احمد العتيبي
09-18-2010, 07:00 AM
من التعايش إلى الغزو: القانون الدولي وأصول الصراع العربي ـ الفلسطيني،1891ـ 1949، 'لفيكتور قطان'
د.عاطف الشاعر*
2010-09-17
http://deretna.com/vb/attachment.php?attachmentid=48453&stc=1&d=1284779086
كانت ولا زالت وستبقى القضية الفلسطينية مركزية، جوهرة كل القضايا في العالم العربي، إلى أن تُحل وفق قوانين تتوافق والشرائع الدولية والإنسانية. كثيرون خاضوا فيها وتحدثوا عنها، بعلم أم بِغيره، بتروٍ وحكمة أم بلغط وغلظة وفوضى فكرية وشذوذ إيديولوجي، دفع كثيرون ثمنه لأنهم جردوا الإنسان من إنسانيته والماضي من سياقه وألبسوا الحاضر أثواباً لا تليق به وبمقاساته.
الحركة الصهيونية بكل مكوناتها هي تكوين أيديولوجي غريب، لكنها وَجدت من يغذيها ويذكي شعلتها ممن تلاقت مشاعرهم مع أهدافها، هذا ما يوضحه الكتاب الذي بين أيدينا تاريخياً وسياسياً وقانونياً، بجدارة تستحق الإشادة.
هذا الكتاب للكاتب والمحامي الفلسطيني - البريطاني الشاب فيكتور قطان هو من درَّة الكتب، من طراز رفيع، ليس فقط لأنه يؤسس ويؤرخ قانونياً وسياسياً للصراع العربي ـ الإسرائيلي في مرحلة محورية، بل لأنه يعتمد منهجية رصينة، قلمَّا يَتبعها العاملون في حقل السياسة والقانون الدولي، بحيث أنه جامع شامل لتلك الفترة التاريخية المضطربة والمفصلية في آنٍ واحد، هادئ في طرح الأحداث والسياسات القوانين التي صُكّت وما نتج عنها وكيف تمَّ التفاعل معها محلياً وإقليميا ودولياً.
ولعل احد المُثل الرئيسية العليا والقيم التي يحتكم إليها الكتاب هو أن القانون كان وما زال يشكل لاعباً أساسياً في الصراع العربي الإسرائيلي ودوره مهما ازداد عدد المشككين فيه، دعك من المزدرين به، لا يمكن تجاوزه. فالالتزام بالقوانين والعمل من أجلها لا يتعارض والمشاعر والعواطف التي يحملها الناس تجاه قضية ما. بل إن القوانين التي تصبغها العدالة الإنسانية هي ملزمة للجميع وهي المُخَلِّص الوحيد للنزاعات والصراعات الفتاكة، أما الايديولوجيات وتجييش وتهييج العواطف في مسارات تبتعد عن العقلانية والتدبر العالمي والإنساني، لصالح نظرات فردية وحزبية ودويلية ضيقة، فلن تؤتي بثمار ذات نفع وجذور وديمومة لأحد، ولعل حقيقة أن الصهيونية وإسرائيل خالفت ولا تزال تخالف قوانين كثيرة وأعرافاً أكثر يجعل من ديمومتها شيئا صعبا، وهذا ما جعل ويجعل عددا لا بأس به من المثقفين والأدباء اليهود المبدئيين يرون فيها مشكلة وجودية فيها من عوامل القلق والخوف المستمر ما فيها.
هذا الكتاب يأتي لترسيخ وتوثيق الجوانب القانونية التي التفت حولها الصهيونية من أجل طموحاتها الاستعمارية. لذلك فهو يتخذ من القانون أساساً فلسفياً لا بد منه عند البحث عن جذور الصراع العربي الإسرائيلي وما آلَّ إليه، وبهذا فهو يعدُ مساهمة حميدة من صاحبها تجاه تطوير وأنسنَّة القوانين بحيث تتناسب ومقومات وأسس التاريخ الذي كما أشار مؤرخون عرب وآخرون نوابغ، من أمثال ابن خلدون والمفكر الايطالي جيامبتيستا فيكو والفلسطيني-الأمريكي ادوارد سعيد، أنه من صنع البشر ويقع على عاتقهم أن يكونوا عند حسن ضميرهم الجمعي، تلك الحاسة التي عندما تتطور يكتشف الإنسان أنه من أغنى الموارد على الأرض، فما أن يستمع الإنسان إلى صوت عقله وضميره ومكنوناته وما أن يتدبر فيما حوله، ويترك العصبية لصالح الإنسانية، يجد معاني أسمى من تلك التي تغذيها الأيديولوجيات، خصوصاً تلك المتطرفة منها. ما دفع قطان للخوض في غمار القوانين وتلابيبها السياسية والاجتماعية هو غياب كادر متخصص ومرجعية قوية للفلسطينيين بهذا الخصوص، أي نقص في الأبحاث والدراسات التي تخاطب الغرب بلغاتهم وتوضح أن القوانين التي تم تسييرها لصالح قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين لم تكن إلا مساراً في ميدان أوسع وأفسح من الأعراف والعهود والقوانين التي تم تجاهلها والالتفاف حولها لصالح الصهيونية.
ما ذكر أعلاه لا يتنافى مع حقيقة أن كثيرا من القوانين خيَّبت آمال الكثيرين وأنه كانت في كثير من الأحيان من صَنيع قوى لها مصالح ونظرات لا تتوافق وأدنى متطلبات العدالة التي ينشدها كل من يطمح إلى عالمٍ أكثر إنسانية وتآلفاً. فسنرى في هذا الكتاب كيف أن الصهيونية التي قامت على أساسها دولة إسرائيل راوغت القوانين ورقصت حولها وحاورت وناغت أحياناً من ألفها من القوى الكبرى المُسَّيطرة آنذاك لتتوافق ورؤيتها وطموحاتها الاستعمارية في فلسطين. وفي هذا يقول قطان في الفصل الأول من كتابة، 'إذا كانت هناك ثلاث كلمات توضح النجاح المتعلق بقيام دولة إسرائيل وغزو فلسطين في عام 1948 فستكون اللاسامية، والكولونيالية والصهيونية...وبما أن القانون هو تحصيل حاصل للسياسة، فقد كان القانون هناك على طول الطريق، يضفي شرعية وإطارا قانونيا يتم من خلاله التحكم وتقنين الهجرة اليهودية إلى بريطانيا في عام 1905 قبل توجيهها إلى فلسطين بعد إعلان بلفور عام 1917، ثم تنظيمها فيما بعد ذلك من خلال تنفيذ الانتداب الصادر عن عصبة الأمم من عام 1923 إلى عام 1948' (ص، 8). وإذا كان هناك تناقض في أن السياسة هي التي سيَّرت مسار القوانين وطيَّّعتها لصالحها، فان هناك قناعة وشرحا متوازنا وعميقا مفاده أن كل القوانين سواء تلك المتعلقة بحق تقرير المصير، والسيادة، أو قرارات التقسيم أو التقسيم كمبدأ، والاحتلال، والدول الكبرى ذات الصلة، كلها ما أن تُحلل بِمُجمَلِها وَتُوضع في إطارها الصحيح تصب في إطار التأييد والتشديد على الحقوق الفلسطينية.
يبدو هذا كمن يقول إن الطريق إلى العدالة قد يكون مُعبَّداً بالأشواك، ولكن يصله الإنسان بجهد وبترو إذا ما كافح ولم يَحِد عن درب العدالة، وهذا ما يظهر من كتاب قطان، فهو يربط التاريخ والسياسة والقوانين السابقة والحالية ويخرج من هذا 'الكوكتيل' بآراء وأحكام واضحة فيما يخص القضية الفلسطينية من ألِفها إلى يائها. يبدو هذا الترابط الذي يفكك الكاتب أركانه بجدارة معقداً، فنرى منذ البداية زواج الصهيونية واللاسامية، التي تُفهم على أنها ظاهرة غربيَّة الأصل تتمثل بعداء اليهود وجنسهم وصبغهم بصفات عدائية. أحبَّار النظام الصهيوني بمن فيهم الأب المؤسس للصهيونية ثيودور هرتزل استغل ظاهرة اللاساميه المتغلغلة الجذور في أوروبا آنذاك من أجل إقناع الساسة الأوروبيين بأهمية قيام وطن قومي لليهود على بقعة من الأرض، في عقل الكثيرين من الصهاينة، فلسطين. لأسباب عديدة منها براغماتية وتاريخية وأخرى طبيعية أحالت دون التركيز على أي بقعة من الأرض سوى فلسطين. لكن طريق الصهيونية إلى فلسطين لم يكن سهلاً، فقد تداخلت السياسة مع التاريخ مع الاقتصاد وحدث الكثير من المراوغات قبل وصول اليهود إلى فلسطين وإنشائهم وطناً قومياً على أنقاض الفلسطينيين الأصليين. فكما نرى من الفصل الأول في الكتاب فقد وجد هرتزل، الأب الروحي للصهيونية، وغيره من الصهاينة، أمثال حاييم وايتزمان، آذاناً صاغية عند بلفور الذي أكنَّ عداءً لليهود ورأى في استعمارهم لفلسطين حلاً لما سميَّ 'بالمسألة اليهودية'، أي اعتبار اليهود كشوكة لا بد من إزالتها من حلق القارة الأوروبية، النظر إليهم على أنهم جزء من مشكلة هجرة ووضعهم تحت إطار ما سمي آنذاك 'بقانون الغرباء' (ايليان أكت). وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأشهر عزفَّ على نفس الوتر، وكذلك اليهودي الصهيوني صمويل هيربرت وغيره.
جاءت سياسة بريطانيا لتتوافق مع الأهداف الصهيونية، كما يوضح الكتاب، بالرغم من وجود تفاهمات واتفاقيات مع العرب تتناقض وروح السياسة العملية لبريطانيا تجاه اليهود. وفي هذا الإطار نجد أن تطور الحركة الصهيونية وتلاقي أهدافها مع جوهر السياسة البريطانية الاستعمارية آنذاك اُصطحب أيضاً بمعارضة قوية من بعض الأشخاص في الحكومة أو الإدارة المدنيَّة البريطانية. فقد رأوا في تساوق الأهداف البريطانية الصهيونية ضرراً كبيراً على بريطانيا واليهود في آن واحد على المستوى البعيد.
ومن هنا فإن احدى الخصال الحميدة لهذا الكتاب أنه يميز بين من رأى الأمور بمنظار الحق والوقائع والشرائع وبين من رآها من منظار استعماري، وهو بهذا يعرض لنا بأن السياسة البريطانية وبالرغم مما نتج عنها من مآس للآخرين كانت محل تساؤل ومقاومة من أشخاص مُخلصين وقفوا إلى جانب الحق والعدل بدلاً من القوة والغطرسة الاستعمارية، وفي هذا بيان للعرب وغيرهم من الآخرين بأن عليهم أن يميزوا بين الصالح والطالح عندما ينظرون إلى الآخرين بدلاً من زج الأمم في تجميعات وقوالب جاهزة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة والواقع.
الشخص الأكثر معارضة لاستيطان اليهود في فلسطين والذي يبدو قد وصل حد اليأس من سياسة بريطانيا هو أيدوين مونتجيو، وهو وزير الدولة في الحكومة البريطانية للهند من عام 1917-1922. يبدو رجلاً ثاقب النظر، يرى أكثر من بُعد في وقت واحد، ويتنبأ المستقبل في ضوء معطيات الحاضر، على النقيض من ابن عمه صمويل هيربرت الذي كان من عتاة الصهاينة أيديولوجيا وعملياً، وقد كان المفوض السامي الأول لبريطانيا في فلسطين، يهودياً متحمساً للصهيونية، أما مونتجيو فقد رأى فيها خطراً على اليهود واليهودية وتنبأ بأن سكان الأرض الأصليين، أي الفلسطينيين، لن يصمتوا على اقتلاعهم من أرضهم وسلب ممتلكاتهم. ويبدو تناقض بريطانيا في هذا السياق في أكثر من اتجاه. فأحد الأسس القانونية للأيديولوجية الاستعمارية قام على تقسيم الأراضي إلى 'أ'، و'ب'، و 'سِ' (حسب ترتيب الحروف الانجليزية). هذه التقسيمات تقوم على 'مدى الحضارة ومستوى الإدارة في الأرض وبالتالي قابليتها لأن تحكم نفسها بنفسها'. صُنِفَت فلسطين تحت إطار 'أ'، أي أرض قادرة حينما ينتهي الاستعمار والانتداب على حكم نفسها، وفي هذا أفتى سكرتير الدولة للمستعمرات السيد أورمبسي جور في جلسة للبرلمان البريطاني عام 1924 بما يلي، 'بأخذ بعين الاعتبار التقارير عن فلسطين، فإنها أظهرت أن المشكلة كانت مختلفة تماماً عن الانتداب القائم على المستعمرات المصنفة ب (و) س، حيث السكان الأفريقيون والبولينجيون كانوا قيد الاعتبار (على طريق الاستقلال). وحظيت فلسطين بمكانة فريدة في السياسة الدولية لأنها كانت الأرض المقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين. وكان هدف الحكومة البريطانية هو معاملة كل الفلسطينيين على أساس المساواة التامة' (ص، 53). لم يسمح لفلسطين بالاستقلال، وبهذا تكون فلسطين بين الدول التي تأهلت للاستقلال، حسب لغة الانتداب وأنظمته، ولكنها لم تستقل، ولم تحظ بالسيادة الكاملة حتى الآن، فيما 'ناميبيا' والتي جاءت في تصنيف أقل من هذا من ناحية الإدارة وغيرها وكان عليها نزاع ما بين جنوب وغرب أفريقيا حصلت على استقلالها في عام 1990. إنَّ ما حلَّ بفلسطين والطي المستمر لعنق القوانين كان شيئاً نادراً وواضحاً ويبدو غريباً على نحو مفزع.
الأوجه القانونية الأخرى التي يتعرض لها الكتاب هي الاتفاق السري بين العرب وبريطانيا في هيئة تفاهمات بين والي مكة الملك حسين والمفوض البريطاني الأعلى في مصر آنذاك (1915-1916) وهنري مكماهون حيث وُعدَّ العرب مقابل مناصرتهم لبريطانيا في حربها ضد العثمانيين سيادة واستقلالا في وعلى أراضيهم، بما في ذلك فلسطين. هذا لم يحدث. ويثبت قطان بالوثائق والتحليل القانوني الرصين أن كَوَّن التفاهمات كانت سرية لا ينقص من قانونيتها، فسريَّة اتفاق لا تعني في الأعراف الدولية أنه لا اتفاق، غير ملزم، كما يزعم البعض. جوانب أخرى يتناولها الكتاب المُهم تتعلق بقرار التقسيم عام 1947، الذي لم يكن قانونياً، فقد أعطى لسكان الأرض الأصليين نسبة أقل من تلك التي أعطاها لخصومهم الأقل عدداً والأقل تأصلاً في البلاد، وفيه ضرب من المغالاة التي تتعارض وكثير من القوانين والتشريعات الدولية التي ما أن تحلل حتى تتضح صورة أن قرار التقسيم وقف على النقيض من قرارات وتشريعات تختلف معه، وقد أقرَّ ساسة بريطانيون وغيرهم بسوء القرار وعدم قانونيته، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وزير الخارجية البريطاني أنثوني أيدن، قال في هذا السياق في مذكرة سرية للغاية لوينستون تشرتشل عام 1945: 'لن يكون من السهل إقناع الحكومات العربية بأنه ضرب من المساواة أو توافق مع روح الانتداب أو مع الميثاق الأطلنطي أو يتماشى مع دعايتنا خلال فترة الحرب أن نضمن أحسن الأراضي للدولة اليهودية، وعملياً كل الصناعات والموانئ الجيدة فقط وكذلك ثلث السكان العرب' (ص،146) .
أما محاولة العرب استرداد فلسطين بعد أن تم احتلالها عام 1948، وتسميته من قبل بعض القانونيين الدوليين على أنه عدوان، فذلك افتراء مبين. هناك من القوانين ما يعطي العرب الحق بمقاومة من غزا أرضهم وشردهم منها. ثم أن القانون الدولي يقوم على حقائق ووقائع لا على نتائج لم يكن لها مقدمات قانونية، وفي هذا يقول فيكتور قطان، 'التاريخ جزء لا يتجزأ من القانون الدولي، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن التخصص نفسه يعمل في سياق أسبقية الحدث' وذلك من خلال معاهدات وأعراف ومبادئ عامة وحالات قانونية. أضف أنه عندما يتعامل القانونيون مع حالة أو يثبتون فرضية ما أمام محكمة فإنهم بذلك محكومون بالحقائق' (ص، 172)، وهكذا دواليك. يتعامل الكتاب مع جوانب عديدة تدور في فلك قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين وما نتج عنها، منها حق تقرير المصير وأحقيَّة الفلسطينيين بذلك حسب معاهدة لوزان لعام 1915 وغيرها الخاصة بالسيادة والتي تذهب إلى أن السكان الأصليين أحق بالسيادة من غزاة فرضوا نفسهم على الأرض بالقوة وادعوا أنهم أصحاب أرض شرعيون، وما هم بذلك، وذلك حسب اتفاقية لوزان الخاصة بالسيادة عام 1923.
أراد بلفور، صاحب الوعد المتكبر عام 1917 والذي شكلَّ دوراً مهماً في إيجاد إسرائيل، للصهيونية أن تكون 'تجربة...تجربة عظيمة، لأنها لم تجرب أبداً في العالم من ذي قبل، ولأنها بدعة جديدة'، ومن أجل ذلك إلتفَّ حول القوانين ليبررها ولم يلتفت لمعاناة الآخرين، اللاجئين الفلسطينيين، والذي يَدرس ويناقش قطان وضعهم وشأنهم قانونياً ويخلص أن لهم الحق، كل الحق، في العودة إلى ديارهم أو تعويضهم.
وهكذا لم ير ولم يستمع بلفور لما رآه ثاقبو النظر ايدوين مونتجيو واللورد كرزون، وزير الخارجية البريطانية في بداية عهد الانتداب عام 1917، الذي قال فيما معناه أن اليهود سيقعون في ورطة تاريخية سَتُذكي حماس المعادين للسامية، ويقال فيما يقال، إن مونتجيو بكى أمام بلفور عندما لم يُصغِ الأخير له وتم استبعاده من المناقشات الساخنة التي دارت حول وعد بلفور.
وهكذا بالنظر إلى القضايا التي يناقشها الكتاب وأهمية القانون الدولي نختم بالتالي، والقول للكاتب المُتمكن فيكتور قطان، الذي يستحق كتابه اهتماماً أوسع ونقلا للغة العربية لما فيه من فائدة جمَّة لمتخصصين في القانون الدولي وسياسيين وغيرهم: 'وفي النهاية، ليس وارداً أن سلاماً دائماً سيصمد إذا ما ارتكز على المساواة والعدالة ومبادئ القانون الدولي، والتي تمَّ تجاهلها طيلة فترة الصراع العربي الإسرائيلي، وفي ذلك إجحاف بحق كل المعنيين بالأمر. وفي غياب مثل هذه الشروط الآنفة الذكر فان أي عملية سلام محكوم عليها بالفشل...' (ص، 261).
*عاطف الشاعر، محاضر وباحث فلسطيني في علم اللغة والآداب في جامعة لندن
للحصول على نسخة من الكتاب أو معلومات عنه والكاتب، الرجاء زيارة الموقع الشخصي للسيد فيكتور قطان (http://www.victorkattan.com)
د.عاطف الشاعر*
2010-09-17
http://deretna.com/vb/attachment.php?attachmentid=48453&stc=1&d=1284779086
كانت ولا زالت وستبقى القضية الفلسطينية مركزية، جوهرة كل القضايا في العالم العربي، إلى أن تُحل وفق قوانين تتوافق والشرائع الدولية والإنسانية. كثيرون خاضوا فيها وتحدثوا عنها، بعلم أم بِغيره، بتروٍ وحكمة أم بلغط وغلظة وفوضى فكرية وشذوذ إيديولوجي، دفع كثيرون ثمنه لأنهم جردوا الإنسان من إنسانيته والماضي من سياقه وألبسوا الحاضر أثواباً لا تليق به وبمقاساته.
الحركة الصهيونية بكل مكوناتها هي تكوين أيديولوجي غريب، لكنها وَجدت من يغذيها ويذكي شعلتها ممن تلاقت مشاعرهم مع أهدافها، هذا ما يوضحه الكتاب الذي بين أيدينا تاريخياً وسياسياً وقانونياً، بجدارة تستحق الإشادة.
هذا الكتاب للكاتب والمحامي الفلسطيني - البريطاني الشاب فيكتور قطان هو من درَّة الكتب، من طراز رفيع، ليس فقط لأنه يؤسس ويؤرخ قانونياً وسياسياً للصراع العربي ـ الإسرائيلي في مرحلة محورية، بل لأنه يعتمد منهجية رصينة، قلمَّا يَتبعها العاملون في حقل السياسة والقانون الدولي، بحيث أنه جامع شامل لتلك الفترة التاريخية المضطربة والمفصلية في آنٍ واحد، هادئ في طرح الأحداث والسياسات القوانين التي صُكّت وما نتج عنها وكيف تمَّ التفاعل معها محلياً وإقليميا ودولياً.
ولعل احد المُثل الرئيسية العليا والقيم التي يحتكم إليها الكتاب هو أن القانون كان وما زال يشكل لاعباً أساسياً في الصراع العربي الإسرائيلي ودوره مهما ازداد عدد المشككين فيه، دعك من المزدرين به، لا يمكن تجاوزه. فالالتزام بالقوانين والعمل من أجلها لا يتعارض والمشاعر والعواطف التي يحملها الناس تجاه قضية ما. بل إن القوانين التي تصبغها العدالة الإنسانية هي ملزمة للجميع وهي المُخَلِّص الوحيد للنزاعات والصراعات الفتاكة، أما الايديولوجيات وتجييش وتهييج العواطف في مسارات تبتعد عن العقلانية والتدبر العالمي والإنساني، لصالح نظرات فردية وحزبية ودويلية ضيقة، فلن تؤتي بثمار ذات نفع وجذور وديمومة لأحد، ولعل حقيقة أن الصهيونية وإسرائيل خالفت ولا تزال تخالف قوانين كثيرة وأعرافاً أكثر يجعل من ديمومتها شيئا صعبا، وهذا ما جعل ويجعل عددا لا بأس به من المثقفين والأدباء اليهود المبدئيين يرون فيها مشكلة وجودية فيها من عوامل القلق والخوف المستمر ما فيها.
هذا الكتاب يأتي لترسيخ وتوثيق الجوانب القانونية التي التفت حولها الصهيونية من أجل طموحاتها الاستعمارية. لذلك فهو يتخذ من القانون أساساً فلسفياً لا بد منه عند البحث عن جذور الصراع العربي الإسرائيلي وما آلَّ إليه، وبهذا فهو يعدُ مساهمة حميدة من صاحبها تجاه تطوير وأنسنَّة القوانين بحيث تتناسب ومقومات وأسس التاريخ الذي كما أشار مؤرخون عرب وآخرون نوابغ، من أمثال ابن خلدون والمفكر الايطالي جيامبتيستا فيكو والفلسطيني-الأمريكي ادوارد سعيد، أنه من صنع البشر ويقع على عاتقهم أن يكونوا عند حسن ضميرهم الجمعي، تلك الحاسة التي عندما تتطور يكتشف الإنسان أنه من أغنى الموارد على الأرض، فما أن يستمع الإنسان إلى صوت عقله وضميره ومكنوناته وما أن يتدبر فيما حوله، ويترك العصبية لصالح الإنسانية، يجد معاني أسمى من تلك التي تغذيها الأيديولوجيات، خصوصاً تلك المتطرفة منها. ما دفع قطان للخوض في غمار القوانين وتلابيبها السياسية والاجتماعية هو غياب كادر متخصص ومرجعية قوية للفلسطينيين بهذا الخصوص، أي نقص في الأبحاث والدراسات التي تخاطب الغرب بلغاتهم وتوضح أن القوانين التي تم تسييرها لصالح قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين لم تكن إلا مساراً في ميدان أوسع وأفسح من الأعراف والعهود والقوانين التي تم تجاهلها والالتفاف حولها لصالح الصهيونية.
ما ذكر أعلاه لا يتنافى مع حقيقة أن كثيرا من القوانين خيَّبت آمال الكثيرين وأنه كانت في كثير من الأحيان من صَنيع قوى لها مصالح ونظرات لا تتوافق وأدنى متطلبات العدالة التي ينشدها كل من يطمح إلى عالمٍ أكثر إنسانية وتآلفاً. فسنرى في هذا الكتاب كيف أن الصهيونية التي قامت على أساسها دولة إسرائيل راوغت القوانين ورقصت حولها وحاورت وناغت أحياناً من ألفها من القوى الكبرى المُسَّيطرة آنذاك لتتوافق ورؤيتها وطموحاتها الاستعمارية في فلسطين. وفي هذا يقول قطان في الفصل الأول من كتابة، 'إذا كانت هناك ثلاث كلمات توضح النجاح المتعلق بقيام دولة إسرائيل وغزو فلسطين في عام 1948 فستكون اللاسامية، والكولونيالية والصهيونية...وبما أن القانون هو تحصيل حاصل للسياسة، فقد كان القانون هناك على طول الطريق، يضفي شرعية وإطارا قانونيا يتم من خلاله التحكم وتقنين الهجرة اليهودية إلى بريطانيا في عام 1905 قبل توجيهها إلى فلسطين بعد إعلان بلفور عام 1917، ثم تنظيمها فيما بعد ذلك من خلال تنفيذ الانتداب الصادر عن عصبة الأمم من عام 1923 إلى عام 1948' (ص، 8). وإذا كان هناك تناقض في أن السياسة هي التي سيَّرت مسار القوانين وطيَّّعتها لصالحها، فان هناك قناعة وشرحا متوازنا وعميقا مفاده أن كل القوانين سواء تلك المتعلقة بحق تقرير المصير، والسيادة، أو قرارات التقسيم أو التقسيم كمبدأ، والاحتلال، والدول الكبرى ذات الصلة، كلها ما أن تُحلل بِمُجمَلِها وَتُوضع في إطارها الصحيح تصب في إطار التأييد والتشديد على الحقوق الفلسطينية.
يبدو هذا كمن يقول إن الطريق إلى العدالة قد يكون مُعبَّداً بالأشواك، ولكن يصله الإنسان بجهد وبترو إذا ما كافح ولم يَحِد عن درب العدالة، وهذا ما يظهر من كتاب قطان، فهو يربط التاريخ والسياسة والقوانين السابقة والحالية ويخرج من هذا 'الكوكتيل' بآراء وأحكام واضحة فيما يخص القضية الفلسطينية من ألِفها إلى يائها. يبدو هذا الترابط الذي يفكك الكاتب أركانه بجدارة معقداً، فنرى منذ البداية زواج الصهيونية واللاسامية، التي تُفهم على أنها ظاهرة غربيَّة الأصل تتمثل بعداء اليهود وجنسهم وصبغهم بصفات عدائية. أحبَّار النظام الصهيوني بمن فيهم الأب المؤسس للصهيونية ثيودور هرتزل استغل ظاهرة اللاساميه المتغلغلة الجذور في أوروبا آنذاك من أجل إقناع الساسة الأوروبيين بأهمية قيام وطن قومي لليهود على بقعة من الأرض، في عقل الكثيرين من الصهاينة، فلسطين. لأسباب عديدة منها براغماتية وتاريخية وأخرى طبيعية أحالت دون التركيز على أي بقعة من الأرض سوى فلسطين. لكن طريق الصهيونية إلى فلسطين لم يكن سهلاً، فقد تداخلت السياسة مع التاريخ مع الاقتصاد وحدث الكثير من المراوغات قبل وصول اليهود إلى فلسطين وإنشائهم وطناً قومياً على أنقاض الفلسطينيين الأصليين. فكما نرى من الفصل الأول في الكتاب فقد وجد هرتزل، الأب الروحي للصهيونية، وغيره من الصهاينة، أمثال حاييم وايتزمان، آذاناً صاغية عند بلفور الذي أكنَّ عداءً لليهود ورأى في استعمارهم لفلسطين حلاً لما سميَّ 'بالمسألة اليهودية'، أي اعتبار اليهود كشوكة لا بد من إزالتها من حلق القارة الأوروبية، النظر إليهم على أنهم جزء من مشكلة هجرة ووضعهم تحت إطار ما سمي آنذاك 'بقانون الغرباء' (ايليان أكت). وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأشهر عزفَّ على نفس الوتر، وكذلك اليهودي الصهيوني صمويل هيربرت وغيره.
جاءت سياسة بريطانيا لتتوافق مع الأهداف الصهيونية، كما يوضح الكتاب، بالرغم من وجود تفاهمات واتفاقيات مع العرب تتناقض وروح السياسة العملية لبريطانيا تجاه اليهود. وفي هذا الإطار نجد أن تطور الحركة الصهيونية وتلاقي أهدافها مع جوهر السياسة البريطانية الاستعمارية آنذاك اُصطحب أيضاً بمعارضة قوية من بعض الأشخاص في الحكومة أو الإدارة المدنيَّة البريطانية. فقد رأوا في تساوق الأهداف البريطانية الصهيونية ضرراً كبيراً على بريطانيا واليهود في آن واحد على المستوى البعيد.
ومن هنا فإن احدى الخصال الحميدة لهذا الكتاب أنه يميز بين من رأى الأمور بمنظار الحق والوقائع والشرائع وبين من رآها من منظار استعماري، وهو بهذا يعرض لنا بأن السياسة البريطانية وبالرغم مما نتج عنها من مآس للآخرين كانت محل تساؤل ومقاومة من أشخاص مُخلصين وقفوا إلى جانب الحق والعدل بدلاً من القوة والغطرسة الاستعمارية، وفي هذا بيان للعرب وغيرهم من الآخرين بأن عليهم أن يميزوا بين الصالح والطالح عندما ينظرون إلى الآخرين بدلاً من زج الأمم في تجميعات وقوالب جاهزة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة والواقع.
الشخص الأكثر معارضة لاستيطان اليهود في فلسطين والذي يبدو قد وصل حد اليأس من سياسة بريطانيا هو أيدوين مونتجيو، وهو وزير الدولة في الحكومة البريطانية للهند من عام 1917-1922. يبدو رجلاً ثاقب النظر، يرى أكثر من بُعد في وقت واحد، ويتنبأ المستقبل في ضوء معطيات الحاضر، على النقيض من ابن عمه صمويل هيربرت الذي كان من عتاة الصهاينة أيديولوجيا وعملياً، وقد كان المفوض السامي الأول لبريطانيا في فلسطين، يهودياً متحمساً للصهيونية، أما مونتجيو فقد رأى فيها خطراً على اليهود واليهودية وتنبأ بأن سكان الأرض الأصليين، أي الفلسطينيين، لن يصمتوا على اقتلاعهم من أرضهم وسلب ممتلكاتهم. ويبدو تناقض بريطانيا في هذا السياق في أكثر من اتجاه. فأحد الأسس القانونية للأيديولوجية الاستعمارية قام على تقسيم الأراضي إلى 'أ'، و'ب'، و 'سِ' (حسب ترتيب الحروف الانجليزية). هذه التقسيمات تقوم على 'مدى الحضارة ومستوى الإدارة في الأرض وبالتالي قابليتها لأن تحكم نفسها بنفسها'. صُنِفَت فلسطين تحت إطار 'أ'، أي أرض قادرة حينما ينتهي الاستعمار والانتداب على حكم نفسها، وفي هذا أفتى سكرتير الدولة للمستعمرات السيد أورمبسي جور في جلسة للبرلمان البريطاني عام 1924 بما يلي، 'بأخذ بعين الاعتبار التقارير عن فلسطين، فإنها أظهرت أن المشكلة كانت مختلفة تماماً عن الانتداب القائم على المستعمرات المصنفة ب (و) س، حيث السكان الأفريقيون والبولينجيون كانوا قيد الاعتبار (على طريق الاستقلال). وحظيت فلسطين بمكانة فريدة في السياسة الدولية لأنها كانت الأرض المقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين. وكان هدف الحكومة البريطانية هو معاملة كل الفلسطينيين على أساس المساواة التامة' (ص، 53). لم يسمح لفلسطين بالاستقلال، وبهذا تكون فلسطين بين الدول التي تأهلت للاستقلال، حسب لغة الانتداب وأنظمته، ولكنها لم تستقل، ولم تحظ بالسيادة الكاملة حتى الآن، فيما 'ناميبيا' والتي جاءت في تصنيف أقل من هذا من ناحية الإدارة وغيرها وكان عليها نزاع ما بين جنوب وغرب أفريقيا حصلت على استقلالها في عام 1990. إنَّ ما حلَّ بفلسطين والطي المستمر لعنق القوانين كان شيئاً نادراً وواضحاً ويبدو غريباً على نحو مفزع.
الأوجه القانونية الأخرى التي يتعرض لها الكتاب هي الاتفاق السري بين العرب وبريطانيا في هيئة تفاهمات بين والي مكة الملك حسين والمفوض البريطاني الأعلى في مصر آنذاك (1915-1916) وهنري مكماهون حيث وُعدَّ العرب مقابل مناصرتهم لبريطانيا في حربها ضد العثمانيين سيادة واستقلالا في وعلى أراضيهم، بما في ذلك فلسطين. هذا لم يحدث. ويثبت قطان بالوثائق والتحليل القانوني الرصين أن كَوَّن التفاهمات كانت سرية لا ينقص من قانونيتها، فسريَّة اتفاق لا تعني في الأعراف الدولية أنه لا اتفاق، غير ملزم، كما يزعم البعض. جوانب أخرى يتناولها الكتاب المُهم تتعلق بقرار التقسيم عام 1947، الذي لم يكن قانونياً، فقد أعطى لسكان الأرض الأصليين نسبة أقل من تلك التي أعطاها لخصومهم الأقل عدداً والأقل تأصلاً في البلاد، وفيه ضرب من المغالاة التي تتعارض وكثير من القوانين والتشريعات الدولية التي ما أن تحلل حتى تتضح صورة أن قرار التقسيم وقف على النقيض من قرارات وتشريعات تختلف معه، وقد أقرَّ ساسة بريطانيون وغيرهم بسوء القرار وعدم قانونيته، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وزير الخارجية البريطاني أنثوني أيدن، قال في هذا السياق في مذكرة سرية للغاية لوينستون تشرتشل عام 1945: 'لن يكون من السهل إقناع الحكومات العربية بأنه ضرب من المساواة أو توافق مع روح الانتداب أو مع الميثاق الأطلنطي أو يتماشى مع دعايتنا خلال فترة الحرب أن نضمن أحسن الأراضي للدولة اليهودية، وعملياً كل الصناعات والموانئ الجيدة فقط وكذلك ثلث السكان العرب' (ص،146) .
أما محاولة العرب استرداد فلسطين بعد أن تم احتلالها عام 1948، وتسميته من قبل بعض القانونيين الدوليين على أنه عدوان، فذلك افتراء مبين. هناك من القوانين ما يعطي العرب الحق بمقاومة من غزا أرضهم وشردهم منها. ثم أن القانون الدولي يقوم على حقائق ووقائع لا على نتائج لم يكن لها مقدمات قانونية، وفي هذا يقول فيكتور قطان، 'التاريخ جزء لا يتجزأ من القانون الدولي، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن التخصص نفسه يعمل في سياق أسبقية الحدث' وذلك من خلال معاهدات وأعراف ومبادئ عامة وحالات قانونية. أضف أنه عندما يتعامل القانونيون مع حالة أو يثبتون فرضية ما أمام محكمة فإنهم بذلك محكومون بالحقائق' (ص، 172)، وهكذا دواليك. يتعامل الكتاب مع جوانب عديدة تدور في فلك قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين وما نتج عنها، منها حق تقرير المصير وأحقيَّة الفلسطينيين بذلك حسب معاهدة لوزان لعام 1915 وغيرها الخاصة بالسيادة والتي تذهب إلى أن السكان الأصليين أحق بالسيادة من غزاة فرضوا نفسهم على الأرض بالقوة وادعوا أنهم أصحاب أرض شرعيون، وما هم بذلك، وذلك حسب اتفاقية لوزان الخاصة بالسيادة عام 1923.
أراد بلفور، صاحب الوعد المتكبر عام 1917 والذي شكلَّ دوراً مهماً في إيجاد إسرائيل، للصهيونية أن تكون 'تجربة...تجربة عظيمة، لأنها لم تجرب أبداً في العالم من ذي قبل، ولأنها بدعة جديدة'، ومن أجل ذلك إلتفَّ حول القوانين ليبررها ولم يلتفت لمعاناة الآخرين، اللاجئين الفلسطينيين، والذي يَدرس ويناقش قطان وضعهم وشأنهم قانونياً ويخلص أن لهم الحق، كل الحق، في العودة إلى ديارهم أو تعويضهم.
وهكذا لم ير ولم يستمع بلفور لما رآه ثاقبو النظر ايدوين مونتجيو واللورد كرزون، وزير الخارجية البريطانية في بداية عهد الانتداب عام 1917، الذي قال فيما معناه أن اليهود سيقعون في ورطة تاريخية سَتُذكي حماس المعادين للسامية، ويقال فيما يقال، إن مونتجيو بكى أمام بلفور عندما لم يُصغِ الأخير له وتم استبعاده من المناقشات الساخنة التي دارت حول وعد بلفور.
وهكذا بالنظر إلى القضايا التي يناقشها الكتاب وأهمية القانون الدولي نختم بالتالي، والقول للكاتب المُتمكن فيكتور قطان، الذي يستحق كتابه اهتماماً أوسع ونقلا للغة العربية لما فيه من فائدة جمَّة لمتخصصين في القانون الدولي وسياسيين وغيرهم: 'وفي النهاية، ليس وارداً أن سلاماً دائماً سيصمد إذا ما ارتكز على المساواة والعدالة ومبادئ القانون الدولي، والتي تمَّ تجاهلها طيلة فترة الصراع العربي الإسرائيلي، وفي ذلك إجحاف بحق كل المعنيين بالأمر. وفي غياب مثل هذه الشروط الآنفة الذكر فان أي عملية سلام محكوم عليها بالفشل...' (ص، 261).
*عاطف الشاعر، محاضر وباحث فلسطيني في علم اللغة والآداب في جامعة لندن
للحصول على نسخة من الكتاب أو معلومات عنه والكاتب، الرجاء زيارة الموقع الشخصي للسيد فيكتور قطان (http://www.victorkattan.com)