرير رحمه الله .
وكان لايرتضي بأنصاف الحلول قاصدا الذرى في شبابه ، وكمثال على ذلك دخل كلية القوة الجوية آملا أن يكون أحّد صقور العراق ليحلّق في السماء في فضاء أرحب يناغي فيه تطلعاته وآماله ..
وبعد التخرج شاءت الصدف أن يتخرج بصيغة ضابط سيطرة جوية وليس طيارا ، فلم يستكن أو يهدأ له بال ، فسلك شتى السبل لتغيير صنفه الى ضابط درع في وقت كانت فيه تشتد ضراوة الحرب العراقية – الإيرانية ، وهذا يعني أنه سيكون في قلب المعارك ، فعل هذا في وقت كان فيه صنفه الأصلي في مأمن عن سوح الوغى ، لكنها الرجولة التي تأبى لصاحبها أن يقبل أن يكون متواريا عن الأنظار ..
وقد إلتقيت به في إحدى المرات وتحديدا في عام 1985 وكان يومها آمرا لإحدى كتائب اللواء المدرع العاشر في قاطع الطيب في العمارة ، حيث كنت أعمل مهندسا في المجهود الحربي ، والجهد الهندسي الداعم للقوات المسلحة في الحرب العراقية – الإيرانية ..
كان بطلا وليثا هصورا في المعارك ويكاد المرء يشعر في مقره بأنه دخل الى مضيف شيخ جليل حيث الدلال والقهوة وكرم الضيافة ، وكان عالي الهمة ، كبير النخوة ، كريما عزيزا ، يفوح بالشيمة والأصالة والشجاعة ..
وكان يحضى بإحترام وتقدير وتبجيل بين أبناء عشيرة اللهيب في كافة أماكن تواجدهم في العراق ، وله نفس الحظوة لدى أبناء القبائل الأخرى ..
ذلك هو الشيخ المبجّل ( ابراهيم الحسين الخلف المرير ) أبو وضاح رحمه الله وطيب ثراه .
الشيخ الدكتور
حسين يوسف محيميد الزويد
صلاح الدين – الشرقاط – قرية الحورية