احمد العتيبي
08-08-2010, 10:48 AM
نهاية منتظرة لعالم يشبه الكازينوهات
نصر شمالي*
8/8/2010
ما أن بلغ هذا النظام الرأسمالي الربوي العالمي ذروة قوته وذروة صعوده، في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، حتى بدأت تظهر عوارض ضعفه ومظاهر قرب انحداره، لقد بلغ منذ ذلك التاريخ الذروة التي لا صعود بعدها أبداً، والتي لا بدّ وأن يليها الانحدار.
وجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة والقارة التي يطلق عليها اسم العالم الجديد بمجملها، كانت الاحتياطي الهائل الأخير لهذا النظام، وهو الاحتياطي الذي ما أن زجّ به في الميادين الدولية، خاصة الأوروبية/ الأمريكية، حتى بات واضحاً بلوغ النظام الاستعماري/ الرأسمالي/ الإمبريالي/ المرابي مرحلة الإفلاس، حيث لم يعد ثمّة عالم جديد آخر، ولا ثمّة احتياطي آخر بعد ذلك. ولا تغيّر في هذه الحقيقة عمليات إعادة اكتشاف وإنتاج المستعمرات التقليدية، بهذه الطريقة أو بتلك، كما هو الحال في البلقان، وفي العراق وأفغانستان وباكستان، وفي الصومال والسودان، وفي عدد آخر من الدول والمناطق الأفريقية والآسيوية.
نقول ذلك تكراراً ونحن نتابع الأزمة الشاملة العميقة المستعصية، التي تعصف بأركان هذا النظام العالمي الفاسد، غير أننا نسارع فنوضّح أنّ هذه الحقيقة الصارخة، التي أشرنا إليها منذ العام 1980 في كتابنا 'إفلاس النظرية الصهيونية' لا تعني بالضرورة زوالاً فورياً، أو قريباً، لهذا النظام الجائر. لأنّ الأنظمة، مهما اهترأت وتفسّخت وتعفّنت، لا تزول إلاّ بنهوض بدائلها. والبدائل لا تظهر إلاّ بعد توفر جملة من الشروط الذاتية والموضوعية. وكفاح الشعوب الواعي المرتقي إلى مستوى المهمة التاريخية العظمى، هو الذي يوفر الشروط الضرورية، ويختصر مرحلة الانتقال إلى عشرات السنين بدلاً من مئات السنين.
إنّ ما ينبغي على الجهد الكفاحي الأممي تحقيقه، في حال وعيه ورقيّه الكافي، هو اختصار زمن الصراع، حيث في حال نقص الوعي والرقيّ يمكن أن يستمرّ هذا النظام المرابي الشايلوكي، أزمنة طويلة وهو في حالة الاحتضار، إنّه لمن الجائز أن تتأخّر نهايته عشرات بل مئات السنين في حال شيوع الأوهام والحلول القاصرة، وفي حال الانشغال بالثانويات عن الرئيسيات، فتهدر التضحيات العظيمة، ويتحوّل كفاح الأمم وعذابها إلى ضرب من المعاناة العبثية المجانية، وهو ما نراه اليوم يحدث في البلاد العربية على وجه الخصوص وفي المقابل، من الثابت أنّ بعض الأمم استوعبت هذه الحقائق إلى هذا الحدّ أو ذاك، بفضل معركة العراق ونتائجها الهائلة، التي لم يستفد منها العرب ويا للعجب، فكان أن ظهرت مجموعة الدول الناهضة أو الصاعدة التي تمتلك قياداتها اليوم قدراً كافياً من الوعي والحكمة والقوة والاستقلال.
يقول أحد الخبراء الاقتصاديين الصينيين إنّ الديون الأمريكية، التي بلغت في عام 2008 رقم 57 تريليون دولار، سوف تبلغ رقم 586 تريليوناً في عام 2050، وأنّ الشعب الأمريكي لن يستطيع عندئذ سداد فوائد الديون المترتبة عليه حتى لو امتنع عن الأكل والشرب! أمّا الأخطر فهو أنّ الولايات المتحدة بتركيبتها الحالية لا تملك حلاّ يوقف اندفاعها نحو هذا المصير، وأنّ فترات الانتعاش التي يبالغون في تضخيمها والتعويل عليها لن تكون إلاّ مؤقّتة تليها أزمات أشدّ.
إنّ الخبير الاقتصادي الصيني، في عرضه للأسباب المؤدّية إلى انحدار هذا النظام الربوي العالمي، يقول إنّ شيخوخة جيل الاستهلاك والإنفاق الضخم في الولايات المتحدة، وأيضاً في أوروبا الغربية واليابان، هو أحد أبرز الأسباب، وانّه من دون الاستهلاك والإنفاق الضخم، من دون هذه القوة الدافعة للاقتصاد الأمريكي، فإنّ جميع الأرقام الاقتصادية الإيجابية المعلنة تغدو مجرّد أوهام، وإنّه لمن العبث تخيّل إمكانية عودة مثل هذا الإنفاق، بل المتوقّع أن تستمرّ دورة الانحدار في إنفاق المستهلكين الأمريكيين حتى عام 2024 كمدى زمني مرئيّ. إنّ الاقتصاد العالمي محكوم بنظامين متداخلين: نظام النقود الوهمي، ونظام الاقتصاد الحقيقي. وشيخوخة مجتمع الاستهلاك والإنفاق الأمريكي كارثة طبيعية؛ غير أنّ نظام الدولار النقدي الورقي الوهمي، الذي كان الخطأ الأساسي، يشكّل الكارثة التي صنعها الإنسان. ولكن كيف حدث أنّ الولايات المتحدة دخلت هذا النفق، منذ عام 1969 حين انكشف تحوّلها من مصدّرة إلى مستوردة ومن دائنة إلى مدينة؟ يشير الخبير الصيني إلى أنّ السبب هو ذلك 'الخطأ الأساسي'، أي إحلال الدولار محلّ الذهب. لقد كان الذهب مجرّد احتياطي ضامن لقيمة العملات، لكنّ العملة النقدية الورقية، التي تستخدم في الوقت نفسه للتبادل التجاري الدولي وكاحتياطي عالمي، تزيد مديونية أصحابها الأمريكيين. فالولايات المتحدة تصدر الدولار من أجل تأمين احتياجات العالم من الاحتياطي وتستورد في الوقت نفسه من الدول الأخرى بما يتفق مع إصداراتها من الدولار الورقي، الأمر الذي يؤدّي إلى عجزها التجاري، ويؤدي إلى تراكم هذا الجبل من الديون المترتبة عليها. وبما أنّ الديون تنمو بوتيرة أسرع من وتيرة نموّ الاقتصاد الحقيقي فإنّ الدولار يفقد مكانته كعملة صحيحة صالحة للتبادل التجاري.
إنّ المأساة الأساسية لهذا النظام الاقتصادي العالمي هي أنّه قائم على القروض بالدرجة الأولى. أي على الرّبا والفوائد المركّبة. وهي وظيفة وضعها الأوروبيون والأمريكيون في موقعها القيادي الأول منذ أصبحوا إمبرياليين، في أواخر القرن التاسع عشر. وهكذا أصبح المسؤولون الماليون في واشنطن، وفي لندن وغيرها أيضاً، أقوى من رئيس الدولة، بل أصبحوا الحاكم المطلق لنظام الاقتصاد الحقيقي، الذي صار تابعاً ذليلاً لنظام النقود الورقية الوهمي.
بصورة عامة، فإنّ ما حدث تاريخياً هو أنّ الولايات المتحدة وحليفاتها المرابيات تجرّعوا أخيراً كأس السمّ التي طالما أرغموا الأمم جميعها على تجرّعها. نعني نظام الإقراض بالفوائد المركبة، حيث الدائن لا تأخذه بالمدين شفقة ولا رحمة، وحيث تنمو الفوائد بوتيرة أسرع من نموّ دخل المدين، الأمر الذي يجعل إفلاسه حتمياً، فتكلفة القرض الذي يمنح لدولة ما سرعان ما تزيد عن معدّل نمو أرباحها، فيتعاظم الدين بسرعة مذهلة في ظلّ نظام الفائدة المركّبة، ويحدّ ذلك من تدفق السيولة النقدية للدولة المدينة، وهو التدفق البطيء عادة، فيؤدّي ذلك إلى التخلّف عن السداد، وإلى الأزمة الشاملة. ولقد كانت قضية القروض مأساة لمعظم الأمم على مدى أزمنة طويلة، وها هي اليوم ترتدّ على أصحابها الأوروبيين والأمريكيين، بعد أن استنفد نظامهم العالمي الظالم المقامر، جميع حظوظه في عالم حوّلوه إلى ما يشبه الكازينوهات.
* كاتب سوري
نصر شمالي*
8/8/2010
ما أن بلغ هذا النظام الرأسمالي الربوي العالمي ذروة قوته وذروة صعوده، في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، حتى بدأت تظهر عوارض ضعفه ومظاهر قرب انحداره، لقد بلغ منذ ذلك التاريخ الذروة التي لا صعود بعدها أبداً، والتي لا بدّ وأن يليها الانحدار.
وجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة والقارة التي يطلق عليها اسم العالم الجديد بمجملها، كانت الاحتياطي الهائل الأخير لهذا النظام، وهو الاحتياطي الذي ما أن زجّ به في الميادين الدولية، خاصة الأوروبية/ الأمريكية، حتى بات واضحاً بلوغ النظام الاستعماري/ الرأسمالي/ الإمبريالي/ المرابي مرحلة الإفلاس، حيث لم يعد ثمّة عالم جديد آخر، ولا ثمّة احتياطي آخر بعد ذلك. ولا تغيّر في هذه الحقيقة عمليات إعادة اكتشاف وإنتاج المستعمرات التقليدية، بهذه الطريقة أو بتلك، كما هو الحال في البلقان، وفي العراق وأفغانستان وباكستان، وفي الصومال والسودان، وفي عدد آخر من الدول والمناطق الأفريقية والآسيوية.
نقول ذلك تكراراً ونحن نتابع الأزمة الشاملة العميقة المستعصية، التي تعصف بأركان هذا النظام العالمي الفاسد، غير أننا نسارع فنوضّح أنّ هذه الحقيقة الصارخة، التي أشرنا إليها منذ العام 1980 في كتابنا 'إفلاس النظرية الصهيونية' لا تعني بالضرورة زوالاً فورياً، أو قريباً، لهذا النظام الجائر. لأنّ الأنظمة، مهما اهترأت وتفسّخت وتعفّنت، لا تزول إلاّ بنهوض بدائلها. والبدائل لا تظهر إلاّ بعد توفر جملة من الشروط الذاتية والموضوعية. وكفاح الشعوب الواعي المرتقي إلى مستوى المهمة التاريخية العظمى، هو الذي يوفر الشروط الضرورية، ويختصر مرحلة الانتقال إلى عشرات السنين بدلاً من مئات السنين.
إنّ ما ينبغي على الجهد الكفاحي الأممي تحقيقه، في حال وعيه ورقيّه الكافي، هو اختصار زمن الصراع، حيث في حال نقص الوعي والرقيّ يمكن أن يستمرّ هذا النظام المرابي الشايلوكي، أزمنة طويلة وهو في حالة الاحتضار، إنّه لمن الجائز أن تتأخّر نهايته عشرات بل مئات السنين في حال شيوع الأوهام والحلول القاصرة، وفي حال الانشغال بالثانويات عن الرئيسيات، فتهدر التضحيات العظيمة، ويتحوّل كفاح الأمم وعذابها إلى ضرب من المعاناة العبثية المجانية، وهو ما نراه اليوم يحدث في البلاد العربية على وجه الخصوص وفي المقابل، من الثابت أنّ بعض الأمم استوعبت هذه الحقائق إلى هذا الحدّ أو ذاك، بفضل معركة العراق ونتائجها الهائلة، التي لم يستفد منها العرب ويا للعجب، فكان أن ظهرت مجموعة الدول الناهضة أو الصاعدة التي تمتلك قياداتها اليوم قدراً كافياً من الوعي والحكمة والقوة والاستقلال.
يقول أحد الخبراء الاقتصاديين الصينيين إنّ الديون الأمريكية، التي بلغت في عام 2008 رقم 57 تريليون دولار، سوف تبلغ رقم 586 تريليوناً في عام 2050، وأنّ الشعب الأمريكي لن يستطيع عندئذ سداد فوائد الديون المترتبة عليه حتى لو امتنع عن الأكل والشرب! أمّا الأخطر فهو أنّ الولايات المتحدة بتركيبتها الحالية لا تملك حلاّ يوقف اندفاعها نحو هذا المصير، وأنّ فترات الانتعاش التي يبالغون في تضخيمها والتعويل عليها لن تكون إلاّ مؤقّتة تليها أزمات أشدّ.
إنّ الخبير الاقتصادي الصيني، في عرضه للأسباب المؤدّية إلى انحدار هذا النظام الربوي العالمي، يقول إنّ شيخوخة جيل الاستهلاك والإنفاق الضخم في الولايات المتحدة، وأيضاً في أوروبا الغربية واليابان، هو أحد أبرز الأسباب، وانّه من دون الاستهلاك والإنفاق الضخم، من دون هذه القوة الدافعة للاقتصاد الأمريكي، فإنّ جميع الأرقام الاقتصادية الإيجابية المعلنة تغدو مجرّد أوهام، وإنّه لمن العبث تخيّل إمكانية عودة مثل هذا الإنفاق، بل المتوقّع أن تستمرّ دورة الانحدار في إنفاق المستهلكين الأمريكيين حتى عام 2024 كمدى زمني مرئيّ. إنّ الاقتصاد العالمي محكوم بنظامين متداخلين: نظام النقود الوهمي، ونظام الاقتصاد الحقيقي. وشيخوخة مجتمع الاستهلاك والإنفاق الأمريكي كارثة طبيعية؛ غير أنّ نظام الدولار النقدي الورقي الوهمي، الذي كان الخطأ الأساسي، يشكّل الكارثة التي صنعها الإنسان. ولكن كيف حدث أنّ الولايات المتحدة دخلت هذا النفق، منذ عام 1969 حين انكشف تحوّلها من مصدّرة إلى مستوردة ومن دائنة إلى مدينة؟ يشير الخبير الصيني إلى أنّ السبب هو ذلك 'الخطأ الأساسي'، أي إحلال الدولار محلّ الذهب. لقد كان الذهب مجرّد احتياطي ضامن لقيمة العملات، لكنّ العملة النقدية الورقية، التي تستخدم في الوقت نفسه للتبادل التجاري الدولي وكاحتياطي عالمي، تزيد مديونية أصحابها الأمريكيين. فالولايات المتحدة تصدر الدولار من أجل تأمين احتياجات العالم من الاحتياطي وتستورد في الوقت نفسه من الدول الأخرى بما يتفق مع إصداراتها من الدولار الورقي، الأمر الذي يؤدّي إلى عجزها التجاري، ويؤدي إلى تراكم هذا الجبل من الديون المترتبة عليها. وبما أنّ الديون تنمو بوتيرة أسرع من وتيرة نموّ الاقتصاد الحقيقي فإنّ الدولار يفقد مكانته كعملة صحيحة صالحة للتبادل التجاري.
إنّ المأساة الأساسية لهذا النظام الاقتصادي العالمي هي أنّه قائم على القروض بالدرجة الأولى. أي على الرّبا والفوائد المركّبة. وهي وظيفة وضعها الأوروبيون والأمريكيون في موقعها القيادي الأول منذ أصبحوا إمبرياليين، في أواخر القرن التاسع عشر. وهكذا أصبح المسؤولون الماليون في واشنطن، وفي لندن وغيرها أيضاً، أقوى من رئيس الدولة، بل أصبحوا الحاكم المطلق لنظام الاقتصاد الحقيقي، الذي صار تابعاً ذليلاً لنظام النقود الورقية الوهمي.
بصورة عامة، فإنّ ما حدث تاريخياً هو أنّ الولايات المتحدة وحليفاتها المرابيات تجرّعوا أخيراً كأس السمّ التي طالما أرغموا الأمم جميعها على تجرّعها. نعني نظام الإقراض بالفوائد المركبة، حيث الدائن لا تأخذه بالمدين شفقة ولا رحمة، وحيث تنمو الفوائد بوتيرة أسرع من نموّ دخل المدين، الأمر الذي يجعل إفلاسه حتمياً، فتكلفة القرض الذي يمنح لدولة ما سرعان ما تزيد عن معدّل نمو أرباحها، فيتعاظم الدين بسرعة مذهلة في ظلّ نظام الفائدة المركّبة، ويحدّ ذلك من تدفق السيولة النقدية للدولة المدينة، وهو التدفق البطيء عادة، فيؤدّي ذلك إلى التخلّف عن السداد، وإلى الأزمة الشاملة. ولقد كانت قضية القروض مأساة لمعظم الأمم على مدى أزمنة طويلة، وها هي اليوم ترتدّ على أصحابها الأوروبيين والأمريكيين، بعد أن استنفد نظامهم العالمي الظالم المقامر، جميع حظوظه في عالم حوّلوه إلى ما يشبه الكازينوهات.
* كاتب سوري