احمد العتيبي
09-08-2010, 10:19 AM
لماذا باعت الأنظمة العربية فلسطين؟
إبراهيم أبو عواد*
2010-09-07
http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif
إن النظام العربي الرسمي الكرتوني صار محصوراً في ذاته، ولا يرى أي شيء خارج وجوده. فالأساسُ السياسي في العقلية الحاكمة هي ترسيخ وجود السلطة، والعمل على استمرارها حتى يوم القيامة بأي ثمن، والتضحية بأي شيء في سبيل بقاء الحاكم على الكرسي وأبنائه من بعده. وهذا لا يتأتى إلا بموافقة أمريكية مسبقة باعتبار أن الحاكم العربي موظف في الخارجية الأمريكية لا يمكنه تجاوز الهرم الوظيفي أو تجاوز الأوامر العليا القادمة من وراء الأطلسي، فالعبد لا يمكنه الاعتراض على سيده.
وفي ظل هذا الأداء السياسي المنهار، قامت الأنظمة العربية بشطب مصطلحات التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال والتصدي لقوى الهيمنة من قاموسها، كما قامت بإدخال فكر التحرر والتحرير في متحف تاريخها الشخصي، وذلك خضوعاً للإملاءات الخارجية وتجنباً 'لوجع الرأس'، ونزولاً عند إرادة 'المجتمع الدولي/ العالم الحر' الذي يمنح الحرية لشعوب الدول القوية ويحجبها عن الشعوب الضعيفة التي لم تجد حاكماً يحقق مصالحها ولا حكومة تنهض بالمصالح الوطنية العليا.
وبما أن الدول العربية مفكَّكة لا رابط بينها سوى الشعارات البراقة، فهي تفتقد إلى البوصلة الواحدة والاتجاه الواحد. فصار من الطبيعي أن يظهر التضارب في الداخل العربي. وأبرز مثال على ذلك تعارض مصالح سورية مع مصالح مصر، وسير الدولتين الكبيرتين في خطين متوازيين من دون أية إمكانية ـ حتى هذه اللحظة ـ للالتقاء. وهذا بالتأكيد يقتل العمل العربي المشترك، ويجعل منه شعاراً فضفاضاً للتسلية في أروقة جامعة الدول العربية التي صارت 'كوفي شوب' لشيوخ القبائل، ولا تعبِّر عن طموحات الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والتخلص من أعداء الداخل والخارج. فالجامعة العربية كيانٌ مشلول تم إلحاقه بالخارجية المصرية التي لديها توجهات مضادة لفكر المقاومة والتحرر، إذ إنها ما زالت تعيش في عقلية كامب ديفيد التي أعادت مصر إلى العصر الحجري.
أضف إلى هذا غياب قيادات الصف الأول في سدة الحكم على مستوى الوطن العربي. الأمر الذي جاء نتيجة حتمية للتوريث، وتزوير إرادة الشعب، وتفصيل الدستور حسب مزاج العصابة الحاكمة، وإحكام القبضة الأمنية على مفاصل البلاد من الألف إلى الياء تكريساً للدولة البوليسية.
ومن خلال العناصر السياسية السابقة يتضح لنا استحالة حفاظ هذه الأنظمة المنهارة على الأمن القومي العربي. وقد رأينا تآمر بعض الدول العربية على العراق، والعمل على إسقاطه وتحويله إلى كيان مفرغ من المعنى، حيث ضاعت سبعة آلاف سنة من الحضارة في نسب المحاصصة الطائفية، واقتسام الكراسي بين القادمين على ظهور الدبابات الأمريكية. والأمرُ تكرر بصيغة أخرى في التآمر على غزة وحصارها من أجل إسقاط المقاومة، وإسكات صوت المعارِضين لمشاريع الهيمنة الصهيوأمريكية. وهكذا نجد أن الحاكم العربي يشكل خطراً على الأمن القومي العربي، وهو جزء من المشكلة لا الحل. وآخر حلقة في مسلسل المؤامرات تجلت على شكل ' المفاوضات المباشرة ' الرامية إلى بيع فلسطين بالتقسيط المريح. وقد حصلت هذه المفاوضات العبثية على غطاء من جامعة الدول العربية التي لا تملك من أمرها شيئاً، لأنها فرع للخارجية الأمريكية. وقد رأينا فيما مضى كيف أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس كانت تختار وزراء الخارجية العرب من أجل لقائها حسب مزاجها. فتحضر من تشاء وتستثني من تشاء، حتى إنها استثنت لقاء السيد عمرو موسى رأس الدبلوماسية العربية في إهانة بالغة للجامعة العربية التي يُفترض أنها تمثِّل الأمة العربية. كما أن السيد عمرو موسى قضى جزءاً من حياته وزيراً للخارجية المصرية، حيث كان يجلس مع المسؤولين الإسرائيليين بمختلف درجاتهم الوظيفية لتناول طعام الغداء وتبادل الضحكات والهدايا ومناقشة عملية السلام الرومانسية. وقد رأينا كيف انسحب رئيس الوزراء التركي أردوغان من منتدى دافوس احتجاجاً على كلام رئيس الكيان الصهيوني شيمعون بيريز، في حين أن السيد عمرو موسى حامي المصالح العربية بقي في الجلسة من دون أن ينبس ببنت شفة كأن شيئاً لم يكن. لذلك فانتظار النظام الرسمي العربي أو جامعة الدول العربية لإنقاذ فلسطين هو انتظار ما لا يأتي.
وهذا الجو القاتم يرشدنا إلى وضع إجابات عن السؤال المصيري: لماذا باعت الأنظمة العربية فلسطين؟.
1) إن هناك أنظمة عربية تستمد شرعية وجودها المصطنع من ضياع فلسطين، والمتاجرة بالقضية لكسب الرأي العام، وبناء الاقتصاد الوطني على التسول وأخذ المساعدات باسم اللاجئين. فصار ضياع فلسطين دجاجةً تبيض ذهباً، وهذه الأنظمة لا تريد التفريط بالذهب.
2) الحاكمُ العربي هو ربان سفينة تغرق بسبب كثرة الأحمال على هذه السفينة (الانهيار السياسي، التفكك الاجتماعي، الفقر، البطالة، العنوسة، ضياع الدخل القومي في الفساد، ضعف الولاء والانتماء، ازدياد المعارضة الشعبية). والحاكمُ صار مقتنعاً بضرورة التخلص من القضايا القومية ليخف الحمل ـ حسب وجهة نظره القاصرةـ فألغى فلسطين من حساباته كمن يلقي ثقلاً في البحر لإنقاذ السفينة. وهذه هي الفلسفة الجنونية للحاكم وبطانته.
3) كل الأنظمة العربية تعلم أن رضا أمريكاـ التي تمنح المال والقمح والحماية والغطاء السياسي- يمر عبر نيل رضا 'إسرائيل'. وبالتالي صارت فلسطين هي القربان وكبش الفداء لنيل رضا الأمريكان والصهاينة، فصارت التضحية بفلسطين أمراً عادياً يتم أمام الكاميرات من دون شعور بالخجل أو الخيانة. فالمصالح الشخصية للطبقة الحاكمة صارت تنظر إلى القضية الفلسطينية كعبء ثقيل وخطر عليها، وبالتالي لا بد من التخلص منه. وقد رأينا كيف هرول الرئيس المصري حسني مبارك (82 سنة) إلى واشنطن بدون تأخر، ليس حباً في المفاوضات المباشرة أو تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، بل من أجل تقديم أوراق اعتماد نجله جمال مبارك لكي تسمح له الإدارة الأمريكية باستلام الحكم خلفاً لأبيه.
وهكذا نخلص إلى قناعة مفادها أن الحاكم العربي باع فلسطين ليحتفظ بالكرسي تماماً كما باع أبو عبد الله الصغير الأندلس. وعلى الشعوب العربية أن تغسل يدها من حكامها لأنهم جزء من المشكلة لا الحل، وعليها كذلك أن تبحث عن طريق خلاصها بنفسها من دون انتظار أحد.
* كاتب من الأردن
إبراهيم أبو عواد*
2010-09-07
http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif
إن النظام العربي الرسمي الكرتوني صار محصوراً في ذاته، ولا يرى أي شيء خارج وجوده. فالأساسُ السياسي في العقلية الحاكمة هي ترسيخ وجود السلطة، والعمل على استمرارها حتى يوم القيامة بأي ثمن، والتضحية بأي شيء في سبيل بقاء الحاكم على الكرسي وأبنائه من بعده. وهذا لا يتأتى إلا بموافقة أمريكية مسبقة باعتبار أن الحاكم العربي موظف في الخارجية الأمريكية لا يمكنه تجاوز الهرم الوظيفي أو تجاوز الأوامر العليا القادمة من وراء الأطلسي، فالعبد لا يمكنه الاعتراض على سيده.
وفي ظل هذا الأداء السياسي المنهار، قامت الأنظمة العربية بشطب مصطلحات التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال والتصدي لقوى الهيمنة من قاموسها، كما قامت بإدخال فكر التحرر والتحرير في متحف تاريخها الشخصي، وذلك خضوعاً للإملاءات الخارجية وتجنباً 'لوجع الرأس'، ونزولاً عند إرادة 'المجتمع الدولي/ العالم الحر' الذي يمنح الحرية لشعوب الدول القوية ويحجبها عن الشعوب الضعيفة التي لم تجد حاكماً يحقق مصالحها ولا حكومة تنهض بالمصالح الوطنية العليا.
وبما أن الدول العربية مفكَّكة لا رابط بينها سوى الشعارات البراقة، فهي تفتقد إلى البوصلة الواحدة والاتجاه الواحد. فصار من الطبيعي أن يظهر التضارب في الداخل العربي. وأبرز مثال على ذلك تعارض مصالح سورية مع مصالح مصر، وسير الدولتين الكبيرتين في خطين متوازيين من دون أية إمكانية ـ حتى هذه اللحظة ـ للالتقاء. وهذا بالتأكيد يقتل العمل العربي المشترك، ويجعل منه شعاراً فضفاضاً للتسلية في أروقة جامعة الدول العربية التي صارت 'كوفي شوب' لشيوخ القبائل، ولا تعبِّر عن طموحات الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والتخلص من أعداء الداخل والخارج. فالجامعة العربية كيانٌ مشلول تم إلحاقه بالخارجية المصرية التي لديها توجهات مضادة لفكر المقاومة والتحرر، إذ إنها ما زالت تعيش في عقلية كامب ديفيد التي أعادت مصر إلى العصر الحجري.
أضف إلى هذا غياب قيادات الصف الأول في سدة الحكم على مستوى الوطن العربي. الأمر الذي جاء نتيجة حتمية للتوريث، وتزوير إرادة الشعب، وتفصيل الدستور حسب مزاج العصابة الحاكمة، وإحكام القبضة الأمنية على مفاصل البلاد من الألف إلى الياء تكريساً للدولة البوليسية.
ومن خلال العناصر السياسية السابقة يتضح لنا استحالة حفاظ هذه الأنظمة المنهارة على الأمن القومي العربي. وقد رأينا تآمر بعض الدول العربية على العراق، والعمل على إسقاطه وتحويله إلى كيان مفرغ من المعنى، حيث ضاعت سبعة آلاف سنة من الحضارة في نسب المحاصصة الطائفية، واقتسام الكراسي بين القادمين على ظهور الدبابات الأمريكية. والأمرُ تكرر بصيغة أخرى في التآمر على غزة وحصارها من أجل إسقاط المقاومة، وإسكات صوت المعارِضين لمشاريع الهيمنة الصهيوأمريكية. وهكذا نجد أن الحاكم العربي يشكل خطراً على الأمن القومي العربي، وهو جزء من المشكلة لا الحل. وآخر حلقة في مسلسل المؤامرات تجلت على شكل ' المفاوضات المباشرة ' الرامية إلى بيع فلسطين بالتقسيط المريح. وقد حصلت هذه المفاوضات العبثية على غطاء من جامعة الدول العربية التي لا تملك من أمرها شيئاً، لأنها فرع للخارجية الأمريكية. وقد رأينا فيما مضى كيف أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس كانت تختار وزراء الخارجية العرب من أجل لقائها حسب مزاجها. فتحضر من تشاء وتستثني من تشاء، حتى إنها استثنت لقاء السيد عمرو موسى رأس الدبلوماسية العربية في إهانة بالغة للجامعة العربية التي يُفترض أنها تمثِّل الأمة العربية. كما أن السيد عمرو موسى قضى جزءاً من حياته وزيراً للخارجية المصرية، حيث كان يجلس مع المسؤولين الإسرائيليين بمختلف درجاتهم الوظيفية لتناول طعام الغداء وتبادل الضحكات والهدايا ومناقشة عملية السلام الرومانسية. وقد رأينا كيف انسحب رئيس الوزراء التركي أردوغان من منتدى دافوس احتجاجاً على كلام رئيس الكيان الصهيوني شيمعون بيريز، في حين أن السيد عمرو موسى حامي المصالح العربية بقي في الجلسة من دون أن ينبس ببنت شفة كأن شيئاً لم يكن. لذلك فانتظار النظام الرسمي العربي أو جامعة الدول العربية لإنقاذ فلسطين هو انتظار ما لا يأتي.
وهذا الجو القاتم يرشدنا إلى وضع إجابات عن السؤال المصيري: لماذا باعت الأنظمة العربية فلسطين؟.
1) إن هناك أنظمة عربية تستمد شرعية وجودها المصطنع من ضياع فلسطين، والمتاجرة بالقضية لكسب الرأي العام، وبناء الاقتصاد الوطني على التسول وأخذ المساعدات باسم اللاجئين. فصار ضياع فلسطين دجاجةً تبيض ذهباً، وهذه الأنظمة لا تريد التفريط بالذهب.
2) الحاكمُ العربي هو ربان سفينة تغرق بسبب كثرة الأحمال على هذه السفينة (الانهيار السياسي، التفكك الاجتماعي، الفقر، البطالة، العنوسة، ضياع الدخل القومي في الفساد، ضعف الولاء والانتماء، ازدياد المعارضة الشعبية). والحاكمُ صار مقتنعاً بضرورة التخلص من القضايا القومية ليخف الحمل ـ حسب وجهة نظره القاصرةـ فألغى فلسطين من حساباته كمن يلقي ثقلاً في البحر لإنقاذ السفينة. وهذه هي الفلسفة الجنونية للحاكم وبطانته.
3) كل الأنظمة العربية تعلم أن رضا أمريكاـ التي تمنح المال والقمح والحماية والغطاء السياسي- يمر عبر نيل رضا 'إسرائيل'. وبالتالي صارت فلسطين هي القربان وكبش الفداء لنيل رضا الأمريكان والصهاينة، فصارت التضحية بفلسطين أمراً عادياً يتم أمام الكاميرات من دون شعور بالخجل أو الخيانة. فالمصالح الشخصية للطبقة الحاكمة صارت تنظر إلى القضية الفلسطينية كعبء ثقيل وخطر عليها، وبالتالي لا بد من التخلص منه. وقد رأينا كيف هرول الرئيس المصري حسني مبارك (82 سنة) إلى واشنطن بدون تأخر، ليس حباً في المفاوضات المباشرة أو تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، بل من أجل تقديم أوراق اعتماد نجله جمال مبارك لكي تسمح له الإدارة الأمريكية باستلام الحكم خلفاً لأبيه.
وهكذا نخلص إلى قناعة مفادها أن الحاكم العربي باع فلسطين ليحتفظ بالكرسي تماماً كما باع أبو عبد الله الصغير الأندلس. وعلى الشعوب العربية أن تغسل يدها من حكامها لأنهم جزء من المشكلة لا الحل، وعليها كذلك أن تبحث عن طريق خلاصها بنفسها من دون انتظار أحد.
* كاتب من الأردن