احمد العتيبي
08-27-2010, 05:58 AM
بدائل المفاوضات 'النهائية' في فلسطين
د. عبدالوهاب الأفندي
8/27/2010
(1)
تواترت الروايات عن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان أنه ظل، بعد انتصاره الساحق على الجيوش العربية في حزيران الأسود عام 1967، منتظراً بجانب هاتفه يترقب اتصالاً من رصفائه العرب يطالبونه بهدنة ويعرضون شروط الاستسلام. ولكن هذا الاتصال لم يأت أبداً، وإنما بدلاً عن ذلك عقدت قمة الخرطوم في صيف ذلك العام وخرجت بلاءاتها الشهيرة.
(2)
عندما قررت قمة الخرطوم رفض الصلح والمفاوضات فإنها أعلنت ضمنياً استمرار الحرب. وبالفعل فإن القيادات العربية قررت حشد إمكانياتها وتعبئة مواردها من أجل معركة حاسمة مع العدو. وفي نفس الوقت قدمت الدول العربية الرئيسية كل وسائل الدعم الممكنة للمقاومة الفلسطينية التي بدأت تبرز كأحد أهم الفاعلين على الساحة السياسية في المنطقة في تلك الحقبة.
(3)
ما كان هناك بديل للاستعداد للحرب ودعم المقاومة إلا الاستسلام الكامل لإسرائيل والسماح لها بإملاء شروطها. وعلى أقل تقدير فإن رفض المفاوضات وعدم الاستعداد للحرب يشكلان معاً تسليماً بالأمر الواقع، والسماح لإسرائيل بالاحتفاظ بغنائمها من الأراضي وما عليها وما تحتها. ولكن مصر قادت العرب في تلك الحقبة على طريق المقاومة تحت شعار: 'ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة'.
(4)
تلك أمة قد خلت بما كسبت، وخلف من بعدها خلف يرون التفاوض بطولة وإنجازاً، ويحققون ما ترقبه دايان من هرولة بالهاتف والأقدام طلباً لما تجود به إسرائيل من 'تنازلات'. وعليه لم يكن مستغرباً أن تقرر 'السلطة الوطنية' الفلسطينية الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل نتنياهو وليبرمان تحت ضغوط أمريكية-عربية، رغم علمها أن هذه المفاوضات لن تحقق شيئاً إلا حاجة انتخابية في نفس أوباما قضاها. ولكن المستغرب هو ما لقيه هذا الموقف من استنكار.
(5)
فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: ما هي بدائل سلطة أوسلو سوى التفاوض الأبدي؟ سلطة أوسلو، ومن ورائها جل العرب، قررت تسليم كل أسلحتها المادية والمعنوية، والاعتراف بإسرائيل، والتعهد بكفالة أمنها وعدم منازعتها الأمر. وإذا شئنا الدقة فإن السلطة ومن خلفها لم يتخلوا عن أسلحتهم تماماً، وإنما حولوها للدفاع عن إسرائيل ضد المهددات الأمنية 'الفلسطينية'.
(6)
في هذه الحالة فإن أمضى سلاح في يد السلطة وداعميها هو إعلان 'الإضراب' عن مهمة الذود عن حياض إسرائيل. ولكن هذا الإضراب له ثمنه، لأن سلطة أوسلو ومن تعولهم يعتمدون بصورة شبه كلية على المعونات الأجنبية التي يجود بها أنصار أوسلو، وأي تقاعس في أداء الوظائف الموكلة للسلطة بموجب بروتوكولات أوسلو ستكون لها عواقب وخيمة لا تقف عند قطع شريان الحياة كما هو حال غزة. فقد حوصر عرفات حتى الموت عقوبة على ما هو أقل من الإضراب.
(7)
في ظل هذه الأوضاع غير المواتية، ومع غياب البدائل، لا يكون للمفاوضات معنى إلا إذا كان الغرض منها قبول الإملاءات. وحين يطالب بعض العرب (تبعاً لإدارتهم الأمريكية) الفلسطينيين بالتفاوض مع إسرائيل، فإن هذا يكون أشبه بمطالبة أسرى غوانتنامو وقاعدة بغرام بالتفاوض مع إدارة السجن. فكيف يتفاوض شخص أعزل مقيد ومحصور بين أربعة جدران مع من يحمل العصا والسلاح والصاعق الكهربي، ويمكن أن يحرمه من الماء والطعام وربما الهواء أيضاً؟
(8)
ولكن السؤال الأهم هو: ما هو البديل لمثل هذه المفاوضات العبثية؟ فلا يكفي أن يذكر الناقمون رجال أوسلو بالمعلوم بالضرورة، وهي أن ما سيقع لن يكون مفاوضات بأي معنى محتمل للّفظ. ولكنهم قد يرون أن لمثل هذا الإجراء العبثي فوائده، وأقلها بقاء المستفيدين من أوسلو في مناصبهم، وتدفق المساعدات الضرورية، والأمن من غوائل إسرائيل وأمريكا وأنصارهم العرب.
(9)
البديل الذي يطرحه منتقدو أوسلو هو المقاومة، ولكن حتى اللحظة فإن أنصار المقاومة يواجهون معارضة و'مقاومة' أشد من النظام العربي والمحيط القريب أكثر مما يواجهون من العدو. وما يزال ضحايا القمع ينتظرون أن تغير المقاومة من حالهم بضغط حاسم، دون أن تتحقق تلك التوقعات. والكل ما يزال ينتظر.
(10)
هناك بدائل أخرى، منها ذاك الذي ظل ينادي به الراحل إدوارد سعيد وآخرون، وهو حل سلطة أوسلو، والتخلي عن فكرة الدولتين، والاتجاه نحو النضال من أجل تثبيت حقوق الفلسطينيين في دولتهم الواحدة، وهو فحوى المشروع الفلسطيني الأصلي.
(11)
مهما يكن الأسلوب الذي يتبع، فإن المشكلة الأبرز التي تحتاج إلى المعالجة هي الاستخدام الفعال للسلاح الأخلاقي. القضية الفلسطينية ما تزال للأسف أعدل قضية في العالم ولكنها تتمتع بأسوأ المحامين. فهل يمكن في أي مجال آخر أن يتوقع إنسان وضع يقف فيه سياسيون فاشيو النزعة مثل نتنياهو وليبرمان، ومرتكبي جرائم حرب من أمثال باراك وبيريز وأضرابهم، قضاة يحاكمون ضحاياهم، وأن ينحاز إليهم العالم؟ لا شك أن أبشع جريمة ارتكبت في حق الفلسطينيين هي تلك التي ارتكبها الساسة والقيادات والمفكرون العرب، ممن اضاعوا الحق الفلسطيني بالعجز عن الدفاع عنه أخلاقياً وفكرياً، وهو حق قادر على الدفاع عن نفسه لولا أن كثيرا من أنصاره هم اكثرا شرا من العدو، لأنهم هم المسؤولون عن نزع السلاح الأخلاقي للأمة.
د. عبدالوهاب الأفندي
8/27/2010
(1)
تواترت الروايات عن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان أنه ظل، بعد انتصاره الساحق على الجيوش العربية في حزيران الأسود عام 1967، منتظراً بجانب هاتفه يترقب اتصالاً من رصفائه العرب يطالبونه بهدنة ويعرضون شروط الاستسلام. ولكن هذا الاتصال لم يأت أبداً، وإنما بدلاً عن ذلك عقدت قمة الخرطوم في صيف ذلك العام وخرجت بلاءاتها الشهيرة.
(2)
عندما قررت قمة الخرطوم رفض الصلح والمفاوضات فإنها أعلنت ضمنياً استمرار الحرب. وبالفعل فإن القيادات العربية قررت حشد إمكانياتها وتعبئة مواردها من أجل معركة حاسمة مع العدو. وفي نفس الوقت قدمت الدول العربية الرئيسية كل وسائل الدعم الممكنة للمقاومة الفلسطينية التي بدأت تبرز كأحد أهم الفاعلين على الساحة السياسية في المنطقة في تلك الحقبة.
(3)
ما كان هناك بديل للاستعداد للحرب ودعم المقاومة إلا الاستسلام الكامل لإسرائيل والسماح لها بإملاء شروطها. وعلى أقل تقدير فإن رفض المفاوضات وعدم الاستعداد للحرب يشكلان معاً تسليماً بالأمر الواقع، والسماح لإسرائيل بالاحتفاظ بغنائمها من الأراضي وما عليها وما تحتها. ولكن مصر قادت العرب في تلك الحقبة على طريق المقاومة تحت شعار: 'ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة'.
(4)
تلك أمة قد خلت بما كسبت، وخلف من بعدها خلف يرون التفاوض بطولة وإنجازاً، ويحققون ما ترقبه دايان من هرولة بالهاتف والأقدام طلباً لما تجود به إسرائيل من 'تنازلات'. وعليه لم يكن مستغرباً أن تقرر 'السلطة الوطنية' الفلسطينية الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل نتنياهو وليبرمان تحت ضغوط أمريكية-عربية، رغم علمها أن هذه المفاوضات لن تحقق شيئاً إلا حاجة انتخابية في نفس أوباما قضاها. ولكن المستغرب هو ما لقيه هذا الموقف من استنكار.
(5)
فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: ما هي بدائل سلطة أوسلو سوى التفاوض الأبدي؟ سلطة أوسلو، ومن ورائها جل العرب، قررت تسليم كل أسلحتها المادية والمعنوية، والاعتراف بإسرائيل، والتعهد بكفالة أمنها وعدم منازعتها الأمر. وإذا شئنا الدقة فإن السلطة ومن خلفها لم يتخلوا عن أسلحتهم تماماً، وإنما حولوها للدفاع عن إسرائيل ضد المهددات الأمنية 'الفلسطينية'.
(6)
في هذه الحالة فإن أمضى سلاح في يد السلطة وداعميها هو إعلان 'الإضراب' عن مهمة الذود عن حياض إسرائيل. ولكن هذا الإضراب له ثمنه، لأن سلطة أوسلو ومن تعولهم يعتمدون بصورة شبه كلية على المعونات الأجنبية التي يجود بها أنصار أوسلو، وأي تقاعس في أداء الوظائف الموكلة للسلطة بموجب بروتوكولات أوسلو ستكون لها عواقب وخيمة لا تقف عند قطع شريان الحياة كما هو حال غزة. فقد حوصر عرفات حتى الموت عقوبة على ما هو أقل من الإضراب.
(7)
في ظل هذه الأوضاع غير المواتية، ومع غياب البدائل، لا يكون للمفاوضات معنى إلا إذا كان الغرض منها قبول الإملاءات. وحين يطالب بعض العرب (تبعاً لإدارتهم الأمريكية) الفلسطينيين بالتفاوض مع إسرائيل، فإن هذا يكون أشبه بمطالبة أسرى غوانتنامو وقاعدة بغرام بالتفاوض مع إدارة السجن. فكيف يتفاوض شخص أعزل مقيد ومحصور بين أربعة جدران مع من يحمل العصا والسلاح والصاعق الكهربي، ويمكن أن يحرمه من الماء والطعام وربما الهواء أيضاً؟
(8)
ولكن السؤال الأهم هو: ما هو البديل لمثل هذه المفاوضات العبثية؟ فلا يكفي أن يذكر الناقمون رجال أوسلو بالمعلوم بالضرورة، وهي أن ما سيقع لن يكون مفاوضات بأي معنى محتمل للّفظ. ولكنهم قد يرون أن لمثل هذا الإجراء العبثي فوائده، وأقلها بقاء المستفيدين من أوسلو في مناصبهم، وتدفق المساعدات الضرورية، والأمن من غوائل إسرائيل وأمريكا وأنصارهم العرب.
(9)
البديل الذي يطرحه منتقدو أوسلو هو المقاومة، ولكن حتى اللحظة فإن أنصار المقاومة يواجهون معارضة و'مقاومة' أشد من النظام العربي والمحيط القريب أكثر مما يواجهون من العدو. وما يزال ضحايا القمع ينتظرون أن تغير المقاومة من حالهم بضغط حاسم، دون أن تتحقق تلك التوقعات. والكل ما يزال ينتظر.
(10)
هناك بدائل أخرى، منها ذاك الذي ظل ينادي به الراحل إدوارد سعيد وآخرون، وهو حل سلطة أوسلو، والتخلي عن فكرة الدولتين، والاتجاه نحو النضال من أجل تثبيت حقوق الفلسطينيين في دولتهم الواحدة، وهو فحوى المشروع الفلسطيني الأصلي.
(11)
مهما يكن الأسلوب الذي يتبع، فإن المشكلة الأبرز التي تحتاج إلى المعالجة هي الاستخدام الفعال للسلاح الأخلاقي. القضية الفلسطينية ما تزال للأسف أعدل قضية في العالم ولكنها تتمتع بأسوأ المحامين. فهل يمكن في أي مجال آخر أن يتوقع إنسان وضع يقف فيه سياسيون فاشيو النزعة مثل نتنياهو وليبرمان، ومرتكبي جرائم حرب من أمثال باراك وبيريز وأضرابهم، قضاة يحاكمون ضحاياهم، وأن ينحاز إليهم العالم؟ لا شك أن أبشع جريمة ارتكبت في حق الفلسطينيين هي تلك التي ارتكبها الساسة والقيادات والمفكرون العرب، ممن اضاعوا الحق الفلسطيني بالعجز عن الدفاع عنه أخلاقياً وفكرياً، وهو حق قادر على الدفاع عن نفسه لولا أن كثيرا من أنصاره هم اكثرا شرا من العدو، لأنهم هم المسؤولون عن نزع السلاح الأخلاقي للأمة.