محسن ابراهيم المرير
04-01-2012, 09:33 PM
ذكريات المهندس : جمال صالح اللهيبي من الانبار /حصيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وآله وصحبه وبعد :
حاولت في هذه الأوراق والسطور القليلة أن أوضّح لمحات عن علاقتي وماربطني من صداقة حميمة مع أعز إنسان على قلبي ألا وهو الشيخ ابراهيم حسين المرير رحمه الله ، بدأتها في محطة ذكرياتي منذ اللحظة الأولى لمعرفتي به وذهابي معه الى عمامي في الجرناف ومجالستي للشيخ محسن المرير رحمه الله ..
كذلك تضمّنت بعض ما أحفظ من قصائد قيلت في حق ذلك الشخص الذي يعجز الإنسان أن يفيه حقه بلسانه أو بقلمه ، وأن يسطر كل مآثره وصفاته الشخصية ..
ليعذرني قلمي وفكري ، وأعترف بالعجز عن إيفائه كافة صفاته الحميدة التي كان يتّصف بها ولم يجود إلاّ بالنزر اليسير من تلك الصفات التي تمثّلت بالشجاعة والكرم والنخوة اليعربية وإستبساله في سوح الوغى ..
رحم الله ذلك الشيخ وأسكنه فسيح جناته وتجاوز عن خطاياه ، وعهدا لمن سيقرأ هذه الذكريات أني لن أنسى الصداقة والأخوة معه ..
( الإهداء )
إيفاءا مني للعهد الذي قطعته على نفسي معكم ، أهدي هذا الجهد المتواضع الى :
• روح من عرفته في أحلك الظروف .ِ
• روح من عرفته يعتز بنسبه ويبحث عن أطرافه .
• روح من عرفته سوح الوغى قائدا ملهما .
• روح من عرفته العشائر والدواوين العربية .
• روح من عرفته الشجاعة وعرفه الكرم .
• روح ابن عمي وصديقي ابراهيم المرير اللهيبي .
• روح الفارس الدرع وقائد الجند والكتائب الشجاعة .
والله من وراء القصد
رئيس المهندسين الزراعيين
جمال صالح غريب اللهيبي
2011 – الرمادي - حصيبة
( بعض ذكرياتي عن الشيخ ابراهيم المرير رحمه الله )
في العام 1983 أنهيت دراستي الجامعية وإلتحقت بالجيش ، وفي ذلك العام كذلك شيّد لنا والدي رحمه الله ، دارا وأراد (صبّ) سقفها ، وطلب مني أن أكون حاضرا في ذلك اليوم لغرض مرافقة العمال وإجراء القياسات ..
فقلت له ليس لديّ إجازة في ذلك اليوم الذي سيصادف صب البيت ، وعندما ألحّ والدي قلت له : ان جارنا هو ضابط ووحدته العسكرية قريبة من الوحدة التي أخدم فيها ، إذهب إليه وإطلب منه أن يحصل لي على إجازة ..
وبالفعل ذهب إليه ورجاه أن يفعل مايمكنني من العودة الى البيت في اليوم المعيّن ، فقال له جارنا الضابط : ابشر يا أبو جمال ، وعندما إستفسر منه عن اليوم الموعود بالضبط قال له والدي ، انه يوم الاثنين ، فأجابه الضابط قائلا : إنشاء الله جمال يأتيك مجازا يوم الأحد ، وفعلا إلتقت يوم الجمعة وإنتظرت لغاية يوم الأحد ، وكان الدوام في الجيش ينتهي الساعة الثانية بعد الظهر ..
وإنتظرت حتى الساعة الواحدة ولكن دون جدوى ، فذهبت الى جارنا الضابط ، وقلت له : هل نسيت الموعد ؟ . فقال لي لا والله لكن الضباط الذين عندكم في وحدتكم العسكرية ولي معرفة بهم ، البعض منهم مجاز حاليا والبعض ذهبوا في إيفادات رسمية ، أما البقية فلم أعرف منهم أحدا ، فقلت له قبل يومين جاءنا ضابط جديد بنفس رتبتك من أهالي الشرقاط ، ويظهر أنه إبن عرب وذو شخصية عربية قوية ، فقال لي ما إسمه ؟ . قلت له : إسمه ابراهيم ..
فإتّصل به وتعارفا ، وشاءت الصدفة أن يكونا من نفس الدورة والصنف العسكري ، فرحّب ابراهيم أجمل ترحيب ، وقال له جارنا ان إبن عمي ( وكان جرنا دليمي) عندكم وأرجو أن تعطيه إجازة لأني وعدت والده بذلك ، فقال ابراهيم : إبشر إنته ويّاه ، ثم أردف قائلا : إرسله لي فورا ..
فجئت الى وحدتي ودخلت غرفة ابراهيم فرأيته شابا ، أسمرا طويلا ، ينبض حيوية وشجاعة ، وشخصية قوية تنم على أنه إبن عرب وعشائر ، عرفت ذلك من خلال ديثه وإستقباله لي وكان في تلك اللحظة واقفا ، وبالقرب منه يجلس ضابطا آخرا أقل رتبة منه ..
وبعد السلام قلت له : سيدي أنا الذي أرسلني إليك الضابط ....، فقال لي : إبشر سأعطيك ثلاثة أيام ، فقلت له : سيدي إنها لاتكفي لأن بيتي بعيد المسافة ، فقال لي : أين أهلك ؟ فقلت له : في حصيبة ( قضاء القائم) . فقال لي أنت دليمي ؟ . قلت له : نعم سيدي ( لأن ذلك الضابط الدليمي قال انه ابن عمي ) . فقال ابراهيم بلهجة عشائرية : مادام إنت دليمي فهذا الضابط الذي جالس بالقرب مني دليمي وإنته إبن عمه فهو يعطيك إجازة أما أنا ( فشعليّ ) أي ليس لي دخل في الموضوع ..
وعلى الفور أجابه ذلك الضابط الدليمي : سيدي من يكول ( يقول) مايطلع إلهيبي من كرايبك ( أقرباءك ) !! . فقلت لإبراهيم : سيدي إنته لهيبي ؟ . فقال : نعم ، فقلت له آني إبن عمّك لهيبي .
فقال ضاحكا : ها سوّيت نفسك لهيبي حتى تحصل على إجازة ، فقلت له : لا والله ، حتى الإجازة ماريدها ، الحمد لله أنني وجدت ابن عم مثلك ..
فقال من أي لهيب انت !؟..قلت له : من لهيب الدوايخ ويقال لنا في حصيبة البوعذيّة ، وأقاربي بالقرب منكم وأمد العاشج شاهد على ذلك ..فإنتفض والغيرة صعدت في رأسه ، وقال بصوت عالي : ابشر والخاطر أبو شكيّر عين عيونك ، وأعطاني إجازة طويلة ، وقال أنا وعمامي لن نتسى ذلك الموقف لأبو شكيّر عندما جاء إلينا هو وجماعته بالسلاح والسيارات ينتخي عندما حدثت معركة بيننا وبين إحدى العشائر .
دامت المعرفة والصداقة بيننا مايقارب السّنة ، لم أداوم خلالها في وحدتي العسكرية ، يعطيني إجازة وفي نفس اليوم الذي ألتحق به يرجعني الى البيت مجازا مرّة أخرى ..
وفي إحدى المرات ، إلتحقت وذهبت أسلّم عليه وبعد السلام ، قال لي : هل تريد الذهاب الى أهلك اليوم ؟ . فقلت له : الأهل ماينكرهون ، فقال لي : هذا الإسبوع لن تذهب الى أهلك ، فحسبته مازحا ، لكنه كان جدّيا ومصّرا على كلامه ، فقلت له : أمرك .
لكنه سرعان ماقال لي : أنا مجاز يوم غد إنشاء الله ، وأريدك أن تذهب معي الى أهلي لكي تتعرف على عمامك اللهيب ، حقيقة تثاقلت الأمر في البداية لكنه أصرّ على ذلك ، وحاولت الإعتذار عدة مرات فقال لي : جمال هذا أمر عسكري يجب تنفيذه ، قلت له : أمرك سيدي ..
قال لي : ان فلان عسكري أيضا وهو من أهالي مدينة بيجي وعنده سيارة وهو الذي سيوصلنا الى منطقة الجرناف بالشرقاط .
وبعد العشاء يرجع الى أهله في بيجي وأنت ترجع معه مباشرة الى الكراج وتروح لأهلك ، وفي اليوم الثاني سافرنا معا مع ذلك الشخص بسيارته ..
عندما وصلنا الى بيت ابراهيم ، خلعنا ملابسنا العسكرية وأضر لي ملابسا مدنية ، وكان إستقبالا افلا من أهله وإخوته ، كرما وجودا وترحيبا لاينقطع وكأني أعرفهم منذ سنين خلت ، حتى أن لساني ليعجز عن وصف ذلك الموقف لما فيه من حفاوة وترحيب ..
وبعد أن تناولت الطعام معه ذهبنا الى ديوان عمه ( رمه الله) الشيخ محسن المرير ، وإذا به ذلك الشخص الوقور ومجلسه ممتليء برجال اللهيب من أولاد عمومته وأبنائه وأبنائهم ، فعرّفني بهم وسط عبارات الترحيب ، وبدأنا نتسامر بالكصيد وأمور البدو والعشائر ..
الشيخ محسن ذو شخصية قوية ويتكلم بصوت مرتفع وعندما يتكلم لايستطيع أحد من الجالسين أن يتكلم بأي كلمة إحتراما له ، وكان رحمه الله جالسا في الصف الذي أمامي فهو يتكلم بقصة وأردّ عليه بقصة أخرى ..
كان ابراهيم جالسا بالقرب مني على يميني ، وعلى يمينه أبناء عمومته ، وعندما بدأت أجاوب الشيخ محسن بالكصيد كان عمري آنذاك (23 عاما ) فقط ، وبدأ أبناء عم ابراهيم يتكلمون معه بصوت منخفض جدا ، وإنتبهت الى كلامهم ، فأدار ابراهيم وجهه نحوي وقال : لاتخاف من كلامهم ، ( كنت خائفا من أنهم إنتقدوني ) .
قال لي : انهم يقول عنك ( خاف هذا شايب ويصبغ ) ، أي أنه رجل كبير السن ولكنه يصبغ شعره سودا ليبدو أصغر من عمره ، لأن كلامه بأمور العشائر والكصيد لاينطبق مع عمره .
إنتهت ( الجلسة) في مضيف الشيخ محسن في الساعة الثانية عشرة مساءا ، وعندما أراد صاحب السيارة الذي جاء معنا أن يرجع الى أهله في بيجي ، قمت بتجهيز نفسي للعودة معه ومن ثم الذهاب الى أهلي حسب الإتفاق مع ابراهيم ، وأردت النهوض ، لكن ابراهيم سرعان ماقال للجالسين : آني الذي عليّ انني جلبت لكم ابن عمكم الى هنا وتعرفتم عليه وتعرف عليكم وهو الآن يريد ان يذهب حسب الإتفاق بيني وبينه ..
وعلى الفور أجاب الشيخ محسن رحمه الله (( والله يابه ماتروح حتى تنتهي إجازة ابراهيم خليّنا أنشوفك ونتعرّف عليك أكثر )) ..
وبقيت عندهم تى إنتهت إجازة ابراهيم ورجعنا الى المعسكر سوية وفي نفس اللحظة التي دخلنا سويّة الى غرفة ابراهيم أخرج نموذجا وأعطاني إجازة وقال إذهب في نفس الليل الى أهلك .
في جلسة جمعتني مع الأخ والصديق وإبن العم ابراهيم المرير رحمه الله سألته سؤالا ، قلت له : أبو وضاح لماذا أصبحت ضابطا في الجيش ، هل هي رغبة منك ؟..
أجابني : كنت في الثأنوية ( الاعدادية) طالبا مجتهدا وذكيا ، ولكنني رسمت لنفسي هدفا واضحا منذ مراحل دراستي المبكرة ، وهو أن أصبح طيارا . قلت له لماذا طيارا بالذات يا أبا وضاح ؟ . فقال لي رحمه الله : منذ الصغر سمعت بيتا من الكصيد البدوي أظنه لإبن سعود لم أحفظ منه إلاّ مقعا واحدا وهو ( تلغشوهن يبن مسعود جهال ) ، وكان هدفي بعد التخرج أن أدخل كلية القوة الجوية ، وفعلا تحققّت أمنيتي ودخلت الكلية ، ولكن إرادة الله كانت أكبر من إرادة الإنسان ، حيث حدث لي عائقا أثناء التدريب حال دون إكمالي لبقية مشواري في كلية القوة الجوية ، وتم تحويلي الى الكلية العسكرية وأصبحت ضابطا كما ترى ..
( انني وأنا أكتب هذه الذكريات لابد أن أقول كلمتي أمام الله والتاريخ بحق ذلك الرجل الشجاع ، كما رأيته وعايشته عن كثب )..
والله لمست منه كل مايمت الى صفات الضابط الحقيقي ، من شجاعة متناهية وإخلاص وتفاني في أداء الواجب وقوة شخصية عالية ، وهذا أهّله أن يكون محترما جدا من معيّته وكذلك الضبّاط الذين هم أعلى منه رتبة ، وكانت كلمته مسموعة ويقدّره الجميع ، فهو جامع بين العسكرية بحذافيرها والعشائرية وماتفرزه من أخلاق وقيم متممة للشخصية العسكرية ، وعرفت أنه إبن دواوين وذو تربية وسلوك الرجال الأقوياء الأشدّاء وما يتّصفون به من كرم ودماثة خلق ونخوة وغيرة وغيرها من الصفات العربية وخصائلهم وأخلاقهم الرفيعة الحميدة .
وأنا أسرد هذه الذكريات لابد أن أذكر أن أخباره إنقطعت عني لفترة طويلة حتى العام 1991 ، ففي ذلك العام جاءني أحد الأصدقاء وهو ضابط وجار لي وقال : ابراهيم المرير يسلّم عليك . قلت له : من أين تعرفه وأين رأيته ؟ . قال لي: انه آمر كتيبة في منطقة الراشدية قرب بغداد ، وهو بالقرب منّي ويوميا أذهب إليه أشرب القهوة العربية عنده ..
وبدأ جاري يتكلّم عنه بفخر وإعتزاز مثنيا على شجاعته وأخلاقه ، وكان الجالسين معي هم مجموعة من أبناء عشيرة الدليم ، لحظتها أحسست بالفخر والنشوة وعلو الهامة ورفعة الرأس ، حينما بدأ ذلك الضابط المنصف يمتدح صفات أبو وضاح رحمه الله …
وعندما أراد جاري الإلتحاق أرسلت معه لأبو وضاح سلام ورسالة ، متضمّنة كصيدة ( قصيدة ) بدوية ، وطلبت منه فيها أن يزورنا في حصيبة ، وقلت في
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وآله وصحبه وبعد :
حاولت في هذه الأوراق والسطور القليلة أن أوضّح لمحات عن علاقتي وماربطني من صداقة حميمة مع أعز إنسان على قلبي ألا وهو الشيخ ابراهيم حسين المرير رحمه الله ، بدأتها في محطة ذكرياتي منذ اللحظة الأولى لمعرفتي به وذهابي معه الى عمامي في الجرناف ومجالستي للشيخ محسن المرير رحمه الله ..
كذلك تضمّنت بعض ما أحفظ من قصائد قيلت في حق ذلك الشخص الذي يعجز الإنسان أن يفيه حقه بلسانه أو بقلمه ، وأن يسطر كل مآثره وصفاته الشخصية ..
ليعذرني قلمي وفكري ، وأعترف بالعجز عن إيفائه كافة صفاته الحميدة التي كان يتّصف بها ولم يجود إلاّ بالنزر اليسير من تلك الصفات التي تمثّلت بالشجاعة والكرم والنخوة اليعربية وإستبساله في سوح الوغى ..
رحم الله ذلك الشيخ وأسكنه فسيح جناته وتجاوز عن خطاياه ، وعهدا لمن سيقرأ هذه الذكريات أني لن أنسى الصداقة والأخوة معه ..
( الإهداء )
إيفاءا مني للعهد الذي قطعته على نفسي معكم ، أهدي هذا الجهد المتواضع الى :
• روح من عرفته في أحلك الظروف .ِ
• روح من عرفته يعتز بنسبه ويبحث عن أطرافه .
• روح من عرفته سوح الوغى قائدا ملهما .
• روح من عرفته العشائر والدواوين العربية .
• روح من عرفته الشجاعة وعرفه الكرم .
• روح ابن عمي وصديقي ابراهيم المرير اللهيبي .
• روح الفارس الدرع وقائد الجند والكتائب الشجاعة .
والله من وراء القصد
رئيس المهندسين الزراعيين
جمال صالح غريب اللهيبي
2011 – الرمادي - حصيبة
( بعض ذكرياتي عن الشيخ ابراهيم المرير رحمه الله )
في العام 1983 أنهيت دراستي الجامعية وإلتحقت بالجيش ، وفي ذلك العام كذلك شيّد لنا والدي رحمه الله ، دارا وأراد (صبّ) سقفها ، وطلب مني أن أكون حاضرا في ذلك اليوم لغرض مرافقة العمال وإجراء القياسات ..
فقلت له ليس لديّ إجازة في ذلك اليوم الذي سيصادف صب البيت ، وعندما ألحّ والدي قلت له : ان جارنا هو ضابط ووحدته العسكرية قريبة من الوحدة التي أخدم فيها ، إذهب إليه وإطلب منه أن يحصل لي على إجازة ..
وبالفعل ذهب إليه ورجاه أن يفعل مايمكنني من العودة الى البيت في اليوم المعيّن ، فقال له جارنا الضابط : ابشر يا أبو جمال ، وعندما إستفسر منه عن اليوم الموعود بالضبط قال له والدي ، انه يوم الاثنين ، فأجابه الضابط قائلا : إنشاء الله جمال يأتيك مجازا يوم الأحد ، وفعلا إلتقت يوم الجمعة وإنتظرت لغاية يوم الأحد ، وكان الدوام في الجيش ينتهي الساعة الثانية بعد الظهر ..
وإنتظرت حتى الساعة الواحدة ولكن دون جدوى ، فذهبت الى جارنا الضابط ، وقلت له : هل نسيت الموعد ؟ . فقال لي لا والله لكن الضباط الذين عندكم في وحدتكم العسكرية ولي معرفة بهم ، البعض منهم مجاز حاليا والبعض ذهبوا في إيفادات رسمية ، أما البقية فلم أعرف منهم أحدا ، فقلت له قبل يومين جاءنا ضابط جديد بنفس رتبتك من أهالي الشرقاط ، ويظهر أنه إبن عرب وذو شخصية عربية قوية ، فقال لي ما إسمه ؟ . قلت له : إسمه ابراهيم ..
فإتّصل به وتعارفا ، وشاءت الصدفة أن يكونا من نفس الدورة والصنف العسكري ، فرحّب ابراهيم أجمل ترحيب ، وقال له جارنا ان إبن عمي ( وكان جرنا دليمي) عندكم وأرجو أن تعطيه إجازة لأني وعدت والده بذلك ، فقال ابراهيم : إبشر إنته ويّاه ، ثم أردف قائلا : إرسله لي فورا ..
فجئت الى وحدتي ودخلت غرفة ابراهيم فرأيته شابا ، أسمرا طويلا ، ينبض حيوية وشجاعة ، وشخصية قوية تنم على أنه إبن عرب وعشائر ، عرفت ذلك من خلال ديثه وإستقباله لي وكان في تلك اللحظة واقفا ، وبالقرب منه يجلس ضابطا آخرا أقل رتبة منه ..
وبعد السلام قلت له : سيدي أنا الذي أرسلني إليك الضابط ....، فقال لي : إبشر سأعطيك ثلاثة أيام ، فقلت له : سيدي إنها لاتكفي لأن بيتي بعيد المسافة ، فقال لي : أين أهلك ؟ فقلت له : في حصيبة ( قضاء القائم) . فقال لي أنت دليمي ؟ . قلت له : نعم سيدي ( لأن ذلك الضابط الدليمي قال انه ابن عمي ) . فقال ابراهيم بلهجة عشائرية : مادام إنت دليمي فهذا الضابط الذي جالس بالقرب مني دليمي وإنته إبن عمه فهو يعطيك إجازة أما أنا ( فشعليّ ) أي ليس لي دخل في الموضوع ..
وعلى الفور أجابه ذلك الضابط الدليمي : سيدي من يكول ( يقول) مايطلع إلهيبي من كرايبك ( أقرباءك ) !! . فقلت لإبراهيم : سيدي إنته لهيبي ؟ . فقال : نعم ، فقلت له آني إبن عمّك لهيبي .
فقال ضاحكا : ها سوّيت نفسك لهيبي حتى تحصل على إجازة ، فقلت له : لا والله ، حتى الإجازة ماريدها ، الحمد لله أنني وجدت ابن عم مثلك ..
فقال من أي لهيب انت !؟..قلت له : من لهيب الدوايخ ويقال لنا في حصيبة البوعذيّة ، وأقاربي بالقرب منكم وأمد العاشج شاهد على ذلك ..فإنتفض والغيرة صعدت في رأسه ، وقال بصوت عالي : ابشر والخاطر أبو شكيّر عين عيونك ، وأعطاني إجازة طويلة ، وقال أنا وعمامي لن نتسى ذلك الموقف لأبو شكيّر عندما جاء إلينا هو وجماعته بالسلاح والسيارات ينتخي عندما حدثت معركة بيننا وبين إحدى العشائر .
دامت المعرفة والصداقة بيننا مايقارب السّنة ، لم أداوم خلالها في وحدتي العسكرية ، يعطيني إجازة وفي نفس اليوم الذي ألتحق به يرجعني الى البيت مجازا مرّة أخرى ..
وفي إحدى المرات ، إلتحقت وذهبت أسلّم عليه وبعد السلام ، قال لي : هل تريد الذهاب الى أهلك اليوم ؟ . فقلت له : الأهل ماينكرهون ، فقال لي : هذا الإسبوع لن تذهب الى أهلك ، فحسبته مازحا ، لكنه كان جدّيا ومصّرا على كلامه ، فقلت له : أمرك .
لكنه سرعان ماقال لي : أنا مجاز يوم غد إنشاء الله ، وأريدك أن تذهب معي الى أهلي لكي تتعرف على عمامك اللهيب ، حقيقة تثاقلت الأمر في البداية لكنه أصرّ على ذلك ، وحاولت الإعتذار عدة مرات فقال لي : جمال هذا أمر عسكري يجب تنفيذه ، قلت له : أمرك سيدي ..
قال لي : ان فلان عسكري أيضا وهو من أهالي مدينة بيجي وعنده سيارة وهو الذي سيوصلنا الى منطقة الجرناف بالشرقاط .
وبعد العشاء يرجع الى أهله في بيجي وأنت ترجع معه مباشرة الى الكراج وتروح لأهلك ، وفي اليوم الثاني سافرنا معا مع ذلك الشخص بسيارته ..
عندما وصلنا الى بيت ابراهيم ، خلعنا ملابسنا العسكرية وأضر لي ملابسا مدنية ، وكان إستقبالا افلا من أهله وإخوته ، كرما وجودا وترحيبا لاينقطع وكأني أعرفهم منذ سنين خلت ، حتى أن لساني ليعجز عن وصف ذلك الموقف لما فيه من حفاوة وترحيب ..
وبعد أن تناولت الطعام معه ذهبنا الى ديوان عمه ( رمه الله) الشيخ محسن المرير ، وإذا به ذلك الشخص الوقور ومجلسه ممتليء برجال اللهيب من أولاد عمومته وأبنائه وأبنائهم ، فعرّفني بهم وسط عبارات الترحيب ، وبدأنا نتسامر بالكصيد وأمور البدو والعشائر ..
الشيخ محسن ذو شخصية قوية ويتكلم بصوت مرتفع وعندما يتكلم لايستطيع أحد من الجالسين أن يتكلم بأي كلمة إحتراما له ، وكان رحمه الله جالسا في الصف الذي أمامي فهو يتكلم بقصة وأردّ عليه بقصة أخرى ..
كان ابراهيم جالسا بالقرب مني على يميني ، وعلى يمينه أبناء عمومته ، وعندما بدأت أجاوب الشيخ محسن بالكصيد كان عمري آنذاك (23 عاما ) فقط ، وبدأ أبناء عم ابراهيم يتكلمون معه بصوت منخفض جدا ، وإنتبهت الى كلامهم ، فأدار ابراهيم وجهه نحوي وقال : لاتخاف من كلامهم ، ( كنت خائفا من أنهم إنتقدوني ) .
قال لي : انهم يقول عنك ( خاف هذا شايب ويصبغ ) ، أي أنه رجل كبير السن ولكنه يصبغ شعره سودا ليبدو أصغر من عمره ، لأن كلامه بأمور العشائر والكصيد لاينطبق مع عمره .
إنتهت ( الجلسة) في مضيف الشيخ محسن في الساعة الثانية عشرة مساءا ، وعندما أراد صاحب السيارة الذي جاء معنا أن يرجع الى أهله في بيجي ، قمت بتجهيز نفسي للعودة معه ومن ثم الذهاب الى أهلي حسب الإتفاق مع ابراهيم ، وأردت النهوض ، لكن ابراهيم سرعان ماقال للجالسين : آني الذي عليّ انني جلبت لكم ابن عمكم الى هنا وتعرفتم عليه وتعرف عليكم وهو الآن يريد ان يذهب حسب الإتفاق بيني وبينه ..
وعلى الفور أجاب الشيخ محسن رحمه الله (( والله يابه ماتروح حتى تنتهي إجازة ابراهيم خليّنا أنشوفك ونتعرّف عليك أكثر )) ..
وبقيت عندهم تى إنتهت إجازة ابراهيم ورجعنا الى المعسكر سوية وفي نفس اللحظة التي دخلنا سويّة الى غرفة ابراهيم أخرج نموذجا وأعطاني إجازة وقال إذهب في نفس الليل الى أهلك .
في جلسة جمعتني مع الأخ والصديق وإبن العم ابراهيم المرير رحمه الله سألته سؤالا ، قلت له : أبو وضاح لماذا أصبحت ضابطا في الجيش ، هل هي رغبة منك ؟..
أجابني : كنت في الثأنوية ( الاعدادية) طالبا مجتهدا وذكيا ، ولكنني رسمت لنفسي هدفا واضحا منذ مراحل دراستي المبكرة ، وهو أن أصبح طيارا . قلت له لماذا طيارا بالذات يا أبا وضاح ؟ . فقال لي رحمه الله : منذ الصغر سمعت بيتا من الكصيد البدوي أظنه لإبن سعود لم أحفظ منه إلاّ مقعا واحدا وهو ( تلغشوهن يبن مسعود جهال ) ، وكان هدفي بعد التخرج أن أدخل كلية القوة الجوية ، وفعلا تحققّت أمنيتي ودخلت الكلية ، ولكن إرادة الله كانت أكبر من إرادة الإنسان ، حيث حدث لي عائقا أثناء التدريب حال دون إكمالي لبقية مشواري في كلية القوة الجوية ، وتم تحويلي الى الكلية العسكرية وأصبحت ضابطا كما ترى ..
( انني وأنا أكتب هذه الذكريات لابد أن أقول كلمتي أمام الله والتاريخ بحق ذلك الرجل الشجاع ، كما رأيته وعايشته عن كثب )..
والله لمست منه كل مايمت الى صفات الضابط الحقيقي ، من شجاعة متناهية وإخلاص وتفاني في أداء الواجب وقوة شخصية عالية ، وهذا أهّله أن يكون محترما جدا من معيّته وكذلك الضبّاط الذين هم أعلى منه رتبة ، وكانت كلمته مسموعة ويقدّره الجميع ، فهو جامع بين العسكرية بحذافيرها والعشائرية وماتفرزه من أخلاق وقيم متممة للشخصية العسكرية ، وعرفت أنه إبن دواوين وذو تربية وسلوك الرجال الأقوياء الأشدّاء وما يتّصفون به من كرم ودماثة خلق ونخوة وغيرة وغيرها من الصفات العربية وخصائلهم وأخلاقهم الرفيعة الحميدة .
وأنا أسرد هذه الذكريات لابد أن أذكر أن أخباره إنقطعت عني لفترة طويلة حتى العام 1991 ، ففي ذلك العام جاءني أحد الأصدقاء وهو ضابط وجار لي وقال : ابراهيم المرير يسلّم عليك . قلت له : من أين تعرفه وأين رأيته ؟ . قال لي: انه آمر كتيبة في منطقة الراشدية قرب بغداد ، وهو بالقرب منّي ويوميا أذهب إليه أشرب القهوة العربية عنده ..
وبدأ جاري يتكلّم عنه بفخر وإعتزاز مثنيا على شجاعته وأخلاقه ، وكان الجالسين معي هم مجموعة من أبناء عشيرة الدليم ، لحظتها أحسست بالفخر والنشوة وعلو الهامة ورفعة الرأس ، حينما بدأ ذلك الضابط المنصف يمتدح صفات أبو وضاح رحمه الله …
وعندما أراد جاري الإلتحاق أرسلت معه لأبو وضاح سلام ورسالة ، متضمّنة كصيدة ( قصيدة ) بدوية ، وطلبت منه فيها أن يزورنا في حصيبة ، وقلت في