سلطان زايد العتيبي
01-22-2012, 11:22 PM
الخمر والكحول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .أما بعد :
فهذا البحث المختصر أذكر فيه مسألتين ثم أشفعه بذكر الأضرار من الجهة الطبية:
المسألة الأولى :حكم الخمر في الشريعة الإسلامية .
المسألة الثانية :مسألة نجاسة الخمروالكحول .
فأما المسألة الأولى : فلا شك أن الخمر محرمة بالإجماع فلا يجوز شربها ولا التعامل بها ببيع أو شراء أو اقتناء أو إهداء أو غير ذلك.وهي كبيرة من كبائر الذنوب . قال الله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَخْمُرُ الْعَقْلَ : أَيْ تَسْتُرُهُ .انتهى وقال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }
وروى البخاري ومسلم ـ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } وَفِي الْحَدِيثِ : { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى :اما شُرْبُ مَا يُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ وَفِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا قَلِيلُ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَا مِنْ غَيْرِ عَمَلِ النَّارِ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَنَجِسٌ إجْمَاعًا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَيُفَسَّقُ بَلْ وَيُكَفَّرُ إنْ اسْتَحَلَّهُ.انتهى وهو قد يتخمر بانتهاء تاريخ الصلاحية ،أو بتركه في مكان حار .فإذا رأى الإنسان هذا التغير في طعمه ،أو ريحه الدال على تخمره فيحرم عليه تناوله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ }
وقال في الحديث{ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا وَالْمُشْتَرَى لَهُ }رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له وقال حسن غريب وقال المنذري رواته ثقات.
وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ ، وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ . قِيلَ : وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ : نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ - أَيْ الزَّوَانِي - يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ } رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه فهذا ما يتعلق بالمسألة الأولى.
المسألة الثانية :نجاسة الخمر .
أجمع العلماء على أن الخمر نجسة نجاسة معنوية .
وأطبقت المذاهب الأربعة وعموم الأمة على أنها أيضاً نجسة نجاسة حسية ، يحب التنزة منها وغسل ما أصابته من ثوب أو بدن،لقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ والرجس هو النجس، ويدل على ذلك أدلة منها قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} ولحم الخنزير نجس نجاسة حسية بالإجماع.ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر أبا طلحة أن ينادي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس.فالرجس في الآية والحديث هوالنجس نجاسة حسية، فكذلك في آية الخمر رجس نجس نجاسة حسية.
كما أنه يقول الله تعالى في الخمر: {فاجتنبوه}، وهذا الاجتناب مطلق لم يقل: "اجتنبوه شرباً" أو "استعمالاً" أو ما أشبه ذلك، فالله أمر أمراً مطلقاً بالاجتناب .
وهنا نقول عن علماء الأمة في نجاسة المسكرات:
قال الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله في كتابه بدائع الصنائع في كتب الأشربة ما نصه: وأما بيان أحكام هذه الأشربة : - أما الخمر فيتعلق بها أحكام ؛ ( منها ) أنه يحرم شرب قليلها وكثيرها....إلى أن قال: (ومنها ) أنها نجسة غليظة حتى لو أصاب ثوباً أكثر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة لأن الله تبارك وتعالى سماها رجساً في كتابه الكريم بقوله { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } .انتهى
وقال الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله (( وقد أجمع علماء المسلمين في كل عصر وبكل مصر فيما بلغنا وصح عندنا أن عصير العنب إذا رمى الزبد وهدأ وأسكر الكثير منه والقليل أنه خمر وأنه مادام على حاله تلك حرام كالميتة والدم ولحكم الخنزير رجس نجس كالبول إلا ما روي عن ربيعة في نقط الخمر لم أرى لذكره وجهاً لأنه خلاف إجماعهم.انتهى انظركتاب التمهيد 1/245
وقال الحافظ القرطبي في جامعه 6/288 (( فهم الجمهور من تحريم الخمر واستخباث الشرع لها وإطلاق الرجس عليها والأمر باجتنابها الحكم بنجاستها وخالفهم في ذلك ربيعة الرأي والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين البغدادين والقرويين فرأوا أنها طاهرة وأن المحرم إنما هو شربها.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة ما نصه: فأما الخمر فنجس بالاستحالة ، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم .
وقال الحسن ليس بنجس ، لأن الله سبحانه أعده في الجنة لخلقه ، فقال تعالى : وأنهار من خمر لذة للشاربين . والله تعالى لا يعد لخلقه نجسا .
والدلالة عليه مع إجماع الصحابة والتابعين قوله تعالى : ((إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان)) [ المائدة : ] .والأرجاس : أنجاس إلا ما قامت الدلالة على طهارتها ، ولأنه مائع ورد الشرع بإراقته ، فوجب أن يكون نجسا كالسمن الذائب إذا وقعت فيه فأرة فأما الآية فتقتضي طهارة الخمر في الجنة ، وهذا مسلم ، وإنما الخلاف معه في طهارتها ونجاستها في الدنيا ، وغير منكر أن تكون في الدنيا نجسة ويقلب الله سبحانه وتعالى عينها في الآخرة ، ويغير حكمها .انتهى
وقال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب في كتاب الطهارة باب إزالة النجاسة ما نصه( الخمر نجس عندنا ـ أي عند الشافعية ـ، وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد وسائر العلماء إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب وغيره عن ربيعة شيخ مالك وداود أنهما قالا : هي طاهرة وإن كانت محرمة كالسم الذي هو نبات وكالحشيش المسكر ، ونقل الشيخ أبو حامد ـ الغزالي ـ الإجماع على نجاستها ، واحتج أصحابنا بالآية الكريمة ، قالوا : ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة ؛ لأن هذه الثلاثة خرجت بالإجماع فبقيت الخمر على مقتضى الكلام . ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة ; لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة ، وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة وقول المصنف ـ الإمام الشيرازي صاحب المهذب ـ: ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم لا دلالة فيه لوجهين .
أحدهما : أنه منتقض بالمني والمخاط وغيرهما كما ذكرنا قريبا .
والثاني : أن العلة في منع تناولهما مختلفة فلا يصح القياس ; لأن المنع من الدم لكونه مستخبثا ، والمنع من الخمر لكونها سببا للعداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما صرحت به الآية الكريمة ، وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياساً على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم . انتهى كلام الإمام النووي رحمه الله.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه الكافي:في باب أحكام النجاسات ما نصه(والخمر نجس لقول الله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم والنبيذ مثله لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر.انتهى
وجاء في المبدع لبرهان الدين ابن مفلح الحنبلي في كتب الطهارة تحت باب إزالة النجاسة ما نصه: والخمر يخمر العقل، أي: يغطيه ويستره. وهي نجسة إجماعا، لكن خالف فيه الليث و ربيعة و داود ، وحكاه القرطبي عن المزني ، فقالوا بطهارتها، واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لو كانت طاهرة، لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} [الدهر: 12] أي: طاهرا.انتهى
وكتب العلماء في المذاهب الأربعة طافحة بالنقول الموضحة لنجاستها يذكرونها في كتاب الطهارة و في كتاب الأشربة في بعض المذاهب وفي كتاب البيوع ونحو ذلك.
مناقشة لأدلة المخالفين:
قال الإمام القرطبي رحمه الله في جامعه 6/288 :
1ـ وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طريق المدينة قالوا ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ولنهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه كما نهى عن التخلي في الطرق ؟!
والجواب :أن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن سروب ولا آبار يريقونها فيها،إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم وقالت عائشة رضي الله عنها إنهم كانوا يقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت ...وأيضا فإنه يمكن التحرز منها ..وطريق المدينة كانت واسعة...
فائدة :شهرة إراقتها في المدينة ليشيع العمل على مقتضى تحريمها
2ـ فإن قيل المتنجس حكم شرعي ولا نص فيه ...
قلنا قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) يدل على نجاستها فإن الرجس في اللسان النجاسة.
ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم حتى نجد فيه نصاً لتعطلت الشريعة فإن النصوص فيها قليلة فأي نص يوجد على تنجيس البول والعذرة والدم والميتة وغير ذلك وإنما هي الظواهر والعمومات والأقيسة) انتهى كلام الإمام القرطبي ملخصا ً.
3ـ وقال الماوردي :وقال الحسن ليس بنجس ، لأن الله سبحانه أعده في الجنة لخلقه ، فقال تعالى : وأنهار من خمر لذة للشاربين . والله تعالى لا يعد لخلقه نجسا .
ثم أجاب على هذا القول فقال:فأما الآية فتقتضي طهارة الخمر في الجنة ، وهذا مسلم ، وإنما الخلاف معه في طهارتها ونجاستها في الدنيا ، وغير منكر أن تكون في الدنيا نجسة ويقلب الله سبحانه وتعالى عينها في الآخرة ، ويغير حكمها .انتهى
وقال برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في المبدع :واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لو كانت طاهرة، لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} انتهى كلام ابن مفلح.
أي فدل على أن الخمر نجسة في الدنيا بخلاف خمر الآخرة فهي طاهرة لا تتفق مع خمر الدنيا إلا في مجرد الأسم أما المعنى فمختلف.
فالنجاسة ظاهرة الحكم بمنطوق الآية وهي قوله تعالى ((رجس من عمل الشيطان )) والرجس في لغة العرب هو النجس .وهو يعم النجاسة المعنوية ،والنجاسة الحسية . ولكن الثلاثة الميسر ،والأنصاب ،والأزلام ، تستثنى من هذا العموم فنجاستها خاصة بنوع واحد من النجاسة وهي النجاسة المعنوية واستثناءها بإجماع العلماء مستندين إلى أدلة دالة على هذا الاستثناء .واما الخمر فتبقى على العموم فنجاستها حسية ومعنوية.
وقد اختلف العلماء في الحكمة من نجاستها فمنهم من قال لأنها قذرة .ومنهم من قال لأن الشرع نهى عنها .ومنها من قال أن الحكم بنجاستها تغليظاً قياساً على الكلب أو ما ولغ فيه الكلب .كما في كلام الإمام النووي .وكل هذه الحكم محتملة.
واما علة الحكم فهي الإسكار وكل مسكر رجس أي نجس .
والفرق بين الحكمة والعلة :أن الحكمة لا مدخل لها في باب القياس .
اما العلة فهي ركن من أركان القياس ،وهي التي بفهمها يقيس الشيء على نظيره والعلة في الخمر هي الإسكار .فكل مسكر رجس أي نجس .
هل الكحول نجسة ؟
علة نجاسة الخمر هي الإسكار .وهذه العلة موجودة في الكحول ،فهي نجسة.
ولا شك أن في الكحول منافع كالتعقيم وغيره كما قال تعالى في الخمر والميسر ((قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر ...))والله أعلم
وهذه المنافع لاتدل على عدم النجاسة ،وإذا علمنا أن الكحول مسكرة فتلك هي علة نجاسة الخمر .
فالتلازم بين الحكم والعلة غير منفك .والحكم يدور على العلل لا على المسميات .
والعلماء قالوا بنجاسة الخمر لأن العلة هي الإسكار فلو سميت الخمر بغير اسمها فلا يغير من الحكم شيئاً .وكل شيء وجدت فيه العلة وجد فيه الحكم .
والقاعدة في ذلك (الحكم يدور مع علته في الوجود والعدم )
وقد يقول قائل أن التسمم المانع من شرب الكحول يدل على أنها تختلف عن الخمر في الحكم ؟!فأقول:إن التسمم والضرر والنفع وإمكانية الشرب أو عدم إمكانيته هي معان أخرى لايفهم منها زوال الحكم لأنها لا تلغي المعنى الأول وهو الإسكار الذي هو علة النجاسة عند جمهور العلماء رحمهم الله تعالى .
واستعمال الخمر في العطر والزينة ونحوه من غير شرب قد وقع في زمن الصحابة والتابعين ونهى عنه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم .ويقاس عليها الكحول المسكر في زماننا :•
فقد سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن المرأة تمتشط بالعسلة فيها الخمر فنهت عن ذلك أشد النهي ، وقال الزهري: كانت عائشة تنهى أن تمتشط المرأة بالمسكر كما في (المصنف) لابن أبي شيبة 5/98،و (المصنف) لعبد الرزاق 9/249
• وثبت عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن نساء يمتشطن بالخمر ، فقال: ألقى الله في رؤوسهن الحاصة.كما في (المصنف)لابن أبي شيبة 5/98،و(المصنف) لعبد الرزاق 9/249.
وذكر نساء يمتشطن بالخمر عند سيدنا حذيفة فقال: لا طيبهن الله ، وفي رواية(يتطيبن بالخمر لا طيبهن الله).كمافي)المصنف)لابن أبي شيبة 5/98،و(المصنف) لعبد الرزاق 9/249.
وثبت النهي عن الامتشاط بالخمر عن سيدنا عطاء ، وعبد الكريم الجزري ، وعمرو بن دينار ، وقال سيدنا عكرمة : لا تمتشط بمعصية الله. كما في (المصنف) لعبد الرزاق9/249.
وقال سيدنا ابن عمر : لو أدخلت إصبعي في خمر ما أحببت أن ترجع إلي.كما في المصنف لابن أبي شيبة 5/97.
وروى أيضاً عن سيدنا جابر بن زيد أنه سئل عن دردي الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشئ منه في جراحة أو سواها؟ فقال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه.كما في (المصنف)لابن أبي شيبة 1/134.
إذا علمنا هذه المسائل كلها فيترتب على ذلك الأحكام التالية:
1ـ يحرم شرب كل مسكر سواء كان من الخمر أو غيره من المسكرات .
2ـ ثبت أن الخمر نجسة ،وعلة النجاسة هي الإسكار ،فكل مسكر نجس .
3ـ الكحول مسكر وهو يوجد في العطور كالكلونيا وغيرها من العطور التي تشتمل على مادة الكحول فيهي نجسة لأنها مسكرة فلا يجوز التعطر بها ولا تصح الصلاة في ثوب فيها نجاسة ومن ذلك العطور الكحولية.
ولا يجوز تعطير مكان الصلاة بها كالمساجد والسجاد ونحوذلك
كتبه :راجي عفو ربه :ماطر بن عبدالله آل غنيم الأحمري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .أما بعد :
فهذا البحث المختصر أذكر فيه مسألتين ثم أشفعه بذكر الأضرار من الجهة الطبية:
المسألة الأولى :حكم الخمر في الشريعة الإسلامية .
المسألة الثانية :مسألة نجاسة الخمروالكحول .
فأما المسألة الأولى : فلا شك أن الخمر محرمة بالإجماع فلا يجوز شربها ولا التعامل بها ببيع أو شراء أو اقتناء أو إهداء أو غير ذلك.وهي كبيرة من كبائر الذنوب . قال الله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَخْمُرُ الْعَقْلَ : أَيْ تَسْتُرُهُ .انتهى وقال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }
وروى البخاري ومسلم ـ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } وَفِي الْحَدِيثِ : { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى :اما شُرْبُ مَا يُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ وَفِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا قَلِيلُ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَا مِنْ غَيْرِ عَمَلِ النَّارِ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَنَجِسٌ إجْمَاعًا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَيُفَسَّقُ بَلْ وَيُكَفَّرُ إنْ اسْتَحَلَّهُ.انتهى وهو قد يتخمر بانتهاء تاريخ الصلاحية ،أو بتركه في مكان حار .فإذا رأى الإنسان هذا التغير في طعمه ،أو ريحه الدال على تخمره فيحرم عليه تناوله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ }
وقال في الحديث{ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا وَالْمُشْتَرَى لَهُ }رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له وقال حسن غريب وقال المنذري رواته ثقات.
وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ ، وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ . قِيلَ : وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ : نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ - أَيْ الزَّوَانِي - يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ } رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه فهذا ما يتعلق بالمسألة الأولى.
المسألة الثانية :نجاسة الخمر .
أجمع العلماء على أن الخمر نجسة نجاسة معنوية .
وأطبقت المذاهب الأربعة وعموم الأمة على أنها أيضاً نجسة نجاسة حسية ، يحب التنزة منها وغسل ما أصابته من ثوب أو بدن،لقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ والرجس هو النجس، ويدل على ذلك أدلة منها قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} ولحم الخنزير نجس نجاسة حسية بالإجماع.ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر أبا طلحة أن ينادي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس.فالرجس في الآية والحديث هوالنجس نجاسة حسية، فكذلك في آية الخمر رجس نجس نجاسة حسية.
كما أنه يقول الله تعالى في الخمر: {فاجتنبوه}، وهذا الاجتناب مطلق لم يقل: "اجتنبوه شرباً" أو "استعمالاً" أو ما أشبه ذلك، فالله أمر أمراً مطلقاً بالاجتناب .
وهنا نقول عن علماء الأمة في نجاسة المسكرات:
قال الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله في كتابه بدائع الصنائع في كتب الأشربة ما نصه: وأما بيان أحكام هذه الأشربة : - أما الخمر فيتعلق بها أحكام ؛ ( منها ) أنه يحرم شرب قليلها وكثيرها....إلى أن قال: (ومنها ) أنها نجسة غليظة حتى لو أصاب ثوباً أكثر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة لأن الله تبارك وتعالى سماها رجساً في كتابه الكريم بقوله { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } .انتهى
وقال الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله (( وقد أجمع علماء المسلمين في كل عصر وبكل مصر فيما بلغنا وصح عندنا أن عصير العنب إذا رمى الزبد وهدأ وأسكر الكثير منه والقليل أنه خمر وأنه مادام على حاله تلك حرام كالميتة والدم ولحكم الخنزير رجس نجس كالبول إلا ما روي عن ربيعة في نقط الخمر لم أرى لذكره وجهاً لأنه خلاف إجماعهم.انتهى انظركتاب التمهيد 1/245
وقال الحافظ القرطبي في جامعه 6/288 (( فهم الجمهور من تحريم الخمر واستخباث الشرع لها وإطلاق الرجس عليها والأمر باجتنابها الحكم بنجاستها وخالفهم في ذلك ربيعة الرأي والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين البغدادين والقرويين فرأوا أنها طاهرة وأن المحرم إنما هو شربها.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة ما نصه: فأما الخمر فنجس بالاستحالة ، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم .
وقال الحسن ليس بنجس ، لأن الله سبحانه أعده في الجنة لخلقه ، فقال تعالى : وأنهار من خمر لذة للشاربين . والله تعالى لا يعد لخلقه نجسا .
والدلالة عليه مع إجماع الصحابة والتابعين قوله تعالى : ((إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان)) [ المائدة : ] .والأرجاس : أنجاس إلا ما قامت الدلالة على طهارتها ، ولأنه مائع ورد الشرع بإراقته ، فوجب أن يكون نجسا كالسمن الذائب إذا وقعت فيه فأرة فأما الآية فتقتضي طهارة الخمر في الجنة ، وهذا مسلم ، وإنما الخلاف معه في طهارتها ونجاستها في الدنيا ، وغير منكر أن تكون في الدنيا نجسة ويقلب الله سبحانه وتعالى عينها في الآخرة ، ويغير حكمها .انتهى
وقال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب في كتاب الطهارة باب إزالة النجاسة ما نصه( الخمر نجس عندنا ـ أي عند الشافعية ـ، وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد وسائر العلماء إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب وغيره عن ربيعة شيخ مالك وداود أنهما قالا : هي طاهرة وإن كانت محرمة كالسم الذي هو نبات وكالحشيش المسكر ، ونقل الشيخ أبو حامد ـ الغزالي ـ الإجماع على نجاستها ، واحتج أصحابنا بالآية الكريمة ، قالوا : ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة ؛ لأن هذه الثلاثة خرجت بالإجماع فبقيت الخمر على مقتضى الكلام . ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة ; لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة ، وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة وقول المصنف ـ الإمام الشيرازي صاحب المهذب ـ: ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم لا دلالة فيه لوجهين .
أحدهما : أنه منتقض بالمني والمخاط وغيرهما كما ذكرنا قريبا .
والثاني : أن العلة في منع تناولهما مختلفة فلا يصح القياس ; لأن المنع من الدم لكونه مستخبثا ، والمنع من الخمر لكونها سببا للعداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما صرحت به الآية الكريمة ، وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياساً على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم . انتهى كلام الإمام النووي رحمه الله.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه الكافي:في باب أحكام النجاسات ما نصه(والخمر نجس لقول الله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم والنبيذ مثله لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر.انتهى
وجاء في المبدع لبرهان الدين ابن مفلح الحنبلي في كتب الطهارة تحت باب إزالة النجاسة ما نصه: والخمر يخمر العقل، أي: يغطيه ويستره. وهي نجسة إجماعا، لكن خالف فيه الليث و ربيعة و داود ، وحكاه القرطبي عن المزني ، فقالوا بطهارتها، واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لو كانت طاهرة، لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} [الدهر: 12] أي: طاهرا.انتهى
وكتب العلماء في المذاهب الأربعة طافحة بالنقول الموضحة لنجاستها يذكرونها في كتاب الطهارة و في كتاب الأشربة في بعض المذاهب وفي كتاب البيوع ونحو ذلك.
مناقشة لأدلة المخالفين:
قال الإمام القرطبي رحمه الله في جامعه 6/288 :
1ـ وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طريق المدينة قالوا ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ولنهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه كما نهى عن التخلي في الطرق ؟!
والجواب :أن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن سروب ولا آبار يريقونها فيها،إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم وقالت عائشة رضي الله عنها إنهم كانوا يقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت ...وأيضا فإنه يمكن التحرز منها ..وطريق المدينة كانت واسعة...
فائدة :شهرة إراقتها في المدينة ليشيع العمل على مقتضى تحريمها
2ـ فإن قيل المتنجس حكم شرعي ولا نص فيه ...
قلنا قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) يدل على نجاستها فإن الرجس في اللسان النجاسة.
ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم حتى نجد فيه نصاً لتعطلت الشريعة فإن النصوص فيها قليلة فأي نص يوجد على تنجيس البول والعذرة والدم والميتة وغير ذلك وإنما هي الظواهر والعمومات والأقيسة) انتهى كلام الإمام القرطبي ملخصا ً.
3ـ وقال الماوردي :وقال الحسن ليس بنجس ، لأن الله سبحانه أعده في الجنة لخلقه ، فقال تعالى : وأنهار من خمر لذة للشاربين . والله تعالى لا يعد لخلقه نجسا .
ثم أجاب على هذا القول فقال:فأما الآية فتقتضي طهارة الخمر في الجنة ، وهذا مسلم ، وإنما الخلاف معه في طهارتها ونجاستها في الدنيا ، وغير منكر أن تكون في الدنيا نجسة ويقلب الله سبحانه وتعالى عينها في الآخرة ، ويغير حكمها .انتهى
وقال برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في المبدع :واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لو كانت طاهرة، لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} انتهى كلام ابن مفلح.
أي فدل على أن الخمر نجسة في الدنيا بخلاف خمر الآخرة فهي طاهرة لا تتفق مع خمر الدنيا إلا في مجرد الأسم أما المعنى فمختلف.
فالنجاسة ظاهرة الحكم بمنطوق الآية وهي قوله تعالى ((رجس من عمل الشيطان )) والرجس في لغة العرب هو النجس .وهو يعم النجاسة المعنوية ،والنجاسة الحسية . ولكن الثلاثة الميسر ،والأنصاب ،والأزلام ، تستثنى من هذا العموم فنجاستها خاصة بنوع واحد من النجاسة وهي النجاسة المعنوية واستثناءها بإجماع العلماء مستندين إلى أدلة دالة على هذا الاستثناء .واما الخمر فتبقى على العموم فنجاستها حسية ومعنوية.
وقد اختلف العلماء في الحكمة من نجاستها فمنهم من قال لأنها قذرة .ومنهم من قال لأن الشرع نهى عنها .ومنها من قال أن الحكم بنجاستها تغليظاً قياساً على الكلب أو ما ولغ فيه الكلب .كما في كلام الإمام النووي .وكل هذه الحكم محتملة.
واما علة الحكم فهي الإسكار وكل مسكر رجس أي نجس .
والفرق بين الحكمة والعلة :أن الحكمة لا مدخل لها في باب القياس .
اما العلة فهي ركن من أركان القياس ،وهي التي بفهمها يقيس الشيء على نظيره والعلة في الخمر هي الإسكار .فكل مسكر رجس أي نجس .
هل الكحول نجسة ؟
علة نجاسة الخمر هي الإسكار .وهذه العلة موجودة في الكحول ،فهي نجسة.
ولا شك أن في الكحول منافع كالتعقيم وغيره كما قال تعالى في الخمر والميسر ((قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر ...))والله أعلم
وهذه المنافع لاتدل على عدم النجاسة ،وإذا علمنا أن الكحول مسكرة فتلك هي علة نجاسة الخمر .
فالتلازم بين الحكم والعلة غير منفك .والحكم يدور على العلل لا على المسميات .
والعلماء قالوا بنجاسة الخمر لأن العلة هي الإسكار فلو سميت الخمر بغير اسمها فلا يغير من الحكم شيئاً .وكل شيء وجدت فيه العلة وجد فيه الحكم .
والقاعدة في ذلك (الحكم يدور مع علته في الوجود والعدم )
وقد يقول قائل أن التسمم المانع من شرب الكحول يدل على أنها تختلف عن الخمر في الحكم ؟!فأقول:إن التسمم والضرر والنفع وإمكانية الشرب أو عدم إمكانيته هي معان أخرى لايفهم منها زوال الحكم لأنها لا تلغي المعنى الأول وهو الإسكار الذي هو علة النجاسة عند جمهور العلماء رحمهم الله تعالى .
واستعمال الخمر في العطر والزينة ونحوه من غير شرب قد وقع في زمن الصحابة والتابعين ونهى عنه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم .ويقاس عليها الكحول المسكر في زماننا :•
فقد سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن المرأة تمتشط بالعسلة فيها الخمر فنهت عن ذلك أشد النهي ، وقال الزهري: كانت عائشة تنهى أن تمتشط المرأة بالمسكر كما في (المصنف) لابن أبي شيبة 5/98،و (المصنف) لعبد الرزاق 9/249
• وثبت عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن نساء يمتشطن بالخمر ، فقال: ألقى الله في رؤوسهن الحاصة.كما في (المصنف)لابن أبي شيبة 5/98،و(المصنف) لعبد الرزاق 9/249.
وذكر نساء يمتشطن بالخمر عند سيدنا حذيفة فقال: لا طيبهن الله ، وفي رواية(يتطيبن بالخمر لا طيبهن الله).كمافي)المصنف)لابن أبي شيبة 5/98،و(المصنف) لعبد الرزاق 9/249.
وثبت النهي عن الامتشاط بالخمر عن سيدنا عطاء ، وعبد الكريم الجزري ، وعمرو بن دينار ، وقال سيدنا عكرمة : لا تمتشط بمعصية الله. كما في (المصنف) لعبد الرزاق9/249.
وقال سيدنا ابن عمر : لو أدخلت إصبعي في خمر ما أحببت أن ترجع إلي.كما في المصنف لابن أبي شيبة 5/97.
وروى أيضاً عن سيدنا جابر بن زيد أنه سئل عن دردي الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشئ منه في جراحة أو سواها؟ فقال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه.كما في (المصنف)لابن أبي شيبة 1/134.
إذا علمنا هذه المسائل كلها فيترتب على ذلك الأحكام التالية:
1ـ يحرم شرب كل مسكر سواء كان من الخمر أو غيره من المسكرات .
2ـ ثبت أن الخمر نجسة ،وعلة النجاسة هي الإسكار ،فكل مسكر نجس .
3ـ الكحول مسكر وهو يوجد في العطور كالكلونيا وغيرها من العطور التي تشتمل على مادة الكحول فيهي نجسة لأنها مسكرة فلا يجوز التعطر بها ولا تصح الصلاة في ثوب فيها نجاسة ومن ذلك العطور الكحولية.
ولا يجوز تعطير مكان الصلاة بها كالمساجد والسجاد ونحوذلك
كتبه :راجي عفو ربه :ماطر بن عبدالله آل غنيم الأحمري.