المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة أمـل حـيـاتـــــــي :: الأجزاء كامله ::



الــولــيــد
06-05-2010, 09:34 PM
القصة
تبدأ خيوط القصة بشابين " شاب وفتاة " حديثين في السن . تجمعهما الأقدار في ظروف غامضة فينشئ الحب .
يولد الحب العفيف ويكبر ويبلغ حدود التضحية .

" عبد الله " شاب يحب فتاة تدعى " أمل " .
هاهو كعادته كل مساء يتجه إلى الباب الخارجي للمنزل منطلق لرؤية حبيبته . يسلك الطرقات .. يقطع المسافات من أجل نظرة ..نظرة فقط لا غير .
يسابق الخطوات لكي يصل في الموعد المحدد ..في تمام الساعة المعنية . يسابق خطى قدميه نبضات فؤاده .
وقف عند أول مدخل الحي الذي تقطن به محبوبته الصغيرة . و أخذ يطلق زفراته و يجمع أنفاسه . ثم يتابع السير نحو منزلها حتى وصل , و أخذ يترقب اللحظة التي يشاهدها تعبر فيها .

" أمل " هاهي تفتح بوابة المنزل لتجده أمام ناظريها فتبتسم له و تذهب .

" عبد الله " : يبتسم لها و يتبعها خوفاً عليها من مضايقات الآخرين ..ثم ينتظر حتى عودتها ..
" و هكذا حياتهما "

و مع مرور السنوات يكبران ويكبر ذلك الحب الكبير داخلهما , ولكن لم يدعهما القدر يكملان الطريق ..الدرب الجميل .
لم يدعهما العذال إلاِّ بحرق قلبيهما و أماتت حبهما بالحرمان .

" فاطمة " رفيقة الدارسة لأمل .
تخبر " أمل " رفيقتها " فاطمة " بحب عمرها وهيامها وعشقه .
"فاطمة " ترد عليها قائلة ً :
إذا أردتي نصحي أخبري أمكِ بهذا الحب و الاتصالات . أخبريها لكي تساعدكِ و تكون سند لكِ في نيل حبك .

" أمل " بعد اقتناعها ترد على " فاطمة " قائلة :
شكراً لكِ على نصيحتكِ العظيمة و سأعمل بها في أقرب فرصة .

تعود " أمل " إلى المنزل و الفرحة تغمرها و تريد الإفصاح لأمها بشغف عن مكنونها ..عن حبها و حبيبها .

* هاهي " أمل " تصل إلى المنزل و ترمي بحقيبتها و تركض هنا وهناك ..تركض في جميع أركان المنزل وهي تصرخ ..أمي ..أمي ..و الابتسامة قد ملت ثغرها .

* تتجه " أمل " مسرعه إلى المطبخ و ترتمي في أحضان أمها وتقبلها عدة قبلات . تارة على رأسها و أخرى على يديها و كتفيها .
* تلتقط " الأم " أبنتها لأحضانها وتبتسم لها . ثم تسألها : ما سر كل هذه السعادة ؟!

* تحتضن " أمل " أمها و تقول لها :
سأخبركِ عن موضوع يهمني ..عن قرار مصيري .

" وبدون مقدمات أو تمهيدات تعلن أمل الخبر . تفجر القنبلة لتنسف العناق بينهما " بينها وبين أمها " .
* " أمل " تخبر أمها وتقول :
أمي أنا أكلم " فلان بن فلان " .
" الأم " في دوامة الصاعقة ترد عليها قائلة : و لماذا تكلميه ؟!
" أمل " ترد على أمها وتقول :
أكلمه لأنني أحبه .
( أخبرت أمها و حدثت الطامة الكبرى )

*" الأم " تثور و تغضب . فترفض ذلك الحب بشدة بل و تمقته و تمقت أبنتها .
ثم تنزل " الأم " بابنتها أشد أنواع العذاب ..ضرب ..حبس ..لعن ..شتائم ..شك ..عدم ثقة و وضعها تحت المراقبة المشددة .
( عذاب لا يوصف )


* " عبد الله " يحاول و يحاول الاتصال . يحاول معرفة سبب الانقطاع ..سبب البعد و الهجران .
و مع كثرة المحاولات والإصرار يعرف السبب .
و في ذات يوم يقوم بإرسال إحدى القريبات لبيت " أمل " لكي يطمئن عليها و لتخبرها بان " عبد الله " يريد ان يتزوجها .
( و هو في ذلك الوقت لا يعمل " عاطل عن العمل " , ولكنه أصر و أصر على الزواج منها )


* ثم تحاول " أمل " ان تقنع أمها برغبة " عبد الله " في الاقتران بها . و لكنها تتلقى ما لم تتلقاه مجرمه .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:35 PM
* تصرخ " الأم " وهي تهدد بالويل و الوعيد في وجه ابنتها و تقول لها :
والله ما يتزوجك " ولد فلانة " .

* يخيم الصمت على أرجاء المكان , و يذب الحزن لتموت فرحة الحب باللقاء . ثم تذهب " أمل " لغرفتها لتعزف معزوفة الرحيل على أوتار الفراق .
( هكذا أصبح وضع أمل وبيتها ) .

* و بعد مضي أيام تفكر و تفكر " الأم "ملياً في كيفية قطع هذه العلاقة و بترها من الجذور ليموت كل الحب , و يموت كل شيء .
و مع شدة التفكير تتوصل " الأم " لطريقة وحيدة وهي : الإرغام و الإكراه .

*و في ليلة من الليالي تتجه " الأم " إلى حبس أبنتها " أقصد غرفتها " و تتوسل لها بان تصرف نظر عن هذا الموضوع , وان آخره ندم و حسرة من غيره و شك .
تتوسل الأم و الدمع بعينيها ثم تقف بحزم و تقول :
( والله لأحرمكِ ليوم الدين ..لا أنتي ابنتي و لا أعرفكِ .
والله لأموت حسرة ..أترضين أمكِ ان تموت ؟ )

* ثم تبكي " أمل " و تبكي بشدة و حرقه والألم يعتصرها . فتخضع لطلب أمها وتعاهدها على كتاب الله تعالى بتنفيذ ما تريد و ما تقول .

* و تمر الأيام و محاولات " عبد الله " مستمرة في الوصال و الاتصال , و لكن دون فائدة.

* وبعد فترة من الزمن ما يقارب شهر أو أكثر تذهب " أمل " إلى بيت إحدى صديقاتها و تدعى " حنان "
لتطلب منها الهاتف لكي تتصل و تطمئن على " عبد الله " بدون علم حنان .
وبالفعل تتحدث " أمل " مع " عبد الله " و تطمئن عليه . ثم تخبره بان لديها ظروف منعتها من التحدث معه لذلك هي تتصل من بيت صديقتها .
فيسألها بقوله : أين انتِ , و في بيت من ؟

تردد " أمل " في بادئ الأمر ثم تخبره بعد ذلك أين هي و في بيت من .

* ومن حسن الصدف بان أخو " حنان " صديق " عبد الله " بل يعتبره أخاه .

* يطلب " عبد الله " من " أمل " الانتظار قليلاً لأنه سيأتي لرؤيتها من عند الباب بحجة أنه يريد صديقه " حسن " .
( وهكذا استمرا في طريقة الاتصال و الرؤية ) .

مرت الأيام و الأشهر حتى قرابة السنة لتعود الأوضاع في بيت " أمل " شيءً فشيء . و كان أولها و أهمها التلفون .

* و في يوم يتصل " عبد الله " و يعاود بطلبه و شدة رغبته و يقول لها :
أريد ان أتزوجك ؟

* " أمل " ترد عليه وبكل برود و تقول له :
زواج لا ..خليه حب .

* و كانت الصدمة القاتلة للطرفين ليولد الجرح و يموت الحب بتشريح .

* ولكن " عبد الله " يحاول ويحاول ....
* تتقن " أمل " تمثيل الدور ببراعة هائلة وتقول له :
نحن لسه صغار , ولا ننفع لبعض .

* ويبدأ كل منهما رحلته . رحلة في عتمة ليل وقهر زمان .
رحلة العذال الذين قاموا بدور بارع في تفريقهما .
و في ضجيج الرحلة و الهدوء تمر على هذه الرحلة فتاة أخرى تدعى " نوف " لتلتقي " عبد الله " بحب جديد .

هاهي تولد قصة داخل قصة . يولد حب ليرى النور . يولد في ظروف خاصة به ..ظروف تقمع قلب المحب وتقمع المحبوب .

* يولد الحب الجديد " حب نوف و عبد الله " كبداية تقليدية رجل جريح و فتاة منقذة ..مطببه لذلك القلب الجريح تريد استيطانه و تريده .

* ومع مرور الأيام من استلطاف و ارتياح مع عملية الانسلاخ من الحب القديم و إزالة " اللباس " و استبداله كما تستبدل الحية جلدها لعام جديد .

هاهو " عبد الله " يعيش حياته الجديدة بكل حب و اندفاع .
يعارك و يعارك من أجل الوصول إلى مرامه وهو الاقتران بـ " نوف " لقد أحبها فعشقها .

و هاهي " أمل " تناضل و تكافح تيارات الحياة لتسلك طريق نكران الذات و اللامبالاة ..." انتكاسه " .

بدأ كل منهما يسلك طريقه . أحدهما اتجه لتكوين و بناء شركة مستقبلية مع من أختار , و الآخر اتجه اتجاه ذات الحب لحبيبه .
ثم تنقطع كل سبل الاتصال بين " أمل و عبد الله " لتنقطع أخبارهما .

* يشن " عبد الله " حرب على كل شيء أمامه يمنعه من الوصول و الارتباط بـ " نوف " و بالفعل ينتصر بالمعركة و يكسب الغنيمة .

* ولكن " أمل " لم تهدأ لتتحسس الأخبار . فكم تمنت سماع صوته ..كم تمنت ان تلمحه ..كم ..و كم ..
بدأت " أمل " في حالة نفسية لا يحسد عليها . بدأت تتصرف دون وعي أو أدراك للأمور . بدأت تعيش من أجله لتموت .
بدأت كالبركان في ركوده ..كالبركان في سكون الحمم و النيران .
بدأت رحلة العمر القاسية و داخل الأعماق حب و جرح طي الكتمان .

* تسأل " أمل " عن " عبد الله " أخوانه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , و تفنن في طريقة السؤال و كانت الإجابة لها بالنسيان .
لم تكن توضح بان سؤالها عن حب أو اشتياق ..عن وله و هيام .
لكنها كانت تجعل سؤالها عنه بين طيات الحديث و أدراج الأسئلة كسؤال عابر عن صحة إنسان بمثابة أخ عزيز إنسان أهتم بها و وقف معها في أصعب الأزمات .

* ثم تأتي مرحلة الاستغلال و الاستهداف لها الكل يريدها له . الكل يريدها ان تنحرف بمضمون مقولتهم لها : عيشي حياتكِ لتنسيه .
ولكنهم لم يعلموا بأنه حب حقيقي عفيف لا ينسى . لذلك أقفلت جميع الأبواب ..قفل باب قلبها على ذلك الحب ليقفل قلبها كالحصن المنيع الذي لن يخترق من قريب أو بعيد .

* أخذت " أمل " تهاجم بأسلحتهم فكان أول هجوم لها هو تحطيم ذاتها " لا للحياة ـ لا للحب ـ لا للارتباط ـ لا ..لا
تكبر و يزداد جمالها و تصبح محط الأنظار فيزداد عدد الخطاب .
و بالطبع لا تستطيع ان ترفض بطريقه مباشرة فلقد كانت لها طريقتها الخاصة بالرفض .
فعلى سبيل المثال :
بان تتصل و تخبر أهل الخطيب بأنها لا تريد , أو يتصل الخطيب على أساس اختبارها أو الحديث معها فترد عليه وهي تعلم جيداً بأنه فلان فتقول له :
" أنا لا أحب أحد لا قريب و لا بعيد و لا أنت أيها الخطيب ....تقفل السماعة في وجهه "
فكانت تبعدهم واحد تلو الآخر .
* كانت " أمل " دائماً منشغلة البال على " عبد الله " .
و في ذات يوم حضر أخو " أمل " متأخر إلى البيت . فقام بسؤاله والده عن سبب تأخره فقال " و ليته لم يقل " لقد كانت الليلة زواج " عبد الله ..............."
هزه أرضيه " زلزال " شق قلب " أمل " .

و بسرعة هائلة سرعة البرق و لمح البصر تتفوه " أمل " و تقول : لقد تزوج " نوف " أعرفها . الله يوفقهم و يسعدهم .

دخلت " الأم " غرفة " أمل " و قالت : هذا الذي تحبينه ..هذا الذي تريدينه ..؟
هذا الذي تشدي به ظهركِ لقد رحل و ترككِ ..أنسيه .

لم يكن بيدي " أمل " شيء غير الصمت و حديث نفس تردده مستحيل ينساني لو يحب و يتزوج مليون من النساء لأني لن أنساه .

مرت الأعوام والنظرات القاسية تلاحقها و الكلمات الجارحة تخنقها فتفقد الثقة و الأمان .
تحاول الانتحار و لكنهم يسرعون في إنقاذها .
فتبسم و تقول : محاولة فاشلة لأني فاشلة في كل شيء يخيم الإحباط و يسكنها اليأس .

* بعد رحيل " عبد الله " و الاستقرار يدب الخوف وعدم الأمان في حياة " أمل " مع أمنية من أعماق قلبها دائماً ترددها بدعوة صادقة " يا رب أسعد عبد الله كما أسعدني و وفقه " .

حياة " أمل " الجديدة مع صراع الوعي و اللاوعي .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:37 PM
حياة " أمل " الجديدة مع صراع الوعي و اللاوعي .






هنا الصراع يختلف تماماً عن الصراع التقليدي المعهود . فهو ليس صراع امرأتان و رجل أو صراع إناث من أجل ذكر بل هو صراع ذاتي .



* ستسرد لنا الفاتنة " أمل " ذات الشعر الطويل الكستنائي و الجمال الخلاب صراعها المرير مع البشر من أجل الدفاع عن حب في شغاف قلبها , و عن ذات تعاني ضيم و قهر .



* هاهي " أمل " تعلن و تفصح عن حقائق خفيت و جهلت بلسان حالها لتقول :



لقد كنت أعاني من حالة نفسية و لم أكن أعلن بذلك . كنت أعيش تناقضات شتى حتى أطلق عليَّ البعض مسمى غريبة أو مسمى نموذج غريب .



* لقد خيم الصمت عليَّ طويلاً بعد زواج " عبد الله " و أصبحت أكثر هدوءً و انطوائية . و في ليلة من الليالي بعد مغيب الشمس فجأة أطلقت صرخة عظيمة هزت أركان المكان



هزت أهلي و الذين من حولي . لقد استيقظت من السبات ..صحوت من الغفلة بان " عبد الله " رحل و بقيت وحيدة . لقد أصابني جنون الصدمة بسبب البعد و الحرمان .



* فاتجهت إليَّ " أمي " و وجهها يمله الغضب و قالت : ( لقد جننك " عبد الله " ) . فنظرت إليها ببأس و صمت فكانت هي صرختي الأولى و الأخيرة .



* كانت معاناتي هذه و أنا بالمرحلة الثانوية و لم تتوقف المعاناة بل خلطت بدم السخافات لتنجب مولوداً يدعى " الشبهات " .



المعاناة و قد أخبرتكم بها , و الآن دور السخافات لتعلموا المقادير و كيفية طرق صنع الخليط لتنتهي الأكلة بطبق رئيسي وهو " الشبهات " . " الشبهات التي حذر منها رسولنا



الكريم صلى الله عليه و سلم ـ فيما معناه ـ اتقوا الشبهات ما استطعتم " .



* أمعنوا و خذوا الحيطة و الحذر بالاستفادة من تجارب الغير ..." فالدين النصيحة ...." .



دعونا نكمل ..



* في ذلك الوقت كنت بالمرحلة الثانوية فلقد كنت أتعرض لسخافات كثر من بعض الطالبات و المعلمات حتى من بعض الجيران . و السبب في ذلك يعود لشكلي حتى أنني كرهته



أجل كرهت ذلك الوجه الجميل ..الوجه الذي يحمل كل معاني البراءة .



* و هنا لن أطيل عليكم سوف أذكر بعض السخافات التي قابلتني في حياتي الدراسية . سأتحدث عن معجباتِ أو مغرماتي ان صح التعبير . فيهن عاشقات العيون ، و منهن عاشقات



الشفاه , و منهن بكلمة " مزح " مني تذوب .



* سأخبركم عن حقيقة الهوى و حب الشذوذ . سأخبركم عن حقيقة ما هو كائن و ما يكون .



* بداية ً مع المدرسة ..انطلاقاً بالعالم الخارجي .



* بداية ً من التلميحات انتهاء بالصور .



عروض ـ رغبات ـ تلبية خدمات ـ كرم طغى كرم حاتم الطائي و فاق .



* سأحكي لكم عن أحدى " المعجبات " من التلميذات التي كانت في الفصل المجاور , و كيف طريقتها في إيصال الإعجاب " هي من النوع الصريح " .



* في صباح يوم دراسي كنت مع بعض الرفيقات " الزميلات " في فناء المدرسة واقفات نتبادل فيما بيننا الحديث و الضحكات .



* فاذا بشبح مسرع يقترب نحونا من بعيد و أنا أرتقبه متوجسة منه خيفة . لقد أقترب هذا الشبح شيءً فشيءً حتى دنى منا . الجميع صرخ أنها " فايزة " لم أكن أعرفها ، و هذه



المرة الأولى التي أشاهدها فيها .



* تقف " فايزة " أمامي لتعترض طريقي و تحجز سيري ثم تقول لي و بدون مقدمات : أريد ان أرافقكِ " أصاحبكِ " فماذا تقولين ؟



* فقلت لها : ماذا تريدين ؟!



* ردت عليَّ و قالت : أريد ان أصاحبكِ ؟



فقلت لها : ماذا ؟!



قالت : يعجبني أسلوبكِ و طريقة كلامكِ .



فلم أجد رداً لها غير نظرات الدهشة , و كنت أحدث نفسي و أقول : لماذا ؟ . هل الحديث الطيب و اللباقة و المزاح من شدة القسوة و العناء بوابة من بوابات جهنم ؟!



* لقد تركتني " فايزة " لمدة يومين و لم تخاطبني في شيء . فقلت في نفسي : الحمد لله لقد عادت لرشدها و صوابها .



و لكن بعد مضي اليومين و في اليوم الثالث أتتني تختال ضاحكة وهي تسدل شعاع شمس ببريق عينيها , و ابتسامة رائعة لا تنسى .



فقلت : الهي كن جواري فقد أفقد صوابي و أسمعها كلام لم يخطر ببال بشر قط .



دنت " فايزة " مني و قالت : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .



فقلت لها : و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته . و أنا أخاطب ذاتي و أقول : غريبة غيرت الأسلوب . " اللهم أعطنا خير هذا اليوم و أكفنا شره "



ثم قالت " فايزة " : كيف حالكِ ؟



رديت عليها و قلت : الحمد لله , و أنت كيف حالكِ ؟



قالت : الحمد لله ..تمام .. أمل .

قالت : الحمد لله ..تمام .. أمل .



فقلت : نعم .



قالت : ممكن ـ أريدكِ في موضوع على انفراد ؟



فقلت لها : قولي فليس هنا أحداً غريب .



فقالت : أعلم ولكني أريد التحدث معكِ في موضوع هام و خاص .



فقلت لها : يا كثر موضوعاتك ..لا يكون الموضوع مثل السابق . فإذا كان مثله أعتقيني لوجه الله ..وجه الكريم .



فقالت لي : لا والله .. بالنسبة للموضوع السابق انتهينا منه , و لقد فهمت وجهة نظركِ .



فقلت لها : الحمد لله .



* ثم انصرفنا إلى آخر السور و انزوينا في مكان خالي . وفجأة تلفت " فايزة " يمنه و يسره ثم أخرجت من إحدى جيبيها " صــــــــــــــورة " .



وقالت : ما رأيكِ به ؟



فقلت لها : انتِ ماذا دهاك ..هل جننتِ أم ان في رأسكِ يقطن فأر ؟



فداهمتني مسرعه بالقول و قالت : لقد فهمتي قصدي بعين الخطأ . هذه صورة أخي . أنظري أنه يشبهني كثيراً .



فقلت لها : واضح .. يشبهكِ حتى في الأسلوب . و الآن ماذا أفعل بكِ و به .



فردت و قالت : سوف أصدقك القول " أخي " يحبك و يريد الزواج بكِ .



فقلت لها : أعيدي أخاكِ إلى محرابه ..أعيديه إلى جيبك .



فقالت : لماذا " أموله " ؟



فقلت : أموله ؟!



فقالت : نعم " أموله " و أمولتي بعد .



فقلت لها : أعيديه لكي لا يصاب بوعكة صحية , فالجو هنا قارص لا يحتمله أمثال أخيك من الرجال . و أرسلت لها نظرات كنت أعلم بموتها قبل رحيلها .



* ولكن هناك مواضيع لأبد من الحزم فيها و بترها . " بتر رأس الحية ، و ليس بتر ذيلها " .



* وبعدها بأسبوع أقبلت أخرى و نفس الخطوات السابقة في عملية شرح الدروس . أعتقد أنهن خريجات مدرسة واحده , و تتلمذوا على نهج واحد . و استرسلت الأحداث في مثل هذه المواويل القذرة .



* جلست أفكر و أفكر ملياً في عمل حاجز لإيقاف ذلك الزحف المسلح أو حتى الحد منه بعض الشيء . فكرت كثيراً و كثيراً فوجدت حل لعله يصيب و يصبح الحل السديد ..الحل السليم . بعد التفكير



و التخطيط جاء وقت التنفيذ . تنفيذ القرار الذي ينص على التالي :



لقد قررت أن أجازف ..أن أغامر بقص شعري كاملاً لعلني أسلم نفسي و بالتالي جسدي .



وبالفعل قمت بذلك و نفذت القرار , و لكني لم أنسى ذلك اليوم لقد تلقيت به عدداً من الصفعات من قبل أهلي على ما ارتكبت من جرم في حق شعري . وهم لا يعلمون السبب ..لا يعلمون بانني أحمي عرضي .



* وفي حقيقة الأمر لم يكن موضوع قص الشعر كافي لأنه لم ينفع و لم يجدي بالكلية . فلقد كان لونه محط اهتمام الكثيرين فقلت لأبد من أبداله بلون آخر . وبالفعل فعلت ذلك و نفذت قراري الثاني . أحدثت



بقراراتي المتتالية ضجة في بيتنا فثأرت الثائرة و تكاثرت الأسئلة من حولي لماذا .. ولماذا ..؟ و كان أهم سؤال هو : لماذا تقوم بكل هذه التغيرات ؟!



و لكي أصدقكم القول لم أرتاح في البيت , و لم أرتاح في المدرسة . لم أرتاح مع أهلي , و لم أرتاح من بعض الزميلات و الصديقات .



لم أرتاح ..لم أرتاح ..حتى علا شأني لأصبح موضع رهان لمن تصل الأول ـ لمن تصل قلبها و تصلها فتفوز بالرهان . كانت منافسة حامية الوطيس , و حرب ضروس ما بين بعض الطالبات وبعض



المعلمات و الوكيلات .



لقد أصبحت محطة أنظار الجميع . و هنا فقط لم أجد سلاح لهم غير الصمت فهو علاج الحمق و الحمقاء .



* و كما قيل " شر البلية ما يضحك " .



و كلما تعددت الاتجاهات لنيل الأهداف مع اختلاف المراحل الدراسية و المراتب بتفاوت الأعمار تكون بعض طرق الغزل . بعضهن عن طريق الابتسامات و النظرات و رفرفت رموش مع بريق دموع



كأنها مسحات سيارة لتنظيف مرآة في ليلة مطر و هبوب .



وبعضهن عن طريق الغزل الصريح أمام الحضور .



بعضهن عن طريق طلوع السلم درجه ..درجه ..



بعضهن عن طريق الصداقة أولاً لدراسة الشخصية ثم الصحبة ثانياً .



بعضهن عن طريق بداية الغيث قطره ..كلمة ..كلمة .



و ...............و ................... لكن الطامة الكبرى تكمن في الأخريات اللاتي تتطلب الرفقة " الصحبة " ..الحب ..أمام أمها و تقول أنها ناقصة حنان . فتبتسم الأم و تنظر للطرف الآخر ..للطرف الذي



ترجوه أبنتها نظرة حانية ..نظرة طلب و التماس بالموافقة ليأذن لأبنتها لتعويض الحرمان بالحرام . كأنها تعيش حياة البقاء و الخلود . " أستغفر الله العظيم و أتوب إليه "



* سألت نفسي مراراً و تكراراً . لماذا هذه الأم تفعل ذلك بابنتها ؟ هل هذا وضع لا يكترث به . أم ان الأم تفعل أو فعلت ذلك ؟




أم خوف الأم لتنجرف ابنتها خلف شاب فيسلبها كل شيء و يفقدها عذريتها ؟




أم تعدي البنت سن الثلاثين و لم يطرق بابها احد للزواج ؟ .......أم .......أم ............؟




وبعد غوصي في بحر أسئلتي وجدت إجابات لعلها تكون صحيحة لتقنعني .



اذا كان الأم تقوم بمثل ذلك . فهي و أبنتها لا يكترث لهما و ليس على دنيا سدم أو عتب .



أم اذا كان خوف الأم ان تنجرف ابنتها خلف شاب . فتزج بها في الهاوية بحجة ان الشاب يأخذ حاجته و يرميها ..أيضاً ستأخذ

صاحبتها ما تريد و ترميها . ولكن هناك فرق بسيط في الكتابة كبير



في المعنى . ( الشاب يرغم لإصلاح خطأه و الزواج بها ..رغم انفه .., و لكن صاحبتها كيف ترغم و كيف تتزوجها ؟!



حجة واهية لعقل أم واهي .



واذا الخوف من تعدي البنت سن الزواج أو فاتها القطار فلماذا تقولون دائماً : الزواج قسمة و نصيب .



لماذا هذه التناقضات و لوي الكلمات حسب الأهواء ليحل بدل الواقعية الغرابة .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:38 PM
المرحلة الثانية من الصراع



هاهي أمل تكمل لنا سلسلة الأحداث .



لم يبقى لدي سبيل غير سبيل ممزوج بين الهروب و الصمت . فقلت مادمت قد وضعت الخطوط الحمراء , و بنيت الحواجز بيننا لأبد أن أجعل لي مدخل آخر في الحياة لكي استنشقها لأعيش .


* فكرت ملياً إلى ان توقف بي التفكير إلى منفذ لعليَّ أجد بصيصاً من الأمل و النور . أجل هذا المنفذ تجربة جديدة . تجربتي هذه لقد أوصى بها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ـ فيما معناه ـ


" مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه " .


أوصى بسابع جار . فبعد وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالجار شعرت بفرحة غامرة و قلت هنا سأبدأ سعادتي .



* ومن بين خوض الصراع بين عالم المدرسة و عالم الجيران توصلت إلى ان الناس هم الناس و العزاء لك يا قلبي .



* وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية وقبل الانتقال إلى عالم التعليم العالي تصل لي رسالة من رفيقة عمري ..صديقتي و أختي حتى الذين يعرفونا أو يشاهدونا معاً يعتقدون بأننا تؤم من شدة الصداقة


والجيرة ..وهي أكثر من ذلك .



* أنظروا معي مضمون الرسالة :


لقد أحببتكِ بل عشقتكِ , ولكن لم تفهميني .


ولن أطيل عليكِ حتى لا تتضايقي مني .


الوداع .



هذا الذي لم يكن في الحسبان ..صُدمت ..صُعقت ..تمنيت الأرض ان تنشق لتبتلعني .


كيف ..لماذا ..؟ أسئلة دارت بي و درت بها . أخذت أصرخ و أقول كيف تكتب مثل هذا ..كيف ؟!


وهي أكثر إنسانه تعلم بحبي ..تعلم بقلبي ..تعلم أمل نبض عبد الله , عبد الله روح أمل ..و العكس .


تساقط الدمع و أنا أقول : هل كانت تعشق جسدي ..أتعشقني لتقتلني ؟!


كفكفت الدمع و قلت : وداعاً لا رجعة بعده .


وبعدها أقسمت لأثأر لذاتي من الجميع .




وفي ليلة من الليالي اتفقا أخواي " الاثنين " على بناء بيت الزوجية معاً . فكانا يتسامران و يتناجيان حول مواصفات زوجة المستقبل و كنت انا و أختي التي تصغرني بسنتين نصغي لهما بصمت .


الأخ الأكبر " أحمد " قال : أنا أريدها غير متعلمة " محو الأمية " ربة بيت ـ ليست على قدر عالي من الجمال .



الأخ الأصغر " أمجد " رد عليه وقال : ماذا بك ؟ سوف تسيء للنسل .. و أخذ يسترسل في الضحك و القهقهة .


رد عليه أحمد وقال : يا مجنون أتريدني ان أتزوج جميلة لكي تتعبني .


أمجد : و كيف ؟!


أحمد : تتعبني بالغيرة ..تتعبني أنا جميلة ..أنا ..انا ... ولكن عندما تكون عادية و مقبولة لن ينظر إليها احد من الرجال .


( " أمل " : كنت أقول في نفسي ـ غبي ـ كيف لا ينظر إليها احد وانت نظرت إليها و قبلت ان تكون زوجه و أم أولادك ؟ . ولكني رجعت و تداركت عقلي وقلت : " حرية شخصية " )


رد أمجد على أحمد وقال : أنا لا اتفق معك . فأما انا أريدها جميلة بل فائقة الجمال شرط أن تكون صغيرة في السن ( 14 ـ 15 ) سنة .


رد عليه أحمد : هذه صغيرة جداً .


أمجد : أحسن أعلمها على طبعي و أربيها على كيفي .



( " أمل " كنت ابتسم لهما وفي ذاتي أقول حوار المجانين . كأنهم يعلمون الغيب و النصيب ..قسماً بربي حوار المجانين . " أحلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااام "! )



ثم استأذنت منهما و أخذت أختي " ايمان " و انصرفنا من هذا الصخب في ليلة بدرية ..ليلة منتصف الشهر .. ثم اتجهنا إلى غرفتنا وفتحنا الشرفة نناجي ذلك البدر البديع حول قصة " ايمان و فهد " .




* وفي الصباح الباكر اتجه كل من الأخوة الألفية إلى أعمالهم و أنا و أختي إلى أماكن تعليمنا . وعندما عدنا إلى البيت كان " أحمد " يتربص أماكن تواجدي حتى ذهبت إلى المطبخ لعمل مشروبي المفضل ..كوب


من النسكافة الساخن . ثم يحضر مباغته و يقول لي : أريدكِ في موضوع خاص .


فقلت له : هل تريد كوباً من النسكافه الساخن .


فقال : لا ..الموضوع أهم .


فقلت له : قل ..خيراً ان شاء الله .


فقال : أريد ان أعمل مشروع بقيمة مائة ألف ريال .


( فقلت في نفسي ...الأخ يعتقد بأنني بنك التسليف ) .


ثم أكمل حديثه وقال : أريدكِ ان تكلمي أمي و أبي .


فقلت له : أكلمهما في ماذا ؟!


قال : أريد ان أخطب ثم أتزوج .


فقلت له : مبارك ..ومن تكن الفتاة ..وبنت من ؟


رد عليَّ وقال : أبحثوا لي انتِ و أمي .


قلت : تمام ..سوف أكلمهما الآن و أوفيك بالأخبار .



ثم اتجهت إلى غرفة ابي و أمي أطرق الباب ..حاملة كوبي بيدي و ابتسامة غريبة لم ابتسم مثلها من قبل .


رد أبي و قال : من الذي يطرق ؟ من الذي بالباب ؟


فقلت : أنا " أمل " ..أبي


فقالا هو و أمي بصوت واحد : أدخلي .


قلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قالا : و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. خيراً ماذا تحملين في جعبتك ؟


فلم أتمالك نفسي و أخذت أضحك و أقول لهما : اسمعاني سأدخل في الموضوع مباشرة و بدون مقدمات .


فقالا : تكلمي نعلم بانك صريحة جداً .. والله يستر من هذه الصراحة .


فقلت : شكراً لهذه الثقة و أنا أقول في نفسي " أعلم أنها سخرية لاذعة من شدة خوفهما لما سأقوله " ..ثم أكملت حديثي ..المهم الموضوع ومن الأخير ابنكما !.


قالا بصوت واحد : من ..وماذا به ؟


فقلت : مره أخرى في نفسي " ما شاء الله " الوالدان يتحدثان بصوت واحد .. " والله الحب فضاح " ! . ثم ابتسمت و قلت صلوا على النبي الكريم .


قالا : اللهم صلي وسلم عليه أفضل صلاة و أتم تسليم ..هاتي ما عندكِ ؟


قلت : اسمعاني جيداً ابنكما البكر " حمودي " يريد ان يخطب و يتزوج و يحضر لكما حفيد " كفائدة لمشروعه " . ويريد منكِ يا أمي ان تبحثي له عن عروسٍ من اختياركِ وذوقكِ .


والآن هو ينتظر ردكما ..فماذا تقولان ؟


فقال أبي : لماذا لم يحضر ليقول ذلك بنفسه ؟


فقلت له : المشروع قيمته مائة ألف ريال .


فقال أبي : و أي مشروع ؟


قلت له : مشروع زواجه . لذلك قال لي أتوسط له عندك لكي تساعده .


رد أبي وقال : كم لديه .


فقلت له : من رأيي ان تساعده بالربع وثلاثة أرباعه عليه . ساعده بخمسة و عشرين ألف ريال , و خمسة آلاف هدية منك أصبحوا ثلاثين ألف ريال . وأنتِ يا أمي عليك شبكة الملكة و أنا عليَّ شبكة ليلة الزفاف .


فما قولكما ؟ زوجوه أفضل من الانحراف .


اتفقنا ؟


ردا أبي و أمي : اتفقنا .. وعلى بركة الله .



غادرت غرفتهما و أحمد ينتظر في الصالة متوتر و أول لمحة لزولي وثب وثبة قوية أطارت كوب النسكافة .و سؤال يقول : ماذا فعلتِ ؟


فقلت له : أنا و إلا انت .


رد وقال : ماذا حدث ؟


قلت له : انت صغير .


قال : أنا صغير ! فعمري أصبح السابعة و العشرين .


فقلت له : و مادمت تعلم ذلك .. كيف تثب هكذا لتتطير مشروبي ..الا يكفي انه أصبح بارداً .


ثم نظر ليَّ نظرة قهر و عند فهمي لنظرته أطلقت العنان لأقدامي . و كان يطاردني و يقول : توقفي لن أدعكِ اليوم حية .


فقلت له : حية و الا أفعى .. هدئ روعك من أجل ان أخبرك ماذا حدث في شأن موضوعك . هنا فقط استجاب و هدأ .


ثم أخبرته بما حدث . فقال لي : هذا فقط .


فقلت له : و ماذا تريد ؟!


قال : أريدكم ان تساعدوني بالنصف .


فقلت له : احمد الله ..هناك كثير من الشباب لا يجدون من يساعدهم بشيء . تريث و لا تخاطب أبي لكي لا تخسر كل شيء " المساعدة و الموافقة على المشروع " .



* بدأت أمي في عملية البحث و التحري عن عروس لابنها البكر " أول فرحة " . .و المسكينة كل يوم تخبر ولدها بواحدة . ما رأيك بفلانه بنت فلان .. ..........لمدة أسبوع .


وكان يرد عليها : لا ..لا ..لا .


و في بداية الأسبوع الثاني عثرت أمي على فتاة طيبة خلقاً و خُلقاً . فلم يستطع الرفض و قال : تمام ..كلمي أمها و أعرفي رأيها .




بعد موافقة " أحمد " المبدئية على خطبة الفتاة و شعور " أمي " بسرور لا يكاد يوصف اتجاه ذلك .


* لقد ساق هذا السرور " أمي " لبيت الفتاة و التي تدعى " نورة " و فاتحت أمها في الموضوع .


فقالت أمي لأم نورة " الخالة زينب " : انه يشرفنا و يسعدنا ان نتقدم لخطبة ابنتكم المصونة " نورة " لابننا الكبير " البكر " أحمد . و أنتم أناس مشهود لهم بالطيبة و الأخلاق العالية .


ردت الخالة زينب بفرح و قالت : و نحن يسعدنا و يشرفنا هذا النسب . ولكني سوف أخبر والدها و أخوانها و أستشيرها في الأمر . وسوف نرد لكم بمشيئة الله تعالى بعد أسبوع .


بعد ذلك رحلت " أمي " من بيتهم تزف البشرى . لأنها استبشرت من حديث " الخالة زينب " و بشاشة وجهها بالموافقة . و أخذت تطلق الزغاريد في أرجاء المنزل و تقول : مبارك عليك " يا أحمد " .


رد أحمد و قال لأمي : هل وافقوا بهذه السرعة ؟!


أمي : لا ..ولكني استبشرت خيراً . سوف يتشاورون فيما بينهم و سيردون لنا عقب أسبوع .


أحمد : أذن ..لماذا كل هذه الزغاريد و التبريكات ؟


امي : لأنني أعلم جيداً بأنهم سوف يوافقون . لأنهم لن يجدوا مثلك و لا أحسن منك . و من هو أحسن منك ؟!


" أمل " فقلت في نفسي مقولة : ( القرد في عين أمه غزال ) .


ثم أبتسم " أحمد " بعد سماع كلام " أمي " الجميل له و نظر نظرة بطرف عينه و أنصرف .


" أمل " لاحظت تلك النظرة و لن أنساها كأنه يخاطب ذاته و يقول : " نجحت الخطة " ..تلك النظرة المريبة المليئة بإحساس النصر .


* و بعد أسبوع جاء الموعد المحدد . جاء موعد معرفة الرد . اتصلت " أمي " لتعرف الرد أقصد لتعرف متى موعد الخطبة ! ( لأنها متأكدة من الموافقة )


أمي : آلو


الخالة زينب : آلو


أمي : السلام عليكم ورحمة الله و بركاته .


الخالة زينب : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .


أمي بكل حماس و اندفاع : كيف حالكم ؟ علومكم ؟ ان شاء الله طيبين .......و ..........و ...........


الخالة زينب : الحمد لله , و أنتم كيف حالكم ؟


أمي : الحمد لله ...الآن أخبريني متى نأتي يا أم أحلى عروس .


الخالة زينب : و الله ..يا أختي ..لا أعلم ماذا أقول أو من أين ابدأ ؟


أمي : سلامات ..خيراً ان شاء الله . قولي و بدون مقدمات .


الخالة زينب : والله ..ابنكم شاب ممتاز ..شاب خلوق ونحن سألنا عنه , و الكل موافقون . ولكن نورة ............


أمي : نورة ! ماذا بها ؟!


الخالة زينب : لقد صلت صلاة الاستخارة و انتابها خوف و ...........


و لم تنهي حديثها حتى قاطعتها " أمي " بضحكاتها وقالت : هذا أمر طبيعي و معتاد عليه ..هكذا البنات عند الزواج يأتيهن شعور بالخوف ...دلع البنات .


الخالة زينب : و انتِ صادقه دلع بنات . لكن انتظروا و أصبروا أسبوع ثاني حتى تهدأ .


أمي : لكِ ذلك ..تستحق الصبر نورة و أم نورة .


و انتهت المكالمة على الأحاديث و الضحكات .



* بعد المكالمة جلست " أمي " تتحدث معنا " أنا و إيمان " على ان نجهز أنفسنا للخطبة من حيث الفساتين و الكوافيرة " مصففة الشعر " و كل المستلزمات الأخرى .


فقالت إيمان لأمي : كيف نجهز أنفسنا و لم يأتينا الرد بعد ؟!


ردت عليها " أمي " بثقة : الجواب باين من عنوانه .


فقمت أضحك و أقول : أجل الجواب باين من عنوانه , ولكنه بدون طابع .." أي بدون وجهة إرسال " .


ثم نظرت اليَّ " أمي " بنظرة حادة و قالت : ماذا تقصدين ؟!


قلت لها : اين الطابع ..اين ابنك ؟ أليس من المفروض ان يجهز نفسه أولاً ...أليس هو الخطيب ؟ أين هدية الخطبة " النظرة الشرعية " ؟ أين ...و أين ............؟



*صمت و سكون خيم علينا قليلاُ ثم اتجهت " أمي " إلى غرفة " أحمد " و طرقت الباب .


فقال " أحمد " من ؟ فقالت " أمي " : أنا أمك .


رد و قال : هلا و الله بالغالية ..أمي و تاج رأسي . نظر عيني بل انتِ عيني و نظرها ..." ست الحبايب " .


أمي : هلا بابني البكر ..هلا بأول فرحة لي .............


ثم بدأت تقص له ما حدث و طلبت منه ان يذهب ليشتري هدية قيمة " طقم " و يتجهز للأسبوع المقبل .


رد عليها بحسم و قال : أنا لا أريد هذه الفتاة .


أمي : ماذا ؟!


أحمد : لا أريدها .


أمي : و لماذا ؟!


أحمد : بدون أسباب .


أخذت " أمي " تناقشه بحده و غضب إلى ان ارتفع صوتها شيءً فشيءً و تحول إلى صراخ و عويل . وهي تقول له : أتريد ان تفضحنا ؟


ومع الصراخ و الضجيج ألتم جميع أعضاء العائلة و اتجهوا إلى مكان النزاع " غرفة أحمد " ليعرفوا ماذا حدث ..و ما نوع القضية .. ما هي النكبة التي هبطت فجعلت المنزل كالكهف ليرتد به صدى صوت أمي ؟


* دخلوا جميعاً دفعة واحدة و هم يقولون : خيراً ان شاء الله ...ماذا حدث ؟


قامت " أمي " و هي تلوح بيديها ثم تشير إلى " أحمد " و قالت :


ابني الكبير " البكر " العاقل يطلب بنت الناس للزواج ثم يرفض .


قال " أمجد " لأمي : هدئ نفسكِ و كل مشكلة و لها حل .


قالت أمي : كيف يفعل هذا بنا ..كيف يرضى بجرح الفتاة .. وهل يرضى ذلك لإحدى أخواته ؟ . ماذا سيقولون الناس عن الفتاة .........لماذا تركها ؟


كانت المسكينة " أمي " تسأل عشرات الأسئلة في الدقيقة الواحدة .


قال " أمجد " لي و لإيمان : خذوها إلى غرفتكما و هدئاها , و انا سوف أتفاهم مع أحمد .


كانت " أمي " تقول لأمجد : عقله ..عقل أخاك و أعيده لرشده .


غادرنا غرفة " أحمد " لتهدئة ثورة غضب أمي و إطفاء نار عصبيتها . و بعد ساعة سمعنا طرق على باب غرفتنا فقلت : من ؟


فقال : أنا ..أمجد .

فقالت أمي : أدخل يا أبني ..أدخل أيها البار .


دخل و في أثناء سيره تسأله " أمي " و تقول : ماذا فعلت مع أخيك ؟


قال أمجد : يا أمي لا تفعلي هكذا بنفسكِ ..ألم أقل لكِ لكل مشكلة حل ؟


أمي : ماذا تقصد ..أخبرني ماذا حدث على الفور ؟


أمجد : أسمعيني كل شيء بالغصب ما عدا الزواج بالقبول و الرضا .


أمي : و لماذا يجعلني أتقدم لخطبة الفتاة ؟!


أمجد : أمي .........الله يرضى عليكِ أنصتي لي حتى انهي كلامي .


هنا أشارت إليه برأسها على الموافقة للإنصات .


ثم قال أمجد : " أحمد " لا يريد نورة , و يريد فتاة أخرى .


لم تحتمل " أمي " الصمت فثارت و قالت بصوت عالي : من هذه الفتاة ؟


ثم ذهبت وهي تطلق الدعوات على أحمد تارة الله يهديه و تارة الله .............. وفي منتصف سيرها إلى غرفة الجلوس لتخبر " أبي " بما حدث تصدم به فقال لها : ماذا بكِ ؟


قالت له : أحمد لا يريد ان يتزوج نورة . أذهب و تصرف مع ابنك لعله يخشاك و يرجع عن كلامه .


اتجه " ابي " عاقداً حاجبيه محمرة وجنتيه من شدة الغضب مسرعاً من الممر باتجاه غرفة أحمد . و بدون ان يطرق الباب فتح الباب متجهماً صرخ في وجه أحمد و قال له : أنصت لي جيداً ..سوف تتزوج نورة رغماً عنك .


رد أحمد و قال : لن أتزوجها لو انطبقت السماء على الأرض .


رفع " أبي " يده ووجه صفعة مبرحة لأحمد و قال له : لعلك تفيق من سباتك و تعيش الواقع فتتراجع عن قرارك .


و لكن للأسف لم يكن لأبي ما أراد . فلقد أثرت الصفعة في نفسية أحمد و قال : لا أريدها و لن أتزوجها . أتعرف لماذا ؟ . . لأنها سيئة السلوك و السمعة . و هجر المنزل .


ثم اتجهنا أنا و إيمان إلى غرفتنا بعد تلك الصاعقة التي دوى صدأها لتهز زوايا المنزل . وليست زوايا المنزل فقط فلقد هزتنا جميعاً ..هزت زوايا القلوب .


أخذت " إيمان " تمتر الغرفة سيراً على الأقدام . صرخت بها و قلت : ماذا بكِ ..أتظنين نفسكِ في الطواف ..أم في الصفا و المروة ؟! أجلسي لقد أصابني دوار .


جلست على حافة السرير ماده عنقها ..جاحظة عيناها لتتفوه بسؤال دون إدراك كأنه صاروخ قذفت به ليفجر المكان .


قالت لي : هل أحمد يحب فتاة اخرى . لذلك قام بقذف نورة ؟!


فقلت لها : أعلمي بان الذي يحب لا يتفوه بالحماقات ..لا يتفوه بالإساءة و لا يجرح أحداً .


و لكن أخاكِ لا يعرف الحب و لا يحب أحداً حتى ذاته . مجرد أفكار معششة في رأسه أفصح بها فرسموها له على أنها واقع فتشبث بها .


وكنت أقول في نفسي ..............." نذل " ........!


* ثم خرجت إلى الصالة لأجد أمي و أمجد جالسين يتبادلان الحديث حول الموضوع فجلست معهم أنصت لمجريات الحديث و كيف تدور .


لم يكن لهذا المسكين خيار ثاني كأن قدره ان اختياره اختيار أخيه الذي لم يكن من اختياره . " لم يسعفه القدر حتى في الاختيار " . لم يكن أمام " أمجد " خيار غير خيار واحد وهو حل المشكلة .


قال أمجد لأمي : أنا سأتزوج نورة ..أنا أريدها .


ردت عليه أمي وقالت : كيف و لقد خطبناها لأخيك ؟!


أمجد : أخبري أهلها بان امجد هو الذي يريدها و ليس أحمد و إنها حدثت مشكلة من أجلها . أخبريهم بانني طلبت من أحمد ان يقول لك وانتِ فهمتي بان احمد هو الذي يريدها فحدث التباس في الأمر .


أمي : و هل تظن أنهم سيقتنعون و يوافقون ؟


أمجد : حاولي يا أمي لن ادع الفتاة تعاقب على جرم لم ترتكبه . فانا لدي أخوات أخشى عليهن الظلم و القهر و الحرمان .


ابتسمت له و قلت في ذاتي ........شهم .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:39 PM
لاحظت " أمي " ابتسامتي لأمجد فنظرت لي نظرة و ارتسمت على شفتيها ابتسامة تضاهي ابتسامتي . فقلت في نفسي : الله يستر لعلها تحدث نفسها مثل ما حدثت نفسي .


فأشارت لي و هي تضرب بيدها على المعقد لاقترب و أجلس بجوارها . ثم أخذت تدللني بأحلى الكلمات و أروع العبارات و هي تقول : ابنتي ..فلذة كبدي ..أيتها العاقلة ..الكبيرة المحتملة مسؤولية الأمور . سأطلب منكِ أمر و إنني واثقة من مقدرتكِ على تنفيذه .



عندما سمعت كلامها رفعت حاجبي و مدت شفتيّ إلى الأمام و حركت عيني يمنه و يسره أبحث عن مخرج لي ..ابحث عن بوابة نجاة . ولكن للأسف في أثناء بحثي داهمتني بطلبها و قالت لي : أنت تعلمين بحب خالتكِ زينب لك من الصغرى ، و نورة زميلتكِ و صديقتكِ و هي بمثابة أختك .



فلم يكن لدي وسيلة للدفاع غير الهجوم فقلت " أمي " لا تنسي أنت من اختار نورة لأحمد , و لست أنا .


فقالت لي : أعلم .. وليتني لم أفعل . ولكن أليست فتاة مهذبة و معظم الشباب يريد الاقتران بها ؟


فقلت لها : الآن ..ماذا تريديني أن افعل ؟ و كنت أقول في نفسي معظم الشباب أو كلهم .. وما شأني أنا ؟



فردت " أمي " و قالت لا أريد منكِ شيء يصعب عليك . الذي أريده أمر يسير جداً .


فقلت : ما هو ؟


قالت : اتصلي بهم و اخبريهم بما أخبرني به أخوكِ " أمجد " .


فقلت لها : ماذا ؟!


بعد سؤالي هذا تغيرت لغة الحوار . تغيرت من زاوية قائمة 90 درجة إلى زاوية مستقيمة 180 درجة وقالت لي : ماذا أصابك آلا تسمعين ؟ هل أصبتي بالصمم ؟!


فقلت لها : شكراً لكِ يا والدتي العزيزة .. لم أصاب بالصمم و لكن المفاجأة كان وقعها شديد على جمجمتي .


قالت لي : يا سليطة اللسان ..أتصلي و أخبريهم .


قلت : سأتصل و أمري لله .


ثم نهضت من مكاني متجهه إلى الركن المتواجد به جهاز الهاتف و مددت يدي لرفع السماعة و اليد الأخرى لطلب الرقم و أنا أدندن مع نفسي و انظر إلى الزوايا مع التحليق في السقف كأن الذي سوف أقوله مكتوب عليه . و بعد لحظات ردت عليَّ الخالة زينب و قالت : آلو


فقلت : آلو


الخالة زينب : هلا ..أمل ؟!


قلت : أجل ..ومن غير ..أمول .. يفتقدكِ و يتوق لرؤيتكِ .


الخالة زينب : و أنا افتقدتكِ كثيراً . و لكنكِ أخبريني أين أنت لا تتصلين و لا تزورين ؟


قلت لها : هذه الدنيا و مشاغلها ..الله يكفينا شرها . و لكني اتصلت لأخبرك بأنني سوف أتي لزيارتكم اليوم . منها أكحل ناظري برؤيتكِ و منها اطمئن على نورة .


الخالة زينب : نورة !! آه ..مسكينة نورة .


و في أثناء حديثنا كانا " أمي و أمجد " يلوحان بيدهما وهما يقولان أخبريها ومع كثرة استمرارهما سمعت الخالة زينب أصوات من حولي فقالت لي : ماذا هناك يا أمل ؟


فقلت لها : لا شيء يذكر ..ولكن الغذاء أحترق . ثم لم أتمالك نفسي من الضحك .


الخالة زينب : أنهضي يا ابنتي لتتفقديه .


فقلت لها : هوني على نفسكِ فلم يبقى شيء سوى الرائحة المحترقة .


الخالة زينب : و لماذا يا ابنتي لم تنتبهي له ؟


فقلت لها : هذه أكله جديدة أعطتني وصفتها إحدى الرفيقات .


الخالة زينب : و ما هي هذه الأكلة ؟


فقلت لها : هي عبارة عن مجموعة من الخضروات المشكلة و لكن بدون وضع ماء .


الخالة زينب : بدون ماء!


فقلت : تخيلي أنها بدون ماء . ما علينا يا صديقتي سأودعكِ الآن و أراك لاحقاً .


الخالة زينب : انتظركِ في أمان الله .


قلت بصوت عالي : خالة زينب ..خالة زينب ..لحظة .


الخالة زينب : نعم ..مازلت معكِ .


قلت : أريد منكِ شيء .


الخالة زينب : تفضلي .


قلت : أريد قهوة من صنعك البارع بيديكِ الجميلتين .


الخالة زينب : هذا فقط .." غالية و الطلب رخيص "


فقلت لها : إذن الآن في أمان الله .


الخالة زينب : أمل انتظري ..أريد أن أسالكِ .


فقلت لها : معكِ


الخالة زينب : هل أمكِ ستأتي معكِ ؟


فقلت : لا .. ولكن سكرتيرتي الصغيرة " إيمان " سترافقني لزيارتكم .


الخالة زينب : أهلاً بكِ و بها …في أمان الله .


قلت : في أمان الله .


وضعت سماعة الهاتف و انطلقت " أمي " تولول كعادتها و أمجد يتساءل ..لماذا .. ولماذا ..؟


و أنا أغني و اطرب ذاتي و أقول " روحوا ..روحوا يا رب تستر عليهم ..بعد ما روحوا قلبي تشوق إليهم " .


سمع " أبي " أصواتنا المختلفة الأبعاد و نحن المتباعدين الأفكار ..المتقاربين الأطراف ..ليستيقظ من قيلولته . خرج من غرفته بقميص النوم مشمراً عن ساعديه و قدميه في خطى تسابق البرق للوصول إلينا . وهو يقول بأعلى صوته : هل نزعتم ثوب الحياء ..أخبروني لماذا هذه الضوضاء و الضجيج ؟ ما كل هذا الإزعاج ؟ أليس بجواركم جيران ؟! أم تظنون أنكم في وسط صحراء الربع الخالي ؟! ما بالكم صامتون أم أصابتكم صعقة كهربائية ؟ ألا تخجلون مما تفعلون ؟



أخذت أقلب بصري و التفت إلى " أمي و امجد " فوجدتهما مغروزين في باطن الأرض قد ألجمهما بحدة غضبه في كثرة استفهاماته . فوثبت وثبة قوية حتى أوصلتني إليه , و لا اعلم كيف وصلت !!!!!!


وقلت له لا تغضب فصحتك لدينا بالدنيا و ما فيها . سأخبرك حقيقة ما تريد .


قال لي : تكلمي .


فقلت له : هل تريدني أن أخبرك هنا , أم ننزوي في مكان آخر لنصبح على انفراد ؟


قال لي : قلت لكِ تكلمي .


فقلت في نفسي الوالد " الوضع لديه متأزم " . ثم ابتسمت وقلت يا والدي العزيز حفظك الله . أولاً صلى على رسولنا الكريم .


فقال : اللهم صلي و سلم عليه .


فقلت له : الغذاء احترق , و القدر احترق و ..........


و لم أنهي كلامي حتى قاطعني بقوله : الغذاء أحترق ؟!


فقلت : أجل أحترق .


فقال : و كيف ..ألم يتيقظ له احد ؟


فقلت له : سأقول لك و بمنتهى الصراحة هذه طبخة جديدة من صنع أمجد و أمي على أساس الذي يقوم بعملية التنفيذ هو أنا . و لكني تركتها تحترق .


فقال لي : ولماذا تركتيها ؟


فقلت : لأن القدر هو ابنك , و المقادير المشكلة هي أمي " زوجك المصون " و الماء هو أنا . فمن الطبيعي ان تحترق لأنها بدون ماء .


فقال لي : ما هذه الألغاز ؟ أفصحي فيما تريدين قوله .


فقلت له : تفضل بالجلوس لأخبرك بجميع ما حدث بالتفصيل الملل .


فقال لي : سأذهب لأغسل وجهي ويديّ وأنتِ احضري لنا الشاي ..فالحدث يحتاج لعقلاً يقظ .


ثم ذهب كل منا وعدنا بعد أن هدأ الوضع و أخبرته .


فقال لي : أسكبي الشاي و أخبريني الآن ماذا ستفعلين ..هل ستذهبين ؟


فقلت : سأذهب لأنني وعدت هذا أولاً , و ثانياً الذي سأعمله هو تطليق الفتاة لابنك .


فأعتدل " أبي " في جلسته و أنفجر يضحك ومن شدة الضحك أخذ يعلو صوته من القهقهة .


فقلت له : الله يديم عليك السعادة .


فقال : آمين .


فقلت : مادمت بهذه السعادة ..عبر عنها ..ـ ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )


ثم نظر إليَّ بدهشة . فقلت له : أكرمنا مما أكرمك الله و أفتح جيبك و أخرج محفظة نقودك .


فقال : و ماذا تريدين ؟


فقلت له : ماذا أريد ؟! ـ وقلت في نفسي هل يعتقد إنني أريد البطاقة الشخصية أم الرخصة و الاستمارة ؟


ثم مددت يدي و ناولته كوب الشاي و قلت : تفضل .


ثم ارتشف رشفه . فقلت له : هنيئاً و بصوت منكسر قلت له : سأطلب منك شيء .


فقال : تدللي .


فقلت له : أريد يا والدي الحبيب الوسيم بعض النقود لكي اشتري هدية متواضعة للخالة زينب وأبنتها . أريد مئة ريال وإذا كان هناك زيادة فليس عندي مانع .


فقال لي : أذهبي غرفتي و أحضري محفظتي من الدرج العلوي .


فانطلقت كالصاروخ و أحضرتها و قلت له : تفضل .


فمد يده إلى محفظته و اخرج النقود و أعطاني إياها .


أخذتها منه ثم قبلته و شكرته .


ثم نظرت لأمي و ابتسمت لها و قلت : حبيبتي و حياتي .


فقالت : أعرفكِ ..ماذا تريدين ؟


قلت : لو سمحتي أعطي " امجد " بعض النقود لكي يشتري هدية ..........


و لم أنهي كلماتي حتى قاطعني صوت وقال : يشتري باقة ورد .


فقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ..من أين مصدر هذا الصوت ؟


فقالت : أنا " إيمان "


فقلت : من أين طلعتي ..ومنذ متى أنتِ هنا ؟


قالت : من وقت شرحكِ لأبي عن الطبخة و ان امجد هو القدر ......


قام ورد " أمجد " بانفعال و غضب وقال : قدر يسقط على قعر رأسكِ ورأسها .



لقد أثارت إيمان مشكلة و بدأ أمجد يتحدث و يصرخ وهو يقول : أريد ان أتزوج نورة ..أريد ان أتزوجها .


قلت له : يا أخي العزيز ..يا قيس ..اهدأ ..اهدأ


فقال : ما تقصدين بقولكِ .. يا قيس ؟


قلت له : لا أنكر ان موقفك فيه شهامة و رجولة , ولكن هل تظن أنهم سيوافقون ؟ و الآن أخبرني أين أحلامك بفتاة الخامسة عشر ؟ و ما هذا الحب الذي اخترق فؤادك فجأة ..هل أنت من النوع الذي يكذب الكذبة فيصدقها ؟!


فقال لي : احترمي نفسك .


قلت له : جزاك الله خيراً ..نحن هكذا دائماً عند قول الحق . و لكن اعلم لو كانت نورة من قسمتك و نصيبك ستكون لك رغماً عن أناف الجميع ..ستكون لك ليلى يا قيس .



ثم تدخل " أبي " و هو يضحك و قال : كفى ..كفى ..و أعطى " امجد " نقود لشراء الهدية .


فال لي أمجد : ماذا تريدين ان أشتري ؟


قلت له : مدامَ هناك قهوة عربية و أي قهوة . أنها قهوة الخالة زينب أذن نحن نحتاج إلى أنواع جيدة من الحلويات .


قال لي : لا تفكرين سوى في بطنكِ .. ولكن حسناً سأشتريها و نحن في طريقنا إليهم .


ثم نظرت لإيمان و قلت لها : أنهضي و خذي لي من دولاب الملابس الزيّ الأسود و الأبيض ثم أكويه .


صرخت و قالت : أكويه ؟!


لن أكوي لأحد ..لن أكوي لكِ . هل أنا أعمل لديكِ ..هل أنا خادمتكِ ؟


فقلت لها : ستكوين رغماً عنك شئتِ أم أبيتِ .


فقالت أمي : ما بالكما ؟ ..أمل ..ماذا بكِ ؟ أنها أختكِ الصغرى ..لا تنسي فهي آخر العنقود .


فقلت في نفسي : والله لو تكون العنقود بأكمله ستكوي ..ستكوي . فقلت يا أمي : أنتم اذا طلبتم مني شيء أنفذ على الفور . أنفذ حباً وكرامة . لذلك من المفروض عليها ان تحترمني و تنفذ .


فقالت أمي : أنا سأكوي لكِ .


فقلت لها : لا ..بل هي .. هذا اذا كنتِ تريديني ان اذهب .


التفت أمي إليها و أخذت تغزها بعينها و أشارت بيدها و قالت : قومي و أكوي لأختكِ الكبرى .


فردت إيمان و قالت : سأقوم ولكني سأكوي على هامش السيرة .." كواية على الريحة "


نظرت لها و قلت : ما قصدكِ بكواية على الريحة ؟


قالت : سأكوي لكِ و أجعل كل طيه تلحق الطيه الأخرى .


قلت لها : تعلمين لو وجدت طيه واحدة ..طيه صغيرة .. ماذا سأفعل بكِ ؟


قالت : ماذا ستفعلين ..هل تعتقدين بأنني خائفة منكِ ؟


قلت : سأخذ الملابس و أضعها على وجهكِ و أجعله طاولة اكوي عليها..و سأخلد وجهكِ صورة تذكارية على ملابسي لا تنسى ." جربي و تشوفين " .


قالت أمي لإيمان : لسانكِ طال على أختكِ لقد أصبحت تجرؤين على الرد و التطاول في الألفاظ .


فقالت لأمي : دائماً هي التي تبدأ أولاً .


قالت أمي : انتهى الموضوع و قومي بواجبكِ اتجاه أختكِ .


ذهبت و هي تتمتم .


فقالت لي أمي : أرحمي أختكِ .


فقلت لها : من أجلكِ سأعمل ما تطلبين .


أمي : بارك الله فيكِ .


قلت : و فيكِ .


لكن القلق كان واضح على ملامح " أمي و أمجد " مما جعلهما يتناجيا دوننا " أنا و أبي " .


فقلت لهما : { لا يتناجى اثنان دون الثالث (http://www.islam***.net/ver2/library/BooksCategory.php?idfrom=191&idto=191&bk_no=44&ID=117#)} .


لم يعر أحد منهما أي اهتمام أو اكتراث لما أقول .


فقلت لأبي أقترب مني سأخبرك بسر . فلما دنا قلت له : لعلهما يتحدثان في مخطط خطبة وزواج أمجد من نورة .


فنظر لي أبي و أخذ يضحك و يضحك وهو يقول : أعتقد ذلك .


هنا تغيرت ملامح " أمي " و أخذت تسأل عن ماذا تتحدثان .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:41 PM
فقلت لها : انتبهي لزوجك ..هذا الوسيم ..فالنية محلها القلب .



فازداد أبي في الضحك .



أعيد و أحذركِ مره أخرى فهي في بدايتها ضحك و في آخرها ندم و بكاء .



فقالت أمي : عن ماذا تلمحين و إلى ماذا ترمين ؟



عندها اعتدلت في جلستي و حدثتها بثقة فأشارت بأصبعي السبابة باتجاه أبي وقلت : ان هذا الوسيم يريد ان يتزوج و ......................



لم انهي كلامي حتى عض أبي إصبعي و قال لي : هل أصلحتِ ما أفسدتِ ..و إلاّ الويل لكِ ؟



فابتسمت له وقلت تريث ففي العجلة الندامة .



فقالت أمي : ماذا به أبيك ؟



لقد بدأت تغضب فلقد ثأر الدم إلى قمة رأسها و ضرب أمبير الحرارة و أوشك على الانفجار .



فقلت لها : ان أبي الوسيم يريد ان يتزوج و لكن لا تخافي سأجعلها تطلقه كما تطلق ابنه .



فأنفجر ابي من الضحك و خرج إصبعي من الأسر .



فقالت أمي : ماذا تقولين ؟!



فهمست لأبي اليوم لن تسلم منها و ستشغل لك صفارة الإنذار .



ثم استرسل في الضحك إلى ان أمسك بطرف بجامتي وقال ان لم تقولي الحقيقة سأعلقكِ منها .



فقلت أمي : يا أيتها الجميلة ..و هل يجرؤ ؟ وأين سيجد من هي في جمالكِ و رزانة عقلكِ ؟!



يا أجمل الجميلات و أنبل السيدات و اعف العفيفات ...يا أرق الرقيقات في عذوبة الحرف و اللفظ فتتناغم الكلمات و يتجانس المعنى لتصبح عيونكِ ..عيون الصقر ناعسة الطرف معانقة الهدب بسهم النغم لترسل أجمل معاني الحب و الهيام .



* فتبسمت " أمي " ابتسامة رضا و خجل شع بها ثغرها الجميل . فاحمرت وجنتها و ذبلت عيناها لترسل سهم الهوى إلى عيني والدي .


فقلت : أحم ..أحم ..نحن هنا . و مع هذا و ذاك إني أحذركِ .. أحذركِ عندما تدخلان غرفتكما ان تنسي كل هذا و تقومي بتوبيخه على ذنب لم يقترفه .


* أعلمي يا جميلة الجميلات انها دعابة ..دعابة فقط .


فقالت : فلماذا أذن مستغرق في الضحك ؟


فقلت لها : لقد تذكر إحدى طرائفكِ معه ..ذكرياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااات .


و همست في أذنه قائلةً : الآن تبتسم و تضحك و بعدها النكد و الكدر ..قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .


فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. سأنهض و أدخل غرفتي لأستريح قليلاً .


فقلت له : انتظر ..انتظر إلى أين تذهب يا حلو ؟ . اجلس حتى نتناول الغذاء ثم نأخذ كوباً من الشاي .


فأدنيت رأسي منه و قلت له : ان غادرت ستلحق بك أمي لاستجوابك ..من الأفضل لك ان تمكث معنا ثم ابتسمت .


و اذا بأمي تصرخ في وجهي و توبخني بقولها : ألم تكتفي من توزيع الابتسامات ؟!


فقلت لها : الابتسامة في وجه أخيك صدقة . و هذا أبي و الابتسامة له من باب البر .


فقالت لي : انهضي معي لنعد الطعام .


فقلت لها : سمعاً و طاعة ..توكلنا على الله ..هيا بنا .


ثم نظرت لأبي و وشوشته بصوت غير مسموع و قلت له : لا تتركني وحدي ..الحقني .



ثم غادرنا و اتجهنا إلى المطبخ . وهنا بدأت أمي عملية الاستجواب " تحقيق " بجميع الطرق المباشرة و غير المباشرة .


و قالت لي : أحضري الخضروات من الثلاجة و قومي بغسلها و تقطيعها .


قلت : حاضر .. وفعلت كل ما أمرت و تأمر به و نفذته بالحرف الواحد .


و كنا نتحدث حول موضوع نورة ثم تنهدت أمي تنهيدة مؤلمة قاسية اخترقت بها صمام فؤادي ثم قالت : ابني احمد لا اعلم أين هو ..و ماذا يفعل ؟ كيف يعيش ..وهل هو عايش ؟ و بدأت الدموع تنحدر من عينيها .


فقلت لها : هوني عليك " أحمد " شاب عاقل و يعرف ماذا يفعل و كيف يتصرف ..لا تخافي عليه أبداً فهو قطٌ بسبعة أرواح .


فقالت لي : انتِ مازلت صغيرة و لا تعرفي قلب الأم . عندما تصبحي أم ستعلمين ما عنه الآن تجهلين .


قلت لها : تفائلي خير . الرسول صلى الله عليه و سلم يقول " تفاءلوا بالخير تجدوه "


فجأة انطلقت كالصاروخ ارض ..جو و انفجرت بي بل كالقنبلة الموقوتة و قالت لي : ما الذي يدور بينكِ و بين أبوكِ ؟ ماذا كان يقول أبوكِ ؟ ما ..ماذا ..؟


ثم نظرت إليها بحزن نظرة الفريسة الواقعة في الفخ و قلت لها : لم يقل شيء .


أمي : أصدقيني القول ؟ تكلمي بسرعة ..في ما تفكرين ؟


قلت لها : والله ثم و الله لم يتفوه بشيء ..لم يتفوه بحرف بل أنا من كان يداعبكِ .


أمي : تداعبيني ؟!


قلت : اجل .


أمي : أسمعيني وضعي كلامي قيراط في أذنكِ ..أنا لا أريد منكِ مداعبة مرة أخرى .. هل تفهمين ما أقول جيداً ؟


فقلت لها : أجل فهمت ..يا أمي .



و بعد ان انتهينا من إعداد المائدة طلبت مني ان استدعي الجميع لتناول طعام الغذاء .


حضر الجميع و اتخذ كلُ مقعده و تصدر " أبي " صدر الطاولة وقال : أمولتي ..حبيبتي ..تعالي إلى جانبي .


فقلت في نفسي " شكله ناوي يجيب العيد فيني "


ثم كرر النداء بقوله : جنبي يا أمولتي ..جنبي .


ابتسمت و لكن هذه المرة ابتسامة وجله و أنا أخالس النظر ما بين أبي و امي . ثم استبدلت مكاني بالمكان الجديد الذي اقترحه لأكون جواره .


* ومن هنا بدأت عملية البث و الإرسال ..بدأت من حيث الأكل و الكلام ..بدوا و أنا بدأت ..


بدأت أتأمل هذه الطاولة الممتدة في المنتصف ..الممتله بكل أصناف الطعام وهذه الكراسي المرتفعة و كأننا على هامات الجبال لا كم وددت ان أكل على الأرض . و في روعة هيامي و جمال خيالي داهمني صوت أبي بقوله :


لماذا لا تأكلين ؟!


حينها استيقظت من حلم اليقظة إلى واقع الأرز في طبق الكبسة .


و انتهيت من حيث بدأت .. و بدأت من حيث انتهيت .. وتناولت طعامي .



* و بعد إخماد نار الجوع و العطش لجاء كل منا إلى مبتغاة .


اتجهنا " أنا و إيمان " إلى غرفتنا لتجهيز أغراضنا من ملابس و إكسسوارات و أحذية استعداداً للزيارة ..لزيارة " الخالة زينب و ابنتها " .


و في أثناء التجهيز و الترتيب صدع صوت الأذان لصلاة العصر . ثم رددنا مع المؤذن الأذان وقلنا الدعاء بعد الأذان قررنا ان نغتسل أولاً ثم نصلي و بعدها نكمل ما بدأنا .


و بالفعل قمنا بجميع ذلك و بعد صلاة المغرب كان " أمجد " ينتظرنا في السيارة و أنا أنتظر " إيمان " في الحوش .


وفجأة ..فجأة ..صرخت و قلت : ما هذا ؟!


ردت عليَّ إيمان : ماذا بكِ ..هل أصابتكِ جلطة ؟!


فقلت لها : جلطه تجلط دماغ إبليس . ما هذه العباية التي ترتدين ؟


إيمان : أكيد أعجبتكِ ..رائعة أليست كذلك ؟


أمل : قبحك الله ..أتعلمين إنني ظننتها فستان من شدة تفصيلها لجسدكِ ..اخلعيها و استبدليها بأخرى .


إيمان : لن أخلعها فجميع صديقاتي و زميلاتي يرتدينها ..هل تريدين الناس يضحكون عليَّ ؟


أمل : لا ..العفو !! ..يضحكون على أبيكِ الذي لم يستطع تربيتك .


و مع كثرة الشجار و الصراخ حضرت " أمي " مسرعة لتسألنا ..ماذا حدث لكل هذا الصراخ ؟


قلت لها : اسأليها ؟


قالت " إيمان " : ابنتكِ تريد ان تتحكم بي و تسيرني كيفما تشاء ؟


قلت : أنا !!!!!!!!!!


أمي : أريد ان أعرف الموضوع و بسرعة ؟


قلت لها : اسأليها من أين حصلت على هذه العباية ؟


إيمان : لقد قامت بشرائها لي إحدى صديقاتي .


قلت : و من هي ؟


ايمان : وفاء .



قلت لأمي : إنها عباية ..فتنة ..مجسدة لجميع أعضاء الجسم . وسوف يطلقون عليها أقبح الألفاظ .


ردت إيمان : و لكني في السيارة .


قلت لها : و أنا أول من سيطلق تلك الألفاظ .


اتجهت إيمان إلى الداخل و من شدة الحزن و القهر اخذ الدمع يتساقط كأوراق الشجر في فصل الخريف . و لم تتجاوز الباب الرئيسي للمنزل حتى هاجمتني بالحديث أمي و قالت : اسمعي يا من تعتبري نفسكِ أنقى الناس و أشرفهم .


إيمان ابنتي و ليست ابنتكِ وهي أحسن و أفضل منكِ . أنسيتِ فضيحتكِ يا أم الفضائح ؟!.


امل : فضيحتي !!!


أمي : فضيحتك ..عشقكِ لـ عبدالله ..هل تعتقدين انه لم يفضحكِ ..هل تعتقدين انه لم يخبر احد ؟


أعلمي انه اخبر الجميع و أولهم أمه . دعي ابنتي و شأنها ..هي ابنتي و انتِ لا ..يا ليت الموت يأتي و يأخذكِ ليستركِ .


ثم انصرفت كالبرق في لمح البصر .



* و لكني ألمح طيفً متعثر الخطى ..يركض ..يركض اتجاهي . إنها " إيمان " لترتمي بأحضاني ..نحيب ..نشيج .. انهارت بين يديَّ وهي تقول : سامحيني بسببي نكأت " أمي " جرحكِ الدامي بسبب هذه العباءة اللعينة نزف قلبكِ .


قلت لها : هدئ من روعكِ ..لم يحدث شيء ؟ و ما قالته أمي حقيقة . عبد الله لم يكن يحبني . لو كان أحبني لم أقترن بأخرى .


شهقت " إيمان " شهقة خلعت ضلوعي و سألتني : و فهد ؟!


كانت مذعورة ..مضطربة .. و تقول : يا ويلي ماذا أفعل لو علمت به أمي ؟ ماذا افعل اذا فقدته ؟ ..حتما سأموت .


قلت : أهدي و اعلمي ان كان نصيبكِ سيصلكِ . وكلي أمركِ لله . و ثقي بالله ثم بي لن ادع حبكما يموت ..هذا وعد قطعته على نفسي .


كنت أحدثها و انا أقول في نفسي : لن أنساك " عبادي " فأنت حياتي .


و اشتد بكاءها لتصبح في حالة هسترية لتقوم بتمزيق تلك العباية و هي تضحك و تقول : تباً للعبايات الغربية ..المخصرة .. الفراشة .. الفرنسية ..سحقاً لها جميعاً .



لم أتمالك نفسي و اختل توازني من شدة السخرية و علو الضحكات فقلت لها : من أي زمن يلبسن الفرنسيات العبايات ؟!!!!!!!!!





و في أثناء حوارنا عن العبايات فتح باب الحوش ( الباب الرئيسي للمنزل ) بشدة مما جعل الباب يلتطم بالجدار فأصدر صوتاً ليفزعنا ..و يلجمنا .


فإذا هو الأخ " امجد " مشمر عن ساعديه و ساقيه سريع الخطى و النظرات .


التفت إلينا و قال : ماذا تفعلان هنا ؟!


ثم ركز نظره و حدق بعينه في محيا " إيمان " وقال لي : ما بها ؟ هل كانت تبكي ؟! " مسويه فيها فيلم هندي "


قلت له : لا عليك ..دعنا نخرج الآن , وسأخبرك لاحقاً . فقط انتظرنا في السيارة .


صرخ " امجد " و أخذ يلوح بيده . تارة يمسك بطرف ثوبه باليد اليمنى و تارة أخرى باليسرى ..ثم قال : أتظناني سواقاً لديكما ؟!


مكثت ساعة في الخارج انتظركما , و لم تتكرم واحدة منكما بالحضور .


* عندها نظرت لإيمان نظره غاضبة أسرعي و اجلبي عباية أخرى فأمجد معه حق فالانتظار ممل و قاتل .


و بعد لحظات ..ماذا أرى ..ما هذا النور الذي أتى ؟!


ما شاء الله ..تبارك الله ..


هاهي " إيمان " تحضر كالملاك لشدة روعة العباية التي ترتديها ..أنها العباية الإسلامية .


ثم قلت لها : اصعدي رعاكِ الله مع أمجد في السيارة .


فلقد نسيت شيءً ما سأدخل لأحضره ثم أعود .


قالت " إيمان " : ولكن ........!


قاطعت حديثها بسرعة هائلة و صورة جازمة وقلت لها : اصعدي وسأعود بسرعة .


( لقد كان جرح قلبي ينزف , والشيطان يوسوس لي بان أقسو و اهجر . ولكني لا استطيع
فالله يقول : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ")



أذن رضا الله من رضا الوالدين .


* حملت أقدامي المتثاقلة إلى غرفة " أمي " أخذت أطرق الباب طرقات بل أنها همسات لا تكاد تسمع و لكنها متواصلة .


ردت أمي وقالت : من ؟


قلت : انا ..أمل .


قالت بصوت غاضب : ماذا تريدين ؟


قلت : أريدك .


سكتت و لم تعرني أي اهتمام ..ثم عاودت الطرقات مره أخرى و دخلت وقلت لها : سامحيني و أخذت أقبل رأسها ثم هويت إلى قدميها فقبلت باطنها .. وقلت لها : الجنة تحت أقدام الأمهات .


أرجوكِ ..أتوسل اليكِ لا تغضبي مني و ارضي عني لكي يرضى الله عني و يوفقني . ثم احتضنتني و انحدرت دموعها وقالت : أحبكِ ..الله يستركِ دنيا و آخره .


قلت في نفسي : اللهم ..آمين .


ثم غادرت المنزل مرتاحة البال ..مجبورة الخاطر .



* وهنا أكتمل العدد و حرك " أمجد " السيارة باتجاه محلات الحلويات و أخذ يسألني : من أي محل تريدين إن نشتري ؟


قلت له : محل ............ فحلوياته فاخرة و شهية .


فقال لي :هل هي هدية أم انها لبطنكِ ؟!


قلت له : حب لأخيك ما تحب لنفسك .



ثم ابتسم و قال : هل ستنزلين معي لكي تختارين ؟


قلت له : لا ..إنني أثق بك و بذوقك .


هانحن وصلنا للمحل وقبل نزول " امجد " قلت له : الله يرضى عليك لا تنسى ان تكون في صينية جميلة وأنيقة .


قال لي : و هل تريدين شيء آخر ؟


قلت له : سلامتك .


قال لي : الله يسلمك ..دعيني اذن أذهب .


ثم دخل المحل و عاد ليحمل بين طيات يديه هدية رائعة بأجمل تغليف .


فقال لي : ما رأيكِ ؟!


قلت له : سلمت و سلمت يداك .


فقال : الله يسلمكِ .


قلت له : كيف حالك ؟


قال : بخير .


قلت : هات .


قال : ماذا ؟!


قلت : أقول لك ..هات باقي النقود .


قال : باقي !! ..ماذا تريدين ؟!


قلت له : أريد الفاتورة .." فاتورة الحساب "


فقال لي : هل تريدي الباقي أم تريدي الفاتورة ؟!


قلت له : ابي قال : " أعطوا بقية النقود لأختكم " إيمان " .


قال لي : أبي قال ذلك ..متى ؟!


قلت له : الآن أعطيها و اذا عدت للبيت اسأله كما تريد .


أخذ الباقي و قام بمناولته لإيمان .


* وفي خلال سيرنا توقفتنا إشارة مرورية فقلت : يا الله .


فقال لي : الآن سوف تضيء .


فقلت له : أنا لا أقصدها , و لكن هناك مشكلة صغيرة .


قال : مشكلة ! الله يكفينا المشاكل و شرها .


قلت له : إيمان .


قال : ما بها ؟ ..ها هي تجلس في المعقد الخلفي بصحة و سلامة .


قلت : كيف تذهب إلى الناس و يديها فارغة ؟


قال : كيف يديها فارغة ..و ما هو اقتراحكِ ؟!


قلت له : اشتري لها باقة ورد .


قال لإيمان : هاتي باقي النقود لاشتري لكِ ..أيتها الحالمة ..الرومانسية .


فقلت له : و لماذا لا تدفع أنت ..ألست موظفاً و لديك راتب ؟! و أصلا الباقي لا يكفي لشراء شيء .


قال : أمري لله ..سأشتري و فكينا شر لسانكِ .. " حصلناكِ مصيبة " .


قلت : إنا لله و إنا إليه راجعون .


بعدها نظر إليِّ و اخذ يضحك و اشترى باقة الورد و أعطاها " إيمان " .


* وعندما كنا على مشارف بيت " العم محمد والد نورة " بدأت أحس بعظم المهمة في قمة المسؤولية التي سوف أقوم بها .


* ها نحن ندنو من الباب لنقرع الجرس . ثم سمعنا صوت منهك يقول : من بالباب ؟


قلت : انا ..أمل .



فتحت لنا الباب " الخالة زينب " بنظرة جميلة و ابتسامة رائعة و لكنها ممزوجة بقليل من الحزن .


كان استقبالها لنا حافلاً و عظيماً من قلب " ام " صادقة .


استقبال بأعذب الكلمات موصول بدفء الأحضان .


* بادرتنا الخالة زينب بقولها : أهلاً بكما ..والله لقد افتقدتكما كثيراً و اشتقت لحديثكما الرهف ..الآن فقط حلت عقدت عتمت الدار و استبدلت شموعها بساطع الأنوار .


فعجزنا " انا و أختي " و لم نستطع الرد أو حتى الحراك .


ثم قالت : : تفضلا فالدار داركما ...


فقلت لها : " الدارمنورة بأهلها "..و أهل الدار يضيئون حب و خيراً لجميع الناس .


و تبادلنا أرق الابتسامات مع ذبول النظرات حتى وصلنا غرفة الاستقبال " الصالون " .


قبل دخول غرفة الاستقبال وضعنا " الهدية " على طاولة المدخل وقبل ان نتحرك خطوة واحدة إلى غرفة الاستقبال قالت الخالة زينب : لماذا أتعبتم أنفسكم ..ولماذا كل هذه الكلفة ؟!


فقلت لها : تعبكم راحة و لا يوجد أعز و أغلى منكِ و من العزيزة نورة .


ثم قالت الخالة زينب : تفضلا ..استريحا و اخلعا عباياتكما ..سأذهب أخبر نورة بحضوركما .


انتظرنا بضع دقائق ثم دخلت نورة و سلمت علينا . ثم قامت بضيافتنا على أكمل وجه .


ثم بدأنا نسترجع الذكريات ..الذكريات الدراسية و ما بها من مواقف طريفة و أخرى محرجة إلى ان دخلنا في صلب ..لب الموضوع ..موضوع " أحمد و نورة " .


سألت نورة : كيف نفسيتكِ بعد الاستخارة ؟


ردت وقالت لي : لا أخفي عليكِ لا أشعر بطمئنانية و لا ارتياح ..دائماً قلقة ..مذعورة ..اختناق يحبس أنفاسي .


قلت لها : صلي على النبي الكريم .


ردتا هي وإيمان بقولهما : عليه الصلاة و السلام .


قلت : اذا استمريتي في الاستخارة و لم تشعري بتحسن فلكِ حق الرفض ..ارفضيه !


قالت : أرفضه ؟! أرفض أخاكِ !


قلت لها : أخي أو حتى جدي .


و بدأت تشاركنا إيمان الحديث فقالت : لا تستعجلي و استخيري مره أخرى .


ردت نورة وقالت : لقد استخرت كثيراً ..أصبحت استخير ثلاثة مرات في اليوم .


قالت لها إيمان : لا تيأسي .


قلت لنورة : ما الذي يمنعكِ من الرفض ؟!


قالت : أمي تخشى غضب أمكِ منها و لا تكلمها قط .


قلت لها : انهضي و استدعي الخالة زينب .


نورة : أمل ماذا ستفعلين ؟َ!


قلت : استدعي امكِ .


نورة : ولكن بشرط ..الا تخبريها بما اخبرتكِ به .


قلت لها : لا تخافي لن أخبرها و لكنكِ أسرعي في طلبها .




خرجت نورة و هي مترددة في نداء أمها و لكن ما لبثت دقيقة إلا و عادت معها .


قلت للخالة زينب : أين انتِ ..تعلمين إنني لم أتأتي إلا من أجلك .


ردت : الله يسلمكِ ..و لكني تركتكم لتأخذوا راحتكم في الحديث .


قلت لها : و أي راحة ستكون بدونك ؟!


ردت وقالت : الله يجبر بخاطرتك .و لكني مشغولة البال من أجل نورة و لا اعلم ماذا أفعل ؟


قلت : ما بها نورة ؟! ..ها هي ما شاء الله كالبدر في ليلة تمامه .


ردت الخالة زينب : و لكن ..!


قلت : بالنسبة لموضوع الخطبة فالاستخارة هي الحل السليم " انت تريد و انا أريد و الله يفعل ما يريد " .


الخالة زينب : و لكن أمكِ ..إنني اخجل منها .


قلت لها : عندما يستخير الإنسان فهو يستخير عالم الغيب و الشهادة . و عندي لك حل ..أخبريها بأنها استخارت و تعبت فرفض أبوها تزوجيها .


أجعلي الموضوع برمته معلق بيد العم محمد .


ودار الحوار بيننا حتى دق الجرس إذا هو أمجد أتى ليعود بنا للبيت .


فقالت الخالة زينب : بدري .


قلت : بدري من عمركِ .. ولكنه أخبرنا بأنه سيأتي بعد صلاة العشاء الساعة التاسعة مساء . وها هي الساعة تشير إلى ذلك .


وقام كل منا بتوديع الآخر .



* صعدنا السيارة ثم بدأ أمجد بتساؤلاته المعهودة .


قال أمجد لي : ماذا فعلتِ ؟


قلت : لا جديد على الساحة حتى الآن .


أمجد : ماذا تعني ؟


قلت : الذي كتبه الله في السماء سيحل على الأرض .


أمجد : و نعم بالله .


ثم واصلنا في هدوء و صمت إلى البيت .


أوقف أمجد السيارة ثم بدأنا بالنزول منها و فجأة ........


قال : انظروا من هنا ؟


قالت إيمان : انه " احمد "


تقدمت إيمان في الخطى و قالت له : السلام عليكم ـ كيف حالك ؟


رد عليها : و عليكم السلام ـ بخير .


ثم تبعنا خطاها أنا و أمجد ..


فقلت له : هل هلالك يا قـــــــــمــــــر ..


فأبتسم وقال : القمر أنتِ .


فقلت له : لماذا تقف هنا ..لماذا لا تدخل إلى الداخل ؟!


قال : إنني انتظر هنا عمي " منصور " انه بالداخل عند أبي .


قلت له : عمي " منصور " !!


قال : أجل عمي " منصور " لقد كنت طيلة هذه الأيام عنده في البيت .


قلت له : أدخل يا أخي على الأقل نتحدث في الحوش بدلاً من حديثنا في الشارع أمام المارة .


قال : أخاف أبي يطردني !


قلت : أبي لم يطردك يومها ..كيف يطردك الآن ؟!!


ادخل و دع عنك وسوسة الشيطان .


* و خلال الدخول يقابلنا عمنا " منصور " بالخروج .


قلت لعمي منصور : من أين تشرق الشمس ؟!


قال لي : من الشرق .


قال له أحمد : دعك من أمل ـ أخبرني ماذا قال أبي لك ؟


رد عليه و قال : كل خير ..لقد سامحك والدك .


قال له أحمد : أخبرني ماذا قال لك بالضبط ؟


رد عليه العم " منصور " : قلت لك لقد سامحك والدك . أدخل الآن لتقبل يديه و رأسه .


فقال أحمد لأمجد : و أمي فلقد كانت قلقه عليك و تترقب مجيئك بفارغ الصبر .


فقال العم " منصور " : سأترككم برعاية الله , و أرحل .


فقلت له : إلى أين ترحل ؟!


قال : إلى المنزل . فالقلق !!!! هناك تنتظرني .


فضحكت و قلت له : مازلت تطلق عليها مسمى قلق .


ضحك و قال : و هل يليق بها مسمى آخر .


فقال أمجد : عن من تتحدثان ؟!


قال عمي : عن حرمنا المصون .


أمجد : زوجتك !! و كيف قلق ؟! ..كيف قلق و هي على مستوى عالي من التعليم و الثقافة . فهي دكتورة !!


قال عمي له : حتى الشهادات العالية لم تنفع في كبح جموح الغيرة .


فقلت في نفسي : مسكين انت يا عمي ..مسكين ............( كيف تغار عليك و تطيق بعدك بالأشهر ؟! كيف تغادر بيتها و هي تختلق من ابسط الأشياء أسباب لكومات من المشاكل لتجعلها ركام يزال برشوة " رضوة " تدفع آخر الشهر مع تكرار الأحداث كلما دعت الحاجة . ) مسكين أنت و من على شاكلتك .


ثم قلت لعمي : لا رحيل لك حتى تتعشى معنا .


رد وقال : لا أستطيع .


قلت : و لكني أبي سيغضب .. وهل تقدر على غضبه ؟


قال : و من يقدر على غضبه ؟!


فقلت : اذاً هيا بنا إلى الداخل .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:44 PM
ثم رافقه أمجد لغرفة الضيوف و اتجهت لغرفة أبي وفي أثناء سيري لمحت أمي تتحدث في الهاتف و كان بجوارها احمد . لم يثير فضولي هذا الاتصال في معرفة من المتحدث .




تابعت سيري حتى وصلت إلى والدي وقبل ان أتفوه بحرف قال لي : أهلاً بحبيبة والدها .




قلت له : سأخبرك بخطأ اقترفته و أرجو ان تصفح عني .




وهنا شاهدت وجهه متغير الملامح ..متعدد الألوان ذات المقاطع العرضية المتصاعدة الواحدة تلو الأخرى .




وقال : ماذا فعلتِ ..أخبريني و لا تخافي ؟




قلت له : الخطأ الذي اقترفته هو تدخلي في شؤونك و كذبي عليك . لقد قلت لأمجد انك قلت : ان نعطي النقود المتبقية لإيمان .




فقال : وبعد ذلك ؟




قلت : لا شيء .. لقد فكرت بان إيمان فتاة صغيرة و قد تحتاج في أي وقت للنقود . و الحق يقال أنا حصلت على مئة ريال منك , ولكن هي لم تحصل على ريال . و سوف أجعلها تشاركني في المئة حتى نصبح كلتينا متساويتين .




ثم بدأت تعود ملامحه تدريجياً فابتسم وقال :




لا عليكِ ..ما فعلتيه عين الصواب . و لكن لا تفعلي شيء مرة أخرى حتى تشاوريني ..اتفقنا .




قلت له : اتفقنا .. ولكن هناك شيء آخر .




قال : ماذا بعد ؟!




قلت : عمي منصور .




قال : ماذا به ؟!




قلت : لقد قمت بعزيمته على العشاء , و ليس لدي نقود . و أريد منك ان تدفع ..




ضحك أبي ضحكة لم أرى مثلها من قبل .




فقلت في نفسي : ما الذي يضحكه ؟! و هل قول الحقيقة يضحك ؟! يا الله ..." المهم يدفع " .




قال لي : أذهبي و أجلسي معه وأنا سآتي حالاً ..و قولي لأمجد ان يأتي .




قلت له : سأذهب و لكني سأقوم بمناداة أحمد .




فقال : لماذا أحمد و ليس أمجد .. أليس هو في البيت ؟!




قلت له : انه في البيت , و لكنه متعب . لقد كان طيلة غياب أحمد يقوم بجميع أعمال البيت الخارجية . و الآن دور أحمد .




قال لي : فهمت ...هذا كله من باب العدل ..أذاً نادي أحمد .




وقبل مغادرتي غرفة والدي سمعنا أصوات تعلو و تعلو و من شدة علوها يصدر صدى جعلنا من صداه نهتز . فلم نشعر " أنا و أبي " بشيء و لم نفكر في غير الركض .




وقفنا مذهولين نظر إلى أحمد و أمي في هذا الاحتفال الصاخب بطقوسه الشعبية .




قال أبي لي : ماذا يحدث ؟!




قلت : مهرجان !!!!!!!!!!!!!!!




و ازداد ذهولنا ذهولاً عندما حضر كل من امجد و إيمان .




قامت إيمان بمبادرة سريعة في مشاركتهم الرقصات .." مشاركة وجدانية "




و فجأة تمتد يد " أمجد " كهجوم مباغت لتمسك بشعرها لتسحبها . وقام أمجد بتوبيخ إيمان و الصراخ عليها ..و قال لها : لماذا ترقصين ؟




فقلت له : أعصابك يا أخي ..هذه أختك و ليست عدوك .




رد و قال : أريد ان أفهم الموضوع ..أريد ان أعرف ماذا حدث ؟




قلت له : كيف تريد ان تفهم منها و هي أتت في ذات الوقت الذي حضرت فيه ..أتت معك !!!!!!!!!!




و انت لا تستطيع ان تفهم الا من خلال شد شعرها !..أتعتقد ان شعرها أسلاك كهربائية لتمدك بالطاقة ؟!!!




رد و قال : انت لسانك قد طال و يحتاج لتقصير لتتأدبين .




ردت عليه أمي و قالت : كذبت و الله لا تستطيع ان تفعل لها شيء . فهي أحسن الفتيات و أعقلهن .




ثم صرخ والدي و قال : كفى شجار و أخبروني ماذا حدث ؟




اقتربت أمي منه و قالت : سأزف إليك البشرى بل البشائر ..




عندي لك خبرين سارين ستجعلك تطير و تحلق كطائر النورس لتتباهى بجمالك و طيرانك .




أبي قال لها : لقد جعلتني أهيم مع كلماتكِ و أسرح بفكري في عالمي الخاص ..عالمي أنتِ .




قلت في نفسي ..هذا وقت الرومانسية ..أم هو أسلوب حواء في إيصال ما تريد لآدم ؟!!!




و بين الرومانسية و حديث النفس أطلقت عطسةً لتعلن للجميع فاصل و نواصل .




فقال أحمد : الحمد لله .




فقلنا جميعاً بلفظ واحد : يرحمكم الله




قال : يهديكم الله و يصلح بالكم .


( جزء الحاشر و المحشور ) !!!

كأن هذه العطسة مسكن للآلام الناتجة من الشجار . ملطفة للأوضاع و مهدئة للحالة النفسية بزرع الابتسامات على الشفاه .
* بعدها قررت الاستئذان و الانصراف للجلوس مع عمي " منصور " لقد قضى وقتاً طويلاً وحيداً . ثم قلت للجميع : أستأذن ..أريد الانصراف .
قالت أمي : إلى أين ..يا وجه السعد ؟
قلت : عمي يمكث وحيداً , وهذا تصرف غير لائق .
قالت أمي : انتظري قليلاً ..سأخبركم بخبري الذي أزاح الهم و الغم عن صدري .
قلت لها : بسم الله عليكِ يا مهجة الروح و سلوة عمري . جعل همكِ يغتال قلبي ليبيح كل قطرات دمي ..تفضلي قولي .
قالت أمي : جعلني بعدك ما يبكي فؤادي .. و جعل الدمع في العين باقي . .. الفضل يعود لله ثم لأمل . لقد اتصلت " أم نورة " و قالت : لقد تعبت و مرضت " نورة " نتيجة الاستخارة فرفض والدها تزوجيها .
هنا تحركت و تمايلت " إيمان " بنظرات تملها دهشة و قالت : هذا نفس الاقتراح الذي اقترحته أمل عليها .
قلت لهم جميعاً : هذه إرادة الله قبل كل شيء ..كل منا يأخذ قسمته و نصيبه . اذاً علينا ان نرضى .
قالت أمي : أطلبي ..تدللي ماذا تريدين من مكافأة ؟
قلت : مكافأة ؟!
قالت : أعني ..هدية .
قلت : سلامتك .
قالت : لأبد ان تطلبين .
قلت : تعلمين ابن تكمن نقطة ضعفي ..علبة من الحلويات من النوع الذي أحب ..و يا حبذا أن تكون من الحجم الكبير .
قالت : لك ما تريدين .
ثم التفت لإيمان و قلت لها : إن أخذتي واحدة أو فكرتي مجرد تفكير من الاقتراب منها كسرت أصابعكِ أصبعاً ..أصبعاً ..فهمتِ !.
ابتسمت أمي لإيمان و قالت لها : لا تقتربي من حلوياتها و إلا ستأكلك بدلاً منها .
و أخذ الجميع يسخر و يضحك على إيمان حتى بدأ وجهها بالانتفاخ دماً من شدة الغيظ و عيناها بالامتلاء دمعاً من شدة القهر و الضيم .
لاحظت أمي ذلك فقالت : إيمان دلوعتي ..ابنتي الصغرى .." و آخر العنقود سكر معقود " و طلبت منها أن تدنو و أخذت تطبطب عليها و قالت : سأخذكِ معي و اشتري لك كل ما ترغب به نفسكِ .
* ثم اعتدل أبي في جلسته و مال برأسه اتجاه أمي وقال : الحمد لله انتهينا من هذا الموضوع و ارتحنا . و الآن اخبرينا عن الخبر الآخر السار .
نظرت إليه بعينين دامعتين يكسوها رونق وبريق و قالت : مبارك ..مبارك لنا جميعاً .
مبارك لأخيك " منصور " ثمرة الصبر و الانتظار .
قال لها أبي : ماذا تحملين لنا من بشرى يا عذبة الروح و رقيقة المعنى ؟!
قالت له : لقد اتصلت زوجة أخيك " أحلام " و قالت : انها أجرت تحليل للحمل و ظهر في النتيجة انها حامل .
ومن شدة الفرحة و قوة الخبر أخذ كل منا يحتضن الآخر و اتجهنا مسرعين إلى عمي " منصور " نزف له البشرى باستثناء أمي طبعاً .
* جعل " أبي " يقبل و يحتضن عمي " منصور " و هو لا يعلم ما سبب ذلك ؟ و ليس لديه أدنى فكرة عن الموضوع .
ثم قال له أبي : قريباً ستصبح أباً من بعد حرمان السنين .
وأخذ الكل يقبل العم منصور و يرقص من أجله . و لكنه لم يأبه عند سماع هذا الخبر الجميل . لم تظهر عليه علامات السعادة حتى انه لم ينكر ذلك .
و قال له أبي : هل انت قلق على زوجتك ؟! لابد أن تغادر في أسرع وقت لتطمئن عليها .
* لاحظت على محياه ابتسامة ساخرة ونظرات خاطفة بعيون حزينة لخد شاحب ..باهت و مرهق كأنه يعلن عن سر خفي .
قلت لأبي : بهذه المناسبة لابد أن يكون علينا العشاء . لذلك أنا اقترح ان تقوم أمي بالاتصال على العمة " احلام " و تعزمها .
قال ابي : ومن الذي سيأتي بها وعمك منصور هنا ؟!
قلت : هناك حلين و ليس حلاً واحداً .
قال : ما هما ؟!
قلت : الحل الأول : ان تأتي بها أمي و معها إيمان و امجد . والحل الثاني : " والله يعين " ان نأتي بها أنا و عمي منصور .
و لكن قبل ذلك يجب ان تتصل بها أمي و تقنعها .
قال عمي منصور : نذهب انا و انت .
قلت له : و انا بالخدمة ..اتفقنا .
غادر الجميع ليخبروا أمي بما حدث و بقينا انا و عمي نتحدث ثم داهمته بسؤال زلزلت به كيان أرضية جامدة و حركت به بركان خامد من زمن .
سألته وقلت : لماذا لم تفرح ؟!
رد وقال : أفرح !! كيف أفرح ؟!
كيف أعانق كذبة على انها حقيقة ؟!! كيف .........؟
تعرفين أنها كذبة من ابتكارها ..تعرفين ان علمها اتخذته وسيلة سلبية في تعاملها معي و غايتها القمع ضدي . العلم سلاح لرفع الأمم , أما هي فالعلم عندها سلاح لخفض القيم .
قلت له : وأين حبكما ؟! أليست من اختيارك ؟!
قال : أجل من اختياري ..أمحقه اختيار . هي من النوع الذي " يتمسكن حتى يتمكن " . أخبريني من أين يأتي حمل لامرأة عقيم ؟



* شهقت و قلت : يا الله ................عقيم !!!


قال لي : أوعديني بانكِ لن تخبري احداً ؟


قلت : أوعدك . ولكن لمَ كل هذا الصبر ؟! لماذا لم تتزوج بأخرى حتى الآن ؟!


* تنهد تنهيده أحسست حينها بأنه انتزع قلبه من مكانه حتى وصل بلعومه . ثم وضع يده على رأسه و قال : لا أستطيع و لن استطيع . هل نسيتِ عمتكِ المسكينة ..هل نسيتِ بان أخاها زوج عمتك ؟!!


قلت : لم انسى ..و ما المشكلة في ذلك ؟!


قال : ان طلقتها ..طلقت عمتكِ .


قلت : ومن طلب منك تطليقها ؟!


قال : وان تزوجت ..تزوج أخوها على عمتكِ .


قلت له : سأقول لك الحق وان كان على نفسي . سأقول و لكن بدون غضب .


قال : تكلمي و خذي راحتكِ .


قلت : الذي فهمته من كلامك انك تخشى العواقب .. تخشى النتائج تنعكس على أختك و لكن ......اذا مات زوجها ـ ماذا سيحصل لها ؟! هل ستضيع و يتشرد أولادها ؟!


قال لي : فداء رأسي أختي ..كيف تضيع و انا موجود .


قلت : و اذا مت انت و جميع أهلها و أصبحت مقطوعة من " خشبة " و ليست من شجرة ماذا تظن انها تفعل ؟!


سكت و قال إلى ماذا ترمين ؟


قلت : إلى متى تمثل دور الضحية و تلبس ثوب الخضوع و الانكسار ؟! إلى متى تجعل أختك لضعفك ستار ؟!


انت تعلم يا عمي كم أحبك لذلك سأصدقك القول : كما ان الموت حقيقة و حق , فان الايمان بالقضاء والقدر خيره و شره حقيقة و حق هو الصبر الذي نبحث عنه دون معرفة معناه .


تعلم ان عمتي تعي ما تفعل و لكنها تنظر إليه بعين العطف و الضعف .. وثق بانها قد سألت نفسها مراراً و تكراراً اذا كان أخي لم يستطع حماية حياته و ذاته كيف يستطيع حمايتي ؟!!!!!!!!!!!!!!


* ثم دخل ابي و نحن نتحدث و قال لعمي " من لقي أحبابه نسي أصحابه " .


رد عليه عمي وقال : لقد كنت أخبرها بزواج احمد و ان غداً ستذهب " أم احمد " لرؤية العروس .


سكت وانا استمع بإنصات شديد مع عقد حاجبي و تقليب بصري و تركيز عالي لجميع جوارحي لمعرفة من الفتاة و ردة فعل أهلي .


* ابتسم أبي و قال : لقد اتصلت " أم احمد " بزوجتك و طلبت منها الحضور إلى هنا .


فردت عليها : بالموافقة .


* والآن خذ معك " المستشارة أم الاقتراحات " لإحضار أم اعز و أغلى مولود .


قلت لعمي : انتظرني حتى احضر عبايتي .


قال لي : أسرعي ..سأنتظرك في السيارة .


راح عمي ينتظر في السيارة و رحت اجلب عبايتي و مكث أبي ينتظرنا .


* وعندما صعدت السيارة لم أقدر على النظر في عينيه . كنت أعلم بقسوة صراحتي وحدة ألفاظي .


ادار عمي المحرك و بدء في السير .


قلت لعمي : انا آسفة و أعتذر على كلامي فلقد ساقني لقوله شدة حبي لك و فقد أعصابي .


رد عليَّ وقال : هوني عليكِ ..لم تقولي الا الحق و صدقيني لو امتلك نقود " مهراً " للزواج لمَ تأخرت ثانية واحدة بعد الآن .


قلت : ليس لديك نقود ؟! كيف و راتبك ليس باليسير !!!


قال : ان على عاتقي ديون تحتاج سنين من العمر لتسديدها أو قد يكون تحتاج العمر كله لتدفن .


قلت : بسم الله عليك ..الموضوع هين اذا قمت بعمل دراسة و وضع جدول اقتصادي لتنظيم شؤونك المالية و الحياتية و مع قليلاً من الصبر و الوقت ستعالج و تنقضي بإذن الله .


رد وقال : هذا الجدول في حالة وفاة " القلق " . لأنها هي السبب في كل هذه الديون . . فكل ستة أشهر أثاث و طلاء جديد للمنزل .


قلت له : نسيت أسألك عن قصة زواج احمد .


ضحك عمي وقال : قصة " أبو حميد " قصة لا تقال و لا تحكى .


" أبو حميد " إنسان غريب ..يريد امرأة ربة بيت غير متعلمة و غير جميلة .


فقلت في نفسي مازالت معتقداته تسيطر على تفكيره ليعيش أحلامه المجنونة في يقظة واقعه .


قلت لعمي : هذا كله لا يهم ...المهم من هي الفتاة و بنت من ؟


أوقف عمي السيارة و أخذ يصفق كفاً على كف و تعلو الضحكات منه إلى حد القهقهة و بسخرية لاذعة يقول : الفتاة خريجة محو الأمية .


قلت لعمي : أسألك عن اسم الفتاة وليس عن مؤهلها التعليمي .


قال عمي : لا نعرفهم .. لا من قريب و لا من بعيد .


قلت : كيف ذلك ؟!


قال : صديق أخيكِ و رفيق دربه في العمل والسفريات هو الوسيط .


قلت : خاطبة !!!!!!!!!!!


قال : خاطبة لأخيك و لنفسه .





قلت لعمي : رفقاً بي ..أحس بان رأسي خالي ..فارغ لا يحوي بداخله شيء كالبيت المهجور سكانه الأشباح و زائره الوحيد الريح لتلطيف الأجواء .


قال لي : أصبح رأسكِ خرابة .


قلت : عمي ..أرجوك لا تقل ذلك .


قال لي : لقد عشت هذا الإحساس الذي تعيشينه الآن . أصبت وقتها بارتجاج في المخ .


ثم قال : هانحن وصلنا ..هل ستأتي معي إلى الداخل ؟!


قلت : لا ..سأنتظرك هنا . وانتقلت إلى المقعد الخلفي .


قال : دقائق .


ثم تركتني و دخل منزله ليحضر زوجته . انتظرتهما حتى عادا فقلت عمي : دقائق !!


( الساعة ستون دقيقة " كلام جميل و الأجمل منه تنفيذه أو تطنيشه " ) !!!


ضحك عمي وقال : لست أنا سبب التأخير . هذا شغل النساء و أعمالهن .


ثم نظر بطرف عينيه لزوجته وابتسم لها ابتسامة رائعة في نقاءها و صفاءها كصفاء السماء .


قلت لها : مباركاً عليكِ حملك .


ردت و قالت : الله يبارك فيك .


ثم تحدث عمي حول موضوع أحمد بالتفصيل الممل .


فقلت في نفسي : هذا هو خطا " غلط " عمي الحقيقي رغم معرفته لحقيقة زوجته و تعاملها إلا انه يعطيها أوضاع عائلته كاملة بالملي ..يعطيها الخيط و المخيط ليساعدها في انكساره مما يجعلها تستطيع اقتحامه لتحتله و بيدها متى شاءت إسقاطه .


استرسل عمي متحدثاً إلى إن قال : تعرفون صديق أحمد " سمير " .


قلنا : لا ..من سمير ؟!


قال : سمير زميله في العمل ابن ........................."


قلت : سمعت عنه .


قالت زوجته : ما به ؟!


قال عمي : لقد تعرف هو و أحمد على واحد يدعى " علي ........................" من قرابة سنة .


قلت : لقد تذكرت إنني سمعت قصته وهي : لقد كان متزوج " مملك " على ابنة عمه و طلقها و يقولون السبب في ذلك أمها لكثرة طلباتها .


قال عمي : لقد وصلتي انه هو بشحمه و لحمه . ولقد خطب سمير أخت علي . و الآن أحمد يريد أن يخطب أختها الأخرى .


قلت : وأين بيتهم ؟


التف عمي برأسه نحوي وابتسم قليلاً ثم أطلق العنان لضحكاته وقال لي : بيتهم تجديه على آخر الخريطة .!


قلت : لا حول و لا قوة إلا بالله ...عمي ..كم اقترفت اليوم من ذنوب ؟....غيبة ..سخرية و استهزاء ...


قال : استغفر الله العظيم و أتوب إليه ..دعونا نغلق الموضوع بأكمله .


سكتنا و بعد دقائق معدودة وصلنا دارنا الحبيب .


* التم شمل العائلة في حضن جو اسري دافئ يمله الحب و الحنان صورة ـ لوحة رائعة يحيط بها إطار ذهبي يطلق عليه ( صلة الرحم ) .


كانت ليلة لا تنسى ..ليلة من أجمل ليالي العمر .. كليلة عرس .

قضينا ليلة ممتعة و انسجمنا في عرض الذكريات الجميلة إلى آخر الليل و قبل انصراف عمي " منصور " و زوجته و عودتهما لبيتهما قمت بمناداته و طلبت منه مصاحبتي قليلاً لإحدى زوايا



الحوش . فرحب بذلك و أتى معي قمت بإعطائه علبة وقلت له : هذه هدية قم بتقديمها لزوجتك بمناسبة حملها .


قال لي : لكنها لا تستحقها فهذه هدية قيمة كان من المفروض أن تشتري لها جهاز اختبار حمل أصلي من الصيدلية عوضاً عن الجهاز الذي تمتلكه ." من أبو ريالين " .


دعي أسورتكِ تنفعك . تعلمين إنها لا تحبك و لا تكن لك الخير ..أنها تحسدكِ !!!


قلت : أعلم و السبب في ذلك غزر شعري وطوله . ولكن اليوم كما ترى قمت بجزره كما تجزر الشاة .


خذ الهدية و إلا سأزعل عليك .


قال لي : إذا قدمت لها الهدية ستسألني بكم ومن أين ؟!


قلت له : كنت أتوقع ذلك فجلبت لك الفاتورة .


قال لي : و لكن ........!


قلت له : خذها قبل أن يلاحظ احد .


و بين القبول و الرفض و المد و الجزر نادت عليه زوجته .


قلت له : أذهب حالة ولادة متعسرة .


أخذها و قال : يا حظ الذي يفوز بقلبك .


ابتسمت له و ابتسم لي و قال : في أمان الله .


فقلت : في رعاية الله و حفظه .


* أخذتني كلماته العذبة " يا حظ الذي يفوز بقلبك " إلى الوراء ..إلى آثار الماضي و بقاياه لأعيش لحظات جميلة مع الأطلال .


ثم فجأة سمعت صوتاً يقول لي : إلى أي عالم وصلتي و في أي ارض حللتِ ؟! ...ليقطع سلسلة أفكاري في حلم شجوني لاستيقظ من سبات حب الأمس على واقع يقول : أغلقي الأبواب جيداً و اطفي الأنوار ثم نامي .


نفضت غبار الذكريات وقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ثم أغلقت الأبواب و أطفأت الأنوار و توضؤت من أجل الخلود للنوم .


اتجهت لغرفتي فوجدت " إيمان " ترسم في تلك الأوراق المبعثرة ..رسمة تفاؤلية جميلة قلبان في بستان من الزهور و الورود و تكتب حرفها و حرف فهد لترمز بهما عن حبهما .


قلت لها : أريد أن أنام .


قالت لي : أريد أن أتحدث معكِ .


قلت لها : غداً ..


قالت : ولكن ..!


قاطعتها و قلت لها : ألم تأتي وقلت لي : أغلقي الأبواب و اطفي الأنوار و نامي ؟!


قالت : أجل ..لقد قالت لي أمي .


قلت لها : اذاً دعيني أنام و" نامي نومة أهل الكهف " . ثم أطفأت النور و قرأت المعوذتين و آية الكرسي وبعض الأذكار و نمت .


* و بعد تلك الليلة ها نحن نستقبل يوماً جديداً ننتظر فيه ولادة حدث جديد ..ولادة رؤية عروس أحمد .


* و بعد صلاة العصر تأهب احمد و استعد استعداداً تاماً . ووقف على رأس أمي يردد كلمة واحدة فقط وهي : بسرعة ..بسرعة ..كأنه عسكري ماسك خفارة .


قالت له أمي : لمَ كل هذا الاستعجال و الوقت مبكر ؟!


قال لها : بيتهم بعيد و يحتاج لوقت حتى نصل .


قالت له : أين ؟!


قال : في آخر المدينة .


قالت له : هل هم فقراء ؟


قال : بيتهم كبير و لكنه شعبي .


قالت : شعبي !!


و كنا نقف " أنا و إيمان " نضحك على تغييره وتصريفاته للموضوع .


ثم قال لنا : لماذا لا تتجهزا ؟


قالت أمي له : لن تذهبا .


قال لها : لماذا ؟!


قالت له : هكذا .. ولا أريد أي نقاش .


* رحلت أمي و احمد و نحن لابثين في البيت أمام التلفاز منتظرين نتيجة القرار ..قرار أمي اتجاه الفتاة .


وبعد انتظار ممل دام ساعات كئيبة عادت أمي و أحمد .


قال أبي : حمداً لله على سلامتكما ..أخبراني ماذا فعلتما ؟


قالت له أمي : الله يسلمك ..لقد شاهدنا الفتاة و ابنك مقتنع فيها و يريدها .



قال أبي لها : و انتِ ..ما رأيكِ ؟
قالت له : هو الذي سيتزوجها وليست أنا . و الرأي رأيك .
قال لها : وما هو رأي أهلها ؟!
قالت له : هم يشترون رجل لابنتهم , ولا يريدون شيء .. فكل شيء زائل .
ثم سأل أبي احمد : أتريدها ؟!
قال له : نعم أريدها .
* أخذ أبي احمد ليرتب معه تفاصيل العرس .
ثم قالت لنا أمي غداً صباحاً من اشراقة الشمس نذهب إلى السوق لتشتريا كل مستلزمات الخطبة .
سألت إيمان أمي و قالت : هل العروس جميلة ..هل هي حلوة ؟
قالت لها أمي : لا ..و لكن المرأة مع الزواج تتغير .
عاودت إيمان السؤال بطريقة أخرى . تشبه من من الذين نعرفهم ؟
ردت عليها أمي و قالت : ماذا تريدين منها ؟!
قلت لها مادام أخوكِ مقتنع بها فهو يراها ملاك .
* دخل أبي و قال لقد رتبنا لكل شيء , و العقد يوم الخميس المقبل .
قالت له أمي : أليس هناك خطبة ؟!
قال لها : لا ..فكل الذي تريدين وضعه و تقديمه للعروس في الخطبة ..قدميه ليلة العقد .
قالت له أمي : لماذا كل هذا الاستعجال و نحن لم نستعد بعد ؟!
قال لها : سأخبرك بما تريدين معرفته في وقتاً لاحق .. اتركيني الآن أغادر مع احمد .
قالت له : رافقتك السلامة .
وبدأنا التجهيزات على أساس ما قاله والدي .

*رجع والدي واحمد إلى البيت في وقت متأخر ..في منتصف الليل .
قالت له أمي : حمداً لله على سلامتكما ...ثم نظرت إلى أبي بنظرة أنثوية رقيقة و قالت له : لقد انتابني شعور بالقلق والخوف عليكما ..
ابتسم أبي لها وقال : الله يخليكِ لنا يا نون العين . لقد جمعنا الرجال من الأهل و الأصدقاء و اتجهنا لبيت الفتاة و خطبناها رسمي . و بالنسبة للعقد يوم الخميس المقبل فأخبري جميع النساء من الأهل والأصدقاء
ردت عليه أمي : من عيوني يا نظر عيوني ..الله يوفقهم .
و ابتسمت لأحمد وقالت : مبارك عليك يا ولدي .
بعدها قلنا " انا وإيمان " : مبارك عليك يا عريس . .
رد علينا : الله يبارك فيكم .
ثم قالت لنا أمي " انا وإيمان " تعالا معي للداخل .
قلنا : حاضر . وتبعناها للداخل فقالت : اسمعاني جيداً ليس لدينا وقت لشراء أقمشة و تفصيلها سنأخذ فساتين جاهزة .
قالت إيمان : و لكن يا أمي الجاهز لا يناسبني .
قلت لها : الا تفهمين ..ليس لدينا وقت .
قالت أمي بحزم : لا أريد جدالاً فيما أقول ..فهمتما .
قلنا : فهمنا ..يا أمي .

* و أعلننا معركة الوقت في محاولة كسب كل دقيقة بل كل ثانية ..ليل ..نهار ..حتى جاء الموعد ..موعد الملكة .
تجهزنا بموكب من السيارات وسرنا وسارت الفرحة قبل أعيننا تحملها قلوبنا مرسومة على محيانا .
وصل الموكب ..هبط كما يهبط سرب من الطيور بشوق ولهفة لأوكارهم بعد فترة غياب و هجرة طويلة .
نزلنا من الموكب إلى بيت الفتاة و انقسمنا فريقين : فريق الرجال عند الرجال وفريق النساء عند النساء . وبدأت الطبول و الدفوف تقرع , و الزغاريد تعلو و تعلو والأنوار المضيئة في كل ركن من أركان بيت العروس , و المفرقعات النارية المتطايرة في الجو لتعطي أروع الأشكال والألوان المتلألأه استقبالاً لمجيئنا .

*بدأت المصافحات و القبلات بيننا وبين أهل العروس و ذويها . وبدأ التساؤل المعتاد أين العروس ؟! من هي العروس ؟!
دنت مني " إيمان " وهمست في اذني : أريد ان أراها ؟
قلت لها : انتظري هذه عروس لا تظهر الا بعد العقد .
وبين السؤال و الجواب أطلقت عدد من الطلقات و المفرقعات لتعلن " تم الزواج " . في هذه اللحظة ظهرت العروس وظهر معها همسات النساء .
" طبول ـ دفوف ـ مفرقعات ـ زغاريد يتخللها عبارات الغيبة و النميمة " الحش " ".
( عروسهم ليست جميلة ـ العريس أجمل ـ لم ينتقوا غير هذه ..أليست لديهم أعين ؟!.....................الخ )
وختامها بقول إيمان لي : ما هذه ؟ هل هي انسية أم جنية ؟! و ردها بقولها : انها جنية !!!
قلت لها : قولي ..بسم الله ..و لا تخافي .
قالت لي : هذا ليس وقت مزاحكِ .
قلت لها : جنية ..جنية ..و ما شأنكِ انتِ ؟
قالت : وكيف سيعيش معها احمد ؟!
قلت لها : تطمئني .. سيعيش معها ببساطة ..لأنه ستصبح لديه واسطة مع العالم السفلي .
ضحكت إيمان .



ثم تداركت عقلي وقلت : استغفر الله العظيم و أتوب إليه ..اسكتي و هيا بنا لنسلم و نبارك للعروس .



وفي اثناء حديثي اتجهت العروس نحوي وقالت إيمان : انظري إنها ترمقكِ بعينيها ..أتظنكِ العريس ؟!



قلت لإيمان : اسكتي .



أقبلت العروس " زهراء " لتقبلنا و تحتضنا و تدعونا للعشاء معها .



و بعد وليمة العشاء غادرنا دارهم ..موطنهم ..و لم يبقى عندهم سوى " احمد " .



* وفي اليوم التالي أقام والدي وليمة كبيرة للرجال في إحدى صالات الأفراح الكبرى . ولقد قام صديق احمد "سمير " بجلب مطرب لإحياء السهرة وإمتاع الحضور .



كانت حفلة رائعة الكل تحدث عنها بإثارة و اندهاش .



* وفي اليوم الثاني احضر احمد لنا شريط الفيديو ..شريط الحفلة لنشاهدها .



قامت إيمان بوضع الفيلم في الفيديو و تشغيله . ووقفت أمامه لتحجب عني الرؤية .



قلت لها : يا أختي أصبحت ارى ظهركِ كشاشة للتلفاز ..هل تريدين ان تطبعي له إشاعة ؟! اجلسي ..كسر الله رجليكِ .



قالت لي : أريد ان أشاهد عن قرب ..عن كثب .



قلت لها : اجلسي جواره و شاهدي و لا تقفي امامي .



قالت لي : انظري لأحمد و بقربه أبي وامجد ....و الله عمي منصور لم أعرفه ..كم هو وسيم ؟!



و جلست تعدد هذا فلان و هذا لم اعرفه ..و من هذا ...........؟



قلت لها : أتحسبين نفسكِ في التعداد السكاني ؟! ..شاهدي بصمت .



سكتت قليلاً ثم عادت لحالتها السابقة .



فقلت في نفسي : ادعها تشاهد و تكلم نفسها , و أنا أكمل كتابة طلبات الزواج و أسماء المدعوين .



وفجأة قالت أمل : تعالي ..اقتربي ..



قلت لها : ما بكِ ؟ انني مشغولة في كتابة الأسماء .



قالت لي : اقتربي بسرعة فقلبي لا يقوى على النبض أوشك ان يتوقف .



نفضت الأوراق من على المنضدة حتى تطايرت كريش طائر وقع بين مخالب الافتراس .



اتجهت نحوها وقلت : ما بكِ ؟



قالت : انظري للفيلم ..انظري جيداً .



نظرت وليتني لم انظر وسكت .



قالت : من هؤلاء ؟ بنات من ؟!



عجز لساني أصبت بالشلل .فقدت عقلي لم استطع الرد .



عاودت إيمان التساؤلات : هل هؤلاء بنات ؟!



تحركت قليلاً ثم أغلقت الشريط و أخذته معي إلى أبي .





حملت ذلك الشريط بيدي ..لا بل هو من حمل يدي لشدة الوزر الذي في أعماقه .


لم أكن أعرف ماذا أقول لأبي ؟ . جلست أمامه كالمدان ..كالمتهم ..المجرم الذي يريد الاعتراف .


سرحت أحاول أجمع أفكاري مع ذلك الخيال المجنح ..الخيال الطائر ..الطائر !!!


قلت بين طياتي : خيالي أي نوع هذا الطائر ؟!


هل هو من الطيور المفترسة الكواسر ..ام من الطيور الرقيقة النواعم ؟!!!!


لم أكن اشعر بشيء من حولي حتى امتدت يد لملامسة يدي و أنفاس تلفح لتعانق خوفي و سؤال كالسهم المسموم الذي يخترق الكبد لتصعد الروح فيقول لي : هل أتيتي بفيلم الزواج ؟


كان السؤال صفعة قوية لطخت خدي بالدماء .


قلت لأبي : هلا تريثت و تحملت قولي .


قال لي : ماذا توارين خلفكِ ؟!


قلت له : مزيج الخوف و الدهشة .


وقف أبي أمامي و رفع رأسي بيده الكريمة و مسح بالأخرى عليه وقال لي : ماذا بكِ يا صغيرتي ؟! من الذي أفقدك البسمة و عقد لسانكِ عن قول الحق ؟!


هل هو الخوف ؟! سحقاً له ان كان يمنعكِ مني .


قلت أبي : ليس الخوف فحسب . ولكني لا أقدر ان أزين كلماتي أو حتى أنسقها .


أقول لك الحق و اذكر ما حدث بالضبط .. وبدأت أقص و أعيد نفس المشهد .." المشهد الذي دار بيني وبين إيمان و المسرح هو الفيلم " .


صمت رهيب خيم عليه وبدأ يسترجع الأحداث ..أحداث الحفلة ثم قال لي :


لابد ان أشاهده لكي احدد الخطأ ..الخلل ..و أعالجه . و الآن قومي لمناداة جميع أعضاء العائلة .


فقلت له : بأمرك ..و لكن احمد احضر الشريط و غادر .


لقد قام أبي بالمشاهدة و لم نتواجد إلا و قد انتهى من رؤية ما يرمي إليه .


سأل أبي أمجد وقال : كيف كانت الحفلة بعد مغادرتي لها ليلة أمس ؟


رد عليه بحماس وقال : لقد كانت رائعة . الكل يتحدث عنها و خاصة المطرب وصوته لقد أطرب الجميع .


* ودخل سؤال مباغت من إيمان و كأنها " فشارة " استوت على نار هادئة لتنطلق وقالت : من هن تلك الراقصات ؟!


نظر إليها أمجد بعين حاقدة ..غادرة تتربص بها كالذئب لتفترسها وقال لها : أي راقصات ؟


قالت له : اللاتي في الشريط .


قال لها : ومن سمح لكِ بالنظر إليه ..وقام لكي يضربها .


وثبت وثبة لترتمي في أحضان أبي .


نظر إليه أبي نظرة جعلته يتجمد مكانه وقال له : سأخنقك حتى تموت و أعلقك من كعب قدميك و أربطك في مروحة السقف حتى آخر قطرة دم لديك لتترسب في قعر رأسك ..و أقول :مات ان لم تصدقني القول .


قال امجد لأبي : أقسم بالله ..لا شأن لي و لا أعرف هؤلاء الشباب . لقد أحضرهم صديق أحمد " سمير " .


قال له أبي : و لماذا لم يمنع أحمد " سمير " ..لماذا لم يقل له لا أريد ( جنساً ثالثاً ) في حفل زواجي ؟!


قلت في نفسي : جنس ثالث !!!!!


قال له امجد : لم يكن احمد موجود أثناء ذلك ؟


هنا تدخلت أمي و كأنها أحست بان أحمد غادر إلى زوجته و قالت : و أين كان ؟


قال لها أمجد : كان عند زوجته .


و في هذه اللحظة يدخل أحمد و الابتسامة تشق ثغره وقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


ردينا عليه وقلنا : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .


قالت له أمي : حفلك رائع في الشريط , ولكن الصوت غير واضح ..أجلس و كلمني عنه .


قلت في نفسي : " كبسة " .


نظر أمجد لأحمد كأنه يقول له : لا تتفوه الا بالصدق .


شددت عليه أمي و طوقت الحصار ..فأعترف .


وبخته وقالت له : أريد ان أعرف سبب ذهابك ؟!


قال لها : لقد وعدت زهراء بإعطاءها مبلغاً من المال .


قالت له : كيف ..أعد ما قلت ؟!


قال أحمد لأمي : في ليلة العقد جلست مع زهراء و تحدثنا وفي اثناء الحديث عرفت بان اخوتها اقتسموا مهرها .


قالت له أمي : وانت ما شأنك ؟


قال لها : زوجتي .


قالت له : وهل أحداً نكر ذلك ؟! . اسمعني جيداً نحن سلمناهم مهراً كاملاً , والمهر من حق البنت و المعروف لدى الجميع بان الأهل يزيدون و لا ينقصون .


و زواجك بعد شهر ..الا تستطيع ان تصبر شهر ؟


ثم سكت أحمد و سكت الجميع .


* قلت لأبي هناك سؤال يقف في حلقومي و يلعب بين المريء و البلعوم كأنه طفل يلعب و يتنقل في الطرقات .


ابتسم أبي وقال : قوليه و لا تخافي .


قلت لأبي : الذي أعرفه و تعلمته بان الله سبحانه وتعالى خلق الجن والانس ليعبدوه . والانس هم الذكور والإناث ..الرجال والنساء .


وسمعتك تقول : جنس ثالث ..من هؤلاء ؟! من أين أتوا ؟!

الــولــيــد
06-05-2010, 09:47 PM
قال أحمد و أمجد : اسكتي ..ما هذا السؤال السخيف ؟ . ان سمعناكِ تقولين مثل هذا الكلام قطعنا لسانكِ .



قلت لأبي بعفوية : لا تقل مثل ذلك حتى لا يسمعك احد فتقطع لسانك .



وفي شدة غضب أبي ضحك و قال : هؤلاء شباب فئة أو شريحة من البشر صنفوهم و أطلقوا عليهم هذا المسمى .



فقلت له : لكي تصبح فئة مميزة و معتزلة .



ثم قص لي قصة نبينا لوط عليه السلام .



قلت لأبي : هذا يعني بأنهم لم يخلقوا هكذا , ولكن لهم أسباب .



قال أبي : هناك من أغتصب في الصغر , و من عاش وحيداً بين عدد من الإناث , وهناك عقوبة للأب الذي كان يستهلك ويستنزف أبناء الغير ليستنزف اليوم أبناءه و الجزاء من جنس العمل .



قلت له : ولماذا لا يساعدهم أحد فباب الله مفتوح ؟ لماذا لا يقفون وقفة صادقة مع أنفسهم ليعيشوا ؟!



قال أمجد : أنتِ غبية ..هؤلاء يعيشون هكذا ويموتون هكذا .



قلت : لا ..هناك أسباب و مسببات ..هناك من يستغلهم لمصالحه الشخصية أمثال سمير وغيره .



قال أحمد : ان تكلمتي على سمير كسرت أسنانك .



قال أمجد : و أنتِ ما شأنكِ ؟! و لماذا تدافعين عن هذه الأشكال ؟!



قلت : أنا لا أدافع عنهم و لكن أدافع عنكم لأنكم انتم أحد الأسباب في انحرافهم و مواصلتهم لذلك .



أنا لا أدافع عنهم بل أريد ان يكون زواج أخي موفقاً ....كيف سيكون موفقاً و به مثل هذا ؟!



قال أبي : أسمعوا جميعاً وخاصة ً الشباب ..رجال البيت من بعدي ..اذا نطق أحدكما بكلمة أو لامس ظلكما لجسدي أختيكما كسرت أضلاعكم ضلعاً ..ضلعاً ..والآن أنهضوا جميعاً إلى غرفكم لا أريد رؤية أحدٍ منكم .




انصرفنا جميعاً تنفيذاً لأمر والدي .


دخلنا غرفتنا " أنا و إيمان " و استلقينا على الأسّرة لنزيل ما علق بأذهاننا من حوادث و أحداث .


* سألت " إيمان " وقلت : أخبار قلبكِ ؟


ابتسمت وقالت : قلبي... يــاااااااااااااا قلبي مسافر .


قلت لها : متى ؟


قالت : بداية العام الدراسي .


قلت لها : كم بقي على فهد لإنهاء دراسته .


قالت لي : عام واحد .


قلت لها : الحمد لله و نفتك منكما .


قالت : ما قصدكِ ؟!


و في هذه اللحظة انقطع التيار الكهربائي ضحكت وقلت : هذا هو قصدي . اجعليه يأتي لإصلاح الكهرباء ..أليس هذا من اختصاصه .." تخصصه " ؟


قالت لي : أتسخرين منه ؟ و هو قلبي !


ولم تنهي كلامها حتى اشتغلت الكهرباء . فقلت لها : ما شاء الله ..متواصلين عبر الإيحاء .!


و جلسنا نتحدث و نضحك حتى طغى علينا النوم .


*و في اليوم التالي عشنا حياة يوم جديد ما بين أعمال البيت و استعدادات الزواج " الحياة الروتينية " .


و عندما أوشك المساء على الحضور و غادرت الشمس نحو الغروب وقبل ان يسدل الليل خيوط ظلامه . حضر أحمد و معه زوجته إلى بيتنا فتحول ذلك الغروب الجميل إلى زوبعة و هجير .


دخل أحمد و زوجته و نحن مجتمعين في الصالة نشاهد التلفاز و نتبادل الاراء و الاقتراحات في خطط و سير الزواج .


قال أحمد : السلام عليكم ..


قلنا : و عليكم السلام ..


نظرت أمي لأحمد من رأسه إلى أسفل قدميه و عيناها تتطاير شرار .


ثم صافحت زهراء أمي وقبلت رأسها . و بعدها صافحناها " أنا و إيمان " .


قامت أمي بمغادرة المكان و نادت أحمد . و مكثنا نحن معها .


ثم نادت " إيمان " الخادمة لإحضار الشاي و المكسرات . كانت زهراء صامته و مبتسمة و نحن كذلك حتى أطلقت عليها " الجلسة الصامتة " .


وبعد دقائق قد تكون ربع ساعة حضر أحمد و جلس بجوار زوجته .و لكن زهراء عدلت جلستها لتصبح أقرب بكثير منه .


خجلنا من ذلك و انسحبنا من المكان فقالت إيمان : ما بها ؟!


قلت لها : لا شيء ..ألم تشاهدي في حياتكِ لصقه ؟!


و نحن جالستان نتكلم . عبرت الخادمة و هي تحمل الشاي و المكسرات فقلنا لها : ضعيه في الصالة عند أحمد .


وعندما جاءت سألتنا وقالت : من خرمة " واحد نفر " يجلس مع بابا أحمد ؟!


قالت لها إيمان : والله أنها خرمة ..هذي خرمة مدام أحمد .


قالت الخادمة : هذا مدام ما في حلو .


قالت لي إيمان : حتى الخادمة معها نظر . أخوكِ يحتاج إلى نظرات ..بل يحتاج إلى عدسات تكبير .


قلت لإيمان : انظري هناك ..


قالت لي : إلى أين يأخذها معه ؟!


قلت لها : سيريها غرفته ..سيريها حياة العزوبية .


ثم ضحكنا . و ضحكت الخادمة و من شدة ضحكها أخذت تتمايل .


فقالت لها إيمان : أشوفكِ في منتهى السعادة . الأخت " عايشه ذكرياتها " ..تحركي و لا تقفي هنا .


تحركت الخادمة باتجاه غرفة أمي لتخبرها بما جرا .


خرجت أمي من غرفتها و سارت بهدوء . طرقت الباب و نادت " أحمد " ..تعال بسرعة .


خرج أحمد من غرفته و قال لها : أمركِ يا أمي .


قالت له بصيغة جازمة : خذ زهراء و أعدها إلى أهلها الآن . مشت و تركته يضرب أخماساً في أسداس .


ثم أخذ أحمد زهراء لإيصالها .


* و بعد خروجهما انتظرته أمي في الصالة لحين عاد .و قالت له : يا ابني ..كيف سمح لك أهلها بان تخرج معك ؟


قال لها : زوجتي و لا يستطيع احد منعها من الخروج معي .


قالت له : كيف تجرؤا على إحضارها إلى هنا ؟!


قال لها : يا أمي ..يا حبيبتي ..هي زوجتي وانتم أهلي و أريد تقريب بعضكم من بعض .


قالت أمي له : تعال معي .


أخذته إلى غرفتها و بعد لحظات خرج أحمد من البيت و سمعنا أمي تصرخ بالنداءات و الهتافات .


حضرنا مسرعين قلنا : ما بكِ ؟!


قالت لي : أسرعي و نادي أباكِ .


خرجت مسرعه إلى غرفة الضيوف وقلت لأبي : أبي أسرع أمي تريدك .


مشى أبي لا بل هرول حتى وصل وقال لها : خيراً ..ان شاء الله ..ماذا حصل ؟!


قالت : لقد تزوجها ..أحمد تزوج زهراء .


قال لها : تزوجها ؟!


قالت : أجل تزوجها ..لابد ان تسرع في الزواج . وبدأت تلطم خدها و تضرب على رأسها .



قالت إيمان : هو تزوجها يوم الخميس .


سكت أبي قليلاً ثم قال لنا أخرجا من هنا .


* خرجنا أنا و إيمان في ذهول الصدمة و غرابة الدهشة ثم سألتني : ألم يتزوجها يوم الخميس ؟!


قلت لها : بلى .


قالت لي : اذاً ما بها أمكِ ؟!


قلت لها : لا أدري , و لكنها غاضبة و حزينة .


قالت لي إيمان : دعينا نجهز أنفسنا للزفاف و هم يحلوا مشاكلهم .


قلت لها : أصبحتِ بلا دم .


قالت لي : وان كان هناك دم هل تحتاجين لتبرع ؟!


قلت لها : سيري أمامي و إلا دفعتكِ دفعةً ألصقتكِ بالجدار .


ثم سمعت صوت أبي يناديني فأسرعت لألبي النداء .


قلت له : أمرني ..يا أبي .


قال لي : أجلسي بقرب أمكِ حتى تهدأ و أعود . ثم ارتدى ملابسه و أخذ معه عمي " منصور " الذي كان ينتظره في غرفة الضيوف و خرجا .


بعد ذلك جلست مع أمي و هي منكسة رأسها في الأرض واضعة يديها عليه . وقالت لي : لماذا يفعل أحمد هذا بنا ؟! ـ لماذا لم يصبر ؟!


قلت لها : أمي هوني عليك ..ماذا فعل أحمد ؟!


قالت لي : تزوجها .


قلت في نفسي : عرفنا انه تزوجها ..العالم كله يعلم بأنه تزوجها من يوم الخميس .


ثم قالت لي : اسمعي و افهمي جهزي نفسكِ أنتِ و أختكِ بعد أسبوع حفل الزفاف .


قلت لها : أسبوع !!


قالت : أسبوع .


قلت لها : كيف ..ألم نتفق بعد شهر ؟! و بطاقات الدعوة و الفساتين و ..................


قاطعتني و قالت : أتريدينني ان انتظر شهراً كاملاً قد يقع فيه حمل ؟


قلت لها : لكِ ما تشائين و نحن طوع أمرك .


قالت لي : قومي نبدأ التحضير و التجهيز .


وبدأنا رحلة شاقة ..رحلة العناء في محاولة توفير كل الأشياء في ذلك الوقت . محاولة دؤوبة للوصول والنجاح في استثمار الزمن و العودة بالفوائد المرجوة .


ومن شدة إنهاكنا لم نشعر بالساعات التي قضيناها . ساعات كثر ..ساعات إلى منتصف الليل .


عاد أبي و معه أحمد و امجد وقال لهما : قبلا رأس أمكما و غادرا في الحال .


ثم قال أبي لأمي : كيف حالكِ الآن ؟


قالت له : بخير دامك بخير .


ابتسم لها وقال : لقد تم لكِ ما أردتي ..الزفاف بعد أسبوع , و أهل الفتاة سيحجزون " حوش" عندهم ليكون فيه .


قالت له : " حوش " ؟!! ـ ابني البكر أول فرحة لي يكون زفافه في حوش .


قال لها : هناك لا يوجد صالات و لا استراحات و هنا الصالة بعد شهر . و أنتِ تعرفين نحن في اجازة ..نحن في موسم الأعراس . و الآن ما قولكِ ؟


قالت له : حتى الحوش لا يستحقه .


قال لها : هذا نصيبه .


* و تم الزفاف بعد أسبوع حسب التعليمات في التعديلات الجديدة .


وطبعاً لم يستأجر أحمد بيتاً جديداً لسبب ضيق الوقت , وقام بالسكن معنا في غرفته و غرفة أمجد .


جدد الغرفة بدهان و أثاث حديث .


لم يكن من السهل ان يقطن أمجد معنا في البيت فدارت الاقتراحات حول ذلك .


في بادئ الأمر سكن في بيت العم " منصور " . ثم قرر أبي ان يبني دوراً ثانياً أو حتى ملحقاً صغيراً " غرفة و حمام " في الحوش يجعل له باباً منفصلاً و منعزلاً عنا له . . حتى يستأجر أحمد و يؤثث .


ولكن أحمد لا يستطيع ان يستأجر شقة لأن فلوس الأثاث قام بانفاقها و تصرف فيها . و اشترى بها سيارة جديدة . باقتراح من زهراء بحجة ان بيت أهلها بعيد يحتاج لسيارة قوية . وعندما علم أبي بذلك : أقسم بان لا يعطيه ريال . و لم يتجاوز الأسبوعين حتى أصبحت زهراء حامل .


* ولكي يساعد أمجد أخوه أحمد قام بتقديم طلب لمقر عمله بأنه يريد انتداباً لمدة سنة و تمت له الموافقة عليه .


وكان انتداب أمجد في نفس المنطقة التي يدرس فيها فهد . ولأن فهد و عائلته معروفون من قبل العائلة اتفقا هو و فهد على السكن سوياً .


قضى أمجد معظم الاجازة في التنقل والترحال حتى ضاقت به الأرض بما رحبت فأقترح على فهد السفر معه لأنه لا يعرف تلك المنطقة جيداً . وافق فهد و رحلا .


* عاش معنا أحمد و زهراء .. كانت زهراء كثيرة الجلوس معنا ..و كثيرة الحركة والتجوال في جميع انحاء البيت . حتى انقضت الاجازة و عدنا لبداية عام جديد ..بداية عام دراسي جديد .


* كم كنت أتوق لرؤية المجتمع الأكبر من المدرسة ..كم كان الحماس يدفعني ..أنه مجتمع التعليم العالي " الجامعة " .


و إيمان تنتقل للصف الثاني الثانوي لتختار احد الأقسام التي يلائمها " القسم العلمي أو القسم الأدبي " .


* استعدينا استعداداً تاماً لأول يوم دراسي.... سنعيش حياة بتغيرات جديدة ...................



عشنا الحياة الجديدة باجتهاد و كفاح " أنا وإيمان " في الدراسة . و أمي في الأعمال المنزلية و خاصة الطبخ لأن أبي لا يحب طبخ الخادمة تحت شعار ( ممنوع طبخ الخادمة ..مسموح تنظيف البيت ) . و كانت زهراء دائماً ترافق أمي في المطبخ عند قرب حضور أحمد من الدوام لتقطيع السلطة .
* و من المعتاد بعد عودتنا " أنا و إيمان " من الجامعة والمدرسة نتجه إلى المطبخ فوراً و خاصة إذا كان يوم دراسي شاق و متعب . فقرصات الجوع لا ترحم ... ليتكرر مشهد لا يرحم .
* المشهد يقول :
سئمت الغدر في التكرار , وسئمت الوهم في التفكير .
دائماً عندما يأتي أحمد من عمله يتجه إلى المطبخ و يسأل زهراء أمامنا هل طبختم ؟
فترد عليه بكل هدوء و ابتسامة صفراء بقولها : أجل طبخنا و الغذاء جاهز .
* لتتأجج نار بداخل " إيمان " لتشعل حريق من الكذب الذي تشاهده و تقول لزهراء : ماذا طبختي لنا ؟!
فترد عليها برد من قالب الثلج : انتظري دقيقة سأحضره الآن و تذوقيه .
ليزداد الغيظ في عيني إيمان لتقول لها : لقد جعلتيني اشتاق ..أخبريني ماذا طبختي ؟
* هنا يتدخل أحمد " عريس الغفلة " و يقول لإيمان بأسلوب متعجرف : أغلقي فمكِ ..و أحمدي ربك ..أنها تطبخ و تعد لكم الطعام وانتم مرتاحين .
أنكسر خاطر إيمان و انتفخت أوداجها و أشدت حمرتها وقالت له : أنت لا تعلم بشيء ..و انحدر الدمع من مقلتها .
فقال لها : أقلبي وجهكِ .
فركضت لغرفتنا و الدمع يتساقط كقطرات المطر . قطرات المطر التي اذا سقطت على الأرض أروتها , و انبت خيراتها . و لكن الأرض التي عندنا أرض بور ..صحراء قاحلة ..كيف ننتظر خيراتها ؟!
* الأرض البور اذا سقط عليها المطر أخرجت السحالي و الزواحف لتعيش فصل شتائها مع حبيبتها و شبيهتها الرمال .
* ثم لحقت بها إلى الغرفة فوجدتها مستلقية على الأرض غارقة في بحر دموعها ..
قلت لها : أنهضي من الأرض و تعوذي من إبليس .
رفعت رأسها وقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
ثم قلت لها الآن أغسلي وجهكِ و أشربي كوباً من الماء . و أرجعي فانا في انتظارك .
خرجت وعادت لتقول لي : "شفتي " ماذا فعل أحمد ؟ "شفتي "لم يعطيني فرصة لكي أضعها في خانة اليك " اليكة " . أوشكت ان أضيق عليها الخناق , و أجعلها قاب قوسين أو أدنى .
قلت لها : اهدئي ..و أفهمي كلامي جيداً ..اذا أخوكِ لم يستطع التفريق بعد هذا العمر بين طهي أمه و طهي زوجته ..فأنتِ لن تجني شيئاً من هذا الحصاد .
قالت لي : ولكن ..............!
قاطعت كلامها بقولي لها : أعلم ماذا تريدين قوله .. أعلم أنكِ أعطيته طرف الخيط ولكنكِ تجاهلتِ بان الخيط كله معه .!
دعي الأيام تكشف المستور . و تذكري بان المكتوب هو المكتوب .. دعينا نغلق الموضوع و نجعل أمرنا لله تعالى ونقول :
( حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) .
* ثم قلت لها : خذي قسطاً من الراحة و أخلدي للنوم فهذا وقت القيلولة " قيلي " و أحلمي ..( بالحب المر .. العذب ) فهودكِ .
ابتسمت ثم نهضت من سريرها إلى سريري و جلست جواري وقالت : لا أريد ان احلم به و لا أريده أصلاً .
قلت لها : بسم الله الرحمن الرحيم ..ماذا بكِ ؟! هل دخل فيكِ جني ؟!
قالت لي : من يوم سافر لم يسأل عني و لا حتى باتصال واحد ..أقلها يطمئني عليه . أكيد نسيني ..." خلي اللي معاه تنفعه " .
قلت لها : أكيد رايحه تنفعه .
قالت لي : أصلاً مستحيل يحب غيري .
ثم ضحكت و ضحكت .
قالت لي : أصبحتِ لا تحسين بي .
و أنا أضحك و أضحك .
ثم قالت : يا بلا دم .
قلت لها : وان كان هناك دم ..هل تحتاجين لتبرع ؟!
قالت لي : تعرفين تأخذين حقك .
قلت لها : لماذا أنتِ غاضبة ؟!
قالت لي : معي قهر منه ..اتصال واحد فقط يطمئني عليه .. ولكنه بلا دم .
قلت لها : أعقلي يا مجنونة ..الرجل يسكن معه أخوكِ ..كيف تريدينه ان يتصل بك ؟!
قالت : والله محلات الاتصالات يا كثرها على القلب .
ضحكت وقلت لها : نامي أفضل لك .
قالت : أريد ان أتكلم معك .
قلت : و أنا أريد ان أنام . و تطمئني فهد يحبك .
قالت لي : والله .
قلت : انا لله وانا إليه راجعون ..ألم تقولي مستحيل يحب غيري ؟!
قالت : أكيد .
قلت لها : أنهضي من سريري و إلا ركلتكِ ركلة أوصلتكِ سريرك بدون بريد ...قومي ..!
* كنت أقول في نفسي " الشوق واللهفة ..الولع قطع أوصالها "
ثم داهمنا النوم و نمنا .
* سارت حياتنا على هذه الوتيرة ما بين دراسة وبيت ..مذاكرة و أحداث ..إيمان و فهد ..أحمد و زهراء ..أمي و أبي .


استمرينا على هذا الحال حتى نهاية الفصل الدراسي الأول نجحت إيمان و لله الحمد بتفوق . و رسبت " أنا " و كانت الصدمة القاتلة للجميع ..كيف ذلك ؟! ..رسبت في المواد جميعها ما عدا مادة واحدة .


أخذت اسأل نفسي : أين ثمار ذلك المجهود ؟! هل هذا يعقل ؟!


* سألني الجميع هل كنتِ تدرسين جيداً ؟! لم ألقى لهم جواب غير الصمت المغلف بالدهشة . ثم ردت إيمان وقالت لهم : والله لقد كانت تدرس ليل ..نهار .



* بعدها رن الهاتف اذ هي أحدى زميلاتي الأوفياء و اقرب الصديقات سلمت وتكلمت معي قليلاً ثم قالت لي : أعلم بأنكِ حزينة على نتيجتكِ و لك الحق . و لكن نظام النجاح في الجامعات و الكليات ليس بالمذاكرة و الاجتهاد .


قلت لها : لم أفهمكِ ؟!


قالت : هناك نجاحين ...نجاح الحظ بالقرعة , و النجاح الأكيد بالدفع .


قلت لها : القرعة و الدفع ؟!


قالت : القرعة ...........نثر أوراق الإجابات عالياً لتتطاير تحت قوة سرعة المروحة فاذا سقطت ورقة الإجابة في الجانب الأيمن مبروك أنتِ في الجنة ..و اذا كانت في الجانب الأيسر فأنتِ في نار جهنم ..في السعير .


قلت لها : أستغفر الله العظيم ..و ما هو الدفع ؟!


قالت : الدفع ........المادة ..( مال ـ ذهب و مواد كهربائية ) .


قلت لها : هذا أصبح زواج .


قالت : هو كذلك بأم عينه و لكنه في السر .


قلت لها : وضحي أكثر ؟


قالت : تريدين النجاح ........أدفعي للكنترول ..للدكتور أو الدكتورة و احتمال تكون أستاذة و يطلق عليها دكتورة " رشي " .


قلت لها : رشوة ؟!


قالت : وصلتي .


قلت لها : لو أملك مال قارون . ما دفعت ريالاً واحداً لهم .


اليوم دار فناء و غداً دار بقاء و لن تنجيني الشهادة من النار .


ثم قالت لي : لقد أحببت ان أنوركِ و اطمئن عليكِ .


قلت لها : جزأك الله كل خير .


و انتهت المكالمة على ذلك .


* فقلت في نفسي : هكذا هي الدنيا فيها الظالم و المظلوم ..اذن لا استغراب و لا دهشة بعد اليوم .


قضينا الاجازة ..حياة مملة ..رتيبة . لم يأتي أمجد فيها إلى البيت و قضى الاجازة هناك فعمله لم يسمح له .


* و في يوم من أيام الاجازة جاءتني إيمان تتراقص فرحاً وقالت لي : لقد أتصل فهد وهو هنا عند أهله . وجلست تحدثني عنه حتى اخترقت طبلة اذني و أصابني دوار " صداع " .


ولم تكتمل فرحتها في حديثها حتى طرق الباب بهدوء ..طرق ناعم كأنه أنغام الموسيقى .


قلت : من بالباب ؟


قالت : أنا ..زهراء .


قلت في نفسي غريبة هي تدخل دون استئذان .


قلت لها : تفضلي بالدخول .


قالت لي : سأدخل في الموضوع و بدون مقدمات .


نظرت إلى إيمان و نظرت لي ..و قلت لزهراء : قولي .


قالت : لقد سمعت المكالمة كاملة .


قالت لها إيمان : طيب " و خير يا طير " .


قلت لإيمان : اسكتي ..دعي زهراء تكمل ..أكملي .


قالت زهراء لي : لقد جئت أحذركِ ..اليوم أنا سمعتها و غداً قد يسمعها أخوكِ .


قلت لها : جزأكِ الله خير .. وأنتِ منا و فينا . و بصراحة أنا أحب واحد و وعدني بالزواج .


قالت لي : كل البنات في سن المراهقة طائشات . .. يا الله من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة .


قلت في نفسي : " ول. هذي وهي غير متعلمة و تعرف مراهقة و لو كانت متعلمة " تحرقنا " !!!!!!!!


قلت لها : الله يستر الجميع .


ثم استأذنت و تركتنا .


قامت إيمان تصرخ و تقول : بأي حق تتدخل في حياتنا ؟ .. لماذا قلتي لها أنه أنتِ و لم تقولي أنها أنا ؟! لماذا تورطين نفسكِ ؟! ..إلى متى الظلم يلاحقكِ ؟!!!!!!!!!!


كانت تستفهم و تهذي و تتمتم مره واقفة على السرير تلوح بيديها و أخرى جالسة على الأرض تضرب بأرجلها .


ثم نظرت إليها فسكتت .


قلت لها : انتهيتِ أم ان هناك متبقي " يا حالة نفسية " .


قالت لي : انتهيت .


قلت لها : هل تعتقدين أنها لم تستطع تمييز صوتكِ؟! ..هل تعتقدين أنها لم تعرف أنها أنتِ ؟!


قالت لي : ولماذا وجهت لك الخطاب مادامت تعي أنه أنا ؟!


قلت لها : العلم عند الله تعالى ..المهم أسمعيني جيداً ..هل نطقتي باسم فهد اثناء المكالمة ؟


قالت لي : لا


قلت لها : متأكدة .


قالت : متأكدة ..لأن المكالمة قصيرة جداً .


قلت لها : قصيرة ؟! ..لك ساعة وقصيرة .


ضحكت و قالت : و هل ساعة كثير ..؟ الساعة أحسها ثانية .


قلت لها : استيقظي من رومانسيتكِ و عيشي الواقع ..واقع الحية زهراء ..لابد ان يخطبك فهد .


قالت لي : و لكنه لم ينهي دراسته .


قلت لها : خطبة " خطوبة " و ليس زواج .





قالت لي : ولكن لا استطيع ان أطلب منه ذلك .


قلت لها : ومن الذي قال لكِ ان تطلبي منه ؟!


قالت : ألم تقولي لابد ان يخطبني ؟!


قلت لها : بلى .. ولكن لم أقل لكِ قولي له ذلك .


نظرت إليَّ حتى اتسعت حدقة عينيها و قالت لي : أنتِ غريبة .


قلت لها : ضعي كلماتي ذاكرة لذاكرة رأسك . و أعلمي اذا الرجل لم يقتنع بالمرأة لم يخطو أي خطوة فعلية .


قالت : وضحي أكثر فلم أفهم ؟!


قلت لها : اذا قلتِ له عندي ظروف ..مشاكل ..كوارث لابد ان تتقدم لي و إلآ لن استطع ان أتحدث معك بعد الآن . أو قلتِ له تقدم لخطبتي رجلاً ما .................................................. ......................أو ..............أو أي سبب من أسباب الحياة . و أقدم هو على هذه الخطوة و خطبك .. تعرفين بعد فترة ما سيحدث لكِ معه .. سيبدأ يختلق معكِ المشاكل و تبدأ الألفاظ الجارحة القذرة ...ليقول لك : أنتِ التي قلتِ لي ..أنت التي أرغمتني ...جبرتني على ذلك دون ان أشعر , ولم أكن أريد .


قالت لي : ولكن كيف ..هل هذا مجنون ؟!


قلت لها : هذا ليس مجنون و أنما ظالم يتقمص دور المظلوم ..دور المغلوب على أمره .


قالت لي :و لكن كيف ..ألم يكن يتحدث ويقول و يقول ؟!


قلت لها : يقول ولا يفعل ..يقول و يحلف من أجل ذاته من أجل جسداً يلتهمه .


قالت لي : و ما هو الحل ؟!


قلت لها : لا تكلميه أما ان يأتي أو يرحل .


قالت لي : يرحل ؟!


قلت لها : أجل يرحل و بعدها قولي ..حسبي الله ونعم الوكيل ..نعم المولى و نعم النصير .


قالت لي : و أقسم بالله لأنتقم منه ..........و بدأت في انفعالاتها الحركية و القولية .. وقالت : كيف يخونني ..لماذا يكذب عليَّ ؟!


* و في شدة الانفعال طرق الباب لتفرغ الشحنة .


قلت : من بالباب ؟


قالت أمي : أنا .. و دخلت . ثم أخبرتنا بان أم "فهد " اتصلت و ستأتي لزيارتنا الليلة و معها ابنتيها حصة و حياة .. استعدا لاستقبالهم ..ثم غادرت و تركتنا .


قلت لإيمان : حماتك " عمتك " تتوق لرؤيتكِ فقررت المجي .


ضحكت " إيمان " و قالت لي : المهم عندي حصة .


قلت لها : حصة ..فصل ..مدرسة ..ادارة التعليم .


قالت لي : إلا حصة .


قلت لها : الله يخلي لك حصة و يخليك لها . وقومي نستعد من أجل الزيارة .


* وبدأنا الاستعدادات و التجهيزات للزيارة الميمونة . و بقيت المعركة قائمة بين إيمان و الحيرة في ارتداء أي فستان يليق بها . فأعلنت هجوم كاسر على دولاب الملابس حتى اشتد الصراع بينهما فوجدتها تقبع داخل الدولاب و تصرخ لتقول : جميعها لا تناسبني .


قلت لها : أخرجي من هنا ..أنهضي بسرعة ثم خرجت .


قلت لها : أنظري ماذا فعلتِ ؟! ..جعلتيها كومة أو تله من الثياب ..هل تريدين الصعود عليها لإطلاق السهام أم الرماح ؟!


قومي بمناداة " سيتي " الخادمة لإصلاح ما أفسدتِ , و ملابسكِ جميعها تناسبك و جميلة . و اذا أردتي أي لبس من ملابسي خذيه و أسرعي في ارتداءه .


قالت لي : ساعديني في انتقاء لبسي .


قلت لها : هل تعتقدين انه زواجك ؟! ..ألبسي في الحال .


و بعد انتصار إيمان في المعركة على حيرتها و ارتداءها اللباس و اقتناعها به . خرجنا من الغرفة لننتظر الضيوف .


انتظرنا حوالي نص ساعة أو بالأصح ثلث ساعة حتى رن جرس الباب فاذا هم الخالة " خديجة " والدة فهد و ابنتيها .


قمنا باستقبالهم على أكمل وجه . جلست أمي والخالة خديجة لوحدهما . و جلسنا نحن في غرفة أخرى .


دخلت علينا زهراء كالفاجعة في ذلك الزي المأخوذ من العصور الوسطى و بذلك المكياج الصارخ بل هو الصرخة .


تلعثمت الألسن و توقف الكلام لتبقى استفهامات بنظرات الدهشة .


صافحت زهراء حصة و حياة ليبدأ حوار بسيط بينهم .


قالت لهم زهراء : كيف حالكما ؟


ردت حصة و حياة : الحمد لله بخير و أنتِ .


زهراء : بخير ...الحمد لله .


ثم أطلقت قائمة الأسئلة كأننا في امتحانات نهائية . سألتهم زهراء : في أي مرحلة ..أين بيتكم .............. من أي زمن تعرفون الجماعة ...................... أبوكم ماذا يشتغل .................................................. ........... سألت و سألت حتى الإجابات جف رمقها و أخذت تطلب النجاة ..تطلب حتى قطرة ماء .


و بعد فترة الاستجواب غادرت زهراء المكان لتبدأ فترة الاستنكار و الاستغراب .


قالت حصة : ما بها زوجة أخيكما ؟!


ردت عليها إيمان : ما عليكِ منها ... فهي مصابة بحالة نفسية .


قالت حصة : حالة نفسية !!


ردت عليها إيمان : أجل حالة نفسية ..ألم تشاهدي لبسها و مكياجها .


قالت حصة : و لكن أسئلتها واعية و مركزة و لكنها ثقيلة .


ردت إيمان : ثقيلة كمثل دمها الثقيل ... هذا اذا كان هناك دم .


قلت لهما : أحفظا لسانكما من الغيبة و النميمة .


قالت إيمان لي : ألم تشاهدي طريقة حديثها المتعجرفة ..المتغطرسة ؟!


قلت لها : و أنتِ ألم تشاهدي مكياجها ...؟! ألم يوحي لكِ بأنه قناع في حفلة تنكر ..أذن لا تستغربي الكلام في صيغة السؤال و الاستفهام .


* ثم طرقت أمي الباب و دخلت لتقول لحصة و حياة لقد حضر " فهد " و هو في انتظاركما و خرجت .


سمعت إيمان اسم فهد انقلب أسلوبها و تغير وجهها لنشاهد به ألوان الطيف مع بسمة شفافة خجولة كفراشة تتنقل على الزهر لتعانق قطرات الندى .


كانت زيارة جميلة و الأجمل منها صورة التوديع الرائعة الممزوجة بألوان الحب بين النظرات والابتسامات .


قاموا بتوديعنا و رحلوا إلى دارهم .


بعد ذلك زفت لنا البشرى في الخبر السار . وقالت لنا : لقد خطبت خالتكم " خديجة " إيمان لفهد .


عندما سمعت إيمان الخبر طارت إلى غرفتنا لتخفي فرحتها .


ابتسمت أمي وقالت لي : سأنهض لاخبر أباكِ بذلك .


رديت عليها وقلت : و أنا سأذهب إلى إيمان لأعرف رأيها .


ثم تفرقنا و اتجه كل منا لأدا مهمته .


دخلت الغرفة وجدت إيمان تنظر في المرآة ..تنظر لتوزع النظرات ما بين وجهها و جسمها .


قلت لها : الحمد لله ..أهل العقول في راحة .


قالت لي : اشتقت إليك فعلمني إلا اشتاق ...علمني كيف اقص جذور هواك من الاعماق .


قلت لها : أنا أعلمك ..كيف .


قالت لي : ان كنت اعز عليك فخذ بيدي ..فأنا مفتون من رأسي حتى قدميا .


ثم مسكتها بلطف من شعرها و قلت : ظلموني الناس لأني بحبك ..ظلموني الناس .. ثم قلت لها : اسمعيني و نفذي .


قالت لي : هل حدث شيء ؟!



قلت لها : لا ..و لكن اذا لم تنفذي ما أقول ستحدث اشياء وليس شيء .


قالت لي : أنفذ حباً و كرامة .


قلت لها : سنقوم بعمل تمثيلية صغيرة أو بالأصح مشهد صغير . . هذا ان كنتِ ترغبين الاقتران بـــــ فهودك .


قالت لي : بسم الله ...هاتي ما عندكِ .


قلت لها : الآن نبدأ بالشجار على اساس انك لست موافقة على خطبة فهد و لا تريده .


قالت لي : و لكني أريده ..لا ..لا أقدر .


قلت لها : اسمعيني و لا تقاطعيني حتى انهي كلامي .


قالت لي : معكِ .


قلت لها : لو علمت زوجة أخيك " الحية زهراء " بموافقتكِ المباشرة ستتأكد بانه هو الطرف الثاني الذي كان يحدثك في الهاتف .


لذلك أرفضيه و أنا سأجعل أمي ترغمكِ عليه .


قالت لي : لك ما تريدين ..فلنبدأ الخطة .


* ومن هنا بدأ الصراخ يعلو و يعلو و الشجار يتفاقم حتى وصل مسمع أمي و زهراء .


حضرت أمي و زهراء ..ثم قالت أمي : ما بكما ؟! ..إلا تخجلا من هذا الفعل ؟!


قلت لها : ابنتكِ ..الدلوعة ..ترفض الخطبة و لا تريد فهد .


قالت أمي : ماذا ؟! ..ترفض ..!


قلت لها : أجل ترفض ..بحجة أنها صغيرة و أنا أكبر منها . و لابد ان أتزوج قبلها .


قالت إيمان : أنا لم أقل ذلك . أنا قلت لا أريد ان أتزوج حتى أكمل دراستي .


قالت زهراء : انخطبي و أكملي دراستك .


قلت : كلام زهراء صحيح و سليم مية بالمية .. ولا تفكرين ان تجعليني عقبة في طريقك .


قالت أمي لإيمان : ان كنتِ لا تريده فلن يرغمكِ أحداً عليه .


قلت : و ما به فهد ؟ ..ما هي عيوبه ؟ هل هو أعرج ...أحول ........................................


قاطعتني زهراء بقولها : أخبروا أخوها أحمد و هو يعرف يتفاهم معها و يعرف مصلحتها .


قلت في نفسي : " و مكروا و الله خير الماكرين " .


قلت : أنا ليس لي شأن تخبروا أبي ..تخبروا أحمد فلكم حرية القرار .


* بدأ الخوف يدب ليظهر في عيني إيمان لينعكس عليَّ فقلت لإيمان : اسمعيني حبيبتي ..أنا أعلم انكِ لا تريدين الزواج أو الخطبة خوفاً على شعوري ..و أنا أقول لك : وافقي بدون تردد . و لا تنظري إليَّ هكذا ... فالزواج قسمة و نصيب .


ثم دار حوار طويل ليستغرق ساعات من الزمن . و عندما اقتربت من المرآة ونظرت إليها في هذه اللحظة وافقت إيمان .


بعدها قالت زهراء : الله يستر على كل بنت .


قلنا لها : آمين .


وقلت في نفسي " ويستر علينا منكِ " .


بعدها تركتهم لأخبر أبي بموافقة إيمان كضمان لها و احتياطاً لو جد جديد بعد ذلك .


* نجحت خطتنا و أقمنا حفلة خاصة بنا ..أخذنا نتراقص و نلهو و نغني انتصرنا و الناصر الله ..........انتصرنا والناصر الله ........


كانت حفلة صغيرة و لكنها عظيمة بقلوبنا رقيقة بمشاعرنا .


دارت بيننا أسئلة حيرت إيمان فقالت : ألم يثيركِ تصرف فهد ...ألم تندهشي للخطبة ..كيف أقدم على هذه الخطوة دون ان يعلمني ؟!


قلت لها : لا ..لم أندهش أو أثار ..لأنه بالفعل يحبك و سؤالكِ كيف أقدم على هذه الخطوة ؟! ـ تذكرين الفترة التي انقطع بينكما الاتصال .


قالت لي : أجل أتذكرها ..الله لا يعيد أيامها .


قلت لها : تذكرين مرارة اللوعة . و كيف كنتِ تحسين في بعده ...نار أحرقت قلبكِ ..وقلق وخوف عليه داخل هذا القلب المحترق . تريدين الاطمئنان ..تريدين ماء لإطفاء الحريق لتسكين اللهيب ..تريدين بلسم ..مرهم ..لشفاء الحروق و معالجة الأثر من بقاياه و حدوث التشويه .


لقد كان فهد يحترق أكثر منك و يتلوع اضعاف لوعاتك . أعتقد الآن وجدتِ إجابات لأسئلتك و لقلبك . ثم نظرت إلى الساعة وقلت : يا الهي لقد انقضى الوقت و اقتربنا على الفجر .


دعينا نصلي ثم ننام .


* و في ذلك اليوم نمنا نوماً عميقاً و لم نستيقظ إلا الساعة الثانية ظهراً . نهضنا و أخذت كل منا حمامها ثم صلينا الظهر و لم نطهو للغذاء .


ولأننا في الاجازة الجدول يختلف عنه في الدراسة . في الاجازة الطبخ يكون على عاتقنا " أنا و إيمان " عكس أيام الدراسة يكون على عاتق أمي .


* و بعد الصلاة ذهبت إلى أبي و أخبرته بأننا لم نطهو و نريد طعام الغذاء .


قال أبي لي : أذهبي و تأكدي ..لعل زوجة أخيكِ طبخت .


قلت له : من ؟! زهراء !


قال لي : و كم أخ لديك متزوج ؟!


قلت له : هي لم تطبخ .


قال لي : قلت أذهبي و تأكدي .


قلت له : أبي حفظك الله ..هي لم تطبخ هنا قط , ولكنها تجيد تقطيع السلطة .


قال لي : ما هذا الذي تقولينه ؟!


قلت له : لا شيء ..الآن نريد طعام . و أنا لا أحتمل الجوع ..فبطني يناشد و يطالب بقوله : أريد غذاء .


ضحك وقال لي : حسناً .. يا بطن أمل لن يتأخر عليك الغذاء .


أخبري أحمد عندما تشاهديه أنني أريده .


قلت له : على أمرك يا أبي ..و استأذنت بالانصراف .


جلست في الصالة أترقب حضور أحمد من الدوام . و اذ بزهراء تتجه إلى المطبخ لتقطيع السلطة كالمعتاد .


حضر أحمد و قال لي : أين زهراء ؟


قلت له : في المطبخ .


قال لي : لماذا لا تساعديها ؟!


قلت له : أساعدها في ماذا ؟! ..في تقطيع السلطة !!


قال لي : و ما بها السلطة ..أليست لذيذة ؟ و تحتاج لجهد ووقت .


كنت أنظر إليه و الجوع يعصرني و أقول في نفسي " الأخ مصدق " .


ثم قال لي : يا أختي ..يا حبيبتي ..نصيحتي لكِ ان تساعديها في تقطيع السلطة و تتعلمي منها فنون الطبخ . لأنكِ غداً ستصبحين زوجة . و زهراء طيبة القلب و لن تبخل عليك بشيء .



قلت له : نعم هي طيبة مثلك . دع عنك التعليم الآن و أذهب لتكلم أبي فهو في انتظارك .


ذهب أحمد لأبي و عاد ليقول لي : و الله حرام عليكم ..زهراء مريضة و تعاني من اضطرابات الحمل و تقوم بكل آلامها لكي تطبخ لكم ..إلا توجد في قلوبكم رحمة ؟!


قلت له : كم الساعة الآن ؟


قال لي : أتكلم معك في وادي و أنتِ في وادي آخر . وبكل برود تسألين عن الساعة ؟!


قلت له : ماذا طبخت زهراء ؟


قال لي : لم تقدر ان تطبخ لأنها منهكة و متعبة .


قلت له : انظر إلى الحائط ..انظر الساعة الثالثة عصرا . و زهراء مريضة و تحتاج للغذاء هي والجنيين . فان لم تسرع في الشراء سيقام للصلاة و تغلق المطاعم .


نظر إليَّ ثم غادر في الفور .





و بعد مغادرة أحمد حضر أبي و أمي و جلسا معي .


فقال أبي لأمي : أتصلي بوالدة فهد و أخبريها بالموافقة .


قالت له : الآن .


قال لها : خير البر عاجلة .


اتصلت أمي و أخبرتهم بالموافقة و أخبرونا بموعد قدومهم للخطبة الرسمية .


* عاد أحمد إلى المنزل محمل بالعديد من الأكياس التي تعلن عن ذاتها ..تعلن عنها لسان حالها لتقول : بين أحشائي و وسط جوفي ما تشتهيه الأنفس من ما لذ و طاب من الطعام ..فهلموا قبل ان يبرد و لا تنسوا البسملة .


أعدينا الطعام و نزلت به كأنني طائر من الطيور الجارحة انقض على فريسته ليمزقها .


و بعد الانتهاء قال لي أبي : كيف حال بطنك الآن ؟


قلت له : تمام و يدعو لك ..أكرمك الله يا أبي و أدام فضلك .


ثم قالت لي أمي : أتصلي على أمجد فلقد اشتقت له كثيراً ..فلم أكلمه اليوم قط .


قلت لها : حاضر و نهضت من مكاني باتجاه الهاتف و اتصلت ثم ناولتها السماعة و جلست .


كلمت أمي أمجد و أخبرته عن خطبة فهد لايمان فقامت القيامة عنده و قال لأمي فهد أصغر مني و يخطب . و أنا لابد ان تخطبوا لي .


قالت له أمي : أنتظر حتى ننتهي من خطبة أختكِ لأنه ليس لدينا متسع من الوقت . ثم نقوم و نبحث لك عن عروس وبعدها نخطبها لك .


قال لها : العروس موجودة .


قالت له : موجودة !! من ؟


قال لها : نورة أبنت العم محمد .


قالت له : نورة ..نورة ..ما غيرها .


قال لها : نعم هي بشحمها و لحمها .


كان أبي يسمع حوارهما و يضحك . فقلت لأبي : أمجد من اليوم أسمه " مجنون نورة " ..قيس ..قيس ..!


ضحك .. وضحك حتى سمع ضحكاته أمجد فأسرع في إنهاء المكالمة .


التفت أمي لأبي و بدأ أسلوبها ..أسلوب الأنثى في طلب الأشياء . وقالت له : أبو أحمد دعنا نجعل الفرحة فرحتين .............


كان أبي يقرأ أفكار أمي من عينيها بنظراته الشفافة و ابتسامته العذبة وقال لها : هل تريدين ان نخطب له اليوم ؟


ابتسمت له و طاطات رأسها و بنظرة خجلة قالت له : أتمنى ذلك .


قلت في نفسي " كل من يغني على ليلاه " .


فقال لها : لك ذلك ..و أنا من لي في هذه الدنيا غيركِ يا أم احمد .


قالت له : الله يخليك لي و لا يحرمني منك .


قلت في نفسي : " و لا من عطفك و لا من حنانك ..فسم بالله أبي و أمي ينسون أنفسهم ..إحراج "


ثم قالت لي أمي : و أنتِ ماذا تفعلين هنا ؟ لماذا لا تقومي بمساعدة أختك ؟


قلت في نفسي " جالسة أشاهد مسلسلكما الرومانسي ..و الله الوالدة تزحلقني "


قلت لها : يا أمي رعاكِ الله ..انني أنتظر أفلام كرتون . و لكني سأنهض لمساعدة إيمان .


* قمت و أنا أنادي الخادمة ...يا " سيتي " يا مدينة بلا سكان .. يا سيتي ..كان أبي يسمعني و أنا أناديها و يضحك .


* جاءت " سيتي " مسرعة و قالت : نعم ماما .


قلت لها : كم مره انا في قول انته قول ماما صغير ..ليس انته ما في معلوم .


شوف ماما كبير يسمع انته يقول : ماما بعدين سفر .


ردت " سيتي " : معلوم ماما بيبي ..ماما نونو .


قلت لها : يا أم اللسان ...أسمعي روح المطبخ اصنعي شاي و نعناع في ثلاجة " ترمس " كبير ..و جيبه في غرفتنا ..اليوم عندنا اجتماع مغلق .


* فتحت باب الغرفة وجدت إيمان تتأهب للنوم . قلت لها : أنهضي ..اذا أردت النوم فنامي بالليل ...( و جعلنا الليل سباتا ) ..


قالت لي : دعيني أنام ساعة فقط .


قلت لها : قلت أنهضي و أفتحي مدارك مخك .. فلقد أزفت الحرب و دقت أجراسها .


رفعت إيمان الغطاء من عليها وقالت لي : هل سنحارب ؟!


قلت لها : نعم ..أنها الحرب الباردة .


ثم حضرت " سيتي " تحمل صينية الشاي و الثلاجة قلت لها : ضعيها و أغلقي الباب وراءك .


انتظرنا قليلاً حتى انصرفت " سيتي " .


و قالت إيمان : ماذا يدور في رأسكِ ؟ قلت لها : زهراء لن تدع الأمور تمر بسلام .


قالت لي : و ما العمل ؟!


قلت لها : ننظم أنفسنا و نحصر مشاكلنا لنقسم إلى فئتين .


1ـ الغذاء : نطبخ كما كنا سوياً ولا نغادر المطبخ حتى نضعه على الطاولة بحضور الجميع . فاذا أردنا أداء الصلاة أو الاغتسال واحدة تذهب و الأخرى تبقى .


2ـ ممنوع منعاً باتاً حديثك في الهاتف مع فهد . و يا حبذا تنسى الهاتف تماماً .


قالت إيمان لي : و لكن فهد خطيبي ؟!


قلت لها : خطيبكِ و ليس زوجك . أفرضي انه مات ستقيم عليه الحداد ..هل ستورثينه ؟!


قالت لي : بسم الله عليه ...........


قلت لها : بسم الله عليكِ و عليه .. ولكن الإجابة طبعاً لا .


افهميني لكني ننجح لابد ان نتكاتف و نكون فريق عمل واحد .


3ـ و أهم شيء لسانكِ و هجومكِ لزهراء .


قالت إيمان : و لكنها لا تطاق ....

الــولــيــد
06-05-2010, 09:50 PM
قلت لها : أذن تجنبيها و لا تتصدمي بها .


و أعلمي بان أخاك لن يكذبها و يصدقك . و والديك ينتظران مقدم حفيدهما . و أمجد ليس هنا ..


هل فهمتي ؟!


قالت لي : اتفقنا ..سأحتمل ذلك و أمري لله .


قلت لها : أمرنا جميعاً لله تعالى .


* و استمرت حياتنا هكذا حتى تمت خطبة فهد لإيمان و خطبة أمجد لنورة .


انتهت الاجازة و بدأ كل منا حياته المعتادة العملية و الدراسية .


رجعنا " أنا و إيمان " لمرحلة الكفاح و الاجتهاد . واصلنا بكل مثابرة طيلة الترم الثاني حتى انتهت السنة بذات النتيجة السابقة . نجاح إيمان بتفوق , و رسوبي في جميع المواد ما عدا مادة واحدة . لتعيد عليَّ ذات الأسئلة من قبل أهلي . هل درستِ جيداً ؟!


سألني أبي : ما هي حكايتكِ مع هذه النتيجة ؟! لماذا تنجحي في مادة واحدة فقط ؟!


ضحكت و ضحكت دون اشعر و قلت لأبي : لعلهم يعتقدون انني انتظر إيمان لترافقني في دراستي .


ضحك أبي و قال : لا عليكِ و لا تحزني .... " ففي الإعادة أفاده "


تحركت قليلاً لأواجه أحمد و زهراء بقولهما : في السنة المقبلة أدرسي أكثر .


قلت لهما : سأغير القسم ..لعليَّ أجد دكتور لديه ذمة و أمانة يقوم بعملية التصحيح .


قالت زهراء و هي تتمايل و تضحك : لعله الحب جني على قلبكِ و عليكِ .


لم أعرف ما أرد به عليها سوى الصمت و الدعاء عليها في خلدي .


نظر أحمد لكلتينا نظرة قاسية ..نظرة احتقار ..لا تنسى في تلك النظرة وودت الموت .


خرج أحمد في تلك اللحظة يمل قلبه و عقله الغضب .


و بعد ساعات معدودة رن الهاتف لترد زهراء و تستقبل خبر الفاجعة .


لتصرخ و تصرخ و تمزق ملابسها و تلطم خذيها و تشد شعرها و نحن نظر إليها بذهول .


استيقظ أبي من النوم و خرج مسرعاً ليسأل عن سبب ذلك الصراخ ـ سأل زهراء و قال : ماذا بك يا ابنتي ؟!


قالت له و هي تصيح : أحمد وقع عليه حادث و مات .


لم يتمالك أبي نفسه من شدة الصدمة فأنهار هاوياً إلى الأرض .


قمنا بنقله إلى المستشفى مع احدى الجيران .


كانت حالة أبي ميؤس منها و كان يرقد في العناية المركزة . لقد أصابته جلطة .


أما أمي المسكينة كتمت حزنها في فؤادها حتى أصيبت بضغط مرتفع و لم نكن نعلم .


* و في اثناء تواجدنا في المستشفى اكتشفنا ان أحمد لم يمت و إنما أصيب و هو ولله الحمد في صحة جيدة .


و بعد قضاء أبي و أحمد في المستشفى المدة المحددة لهما ..فترة العلاج ..من قبل الدكتور أحضرناهم إلى البيت و قمنا بالرعاية المكثفة إلى ان عاد الوضع شبه طبيعي ..إلى ان تحسنت حالتهما .


بدأ أبي يزاول عمله و كذلك أحمد .. وشرع أبي في تنفيذ قراره لبناء الدور الثاني .


كانت اجازة كئيبة باحداثها المريرة .." الحمد لله على كل حال " .


* و في بداية السنة الجديدة للعام الدراسي الجديد انجبت زهراء تؤام " ولد و بنت " تؤام جميل بل هو الجمال في رقته و روعة حضوره .


لقد كانت ولادة هذين المولودين سبب رئيسي لإعادة السعادة و بث الأمل في عروقنا الجافة . كنا نهيم بهم و يهيما بنا . لقد أعطوا لحياتنا مذاق خاص و طعم آخر .


و في هذه السنة توالت الأحداث و استرسلت .


لقد تعرفت على مجموعة من الصديقات في الجامعة منهن المتزوجات ومنهن غير المتزوجات " متأهلات ـ و غير متأهلات " و كانت علاقتنا ببعض قوية حتى أطلق علينا مسمى " الشلة ..شلة الانس ـ شلة المرح " .


كنا شلة يد واحدة متفقات في السراء و في الضراء و كنا نتبادل الزيارات الأسبوعية فيما بيننا .


* جاء الأسبوع الذي يكن فيه زيارتهم لي . فحضروا و كانت زيارة رائعة بكل المقاييس وفجأة فتح أحمد باب الغرفة علينا و أغلقه ..


فاعتذرنا " أنا و إيمان " وقلت لهم : لم يكن يقصد . و الغلط غلطي و الذنب ذنبي لأنني لم أغلق الباب بالمفتاح .


وكررت اعتذاري وقلت : هو هكذا من بعد خروجه من المستشفى ..من بعد الحادث الذي وقع له .


تقبلوا أسفي و واصلنا حديثنا و ضحكاتنا إلى ان غادروا جميعاً ما عدا واحدة تدعى / نجوى .


سألتني عن حالة أحمد .


فقلت لها : حالته لا أعرف من أين ابدأ ؟ و لكن و باختصار شديد . هو يأتي كل يوم يصول ويجول في أنحاء و أركان المنزل حتى الحمامات " أكرمك الله "


قالت لي : هل يشك فيكم ؟!


قلت لها : يشك !!


لأول مره تمر على مسمعي هذه الكلمة و لم أكن أفهم و أعي عمق معناها .


قالت لي : أنا مررت بهذه التجربة ..بهذه الحالة مع زوجي ..لقد كانوا أهله يشككونه فيّ .


قلت لها : بصراحة لم أفهم .


قالت لي : أخوكما يشك بكما . هناك من وسوس له و لعب في عقله .. و قد تكون زوجته .


قلت لها : لم أفم بعد .


قالت لي : احتمال قالت له زوجته لقد شممت رائحة عطر رجالية ـ أو سمعت سير أقدام ـ أو صوت رجل يتحدث ..أو .............أو ................


ضحكت وقلت لها : عقلك وصل إلى غابة افريقية .


قالت لي : انتبهي لنفسكِ و لأختك .


ثم حضر زوجها ليأخذها .


* غادر الجميع و مكثنا نتحدث " أنا و إيمان " عن شلتي و خفة دمها . ثم سألتني إيمان و بكت . هل أحمد يشك بنا ؟! و ازداد بكاءها ..ازداد نحيبها ..و اشتد آلمها لتقول :


كيف يجرؤا ان يفكر مجرد تفكير في ذلك ؟! و أخذت تردد : أكرهه ..بل أمقته .


قلت في نفسي " لماذا لم يشك في زوجته أم هو خوفه على رجولته ؟! أم لأنها هي السبب في كل هذا ؟


كانت ليلة مؤلمة ..قاتلة ..مزقت شرايين أسئلة إيمان ثم قلت لها :


اسمعي و خذيها مني دعيه يشك كما يشاء أو حتى ينفلق فلقتين ..دعيه يبحث و يفتش و ان حالفه الحظ بشيء فهو هدية مني له .


و أبعدي من ذهنكِ هذا التفكير و ركزي على دراستكِ فقط .


* و واصلنا مسيرتنا , و واصلت زهراء مسيرتها . و توالت المشاكل بينها وبين أحمد ونحن لا نعلم ما هو السبب .


كانت زهراء تجيد مراقبة الهاتف ومراقبتنا ..كانت تريد أي شيء يهدم علاقة إيمان و فهد ..تريد ان تحرق فؤادهما .






تدهورت حالة إيمان الصحية " الجسمية و النفسية " و لم تعد تقوى على تحمل البعد و الهجر ..لم تعد تقوى على الألم من شدة التفكير . كانت تريد أن تسمع صوت فهد لتطمئن عليه . كانت تريد أن تقول له : مبارك لنا الخطبة ..مبارك لك أنا ..و لي أنت ..( مبارك أنت أنا ..و أنا أنت ) مبارك لك التعيين و الوظيفة .




صبرت و صبرت إلى أن أشعلت فتيل البارود لتفجرنا و تفجر كل شيء .




بدأت تهمل في دراستها و أصبحت شاردة الذهن و هي في مرحلة دراسية حرجة " الثانوية العامة " . بدأ مستواها التعليمي في التدني . لم تقاوم شدة رغبتها و إلحاحها في الاتصال بـ فهد . و انفجر البارود .




اتصلت و رد فهد .. قال لها : آلو ..مرحبا .




قالت له : هلا بعمري و سنينه ثم بكت .




و تكلم الشوق بدلاً عنهما ..تكلم الحب بين قلبيهما بكل احساس و عاطفة .




دار الاتصال ساعات طويلة دون ملل أو عتب . و بعد الانتهاء عادت إيمان كالسابق ..وردة ارتوت و أزهرت .




عادت لاجتهادها من أجل تحقيق طموحها . ولكن برج المراقبة " زهراء " أرادت بث الاخبار لمن في البيت خاصةً أبي و أمي .




* حدث شجار عنيف بين زهراء وإيمان . لتقول زهراء : والله لأفضحكِ ..وأجعل كرامتكِ في باطن الأرض . سأكسر أنفك المتعالي ..سأكسر غرورك .




ردت عليها إيمان وقالت لها : لم تبقى عليَّ سوى أنتِ أيتها الحثالة . فاذا الحب في نظركِ عيب فأنتِ و نظرك العيب كله .




وأخبري من تريدين إخباره وقولي بأن إيمان تقول : أحب فهد ..فهو عمري وسنينه .




* سكتت زهراء . و كنت أعلم وراء هذا السكوت سيل من الكلمات العاصفة .




تركتنا زهراء والحقد بداخلها يقول لنا : سأرجع وستندمون .!




* * ثأرت و هاجت إيمان و قذفت سهام الأسئلة فقالت لي : بأي حق تتدخل في حياتنا ؟ هي من تكون لتتحكم في مصيرنا ؟ ـ لماذا لا تردين ؟ لماذا سكتي لها ؟!




قلت لها : هلاّ سكتي و هدئتِ ؟! ـ دعيني أفكر في نتائج حواركما العقيم ..حواركما السلبي .




ردت عليَّ وقالت : أنا لا أخشاها و لا أخشى أحدا . ولن أفرط في حبي حتى لو قطع جسدي أشلاء .




قلت لها : أنسيتِ بان أباك قد اجتاحته جلطة . و أمكِ مريضة بالضغط و أخاكِ الشكاك سيظن بكِ ظن السوء .




وإن علمت أمكِ بحبك سينتهي و تنتهين معه وسيموت .




* لا أريد منكِ أي احتكاك مع زهراء بعد اليوم . أرجو أن تكوني استوعبتِ كلامي جيداً .




قالت لي : لا أريد أن أفقد فهد ..لا أريد أن افقد حبي ..أرجوك .




قلت لها : لن تفقديه ..إن كلفني ثمن ذلك عمري .




ثم ارتمت بين أحضاني وانهالت في البكاء لترتجف أطرافها من شدة الخوف و شعورها بالفقد لتقول لي : لا أريد ان أعيش نفس المأساة ..لا أريد ان أعيش نفس مأساتكِ ..لا أريد ..لا أريد ..




جعلتني أتمزق من الم الحرقة لأرسل رسالة من ذاتي لذاتي و أقول في نفسي : الله يسامحك ..يا عبادي ..قتلتني .!




ابتسمت لها وقلت : سيكون لكِ ..فهد لك ..بشرط ان تنجحي بتفوق .





وعدنا كما كنا لحياتنا الطبيعية ..عدنا من حيث بدأنا . قمنا بعمل هدنة مع زهراء . ولكن زهراء لم تسكت لقد أخبرت أحمد .




قامت زهراء باستدراجي كما تعتقد في الحديث ..." نصبت كمين ـ فخ " و قالت لي : أخبار حبكِ ؟!




نظرت إلى أسفل باب غرفتها و شاهدت حذاء أحمد . فقلت لها : أين أحمد ؟




قالت لي : ليس هنا .




قلت لها : و لكن هذا حذاءه .




قالت لي : لقد انتعل الآخر .




سكت و همت مع هواجسي وقلت لذاتي : أما أن أضحي أنا و أما ان يضحى بإيمان و حبها . كنت أعلم بوجود أحمد و اختباءه في الداخل . . ثار بي الدم من أسفل قدميّ إلى قمة رأس ..نار تتأجج بداخلي ..لم اعرف كيف أخمدها إلا بقولي لنفسي : مادامه يشك بنا أذن سأجعله يتأكد و سحقاً له و لها .




ثم قلت لها : لا أعلم أين هو اليوم ؟! قد يكون مات ؟!




قالت لي و بصوت عالي : مات !!




قلت لها : قد يكون معه آخرى .




قالت لي : نذل ..سافل ..جبان ..الله ينتقم منه .




و قلت في نفسي " و منكِ " .





* ثم استأذنت منها و انصرفت إلى " الحوش " الفناء ..أتأمل السماء وجمالها ..أحاور الأزهار لأرتب معها أوضاعي الجديدة . و أخبرها لقد تهدم كل شيء ..




أصبحنا نعيش ليلاً حالكاً ..قاتماً ..و أمسينا نعيش صبحاً باهتاً ..محرقاً .




ودعت أزهاري ..ودعتها الوداع الأخير و اقتلعتها من جذورها لتموت كما مت من قبلها .




و بعد نهاية الترم الأول لهذه السنة الكبيسة و في بداية الإجازة ..إجازة الفصلين عاد لنا أمجد بعد ان أنهى فترة انتدابه .




كان شعورنا لا يوصف .. شعور لا يضاهيه شعور . كانت عودته بالنسبة لنا " انا و إيمان " سبيل للخلاص ..سلاح " درع " للحماية والنجاة .




جلسنا جلسة عائلية عذبة ..نقية ..صافية لا يعكرها شائب و لا يعتليها راسب ..أعدنا بتلك الجلسة أيامنا الحلوة و استرجعنا ذكرياتنا و مواقفنا الطريفة إلى ان أسدل الليل خيوطه الفضية ليعلن أحلاماً وردية في نومة هنيئة .




هنا قالت أمي لأمجد : لقد حزمت أمتعتك و حقائبك و نقلتها لك في غرفة الضيوف لتكن من الآن غرفتك ..لك وحدك .


قبل أمجد رأس أمي و يدها .


* ثم اتجه كل منا إلى سريره ليريح جسده بعد سمرة لا تنسى ..سمرة احتاجت و اشتاقت لها قلوبنا من زمن .


كانت غرفة الضيوف بمنافعها " مجلس الرجال " مفصولة عنا بعازل ..بباب ..و لها أيضاً باب خاص خارجي .


لقد كان أمجد يأخذ راحته على أكمل وجه .


بدأت حياتنا تتحسن وتتغير و كانت هذه الإجازة أجمل بكثير من الاجازة السابقة .


* في هذه الاجازة أعراس كثر .. وكنا من ضمن المدعوات .


كانت أمي لا تستطيع الذهاب لأنها لا تقدر أن تدع والدي بمفرده بعد تلك الكارثة ..بعد أصابته بالجلطة . و إيمان لا تحب الذهاب و في ذات الوقت تتحين الفرصة لمكالمة فهد .


و زهراء لا تحب الأعراس جملة و تفصيلا ..و أعتقد أنها لا تحب أحداً غير ذاتها .


* و في ذات الوقت كانت علاقتي بنورة أقوى من السابق . و كنت على اتصال مستمر بها عن طريق الهاتف والزيارات .


و في يوم من الأيام كنا نتحدث عبر الهاتف في مواضيع مختلفة ..من أزياء ..و إكسسوارات إلى أن وصلنا إلى حفلات الأعراس .


فقالت لي : هل ستحضري الليلة زواج عائلة ................................؟


قلت لها : اتمنى .. ولكني لا أستطيع فأبي يرفض ان أذهب بمفردي و أمي كذلك .


قالت لي : ما رأيكِ ..أكلم أمي لتطلب من أمك أن تأذن لك بالحضور معنا ؟!


قلت لها : يا ليت ..


قالت لي : فلننهي المكالمة الآن .


قلت لها : اتفقنا ..مع السلامة .


قالت : مع السلامة .


و بعد ربع ساعة . لا بل بعد عشر دقائق اتصلت الخالة زينب أم نورة و كلمتها عن ذهابي معهم و ذكرتها بالعهد الذي قطعا بينهما ..العهد بالله ..على انهما أختين مدى الحياة .


على ان تكون الخالة زينب أماً لأمجد , و أمي أم لنورة .


وافقت أمي موافقة مبدئية لحين عرض الموضوع على أبي . و عند سماعي لموافقة أمي استعديت لتجهيز ملابسي و أغراضي . و بعد انتهائي من التجهيزات ذهبت لأجلس مع أمي . فوجدت أبي جالساً معها .


نظر إليَّ وقال : سأجعلك تذهبين معهم . ولكن أين أمجد ليقوم بإيصالك ؟!


قلت له : شكراً يا أبي ..و أمجد موجود في غرفته .


قالت لي أمي : اتصلي بنورة و أخبريها بحضوركِ . و أنا سأخبر أمجد بأمر أبيكِ في إيصالك .


* و أصبحت أحضر جميع الحفلات معهم . أصبحنا لا نفترق ..كأنني أعوض ألمي و جرحي بانبساطي و ضحكي . استبدلت حياتي بحياتي ..


قضينا الإجازة ما بين روحات و جيات ..ما بين سمرات و سهرات ..حتى بداية الترم الثاني . عدنا للحياة الاعتيادية ..الحياة الدراسية بحماس و نشاط .


و أبي ..ليل ..نهار ..مع المقاول لبناء وإتمام الدور الثاني بأسرع وقت . ليجعل به شقتين . . شقة لأحمد و زهراء والأخرى لأمجد و نورة .


والغريب في الذكر ..الغريب هو تحول و تغير أسلوب زهراء معنا " أنا و إيمان " ..تحولها من السلب إلى الإيجاب . . تعاملها باللين و التواضع و الكلام المطلي بأجود أنواع العسل ليقابله مقابل عكسي كمردود لنا . تعاملها العنيف ..الشديد ..القاسي في الصيغة و الأسلوب مع أحمد ..كنا نسأل أنفسنا ما السبب في هذا التحول ؟!ـ و لكن لم نجد لأنفسنا إجابة مقنعة . و استمر الحال هكذا حتى انتهى العام الدراسي و كانت النتيجة بان نجحت " إيمان و أنا " .






و سارت الإجازة في مسار مزدوج بين جانبين . الجانب الأول: طلبات أحمد المادية التي لا تنتهي . و الجانب الثاني : النكبة التي يواجهها أمجد و لا يعرف كيف السبيل للخلاص منها .


مصيبة كانت تواجه أمجد و لا يستطيع كتمانها أو التستر عليها . فقام و أخبر أمي وقال لها : زوجة ابنكِ ..زوجة أخي .. ليست امرأة صالحة .


قالت له أمي : ماذا تقول ؟!


رد عليها وقال : زهراء تعترض طريقي ..تحاول أن تغريني .


قالت له أمي : كيف ذلك ..هل أفصحت ؟!


قال لها : إنها تراقبني في حركاتي و سكناتي و تأتي في أجمل و أحلى حلة . تأتي دون عباية و ترتدي لبس شبه عاري .


صمت قاتل لزم لسان أمي ..تيار جارف ليأخذ كل شيء أمامه .. وبعد صمت طويل قالت له أمي : لا حول و لا قوة إلا بالله ..تجنبها يا ابني ..و الله يحفظك و يحرسك منها .


قال لها : ولكني لن أسكت سأخبر أحمد ليطلقها و يرحمنا من شرها و أذاها .


ودار نقاش مرير من الصعب ذكره ..من الصعب الخوض فيه إلى أن قال أمجد بأن زهراء ......................


* و بنهاية هذا الحوار القذر ..حوار تحت أدراج الحضيض .. سمعنا صوت أحمد و هو يطلق أقبح الألفاظ لوالدي و السبب في ذلك بأنه يريد المال ..مال الشقة التي يدفعها أبي لتكن في نهاية الأمر له . يريد المال للسكن خارجاً فلم يرتاح معنا .. وبدأ يجرّح بطريقة غير مباشرة فيَّ و قال : أنتِ ...و أنتِ .


وقال لأمي : هذه ابنتكِ ..لا هي أختي و لا أعرفها ليوم الدين .


سألت أمي : لماذا ..ما السبب لجحودكِ من حياته ؟!


قلت لها : لا أقدر أن أغير المسار ..لا أقدر أن أغير قدري بأنه أخي و لكني سأستعين بالله .


و ازداد الشجار إلى أن قال له أبي : أنا لست مسئولاً عنك و عن طلباتك . . أنت كبير بما فيه الكفاية و مسؤول عن أسرتك و عن ذاتك .


و تفاقم الشجار في وسط ضجيج و صراخ فلم يحتمل أبي ذلك ليسقط ..ليهوي مغشياً عليه .


قمنا بإسعافه للمستشفى ولكن لم يفيده إسعافنا له و لم يفيدنا . لقد مات أبي وماتت معه أرواحنا ..متنا أحياء .


كانت فترة صعبة ..فترة حزينة ..الكل حزن و اعتصر قلبه ووجدانه على فراق هذا الحبيب الغالي . كنت أهدائهم و أكثرهم حركة .


كانت إيمان ترافقني كالطفل الخائف ..كالطفل الرضيع . مرافقة ممزوجة بالنحيب و العويل و دائماً تسألني : هل مات أبي ؟! ثم تجاوب على نفسها و تقول : مات أبي و ضعنا نحن .....


ثم باغتتني بسؤال قاتل ..وقالت لي : لماذا لم أراكٍ حتى الآن لا تبكين ؟! أليس أباك ؟!


قلت لها : أبي و أحبه أكثر منكم جميعاً ..فحبه ليس بالدمع ..فالحزن أبكى القلب و سيبكيه طيلة ما حييت . و الخوف من المجهول و القادم الذي سيعترينا . ثم جففت لها دموعها وقلت لها : اذا أردت البكاء ابكي بعيداً دون ان تراكِ أمي . ..لا تنسي أنها مريضة ..فلا تنكئي عليها الجرح فالجرح غائر و مفتوح .


* ازداد أحمد في طغيانه و جبروته على أمي . و أمجد في هروبه من زهراء . و استمر هذا الحال لمدة سنة كاملة و بعد هذه السنة تزوج سمير صديق " أحمد " أخت زهراء التي تدعى / مها . و لم تكن بعيدة عن أختها ما لم تكن هي وأختها بنفس التفكير .


و في نفس توقيت زواج سمير بدأت تظهر تغيرات غير طبيعية على أمجد و تصرفاته . و أهمها رفضه للارتباط بنورة و فسخ الخطبة . و أصعبها علينا جميعاً قراره الارتباط بأخرى .


* لم تكن الصدمة على أمي بالأمر اليسير . مما جعلها لا تستطيع البوح لأختها أم نورة " الخالة زينب " بقرار ولدها أمجد .


سكتت أمي عن أمجد وقراره وقالت لعله بعد أيام أو حتى أشهر يعود إلى رشده و صوابه ..يتراجع عما هو عليه الآن .


و لكن حالة أمجد لم تستقر بل زادت و تشبث بقراره . و أخذ يتطاول بالسب واللعن على أمي و يهددها بالويل و الوعيد . وقال لها : اذا لم تخبريهم سأخبرهم أنا بنفسي .


* لم يكن لأمي خياراً آخر غير أخبارهم لفك قيد ابنتهم و إطلاقها مع الأحرار . راجية لها أن يرزقها من هو خير منه .


أخبرتهم أمي برغبة ولدها و كان الانفصال بيننا و بينهم . و السبب الرئيسي في الانفصال بان النساء اللاتي يزرن أمي قد أوصلوا الخبر لهم مع إضافة البهارات و خاصة الفلفل .


كانت تصرفات أمجد مريبة . كان كثير الحركة ..سريع الكلام ..نظراته مخيفة ..عيناه جاحظتان ..حتى ترك الصلاة و استبدلها بالغناء .


وفي يوم من الأيام اتهمت زهراء امجد بأنه ينظر إليها ..و حدثت بذلك الأمر أحمد .


حضر أحمد غاضباً حاملاً كرباج يريد به تأديب أمجد . هجم أحمد على أمجد و كان يقول له : يا سكران ..سكير .. يا ثمل ..شكلك محشش ... و شب حريق بينهما .. شبت نار الحرب . لقد تعاركا بلا رحمة كأنهما أعدوان و ليسا إخوين . أراق كل منهما دم الآخر ..حتى حمل كل منهما سلاحاً لقتل الآخر .


و في خضم العراك اتصلت إيمان بالعم منصور لينجدنا .


* جاء العم منصور في اللحظة الأخيرة . أوشكا ان يقضي كلا منهما على الآخر .


حكينا للعم منصور عن أوضاع و تصرفات أمجد الغريبة ..العجيبة ..و انقلابه من الإيجاب إلى السلب .


وبخ عمي منصور أحمد وقال له : قبل ان تحكم في شيء تأكد منه.



رد أحمد عليه بقوله : أنت لا تعرفهم جيداً ..فجميع هذا البيت قذر .


أراد عمي أن يصفع أحمد ولكن تدخلت أمي و توسلت إليه بألا يفعل ذلك . و طلبت منه أن يأخذ أمجد للمستشفى لأنه غارق في دمائه .


نقل عمي و أحمد أمجد إلى المستشفى و أسعفاه . . فلاحظ طاقم الأطباء والممرضين تصرفاته الغير طبيعية فحوله الدكتور المشرف على حالته إلى دكتور الحالة النفسية . و تم الكشف والفحص عليه ليقرر الدكتور إصابته ( باكتئاب شديد ـ انفصام في الشخصية ) .


و أصبحت حياتنا بين الشكاك و المريض النفسي .


ترك أمجد عمله ليقطن في البيت لنا ليل ..نهار ..و بدأ بمضايقاتنا و ملاحقاتنا .


و كان عمي منصور يتردد علينا بالزيارات و معه زوجته " أحلام " ..فنشأت علاقة بين زوجته و زهراء . لا أعلم كيف اخترقت زهراء عقلية الدكتورة . كيف كسبت صداقتها و ودها ؟! بالرغم من احتقار الدكتورة لها .


كنا نعيش في قلق نفسي ..كنا نعاني ..نتسأل كيف حدث هذا لأمجد ؟ ما السبب ؟!


كانت حالة أمجد النفسية تنصب و تتركز حولي . كان يحبني ..كان يحبني بل للأسف يعشقني . . كان يطاردني ..كان يحاول ان يلمسني ..كان يريدني ..و لكنها ولله الحمد محاولات فاشلة ..كان يتصدى لها دوماً أحمد . وفي كل مره يدافع عني احمد لينقدني . في كل مره يضرب أمجد ضرباً مبرحاً . كأننا في مصارعة الموت .


رعب ..إرهاب .. شيء يصعب احتماله ..شيء لا يطاق .


أخذ أحمد أمجد بالقوة و وضعه في مستشفى الصحة النفسية و قال لي : هذا مجنون و مرفوع عنه القلم .


و في تزاحم الأحداث أقبل إلينا أهل فهد لإتمام مراسيم الزواج .


فرحت فرحاً ليس له مثيل لإيمان و لكن المفاجأة و الصدمة القاتلة رفض إيمان لإكمال الزواج .


لم أتحمل رفضها . أمسكت بمقدمة رأسها و صرخت في وجهها وقلت : ما سبب رفضكِ ؟!


قالت لي : لا استطيع ترككِ ..لا استطيع مفارقتكِ ..إني أخشى عليكِ غدر زهراء .


قلت لها : أنا لم احتمل كل هذا إلا من أجل هذا اليوم . و أقسم بالله العلي العظيم ان لم تقبليه اليوم فلن تتزوجيه غداً .............فهمتي ؟


* الحمد لله اقتنعت إيمان و تم زواجها من فهد و كان من أحلى و أجمل الأعراس . و قبل أن تسافر إيمان مع فهد قلت لها : أحذري ثم أحذري ان تخبريه بمجريات حياتنا .


ردت وقالت : و لماذا ؟! ففهد إنسان طيب و على خلق .


قلت لها : لم يعد بي مجال للجدل ..نفذي نصيحتي فقط .


اقتربت مني أكثر وسألتني وقبل سؤالها طلبت ان تكون الإجابة بأمانة ...


قلت لها : اسألي !


قالت لي : لو كان عبد الله ..هل كنتِ ستخفين عنه كل هذا ؟!


قلت لها : طبعاً لا ..و ليس هناك مقارنة بينهما ..بين عبد الله و فهد .


قالت لي : أنتِ تقولين هكذا لأنكِ تحبينه ..


قلت لها : ليس فقط لأنني أحبه ..بل لأنه رجل يعتمد عليه ..ينشد به الظهر فهو عصابة رأس . ولن تفهمي ما أقوله ..دعي ذلك للأيام . . و الآن أرحلي برعاية الله عز وجل ..فزوجكِ ينتظرك.


*أرادت إيمان ان تودعني فقلت لها : لا أحب الوداع ..سافري برعاية الله و حفظه .


و بعد زواج إيمان بخمسة عشر يوماً عاد أمجد إلى البيت في صورة طبيعية و راحة نفسية صحيحة ..سليمة .


و تابع أحمد مع المقاول حتى أنهى البناء و انتقل للدور الثاني .


كان أحمد يأخذ زوجته إلى أهلها أسبوعياً إلى أن أصبح الوضع شبه يومي .


* وفي يوم من الأيام لم يكن أحمد و زوجته في البيت رن جرس الباب ..ففتحت اذ هي امرأة طاعنة في السن تحمل كيساً به أشياء للبيع ..كانت هذه العجوز تتجول من بيت إلى آخر من أجل كسب قوت يومها ..


أدخلتها إلى الداخل و جلبت لها كوباً من الماء و اشترينا منها لنطيب خاطرها . ثم سألتها أمي : أليس معكِ أبناء ؟!


قالت لها : بلى ـ لدي ولد واحد . و كان من أبر الناس بي حتى تزوج واحدة " الله ينتقم منها " جعلته يبيع بيتي ويطردني .


قالت لها أمي : أين تسكنين ؟ ومع من ؟!


قالت : أهل الخير ..أصحاب القلوب الرحيمة ..أعطوني غرفة و حمام .


ثم بكت و هي تقول : الله يشفي ابني و يرفع عنه .


بكت أمي و قالت لها : آمين .. ولكن ما به ؟!


قالت : زوجته أبنت فلان .....................ـ مها ـ سحرته ليسكن عند أهلها . وجعلته كالخادم لها ولأهلها .


فقالت أمي : أبنت ........................مها ـ هل أختها زهراء ؟!


قالت : زهراء هذه أم سبعة أوجه ـ ثم سألت أمي : هل تعرفينهم ؟!


قالت أمي : اجل فابني زوج زهراء .


قالت لأمي : وهل ابنك مازال بخير ؟!


فقصت لها أمي جميع الأحداث وما نحن به من عناء و ألم .


فقالت لأمي : ابنك الصغير .. مسحور فأعراضه كمثل أعراض ابني " سمير " في بادئ الأمر .


فاذا كان هناك أحد من رجالكم يستطيع مساعدتكم في علاجه ..كمثل عمه ـ خاله ... الحقوه فقد لا تلحقوه .


ثم غادرت لتكمل مسيرتها في طلب العيش .


* بعد مغادرتها قالت لي أمي : انتهزي الفرصة ..فرصة غياب أحمد و زهراء عن البيت و اتصلي بعمك و اخبريه .


قلت لها : من عيوني يا ضيء عيوني .


اتصلت بعمي منصور و طلبت منه الحضور فوراً ولوحده .


حضر عمي و أخبرته بما حدث .


فقال : ساخذ أمجد لأحد المشايخ ليقرأ عليه ونتأكد .



و بعد ساعة عاد عمي و أمجد .. لنصتدم بواقع أمجد المرير ..بأن أمجد به جني ولكنه لم يتحدث بعد .


كان عمي يأخذ أمجد بصعوبة للشيخ أسبوعياً و كانت تعقد له جلسات علاجية حتى أنطق الله الجنية التي تسكنه .


اخبرنا عمي بأن أمجد مسحور و به جنية غير مسلمة " كافرة " و السبب في ذلك عمة أحمد " أم زوجته " هي التي سحرت لأمجد ليلة زفاف سمير عند الساحر " فلان .................................................. ..........." فقلت له : لماذا ..ماذا فعل لها أمجد ؟!


قال لي : لكي لا يفضح ابنتها عند أحمد . لأن زهراء شغفت بحب أمجد فكانت ترغبه حلالاً أم حراماً . و لكنه لم يقابلها بحب فحقدت عليه .و أيضا خوفها من أمجد ..لقد علم بعلاقتها بجاركم النذل ..النجس " عثمان " .


قلت له : عثمان الذي خالطه الشيب ..!" الشايب "


قال لي : نعم ..هو الذي لا يحترم حرمة جار و لا حرمة احد .


قلت له : ولكنه ساعدنا في إسعاف أبي ..رحمة الله عليه .


قال لي : ساعدكم من أجلها .


قلت له : و ما العمل ؟!


قال لي : لا تخبروا أحدا حتى ننظر ماذا نعمل ؟!


قلت له : هل ستخبر عمتي " أحلام " ؟!


قال : لا ..فزهراء اليوم أقرب مني لها .


قلت له : وهل لأمجد علاج ؟!


قال لي : الشفاء بيد الله تعالى ..فهو قادر على كل شيء ..اذا أراد شيءً فإنما يقول له كن فيكون .


قلت له : و نعم بالله .


وقبل إيابه إلى بيته قال لي : انتبهي لأمكِ ولنفسك .



و استمرت حالة أمجد , و استمرت معها الجلسات العلاجية إلى أن قالت الجنية : السحر منه مشروب في بطنه و الآخر مدفون في قبر ميت .
اخبرنا عمي بذلك صعقنا ..قلت : و كيف اخراجه ؟!
قال عمي : لا تعجزي .. وتوكلي على الله .
و كانت حالة أمجد لها توقيت معين يومياً ..لتثار ..لتعصف .. ولتصبح كالإعصار .
* لم أجد له و لحالته حل غير هروبي ..هروبي من الصراع الداخلي إلى الصراع الخارجي . . كنت في فترة هيجانه وثورته أهرب إلى بيوت الجيران .." ومن حفرة لدرديحه و يا قلبي لا تحزن " .
بيوت الجيران :
1ـ البيت الأول : بيت يسكن فيه مجموعة بنات و له مدخلان للبيت ..و دائماً استخدامهن للباب الخلفي لكي لا يشاهدوهم أهل الحي ..متى يدخلن ..و متى يخرجن ...!!!
2ـ البيت الثاني : بيت و به مجموعة من البنات و لكن لسان أمهن لاذع يتكلم في الأعراض و بنات الناس إلى أن جنت ما زرعته في حق الغير ..لتسأل في تالي الأمر ..لماذا بناتي لا يتقدم لخطبتهن احد ؟!
3ـ البيت الثالث :تسكنه أختان ..احداهما تحب قربيها " ابن خالتها " تركها و تزوج بدلاً عنها أختها .
4ـ البيت الرابع :تقطنه فتاة تغازل " غزلية " و من كثر عدد المغازلين لم تعد تميز بين الأصوات لتعقد علاقة هاتفية عاطفية و تحدد موعد مع أخيها ليحضر إلى البيت ليشبعها ضرباً .
5+6 : البيت الخامس و السادس :تسكنه عائلة متوسطة الحال و عائلة كادحة و ابنتا العائلتين لهما علاقات هاتفية . وبعد فترة يكتشف الأمر بأشرطة تسجيلية لهما . فتقوم أم فتاة العائلة المتوسطة بتوبيخ الفتاة الأخرى أمام أمها و صفعها .
وقالت لها : " تفاحة تالفة " خائسة " في مجموعة تفاح تفسد الصندوق كله " . على الرغم من ان هذه الفتاة ليس لديها هاتف , والذي قام بتعليمها ابنتها ..ابنت الموبخة.
7ـ البيت السابع :يسكنوه فتيات " بنات الجار عثمان " كان يعلم بعلاقات بناته بالآخرين.. وكان يدع الواحدة من بناته تقابل و يعرف الموعد ليبلغ الهيئة ..فيتم الزواج .. وبالفعل قام بتزويجهن جميعاً بهذه الطريقة .
* والكثير ..الكثير ..أصبحت كثيرة التنقل و الترحال . وبالطبع هذه الحقائق لم أعلم عنها مثقال ذرة .
لقد كان همي الوحيد قضاء هذا الوقت في مكان آمن ثم أعود .
و لكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه هنا ..كيف علمت بكل هذا ؟! و لماذا علمت ؟!
لم أكن اعلم بان هناك من يحيك الدسائس و المؤامرات لي . لقد كنَّ " جاراتي " على علاقات كثيرة و كنَّ يوزعن رقم هاتفي .
و لصعوبة ما أنا فيه و وضعي القاتل ..لم أفكر في تليفون أو غيره و لم اشك في واحدة منهن قط .
* و في يوم من الأيام و أنا اعبر الشارع ناداني ابن جارنا الصغير ..و هو اصغر مني بكثير ..اصغر مني بسنوات كثيرة .." لقد كنت استعين به لقضاء أغراض المنزل " . . اعتقدت بأنه ينادني اذا كنت احتاج لشيء فيساعدني التفت له و قلت : أهلا ..
و بدون مقدمات او تمهيدات ـ و ذلك لبراءته و صغر سنه ..ـ قال لي : سأصدقكِ القول .. انتبهي لنفسكِ ..لا تثقي في أخواتي ..فهن كلبات ..انتِ لا تعرفينهن جيداً ..بل انا الذي اعرفهن ..و أنت طيبة القلب .
قلت له : ما الموضوع ..فانا لم أفهم ؟!
قال لي : أخواتي لا يعرفن شيء سوى المصلحة .. ثم انصرف .
قلت في نفسي : لا اله الا الله ..سبحان الله الذي أنطقه .
* و بعدها بأيام قام بمناداتي شاب " رجل " و لكنها مناداة بهمس ..بس بس ..
قلت في نفسي : من هذا المعتوه ؟!
التزمت الصمت و سرت باتجاه البيت .. فتابع سيره خلفي و قام برمي ظرف لي في فناء المنزل .
كان الظرف يحتوي على رسالة و شريط ....
الرسالة تقول :
بعد السلام عليكم .................
أنا لا أريد منك شيء و لكني أحببت ان أساعدك و أمد لكِ يد العون .
هذا الشريط به تسجيل لفلانه ..................................... مع احد الشباب . و لقد طلبت مني انشاء علاقة معكِ و تسجيلك ..و قالت لي :
انكِ إنسانة غير مبالية و لا اخلاق لها و لا قيم . و الحقيقة حاولت الاتصال بكِ فلم تردي .. بعدها قمت بمراقبتكِ و عرفت ظروفكِ . و أنه ليس لديك احد . فأشهدت الله عليَّ ان أقف معك من بعد دون ان تعرفي أنا من أكون .
* وفي آخر الرسالة .. احتفظي بالشريط لعله يحميكِ من غدرها .
و بدأت الصدمات تكثر و أصبحت متبلدة حسياً لم أعد اشعر بشيء لا حب ولا كراهيه .
لم أفكر قط في أذية مسلم و لا حتى كافر .. لم أكن اعرف شيء غير هروبي من هروبي .!
* تكاثرت لدي الأدلة " من أشرطة و صور " ..سألت نفسي : ماذا أفعل بها ؟!
قررت ان أتخلص منها ليس خوفاً من شيء و لكن خوفاً من الله سبحانه وتعالى أولا ..و ثانياً : الخوف من الموت ان يأتي فيأخذ روحي و تقع بيد أناس لا ترحم .
و فجأة انتابني شعور بان ادعها فهي لا تضرني ..فلا الصوت صوتي .. ولا الصور صوري . و لكن الحل الوحيد ان انتبه لنفسي .
زادت الضغوطات و استفحلت في قوتها و تجنيها .
بدأت المشاكل و الحوادث تهطل كالمطر ..قررت ان أغير مسار ذهابي لبيوت الجيران السابقين و استبدلهم ببيت جارة جديدة . كنت انظر لهم بأنهم طيبين و


"مخلصين . إلى ان خطبت و عقد قران ابنتها الكبرى . و كشف المستور بعد أشهر من العقد و طلاق البنت . لم أكن اعلم بأن الفتاة تعرف رجلاً آخر و تقابله مع اختها .
* اكتشف الموضوع زوجها فسألها : أن تصدق معه القول . و أقسم لها لو صدقت لسامحها . و لكنها لم تتجاوب و أنكرت الموضوع و قلبت أحداثه لكي يكون الحق لها لا عليها .
ومع كثرة محاولاته في اعترافها قامت و بمساعدة أمها برمي التهمة على عاتقي ..ناسيةً ..متجاهلة ..بأن التي في الصورة هي و لست أنا .
* لم يحتمل الزوج كذبها و إلصاق التهمة بغيرها ليعلن طلاقه لها و رمي الصورة في وجه أمها و أبيها .
لم يكونوا أحسن من الذين قبلهم ..فتشت بين زوايا جمجمتي لحل ..لمكان اختبئ به وقت الزوبعة ..لم أجد مكاناً غير مخبأ واحد و هو " تحت سريري " .
فجميع الأبواب لم تعد تغلق لأن الأقفال مكسورة .
* كنت أحس بان بيتنا نار جهنم ..نار السعير ..و جيران في مجتمع قاتل لبعضه .
فكرت ..و فكرت ..فلم أجد مخبأ التجأ له و لم أجد احداً أثق به ..
لم أجد الا الطريق ..الشارع ..كنت أسير المسافات الطويلة و أتعثر في الطرقات ..كنت اشتري الماء و أي شيء هين ..يسير لأكله بعد بيعي لخاتم أو قيراط أو أي قطعة ذهبية امتلكها .
ومن كثر المعاناة كنت أضحك على حالي ..وضعي الذي أعيشه .
فلقد كانوا الشباب " أخوان بنات الجيران " يسيرون خلفي بالسيارات و كانوا على استعداد تام لإيصالي المكان الذي أريد .
لم يكن لدي مكان أصلا لأعيش به حتى يكون لدي مكان لأذهب لزيارته .
و كنت أقول في نفسي " اذا كان هؤلاء الشباب فيهم خير ..لماذا لا يكون لذويهم " !!!!!
و بين الجزر و المد تتوالى الأحداث في تلاطم الأمواج و ثورة الصراع ...........................
لم اجني نتيجة غير التعب و الأرق . ففكرة السير لم اكسب منها شيء الا القيل و القال و كثرة السؤال في أنماط مختلفة من المضايقات . و لكني لم آبه بكل ذلك .
إلى ان جاء يوم وقعت به نكبة ..كارثة في البيت . كانت زهراء تحضر معها في بعض الأحيان فتاة تدعى / نجلاء ..من حماها ..ومن موطنها ..الذي يسكن فيه أهلها . و كان عذر الفتاة لأهلها عند نزولها لوسط المدينة ...السوق .. لقد كانت حجتها .. وهذا ما كان الجميع يظن .
و بمجرد و صولها إلى هنا تبدأ في اعادة صياغة ديكورها لتخرج بأجمل زينة و بأحدث صيحة ملكتها .
* كان اعتقادنا خاطئ عن الذين يسكنون في آخر المدينة ..كنا نعتقد بأنهم لا يجيدون اللبس والأناقة . ." أنهم غير مودرن ..غير متطورين "..و سبب ذلك الاعتقاد ما شاهدناه عليهم اثناء الزواج ...زواج أحمد و سمير .

و في هذا اليوم بعد ان أعدت " نجلاء " نفسها غادرت المنزل متجهه إلى السوق . و بعد ساعات تعود في سيارة أجرة " تاكسي " لتنزل هي أولاً . ثم تطلب من السائق انزال الصندوق الذي في مؤخرة السيارة و ان يضعه في فناء المنزل .
في هذه اللحظة حضر عمي منصور ليشاهد السائق و بحوزته الصندوق ليضعه في الفناء . ثم اشار عمي للصندوق و سأل السائق من أين هذا ؟!
رد السائق بقوله : هذا صندوق للخرمة "للمرأة " .
ثم دخل عمي واتصدم بي ليضعني في دائرة الاستجواب .. فقال لي : هل عندكِ ضيوف ..هل عندكِ احد غريب ؟!
قلت له : لا ...!
ثم سألني : أين كنتِ ؟!
قلت له : لم أغادر البيت .
قال : أذن من هي المرأة التي أتت بهذا الصندوق ؟!
قلت له : لا أعلم عن ماذا تتحدث ؟!
ذهب عمي و فتح الصندوق ليجد به ............................................. بقيمة .................................
ثم خرجت زهراء و قالت لعمي : هذا الصندوق للمرأة التي عندي .
بعدها تركه عمي و جلس يسألني عن هذه الفتاة ..عن تصرفاتها و سلوكياتها .
قلت له : لا أعرفها غير شكل وسلام فقط .
كانت أمي تسمع كل ذلك ..كل تلك الأحداث في التحقيقات ..فاتجهت لـ نجلاء و قالت لها : أصدقيني القول فأنت مثل ابنتي ..من أين لك هذا ؟!
ردت وقالت : لقد أخذته بالأقساط .
قالت لها أمي : كيف بالأقساط و أنتِ لست موظفة ؟!
قالت : سيدفع لي أبي ...
قالت لها أمي : اذا سيدفع لكِ أبوكِ ...لماذا لم يشتريه هو بنفسه ..؟ ـ و هل أبوكِ يعلم ؟!
قالت : لا ..الله يخليكِ لا تفضحيني ..لا تخبري أبي .
قالت لها أمي : سأخبر أهلك .
ثم تدخلت زهراء وقالت لأمي : أخبريهم .. وسنقول انكِ كاذبة .
قالت لها أمي : كذابة .!!.لأني خائفة عليها .!
لتقول زهراء لأمي : حتى أمل تعرفهم .
قالت لها أمي : تعرف من ؟!
قالت زهراء : تعرف أصحاب المحل و هي التي توسطت عندهم لـ نجلاء .
سألتني أمي وقالت : تعريفهم ؟!
قلت : حسبي الله و نعم الوكيل .
ثم قالت زهراء : نجلاء لا تعرف احداً هنا .....
أصرت أمي على اخبار أهلها و أجزمت على ذلك . لكي يتيقظوا لابنتهم فهي مازالت شابة خوفاً من الوقوع في المحظور .
و قبل رحيل عمي لبيته طلبت منه أمي ان يوصلها غداً هو و العمة أحلام إلى آخر المدينة . وافق عمي و رحل .
و في اليوم الثاني قام عمي و زوجته بإيصال أمي و أخبرت أهل نجلاء بما حدث . لتبري ذمتها اتجاهها و اتجاههم . و لكن أمها لم تكترث للأمر و قالت ببرود : عندي خبر ..
لقد سبقت زهراء أمي في الذهاب إلى هناك .. جعلت أحمد يذهب بهم في منتصف الليل لتخبرهم بما تريد ..
لتقابل زهراء أمي في بيت أهل نجلاء وتقول لها : ألم اقل لكِ بأننا سنقول كاذبة ؟ ..و لكن لا تحزني لقد وضعناها في جيد ابنتكِ ..تعرفين لماذا ؟! لأنها لازلت شابة صغيرة أما أنت فلم تعودي تنفعي لشيء .
لتعود أمي تحمل الأسى و الحزن .
* و بعد أسبوع وجدت احدى قريبات نجلاء في الجامعة . اقتربت مني وقالت لي : أريد منكِ طلب ؟!
قلت لها : من عيوني اذا كان في استطاعتي و مقدرتي .
قالت لي : أريد .................................. بالأقساط كمثل نجلاء .
قلت لها : لا حول و لا قوة الا بالله ..
ابتسمت لي ثم ضحكت و قالت : أعلم انه ليس بالاقساط . و متأكدة من انه ليس لك أي يد في ذلك ..و إنما هذه هي حياة " نجلاء " .
قلت لها : حياة " نجلاء " !
قالت لي : أجل ..انكِ لا تعريفينها جيداً .. لقد كانت في المنطقة ........................... و قامت بعمل علاقات عدة و أحدثت مشاكل لا تحصى .. ثم عادت إلينا بالفضائح . فهي لا تفهم شيء اسمه قناعة ...فقط تفهم الهدايا و المال .
نصيحتي لكِ ابتعدي عنها ..فضحاياها من المغفلين " الرجال " كثير .

قلت لها : جزأك الله كل خير على النصيحة .
قالت لي : و يجزيك .. و ذهبت .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:52 PM
لقد كونت بحديثها دائرة كهرومغناطيسية في رأسي . و أخذت الأفكار تعارك التساؤلات حتى نهاية الدوام و العودة إلى المنزل .
فقلت في نفسي " وما شأني بها وبعلاقاتها " ................كن مع الله يكن الله معك .
* تعددت زيارات " نجلاء " لـ " زهراء " ..أما بحضورها معها أو بحضور والدها لها . إلى أن تطورت الزيارات إلى المبيت . محاولة تغير صورتها التي رسخت في ذهن أمي عنها و اثبات أنه أقساط لتأتي شهرياً لدفع القسط . حتى انتهت منها جميعاً . هذا في الظاهر وانقطعت عن الزيارات و المبيت .
هدأت الأمور من ناحية المشاكل التي بين زهراء و أحمد إلى درجة الاتفاق في أقل و أدق التفاصيل حتى أصبح لا يرفض لها طلباً . حتى لو طلبت ان يبيت عند أهلها معها لا يمانع . كانوا يبيتون باليوم و اليومين لأواجه مصيري مع أمجد وحدي .
" و كان الهدوء الذي يسبق العاصفة " .
و لكن صديقتي " نجوى " لم تتركني وحيدة , ولم تتخلى عني . لقد كانت تأتي لزيارتي بشكل متواصل و مستمر كحاجز يمنع وصول أمجد لي دون ان تشعر نجوى بذلك . .. " حمدت الله على هذا الفرج " .
كنت أعتبر نجوى أخت وصاحبة البيت ..كنت أتركها في غرفة الجلوس لساعات لأعد العشاء أو للمكوث مع أمي في حالة ارتفاع الضغط و مرضها . إلى أن أكتشفت ما لا يكتشف ليس اختراعاً أو ابداعاً و إنما هي خيانة إنسان .
سمعت صوتها تتحدث قلت في نفسي " لعلها تتحدث مع إحدى الزميلات ..الصديقات ..لعلها تطلب منها الحضور إلى هنا .
فتحت الباب لأجد بجوارها رجلاً غريباً و للأسف الشديد هذا الرجل يعرف أخي .لأول مرة أشعر بالخوف ..لأول مرة أعرف ما معنى خوف ..لأول مرة وددت فيها أن أقتل .
* انفعلت و اختلطت الأبجديات و انطلق صوتي ليرتفع ..نهضت مسرعة لتقول لي : اسكتي ..اسكتي ...
قلت لها : لن اسكت و سأجعل الأطرش .. "الأصم " الذي لا يسمع يسمع .
قالت لي : اسمعيني البيت بيتكم و أنا زائرة و متزوجة وهو شاب وليس متزوج ..فمهما فعلتي من غوغاء فستكون النتيجة زواجه بكِ .
قلت لها : أتزوج الموت ارحم , ولا أتزوج من واحد يعقد علاقة مع خائنة و يعرف أخي .
قالت لي : هذه ليست خيانة ..و أنتِ لا تعرفين في الحياة شيء .
سكت ..لجمت ..حتى قامت بإخراجه ..ثم بعد ذلك جلست تشرح لي ظروفها الزوجية . بأن لديها مشاكل و زوجها يضربها ليلاً و نهاراً ..و .......................و .............................
وان هذا الشاب دارس في علم النفس وهو يسمعها فقط ليساعدها .
قلت لها : و لماذا لا تقابليه في بيتك ؟!
قالت : لا أستطيع ..لأن زوجي و أولادي دائماً يمكثون في البيت .
قلت لها : وهل هذا يعطيكِ الحق بان تجلبيه إلى هنا ؟! هل تعتقدين بأن بيتنا مصحة نفسية أم عيادة خاصة ؟!
اعلمي ان جميع كلامكِ لم اقتنع به و على فكرة أنتِ إنسانة خائنة .
* وعند كلمة خائنة أحسست في نظرة عينيها ناراً تلهب لتقول لي سيأتي اليوم الذي انتقم فيه منكِ .
فقالت لي : هل انتهيتِ من كلامك ؟
نظرت لها نظرة اشمئزاز و صمت .
قالت لي : افتحي اذنك جيداً و اسمعي : هذا الشاب الذي وجدتيه يعرف بيتكم بالتفصيل و خاصة غرفتكِ . و لم تكن هذه المرة الأولى ..فاذا نطقتِ أو تفوهتِ بحرف لتفضحيني ..سأقلب الموضوع ضدك و لا تنسي بأنه يعرف أخاكِ .
قلت في نفسي " زهراء الثانية ..و الشارع ارحم "
وبعد تهدديها و وعيدها حضر المغفل زوجها ليأخذها . " و يا غافل لك الله " .
* وعدت من حيث أتيت ..عدت إلى مخبأي و بيتي الأمن ..عدت إلى قطع الشارع و الجلوس على الرصيف .
استمرت حالتي في معركتي الحياتية ..بدأت المباراة و جمع الأندية إلى ان أعلنت زهراء التصفيات ..تصفيات الأندية و أولهم الدكتورة أحلام لتعطيها كرت احمر مع ابتسامة صفراء تقول : حظ أوفر .
* في ليلة من الليالي الجميلة ذات النسيم العليل ضرب عمي منصور زوجته أحلام و طلقها مع كوكتيل من الألفاظ الجارحة لها .
في هذه الليلة كانت زوجة عمي أحلام في زيارة لزوجة أخي أحمد زهراء . و كانتا جالستين في فناء المنزل " الحوش " جلسة رومانسية رائعة ما بين الورود و الشموع .
وفجأة سمعت صراخ عمي وضربه لها ما بين صفعات وركلات . لتتدخل بينهما زهراء لفض النزاع . . لإنهاء المباراة و النتيجة 1/ 0 فهي الحكم .
دخل عمي إلى الداخل وهو يسب ويشتم . كنت أنظر له بدهشة دون أن أسأله سؤالاً عن الأسباب ؟!
ثم تكلم و قال : لها شهر و هي تطلب مني الطلاق ..طلقني ..طلقني ..لو عندك كرامة ..لو أنت رجل طلقني ..لو كنت أنا المريضة ..العقيم ..لتزوجت من امرأة أخرى و تركتني .
قلت له : هدء نفسك .
قال لي : كيف اهدء نفسي و أنا طيلة هذه السنين اكتم هذا السر ..لم اجرحها يوماً قط ..لم اخبرها بالحقيقة ..حقيقة أمرها بأنها عقيم لا تنجب ..
و بعد كل هذا العناء معها تأتي اليوم و تخونني .
قلت له : تخونك !
قال لي : تخونني مع رجل آخر .
قلت له : كيف عرفت ؟!


قال لي : لقد اتصلت عليَّ زهراء و أخبرتني . و لقد شاهدت خيانتها بهاتين العينين التي سيأكلهما الدود .
قلت له : ماذا رأيت ؟!
قال لي : خرجت الساعة ............ و معها امرأة آخرى ثم أوقفتا سيارة و ركبتا معه .
قلت له : إلى أين ذهبتا ؟!
قال لي : أولاً أوصلهما إلى السوق ثم إلى بيت فلانه .............و عادتا إلى هنا الساعة ....................
قلت له : المرأة التي كانت معها لم تخرج من هنا ؟
قال لي : لا .
قلت له : تستطيع أن تصفها لي .
قال : ترتدي عباءة مخصرة و حذاء كحلي اللون و شنطة ايضاً كحلية .
قلت له : أتعلم من هذه ؟
قال :لا
قلت له : إنها زهراء .
قال لي : مستحيل ...!! زهراء كشفت لي حقيقتها .
قلت له : تريث و تأكد ..أما بالنسبة للطلاق فقد تم . ولا أظنها تسامحك وتقبل بالعودة إليك .
قال لي : ومن قال لك أنني أريدها بعد اليوم ؟
قلت له : ان كنت تريدها أو لا تريدها فهذا الأمر يعود لك ولكن لا تظلمها .
أنت قلت بأنهم ذهبوا إلى السوق ثم بيت و لم تلاحظ شيئاً آخراً . مثل : كشفها لوجهها ..أو ذهابهم إلى مكان مشبوه أو اختلاءه بهما ................
الوضع واضح لقد كان سائق أجرة و لكن بسيارة خاصة .
وبعد كلامي معه خرج مسرعاً حاملاً أحزانه بين عيونه .
بعد ذلك سألتني أمي عن عمي و زوجته وسبب طلاقهما .
قلت لها :( الفتنة أشد من القتل ).
يا أمي العزيزة أريحي نفسكِ و هذا نصيبهما .
ثم سمعت أصواتاً في الصالة فاتجهت نحوها لأنظر ماذا يحدث ؟!
وجدت زهراء تهدأ أحلام و تخفف عليها لتقول لها و هي تضحك ضحكة من أعماقها ..أنسيه فأنتِ دكتورة " مثقفة ـو جملية " و ألف واحد يتمنى الاقتران بكِ .
كانت أحلام تتوسل و ترجو زهراء بان تقول لعمي منصور الحقيقة ..بان تقول له أنها لا تعرف أحدا .
ردت عليها زهراء : سأخبره فيما بعد ..بعد ان يهدأ ..اطمئني .
هنا دخل أحمد لتظهر زهراء وجهها الحقيقي لأحلام و قالت لها : أخرجي من بيتي فمثلك لا أمان لها .
و أسقطت عليها كماً هائلاً من الشتائم .
نادى أحمد زهراء و قال لها : ما الأمر ..لماذا هذا الصراخ و الشتائم ؟!
قالت له زهراء : هذه زوجة عمك الجاحدة ..ناكرة المعروف و الجميل ..لقد قامت بخيانته .
قال أحمد : مستحيل ..فهم لهم عشرة طويلة من السنين .
قالت له : أنا لا أريدها في بيتي ..عشرة سنين ..عشرة عمر ..لا شأن لي بها .
قال لها احمد : أخبريني ماذا حدث بالتفصيل ؟!
قالت له : ألم أخبرك بأنني سأذهب معها للسوق ثم سنتجه إلى بيت صديقتها ........... ثم نعود في أسرع وقت .
قال أحمد : بلى ..
قالت له زهراء : السائق الذي أوصلنا اكتشف أمره و عرفت هويته بأنه صديقها .
قال أحمد لها : و كيف عرفتِ ..و من الأساس كيف تجرؤين على الخروج معها ؟!
قالت له : أنا لم أعرف و لكن عمك هو الذي عرف فلقد كان يراقبها ..و ركبت معها على انه سائق أجرة و لم أكن اعلم بان لديكم في وسط المدينة سيارات خاصة بالأجرة " تاكسي " ..و أنت تعلم بأنني لا أعرف أحدا هنا ..و حتى ان اكتشفت الأمر فماذا سأفعل و إلى أين سأذهب ؟!
* ثار احمد وقام بطرد أحلام شر طرده ..موقف لا تحسد عليه ..خرجت وهي تجر ألمها و جرحها الممزوج بطعم مرارة الاهانة و الذل .
و في اليوم التالي جاءت زهراء لغرفتي لتعقد معي الصلح .
قلت في نفسي " ما الذي جاء بها و على ماذا تنوي " ؟!
جلست معي جلسة ودية ..و دار بيننا حديث طويل فسألتها من بين ثنايا الحديث وقلت لها : لماذا فعلتِ بالدكتورة ذلك ؟!
ضحكت بسخرية ثم تغير أسلوبها و نبرة صوتها وقالت : هي تستحق ذلك تلك البلهاء ..المغفلة ...
ثم سألتها : ماذا فعلت لكل هذا ؟!
قالت لي : تذكرين تغطرسها و تعاليها ..تذكرين يوم أشارت إليَّ بطرف اصبعها ..بالسبابة ..لتحركها من الأسفل للأعلى و العكس مع نظرات الاحتقار و التصغير وقالت : هذه زوجة احمد و مشت تختال .
قلت لها : هل أنتِ حاقدة عليها من ذلك اليوم ؟!
قالت لي : لا ...و لكنها ازدادت في كبريائها و غرورها . ازدادت في جرحي .. ألست بشر ..إلا أحس بألفاظها ومعانيها ؟!.
قلت لها : و لكن ما قمتي به حرام .. فالفتنة اشد من القتل .
قالت لي : لا تستعجلي في الحكم و تعالي نحسبها بالعقل ..ما الذي استفاده عمكِ منها حتى الآن ؟! ألم يقضي عمره معها دون ان يجني من ذلك العمر حتى جنين واحد ؟!
قلت لها : هذه قسمة من عند الله .
قالت لي : و طلاقهما قسمة من عند الله ..و في كلا الحالتين لابد من الأسباب .
قلت لها : إلا تخشي ان يكتشف أحمد الحقيقة ؟!
قالت لي : لا ..و ان اكتشف الحقيقة فلن يفعل أي شيء .
قلت لها : هل هذا كله حب و ثقة ؟!
قالت لي : لا ..و لكني ماسكة أخيكِ من يده التي تألمه .
قلت لها : ما قصدكِ ؟!
قالت لي : تذكرين يوم الحادث ؟!
قلت لها : أجل ..اذكره جيداً .
قالت لي : لقد أصيب أحمد بعاهة و أصبح لا يستطيع الإنجاب ..و لا يستطيع الاقتران بامرأة أخرى . و على فكرة اليوم ستأتي نجلاء لزيارتكِ ثم خرجت من الغرفة .
* لتبدأ الغرفة بالدوران و الأرض بالاهتزاز . زلزال تحت قدميَّ و رياح تعصف بي و جلست أخاطب ذاتي بالهمس و بالصوت المرتفع وقلت : لو كان ما تقوله زهراء صحيحاً فأحمد أناني ..لا يحب سوى نفسه .
لقد كنت أعتقد بأنه محتمل هذه العقرب من أجلي . كما تحملتها من أجل أختي إيمان .
لقد كنت أقدم الأعذار له في قتل روحي وجرح فؤادي و لم أكن أعلم بأنه يخفي عيوبه ويواريها بستار جرم لم اقترفه ليرضي نفسه و غروره .
أما اذا كان ما تقوله زهراء كذب و زور في حقه فالله يقتص له منها .

ثم ربطت الأفكار و عقدتها ببعض عقداً محكمة . العقدة الأولى : كيف اتصلت زهراء بعمي وهي أمية ؟!
الثانية : أكيد أخذت الرقم من زوجته .
الثالثة : من الذي سيأتي عليه الدور و يخرج من الالمومبيات قبل الدور النهائي ؟!
و توقفت عند هذه العقد حتى أتمكن من حلها .
خرجت من غرفتي لألعب مع الأطفال " ريناد و فيصل " . وجدت زهراء تلعب معهما . فدار النقاش إلى أن قلت : ما شاء الله عليكِ لديك أسلوب و منطق مقنع ..إلى أي مرحلة درستِ ؟!
قالت لي : إلى المتوسطة ..الكفاءة . قلت : ما شاء الله .
قلت في نفسي " إلى المتوسطة و تدعين أنتِ و اهلك أمامنا بالجهل . و تدعين أمام أحمد أنكِ لا تفهمين شيء ..عائلة تتميز بالكذب فماذا أرجو من ابنتهم بعد ذلك ؟!
ثم سألتها : هل عندكم تليفون ؟
قالت لي : كان عندنا ثم فصل .
قلت لها : فصل ! لماذا ؟
قالت لي : لقد كان مبلغ الفاتورة كبيراً . و السبب في ذلك كثرة اتصالات أخي " علي " لقد كان يحب مليون فتاة .
قلت لها : يحب مليون !
قالت لي : لا يحبهن ..بل يتسلى و يلعب بهن .
و استمر حديثنا في القيل و القائل و كثرة السؤال إلى ان حضرت نجلاء لتشاركنا حديثنا و تنهي ما بدأنا .
* كانت نجلاء تأتي إلينا لسببين : السبب الأول : الهاتف . فهي مدمنة اتصال و طبعاً أي اتصال يأتي على هاتفنا يقابل بالانشغال .
والسبب الثاني : السوق في الظاهر و المقابلة في الباطن .
و كانت زيارات نجلاء لنا شبه أسبوعياً .
و في يوم بعد خروج نجلاء من بيتنا و زيارتها لنا و اتجاهها لدارها .
قالت لي أمي : أبتعدي عنها . ابتعدي عن مسارها .
قلت لها : أنا لا اخرج معها . و لكني أقابلها في البيت .
قالت لي : اسمعي كلامي .
وقبل ان انهي ردي عليها بقولي : حاضر ..يا أمي .
سمعنا أصوات عمي و أحمد انطلقنا ننظر لمعرفة سبب تلك الأصوات و ارتفاعها . فوجدناهما في حرب ضروس ..حرب داحس و الغبراء .
لم نستطع فك اشتباكهما فانطلقت زهراء لتطلب المساعدة من الجيران ..تطلبها من الجار عثمان . و بالفعل حضر و أوقف الزحف و العراك ثم انصرف .
سألت أمي أحمد وقالت له : ما سبب كل هذا ..لماذا طردت عمك ؟!
قال لها : لو شاهدته أمام الباب لقطعت رجليه .
قالت له : لماذا ..ما الذي حصل بينكما ؟!
قال لها : السافل ..النذل ..ينظر لزهراء ويغازلها .
قالت له : هذا غير معقول ! هذا الكلام لا يقبله عاقل و لا مجنون .
قال لها : صدقتي أو لم تصدقي .. لقد اتصل على زهراء و طلب منها موعد . طلب منها استقباله في البيت .
قالت له : و كيف عرفت ؟!
قال لها : أخبرتني زهراء باتصاله و طلبه . فقلت لها : وافقي و استدرجيه .
فقلت في نفسي " تصفيات سريعة و احترافية ..الله يستر على الذي يليه ..الذي عليه الدور " .
قالت له : ولكن يا ابني ....!
وقبل ان تكمل بقية الأحرف لتحل بها الكلمات المتقاطعة .
قال لها : انتهى الموضوع و لا أريد نقاش من أي احد .
* وبعد انقطاع عمي عنا بعدة أيام ازدادت حالة أمجد سوء على سوء لانقطاعه عن الجلسات العلاجية .
أصبحت الحالة تختلف في انفعالاتها و هجومها و خاصةً عندما تكون زهراء عند أهلها .
و مع كثرة السير الشبه يومي تثاقلت قدميَّ و تعثرت خطواتي ليصبح موعد ايابي إلى البيت متأخر بساعة او بنصف ساعة و هذا يعتمد على الحالة النفسية و الجسمانية .
مما أقلق أمي هذا التغيب المتكرر . لتقرر السؤال عني في بيوت الجيران . لتعطي بهذا السؤال فرصة لهم لقول ما يريدون .
منهم من يقول : أتت ورحلت قبل قليل , ومن يقول لم نشاهدها , ومن يقول ذهبت من هذا الطريق .........و ........و..............
و بعد تعبي من رحلة المشي و الجسم المنهك . تواجهني أمي بالأسئلة ..أين كنتِ ؟! إلى أين ذهبتِ ؟! من كان معكِ ؟!
كنت أقول في نفسي " ما الذي أخبرها به ..جنون أبنها في عشقي ..لأقضي عليها " .
قررت ان اسكت و أتقبل جميع التهم المنسوبة لي بكل شجاعة . وبختني و عاقبتني بالألفاظ و الأفعال .
* ومع كثرة المشاكل و الاحداث التي أعيشها كنت انزوي في مسجد الجامعة . و كنت أعرف مجموعة من صديقات الدراسة في مرحلة المتوسطة و الثانوية . صديقات ملتزمات . فلقد انقطعت عن شلة الانس بعد اكتشافي لحقيقة نجوى .
و لكن للأسف الشديد لم تدوم هذه العلاقة الجميلة و السبب في ذلك كثرة غيابي عن الجامعة فقد تم فصلي و طي قيدي .
ضاع كل شيء ..ضاع مستقبلي ..ضاعت حياتي لم أعد أتحمل كل هذا .
حملت كفني بين اذرعي ووضعت به بقايا ذاتي . حملت ملفي و أوراقي بين طياته ذاتي .



همت مع روحي وهامت بي و قلت لها : كفى ..أما ان تلحقيني أو ألحقك . و مدمنا نسير سوياً على نفس الدرب ليعانق الشارع النبض و الرصيف القلب و الحب يحتضن الحب .
فكرت فلم أجد احداً سوف يساعدني و ينقدني مما أنا فيه غير الله سبحانه و تعالى ثم عبد الله . و قررت بدلاً من ان أسير في الطرقات دون هدف او اتجاه استثمر هذا السير والوقت في ايجاد حل لمشاكلي و انقاذ ذاتي .
كنت أسير و أسير ولأول مره لم أشعر بالتعب كان قلبي يسابق خطواتي و كانت روحي تسابق أنفاسي . كنت أسير و أحلم برؤيته .. باستقباله لي ..بعزلي عن هذا العالم برجولته و قوته .
كنت أسير والسيارات تلاحقني وتطاردني لتضايقني و تفسد حلم سعادتي في النجاة . و لكني لم اسمع لهم أو أحس بوجودهم لأن لدي هدف .
ها أنا أقترب من باب بيته " بيت أهله " طرقت عليه و تنحيت جانباً ليخرج لي أخوه الذي يصغره بسنه . لم يعرفني في بادئ الأمر ..لم يعرفني من الشكل الخارجي حتى سألته عنه فعرف صوتي لكثرة اتصالي وسؤالي عنه .
قال لي : انه ليس موجود هنا و لكنه متواجد في داره .
قلت له : شكراً لك ..وعدت من حيث أتيت . عدت إلى البيت و لم أيأس . وكلما اشتدت المشاكل كثفت ذهابي إليه و لم أكن أجده . وفي ذات الوقت لا استطيع ان أتقدم خطوة لطرق باب بيته خشية عليه من المشاكل الزوجية و الأسرية . فأنا لا أريد استرجاعه أو سلبه من زوجته فكل الذي أريده وقوفه بجانبي .
في كل مره أعود إلى البيت مكسورة الخاطر ..فاقدة محاولة تجربة المساعدة على أمل محاولة جديدة في الغد الباكر .
كان هناك سؤال يراودني بين الحين والآخر . كيف لم تستطع أحلام اكتشاف بان العيب منها من ناحية الإنجاب و ليس من عمي . على الرغم من أنها دكتورة ؟!
اشغل تفكيري هذا السؤال وقلت حله عند الداهية زهراء فقمت و حملته لها .
قلت لزهراء السؤال و طلبت منها حله و افهامي .
أشارت زهراء بالسبابة على رأسها وقالت لي : هنا مخ . و لكن هي عندها بدلاً منه كلمات و عبارات الإطراءات و الثناء .
قلت لها : كيف ؟!
قالت لي : بان يقال لها : أنتِ دكتورة ـ مثقفة ..جميلة ..أنتِ و أنتِ ..يملؤن رأسها بالهواء ليصبح كدولاب السيارة .
قلت لها : لم أفهم و ضحي أكثر .
قالت لي : هي متخصصة في كتبها و علومها ..و مغرورة في نفسها ..و غيروه على عمكِ حتى قتلته و قتلت حبها .
لا توجد امرأة لا تريد ان تكون أم , و لا رجل لا يحب ان يكون لديه أطفال ..( فالمال و البنون زينة الحياة الدنيا )
فرغبتها في الأولاد جعلتها تشك بان العيب منه و انه لا ينجب . و المرأة عمرها للإنجاب محدود . فمن المؤكد جلست تحسبه لتعرف كم متبقي لهذه الفرصة .
قلت لها : و لكن كل شيء من عند الله .
قالت لي : كلامكِ صحيح ..و لكن هي لم تفهم هذا . فمسائلة العمر تؤرقها و تقلقها .
ثم سألتني : هل فهمتي ؟!
قلت لها : فهمت و شكراً لكِ .
ثم رجعت إلى غرفتي و أنا أقول في نفسي " حية رقطاء لدغتها و القبر "
لقد بانت علامات الصلح في الاحتكاكات البسيطة . و مما أكد الرؤية " رؤية الصلح " زيارات نجلاء المتكررة .
كانت نجلاء من النوع الهادئ شكلاً و المبتسم البارد على الدوام .
كنت اجلس معها و هي تتكلم في الهاتف حتى تنتهي المكالمة الأولى ثم ترجع و تعيد نفس الرقم و تطلب من ذات الشخص الذي كان يكلمها " حبيبها " إنساناً آخراً بالقرب منه مع تغير الاسم المستعار و الصوت طبعاً .
و بعد انتهاءها . قلت لها : كيف ذلك ؟!
قالت لي و هي تضحك : الكيف ثلاث حروف .
قلت لها : تكلمين اثنين على رقم واحد و تتصلين من رقم واحد و لا يقدر احد منهما على التفريق أو معرفة صوتكِ أو حتى التشبيه .!
قالت لي : سأخبركِ و لكنه سر بيننا لا يعلم به احد ..عديني .
قلت لها : سرك في بئر .
قالت لي : على هذا الرقم اكلم خمسة .
قلت : خمسة !!!!!
قالت لي : خمسة و لكني أحب واحد منهم .
قلت لها : و الباقي ؟!
قالت لي : الباقي تسلية و مضيعة للوقت .
قلت لها : و لكنكِ تحبين و اتصالك ليس داخلي فهو " الصفر " .
قالت لي : و ماذا أفعل اذا جميعهم مغفلون ؟!
قلت في نفسي " لقد أكدت لي بكلامها قول قريبتها التي قالته عنها "
ثم قالت لي : أريد ان أفصح لكِ و أريد مساعدتك ؟
ابتسمت لها وضحكت و قلت : محل أقساط أيضاً ؟!
ضحكت وقالت لي : لا
و لكني عندما اقتربت منكِ عرفتك أكثر . و علمت بأنه لا شأن لك .
قلت لها : و الله بالفعل لا شأن لي لا من قريب و لا من بعيد . . هل كنت أعلم بذهابكِ و إيابك ؟! هل كنت أعلم بما ستعودين به معكِ ؟!
قالت لي : لا ..و لكني ظننت أنكِ تحسدينني .
قلت لها : أحسدكِ ..في ماذا ؟! في جهازكِ .................. تعالي معي لغرفتي و انظر إلى جهازي ................ في مواصفاته و حجمه و قيمته .
ثم حضرت معي غرفتي و نظرت إليه و قالت : ما شاء الله .لم أتوقع بان لديك مثل هذا ...........
قلت لها : و لم أتوقع منكِ سوء الظن .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:55 PM
قالت لي : هذا كله بسبب هذا المسن المغفل .
قلت لها : من ..و ما قصته ؟!
قالت لي : انه رجل متزوج في سن والدي أو أقل بقليل . يقول انه يحبني .
قلت لها : هل يريد ان يتزوجكِ ؟!
قالت لي : أتزوجه ؟! ماذا افعل به ؟! أتريدني ان ادفن شبابي معه ؟!.
قلت لها : و ما الذي تريدينه منه ؟!
قالت لي : وظيفة ـ مال ـ هدايا .
قلت لها : وهو ؟!
قالت لي : هو. الله يحفظه لزوجته و اولاده .
ثم قالت دعينا نتفق .
قلت لها : في ماذا ؟!
قالت لي : انا سأخبركِ بكل شيء و لكني ساعديني .
قلت لها : قولي ..و ان كنت اقدر فسأقوم بما في وسعي .
قالت لي : الآن سأتصل عليه و أنت اسمعي ساكتة .
نظرت لها و سكت .
اتصلت و تكلمت معه ثم بدأ يحذرها مني . و يخبرها بتفاصيل الخطة و سير المؤامرة و طلب منها ان تسكت حتى انتهاء المهمة .
أشارت إليها و قلت لها : لماذا ؟! فأنا لم افعل له شيء .
قالت لي : ألم اقل لك بأنه مغفل .
قلت لها : أقسم بالله ليس لي يد في موضوع صندوقكِ .
ثم أخبرتني بكل شيء و طلبت مني التزام الصمت حتى حضر من المنطقة ................... المرء الذي تحبه لخطبتها .
هذا المرء الذي كان المسن ينصحها بعدم الارتباط و الزواج به لأنه يتعاطى المخدرات " الحشيش " . و الغريب إنها تقول : ينصحني و لا ينصح نفسه .
قلت لها : ينصح نفسه في ماذا ؟!
قالت لي : هو يعتقد النساء مغفلات و لا يعلمن شيء عن الرجال .
تدرين بان هذا الناصح يتعاطي المسكر ..يشرب حتى الثمالة .." يكسر القارورة من النصف " .
قلت لها : كيف علمتِ ؟!
قالت لي : لا تنسي انني كنت أعيش في المنطقة ..........وهي منطقة منفتحة و علاقاتي كثر فمن السهل عليَّ كشف مثل هذا .
قلت لها : أعوذ بالله ..ثم سألتها : هل سبق لكِ ان تعاطيتِ شيء ؟!
ضحكت وقالت لي : وهل أنا مجنونة ؟!
و استمر الكلام حتى غادرت إلى دارها .
وقفت وقفة عظيمة مع كلامها وقوة أسلوبها في الإقناع و سألت نفسي :
1ـ كيف استطاعت الضحك على خمسة في ذات المكان ؟!
2ـ كيف استطاعت الضحك على رجل متزوج و عمره في الخمسين وله علاقات غير شرعية .." علاقات محرمة " و لم يستطيع كشفها ؟!
3ـ محاولته للاضرار بي عن طريق وضع طعم لي وهو صديقه" كفخ لايقاع بي " .
4ـ كيف تجرأ على مثل هذا التفكير الدنيء ..كيف نسي خوف الله لينتقم من فتاة لم تقترف في حقه شيء . فتاة يتيمة . متناسين قوله تعالى : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) .

* ودارت الأيام و السنوات و أصبحت نجلاء أم طفلين ، و لكنها لم تقطع زيارتها لنا . فكلما نزلت من تلك المنطقة وجاءت لزيارة أهلها زارتنا .و مازال ذلك المسن تعرفه كاسبير لوقت الحاجة .
حتى في سنة من السنوات لم تقبل بالعودة مع زوجها لترغمه بعد ذلك على النقل و السكن معها في بيت أهلها . و بعد أشهر بدأت حالته الصحية في تدهور ملحوظ لجميع الناس . لقد أصبح كأخي امجد . لتطلق عليه زوجته مسمى مجنون .
والسبب في هذا الجنون كثرة التعاطي ..ليحق لها بعد ذلك الطلاق و الانفصال . و اخراج الاسبير المخزن للاستفادة منه. لقد حان موعده . لم تكن تخفي عني شيء عنه . حتى في يوم من الأيام أخبرتني بان ابنه تعرض لمحاولة اغتصاب ..تحرش جنسي .
قلت لها : لا اله الا الله .
ثم قالت لي : لقد هاج هو و أهله على الذين حاولوا مجرد محاولة على الإساءة لولده .
نظرت لها نظرة استغراب وقلت لها : لماذا تضحكين ؟!
قالت لي : و ماذا تريديني ان أفعل ؟! . اذا كان الأب فاسد ..فاسق ..( الله يمهل و لا يهمل ) .
ثم انفجرت تضحك و تضحك .
قلت لها : هل أنتِ مجنونة ؟!
قالت لي : المضحك انه التزم ثم انتكس ورجع أسوء من الأول .
قلت لها : أعوذ بالله منكِ ..الله لا ولاكِ على مسلم .
ثم وقفت وقالت لي : الحياة علمتني ان أعيش مع القذارة ..ان اسكت وابتسم من أجل ان اخذ المال و أدوس على كل شيء وأولهم قلبي .

*و ما بين مغامرات نجلاء و محاولاتهم في إيقاعي و سعي في العثور على عبد الله . تحدث أحداث غريبة ..قاتلة خالية من الضمير و الإنسانية لتغيرني و تقلب مساري رأساً على عقب .

من الاحداث الغريبة القاتلة ............
* تعطلت سيارة أحمد ليجد ابن الجار عثمان " حسين " ليساعده في محاولة اصلاح السيارة و لكن دون فائدة ..ثم عرض حسين على أحمد إيصاله . فشكره و ركب معه . لقد كنت اسمعهما و في انتظار مغادرتهما لأستطيع التحرك إلى أحد بيوت الجيران .. ولكن المشهد حفظ في الذاكرة ..مشهد قاتل لكل قلب مسلم .
في اثناء تحركهما كنت أقف على البوابة أول خطوة مع التفاتي إذا بالجار عثمان متجه إلى الباب ليتلعثم و لا يعلم ماذا يقول ..غير سؤاله عن أحمد .
أحمد الذي يركب مع حسين ابنه ...الذي لم يتجاوز الشارع بعد . نظرت في وجهه و احتقرته و قلت في نفسي " خيانة " . ثم ذهبت إلى بيت الجيران و لم أكن مرتاحة البال فعدت بعد دقائق إلى المنزل . و عاد بعدي أحمد بلحظات ليطلب من أمي المال .
فردت عليه : لم يبقى معي شيء لأعطيك إياه .
وقال لها : هذا ليس من شأني .. أعطيني نقوداً أو اجعليني أبيع البيت و اخذ نصيبي من الميراث .
قالت له : البيت لن يباع مادمت على قيد الحياة . هذا البيت الذي بنيته مع أبوك طوبة ..طوبة ..
قال لها : بنتيه ..بنتيه ..
كلمة منه و كلمة منها إلى ان قالت له : أنت أصبحت بلا رأي ..رأيك و شورك برأي امرأتك .
* وهنا بدأ هو و بدأت أنا ...
قال لي : لو كان فيك خيراً كان خيرك لنفسك .
قلت له : فيَّ الف خير و أحسن من زوجتك .
قال لي : ما تقصدين ؟! من الذي يسب زوجتي ؟!
قلت له : لا أحد يسبها و لا أحد يطيقها . زوجتك المصون تقول : بان لديك عاهة و لا تستطيع الإنجاب من يوم الحادث .
قال لي : أنا ! .. و كيف هي اليوم حامل ؟!
قلت له : انتظر نتفاهم .
تحرك مسرعاً و هو يسب و يلعن . و قال لي : أقلبي وجهكِ . وخرج .
ثم قالت لي أمي : لماذا قلتِ ذلك ..لماذا جرحتيه ؟!
قلت لها : ينجرح أو حتى يموت . فالموت أشرف لمن في حالاته ....نساء استغفلوا جميع الرجال و الرجال يصدقون ..أليس الرجال قوامين على النساء بما فضل الله .
أين نحن نعيش ؟! هل نحن في غابة ؟! الجار يخون جاره ...أليسوا مسلمين ؟! ألم يشهدوا أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله .
قالت لي أمي : يا ابنتي انني أخاف عليكِ ..أخاف انهم يحقدون ؟!
قلت لها : قسماً بربي لأجعلنهم تحت أقدامي خاضعون .
قالت لي : لا تفعليها من أجلي .
قلت لها : سأحرق الأخضر و اليابس ..و أنت لا شأن لكِ بي بعد اليوم ..انتبهي لنفسكِ .
ثم أخذ أحمد زهراء لبيت أهلها و هناك أدت القسم ثم اتصلت و تكلمت لتدافع عن نفسها بألفاظ لا تقولها امرأة عاقلة ..متزوجة لبنت شابة وليست متزوجة . و كنت أعلم بان أحمد يسترق السمع من السماعة الثانية .
قلت لها : هذا ليس من شأني ..و ما قلته إلا الحقيقة . و المفروض هو أقرب إنسان لك يكون فاهمكِ , و لكنه مغفل .. أتسمعني يا أحمد أعلم انك على الخط وقفلت السماعة في وجهها .
* وبعد إغلاق السماعة حضر المسكون أمجد و جنيته لتقوم بتصرفاتها المعتادة . و لكن في هذه المرة لم اخف و لم أهرب .
قلت له و لها : ان حاولت اعتراض طريقي أو لحاقي فسأقتلك .
و لكن تلك الجنية العاصية ..الفاسدة لم تأبه بتهديدي وكانت تظن أنه مجرد هراء .
*و بدأت المعركة بالألسن ثم الأيادي إلى ان أمسكت قطعة حديده و أحدثت في رأس أمجد جرحاً غائراً . و في هذه اللحظة دخل أحمد ليفصل بيننا و يضربني . لقد وجدها فرصة للانتقام مني .
أخذ أحمد أمجد للمستشفى ليعود به بتسع غرز .
ثم قال لأمي : لقد طلقت زهراء .
قالت له أمي : كيف عدت من هناك بهذه السرعة ؟!
قال لها : لم أذهب بعد . لقد اتصلت بكم من بيت الجار عثمان , وزهراء هناك عند زوجته شيخة و سأخرج الآن لإيصالها لأهلها . و أمجد سوف ينام للصباح نتيجة الإبرة المنومة .
قلت في نفسي " نومة أهل الكهف " .
خرج أحمد ثم ارتديت عبايتي و خرجت بعده .
قلت في نفسي لعليَّ أجد اليوم عبد الله ..فلقد اختلف موعد خروجي عن السابق .
و في اثناء سيري على الرصيف اقتربت مني سيارة فاذا بسائقها يطلق عبارات الغزل . وكانت بيدي قنينة ماء باردة و لم أشرب منها بعد . التفت إليه و رميتها في وجهه . أوقف سيارته و فتح الباب يريد النزول لضربي .
قلت له : انزل ..أرني رجولتك فاليوم يا أما قاتل أو مقتول .
بدأ يسب . قلت له : هل هذا شارع أمك لتمنعني من العبور ؟! ـ و ان عدت و سببت سأجعل حذائي ينظف أسنانك بدون معجون . و صرخت بصوت عالي وقلت له : اغرب عن وجهي فمثلك لا يعد رجلاً في قائمة الرجال .
ثم شغل سيارته و ذهب . وواصلت إلى ان وصلت بيت عبد الله طرقت الباب خرج لي أخوه . سألت عنه . قال لي : لم يعد يأتي لزيارتنا من زمن .
قلت له : أخبره انني أريده في أمر هام .
قال لي : بصراحة أنسيه فهو الآن متزوج وهو يحب زوجته . . أنسيه .
عدت حاملة وصيته لي بالبعد و النسيان . و عند اقترابي من بيتنا قلت في نفسي " أذهب للسوبر ماركت لاشتري بعض الاغراض " ..كنت أحس بمن يراقبني و يتتبع خطواتي . سرت بهدوء و غيرت اتجاهي لأكتشف من الذي يلحقني و ما السبب في لحاقي ؟!
فتواريت خلف جدار مبنى كبير . فاذا هما اثنان من أولاد الجيران الصغار .
بعد اكتشافي لهما ظهرت للأنظار و عبرت الشارع ووقفت على الرصيف ثم ناديتهما فحضرا يركضان . سألتهما و قلت : لماذا تلحقاني ؟!
الاول سكت و الآخر نكر ..فما كان جزاء النكران عندي إلا ان صفعته أمام الملأ حتى سأل الدمع . و مسكته بيده إلى بيته و أخبرت أهله و قاموا بتوبيخه . و ذهبت إلى بيت أهل الثاني وقبل ان اطرق الباب . أخذ يقبل يدي و يقول لي : أنا أخوكِ الصغير ..سأخبركِ بالحقيقة و لكن لا تشتكي لوالدي .
قلت له : قل .
قال اللذين أرسلنا هما ياسر أبن ............. وأنور .................. وقالا لنا : نلحق بكِ و سوف يعطينا نقود .
سألته : ما السبب ؟!
قال : لا أعلم .
قلت له : ستنطق و الا ضربتك .
قال لي : والله لا أعلم ..و لكن الذي قالاه ..بأنكِ أميرة لا تعطين وجه لأحد .
قلت له : سأعطيك نقود أنت وصاحبك بشرط ان تنفذا ما أقوله لكما .
قال لي : من عيوني ..أنتِ تاج على رأسي و أخدمك بدون مال .
قلت له : اجمع لي اخباراً عنهما ووافيني في أي وقت .



اتفقنا ثم عدت إلى البيت لأجد أمامي ذلك الشاب الذي يساعدني بالا شرطه و الصور حاملاً ظرفاً جديداً . وقام برميه أمام الباب . قلت له : توقف ...
قال لي : أرجوك لا تسألين من أكون ؟
قلت له : ومن قال لك بأنني سأسألك من أنت ؟
قال لي : أنا تحت أمرك الآن فيما تريدين .
قلت له : يا أخي في الله ..أكمل معروفك معي و أعطيني معلومات كاملة عن الذي يدور في الأشرطة وما مناسبات الصور .
قال لي : لم أفهمكِ . وضحي أكثر ..وضحي ما تقولين .
قلت له : أريد تواريخ و أيام لكل شريط و الساعة . و متى تم تصوير الصور و أين ؟ . أحتاج منك تقارير .
قال لي : أنا أعطيك الأشرطة و الصور لحماية نفسك من غدر الزمن .
قلت له : الزمن لا يغدر احد , و لكنهم أصحاب القلوب المريضة ..الضعيفة هم الذين يغدرون . و اذا كنت صادقاً معي في حماية نفسي أعد لي التقارير و لا تنسى الإكثار من النسخ .
قال لي : سأقدم لك التقارير في أسرع وقت .
قلت له : الله يحفظك و يستر عرضك . ثم غادر و تركني مع الظرف الجديد .
* دخلت إلى غرفتي و يدي على قلبي خوفاً من المفاجأات و الصدمات . ثم فتحت الظرف لأفتح معه جلسة الاستماع . و أخذت من كل شريط جزئية . " من كل بحر قطره " . كوكتيل من الأسرار الأسرية و المشاكل العائلية و الضحك والبكاء و النكت و السب و الغزل بدرجاته و أنواعه .
_عائشة بنت الجيران أسمها المستعار سوسن . أفلام كرتون .." سوسن أنت يا روحي تعالي ..سوسن " .
_نجلاء صديقة زهراء اسمها المستعار في هذا الشريط انهار .." انهار ـ أودية ـ سيول " و الكثير ..الكثير و على الدنيا السلام . و بعد رحلة الإنصات و الاستماع أصدرت قراراً حاسماً و قطعي بان اشغل المكينة ..الجمجمة في جميع أمور حياتي .
* و أول نتيجة كانت لذلك القرار بان أحفظ جميع الأدلة بعيداً عن البيت . ان ابحث عن مكان امن . و لقد فكرت و توصلت إلى حل و أطلقت عليه مسمى الأرشيف .
رتبت أفكاري ووضعت خططي ثم نمت .
وفي الصباح الباكر نهضت ثم اغتسلت وصليت الفجر و بعدها أعددت الإفطار لي ولأمي و جلست أتحدث معها إلى أن قالت لي : لقد عاد أحمد متأخراً و أخذ مفتاح شقة أمجد لتأجيرها و الاستفادة منها . و أنتِ تعلمين ان راتب ابوكِ الله يرحمه و يغفر له لم يعد يكفينا .
قلت لها : لم يعد يكفينا نحن ! . قولي : لم يعد يكفي زهراء و أهلها .
المهم أفعلوا ما تريدون دون اخباري بشيء .
قالت لي أمي : يا ابنتي هذه هي الحياة و البيوت لا تخلو من المشاكل .
قلت لها : أنتِ مسكينة .
ثم قالت لي : نسيت أخبركِ لقد أعاد أحمد زهراء .
قلت لها : كيف ؟! بالأمس طلقها و بالأمس أرجعها !.
قالت لي : لقد كان في حالة غضب و احتسب الطلاق على انه طلقة واحدة .
قلت لها : الله يرسل لها بطلقة رصاصة تخترق رأسها و تأخذ عمرها .
قالت لي أمي : حرام عليكِ ..أدعي لأخيك المسلم بخير ..قولي : الله يهديها .
قلت في نفسي " هذه ماذا أقول لها " ؟!
قلت لها : يهدي الجميع .
انتظرت معها حتى اقتربت الساعة من موعد فتح الأسواق . ثم قلت لها : سأذهب للمستوصف و سأعود سريعاً .
قالت لي : سأتى معكِ ؟
قلت لها : أين تأتي معي و أثرت مشكلة و خرجت .
اتجهت إلى محلات الخشب و الالمومنيوم و طلبت منه ان يصنع لي صندوق قوي بمواصفات معينة على ان يكون جاهزاً في خلال يومين على الأكثر ثم أعطيته العربون و عدت إلى البيت .
قالت لي أمي : أين العلاج ؟!
قلت لها : لم أذهب إلى المستوصف .
قالت لي : إلى أين ذهبتِ ؟!
قلت لها : لم اذهب إلى مكان . لقد كنت جالسة في الفناء " الحوش " .
و بدأت بكذبة صغيرة حتى أصبح الكذب يسري في دمي ..مني و فيني .
ثم قالت لي أمي : لقد اتصلت أختكِ " إيمان " . تسلم عليكِ وتسأل عنكِ . وتقول قريباً سوف تأتي لزيارتنا .
قلت لها : ماذا تريد ؟!
قالت لي : زيارتنا .
قلت لها : ألم أخبرها مراراً و تكراراً بان لا تأتي حتى اذن لها ؟!
قالت لي : لقد اشتقت لها و أريد رؤيتها .
قلت لها : ان جاءت دون اذني كسرت رجلها .
قالت لي : كيف تمنعينها من بيت والدها ؟!
قلت لها : لا أعرف والدها و لا جدها .
قالت لي : أنتِ لست أمل ؟! أنت مجنونة !
أثارت غضبي كلمة مجنونة و أخرجت شياطيني لأقوم بتحطيم كل شيء أمامي ثم أخلد للنوم .
* و أصبحت حياتي بين مشاكل وعراك و خصام وسارت في هذا الاتجاه . إلى ان جاء اليوم الذي سكن فيه شقة أمجد أناس طيبون . تعرفنا عليهم كانوا أسرة مكونه من أب و أم و شابين و ثلاث بنات . و كانت البنت الكبرى في سني و مخطوبة لأبن عمها . تعددت الزيارات و قويت روابط العلاقات و هدأت الأوضاع نسبياً .
* حتى جاء اليوم الذي حضر فيه الجواسيس و العملاء . الصبيان لموافتي بالاخبار .
فقالا: ياسر سيتزوج من أبنت فلان ............بمهر زهيد . و هو يشرب الخمر و أهله يعلمون بذلك ويقومون بالتستر عليه .
فقلت لهما : و أنور ؟
سكتا قليلاً ثم قال أحدهما : أخبركِ و لكن لا تضربيني .
قلت له : قل فلن أضربك .
قال : أنور يقول بأنه يعرفكِ و يقابلكِ في فناء البيت .
قلت له : ماذا ؟!
ثم قال لي : لقد تابعناه و عرفنا من التي تعرف عليها .
قلت في نفسي " الله يستر ..لا تكون المجنونة زهراء " .
قلت له : من ؟
قال : أبنت الساكن الجديد عندكم .
ابتسمت و ضحكت فمن كثر الصدمات مات الإحساس .
ثم قالا : انتبهي لنفسكِ ..و مشيا .
* وبعد هذه الكلمات التحذيرية بترت علاقتي بها ..بترت حتى علاقتي بروحي .
و في اليوم الثاني سمعنا زفه غريبة عجيبة . زفة من السوبر ماركت إلى باب البيت . لقد كان الأولاد و البنات ومن ضمنهم الجاسوسين يرددون الأهازيج و الأغنيات و يقولون : عاشوا ..والله عاشوا ...و عرفنا الموضوع " الدعوة " ..يا سيدي عرفنا ..الحب قطع القلوب ...( زفوا العروسة زفوها من السوبر لبيت أبوها ) .



نظرت من الباب الخلفي و قمت بمناداة الجاسوسين لأسألهما ماذا حدث ؟!
قالا : لقد أنفضح أنور و اكتشفت حقيقة أمره .
قلت : ماذا حدث ؟!
قالا : لقد كنا نراقبه كالمعتاد ومعنا شلتنا و أصدقائنا و شاهدناه و هو يتكلم مع " حنان " و يغازلها ثم أعطاها مئة ريال .
قلت لهما : لماذا فضحتما البنت ..أنسيتم ابأنها بنت و فوق ذلك هي مرتبطة " مخطوبة " ؟!
قالا : تستحق و يستحق معها أنور لأنهما ظالمان . كان يتستر عليها باسمكِ .
و نحن وعدناكِ بأننا أخوة لكِ لذلك كشفناه .
قلت : لا اله الا الله ...بنفس السلاح الذي أراد قتلي به قتل به .
ثم قالا لي و هما يضحكان نحن في الخدمة يا أختنا الكبيرة .
ضحكت لهما و قلت : سنشكل عصابة في المستقبل .!
قالا : اتفقنا .. يا زعيمة . ثم لوحا بيدهما للرحيل .
ثم دخلت إلى الصالة لأجد أمي تشاهد الصلاة في التلفاز ..سألتني : ماذا يجري في الخارج ؟!
قصصت لها الموضوع من الألف إلى الياء . ثم قالت لي : ماذا افعل ؟! هل أخبر أمها ؟!
قلت لها : لا تخبري أمها و لا أباها .قولي لهم : بان ابنتي و زوجها سيأتيان و ليس لدي مكان أضعهما فيه . وان أمل لا تكشف على زوج أختها ..
صعدت أمي السلالم و أنا معها حتى وصلت الدور الثاني و طرقت الباب . ثم أخبرتهم بما قلت لها . ثم سأل أمي أخو حنان الكبير سلطان . هل صدر ما يضايقكم منا ؟! هل هناك شيء يا خالة ..أخبريني ..أرجوكِ .
قالت له : لا ..يا ابني رعاك الله وحماك . و نزلت مسرعه ليتقاطر الدمع من مقلتها لصعوبة أسئلته في عدم إجابتها .
* لمحت في عينيه نظرة الذكاء و الحنكة . و بالفعل لم تخوني نظرتي له . فلقد اكتشف الحقيقة . و أوسع أنور أنواع الضرب و صنوف العذاب و أدخله السجن على أنه لص ..سارق .
و بعدها قلت لأمي سأذهب إلى السوق .
قالت لي : ومن سيخرج معكِ ؟!
قلت لها : سأخذ أي ولد من أبناء الجيران .
قالت لي : في رعاية الله و حفظه .
ثم سرت إلى ان وصلت إلى محل الخشب و الالمومنيوم وقلت له : أين الصندوق ؟ و أعطيته الفاتورة .
قال لي : لقد تأخرتِ عن موعدك . الآن نحن في الأسبوع الثاني .
قلت له : اسمعني الصندوق مصنوع لي و مقابله ستأخذ نقودك فلا تتفلسف عليَّ لأني لن أزيد ريالاً واحد .
سكت ثم نظر إليًَ و قال : خذيه وهاتي بقية النقود .
وعدت به و الفرحة تغمرني كأنني في العيد . و قمت بالترتيب و التنظيم ووضعت كل شريط مع صوره . لم يتبقى سوى المخبأ الذي أويه فيه .
جلست أفكر لابد من مكان آمن . لا احد يصل إليه و لا يشك به . و في اثناء جلسة التفكير .. دقت أمي على الباب . لتقول لي : لقد حضرت صديقتكِ تهاني .
قلت لها : تهاني !! تهاني من ؟!
قالت لي : صديقتكِ المطوعة.. زميلتكِ أيام الدراسة .
أغلقت الصندوق بإحكام . و فرحت ومن كثر الفرحة كاد قلبي ان يخرج من بين أضلعي لاحتضانها . خرجت إليها مسرعة و قمت بالترحيب بها و معانقتها فلقد اشتقت لها كثيراً .
و بدأت تسألني عن اخباري و اسألها عن اخبارها إلى ان قالت لي : لقد انتقلنا من بيتنا القديم إلى بيت جديد قريب من بيتكم . لقد أصبحنا جارتين . و سأقوم بدورة لتحفيظ القران الكريم ..لسورة البقرة تحديداً . . ابتداء من الغد .
آمل ان تأتي فجميع البنات يودون رؤيتكِ .
قلت لها : أكيد .
قالت لي : قولي ان شاء الله .
قلت : ان شاء الله .
ثم جلست قليلاً و استأذنت لأنها مشغولة بترتيبات الغد .
و بعد خروجها أخبرت أمي برغبتي في الذهاب للحفظ فوافقت .
و في اليوم الثاني استعديت و اتجهت إليهن فوجدت جميع الصديقات من ضمنهن " نورة " بنت العم محمد و الخالة زينب . ولقد أصلحن الصديقات بيننا العلاقات المنقطعة لتعود كما هي في الاتصالات و الزيارات .
إلى ان جاء اليوم الذي اتصلت فيه نورة لتخبرني بزواج احدى الصديقات .
فقلت لها : لا استطيع الذهاب فكما تعرفين حالة أمجد و أحمد ليس موجوداً هنا .
قالت لي : اطلبي الاذن من أمكِ و استعدي لأمر و أخذكِ معي .
قلت لها : سأخبر أمي ثم أرد لكِ باتصال .
قالت لي : تمام ..في أمان الله .
قلت لها : في حفظ الرحمن .
أخبرت أمي و أخذت منها الاذن بالموافقة . ثم اتصلت و أخبرت نورة . وبعد ذلك أخذت استعد حتى جاءت لأخذي معها . كانت سهرة جميلة ورائعة . كانت أول سهرة أرقص فيها و انبسط . أحسست فيها بان صداقتنا و أخوتنا رجعت كما كنا في السابق .
و بعد انتهاء حفل الزفاف عدنا إلى بيتهم لنعيد الذكريات . ثم صلينا الفجر و فطرنا ثم نمنا .
و لكني استيقظت فجأة فشاهدت أخا " نورة " يقف على باب الغرفة مبتسماً بابتسامة مريبة فشعرت بالخوف . ثم عدت للنوم ..كنت أظن انني احلم . ثم استيقظت قرب الظهر على أصوات مرتفعة إلى ان سمعت قول أخيها : لقد خطبوا أختي و تركوها مع ألفاظ القذف و السب . لم أعي جميع ما يقولون و لم اشك واحد في المئة بأنني أنا المقصودة .
لقد كنت في وضع و حالة لا أحسد عليها . فلقد قمت بعد ان تبولت لا أرديا مع نزيف شديد للدورة الشهرية . اعتذرت لهم على ذلك . فردت عليَّ الخالة زينب : بلطف . وقالت : لعله البرد أو الخوف . و انتهى الموضوع على خير .
و لكن صورة أخيها مازالت تطاردني في منامي . أصبحت احلم به حلم واحد متكرر يومياً حتى ضاقت به نفسي و اختنقت .
هذا الحلم " هو نفس رؤيتي له في بيتهم ...كنت أشاهد أخو نورة واقف على باب الغرفة و يبتسم ابتسامة مريبة " . لم احتمل هذا الحلم فأخبرت به تهاني . و قامت تهاني بالاتصال على إحدى مفسري الأحلام ..و أخبرته بالحلم ..ثم سألني اذا توضأت قبل النوم . كان يسأل و أنا أجيب ..حتى أخبرته كل شيء حدث بالتفصيل في ذلك اليوم باليقظة والحلم .
قال لي : اللهم لك الحمد ..الله يحبك فانجاك .
فرحت بكلامه إلى ان قال لي : لا تنامي إلا في بيتكم بين اهلك .
ثم قلت له : لماذا؟!
قال لي : رحمة الله أنقذتك من غدر كان سيقع بكِ وبشرفكِ . البول و الدورة الشهرية كانت سبب لنجاتك و نتيجة خوفكِ منه . لقد أقيظك الله لتشاهديه ليخافك . ثم قال : و نعم الحافظ أنت يا الهي .. و أغلق الخط .
قلت لتهاني : أنا أعيش في عالم خاص بالمجرمين ..المنافقين ......( اللهم رحمتك أرجو ) .


ثم قالت لي تهاني : هدئي من روعكِ . قوله تعالى : ((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)) صدق الله العظيم .
قلت لها : لا اله إلا الله .
ثم طبطبت على كتفي و قالت لي : ابكي لكي ترتاحي و تزيلي ما علق بالنفس .
قلت لها : لا ..و ربي الذي رفع سبع وانزل سبع لن تسقط دمعة واحدة من أجل هؤلاء الرعاع وسفلة القوم . هؤلاء الضفادع البشرية الذين يقطنون المستنقعات المائية و الوحل ..سيأتي اليوم الذي أجعلهم فيه يبكون و يتوسلون و يرجون .
اليوم لهم يضحكون , وغداً في الميدان سينهزمون .
ثم قالت لي : قولي حسبي الله و نعم الوكيل .
قلت : حسبي الله و نعم الوكيل .
* هنا اشتغل عقلي و أرسل لي إشارة تقول : لم تجدي مكان أمناً أفضل من عند تهاني لوضع الصندوق .
ثم قلت لها : أريد منكِ خدمة .
قالت لي : أخدمكِ برمش عيني بما يقدرني الله عليه ..فأنتِ أختي .
قلت لها : لدي صندوق و فيه اخبي ذهبي و أوراقي الثبوتية و الدراسية . و أود أن أحفظه عندكِ .
قالت لي : و بيتكم ؟!
قلت لها : أنتِ تعلمين بحالة أمجد جيداً و أخشى عليها منه .
قالت لي : لكِ ذلك , و لكن بشرط .
قلت لها : اشرطي كما تشائين .
قالت لي : بان تجعليني أنظر لمحتواه .
قلت لها : قبلت شرطكِ . وسأدعكِ تنظرين بداخله و تفحصين مكنونه .
ثم قالت لي : متى ستحضرينه ؟
ابتسمت لها وقلت : في أقرب فرصة . ثم طلبت منها أن تسمح لي بالانصراف . لأن أمي تمكث وحيدة .
فأذنت لي وقالت : الله معكِ .
قلت لها : الله معنا جميعاً .
* ثم سلكت أقصر الطرق للوصول إلى بيتنا و قبل وصولي بقليل ظهر لي ذلك الشاب المساعد ومعه ظروف كثيرة . أنه يحمل التقارير .
قال لي : انتظري . خذي ما طلبته مني .
قلت له : الله يجزيك كل خير ..و ألف شكر لك . ثم سألته وقلت : كيف تعرف موعد خروجي و دخولي إلى المنزل مع اختلاف الأزمنة ؟!
قال لي : أراقب حتى تجمعني بكِ الصدفة .
قلت له : لكن هذا أمر شاق و متعب " مرهق " .
قال لي : هل معكِ جوال ؟
قلت له : لا ..و لم أقتنع به طيلة عمري .
قال لي : و لكنه مفيد وسوف يساعدنا كثيراً في عملية الإيصال و الإيداع .
قلت له : و لكني لا أستطيع …..!
قال لي : أعلم بالذي تودين قوله . لا تشغلكِ مسائلة الماديات .. أنا سأشتري لكِ جهاز و شريحة " كرت " .
قلت له : توقف .. ماذا تظني ؟! متسوله !
قال لي : لا ..ما عدا الله ان أظن مثل ذلك . فقط استخدميه ثم أعيديه .
* و في خلال الحوار و الجدل ظهر اثنان من شباب الجيران ليظنا السوء و ان هناك شيء ما بيننا .
قلت له : أذهب الآن .
قال لي : و أنتِ ؟!
قلت له : أفهم الكلام و أرحل .
و أخذ الشبان بإطلاق التعليقات السخيفة .." نحن أولى ـ نحن أبناء الحي … الأقربون أولى بالمعروف …. جارك أولى بالشفعة ( الجدية " العنزة " لا تحب التيس البلدي " الداخلي " تحب التيس الخارجي ) و……… و……….و……....
و كانت المفاجأة في ردي عليهما بقولي : بالفعل أنتما تيسان . تعلمان لماذا ؟ لأنكما تنظران لأهالي الغير بمعدل ما يقومن به أهلكما .
و ثارت الثائرة بنار الغيرة و الحمية و قالا : احترمي نفسكِ . فأهلنا لا يغادرن بيوتهن . و لسن كمثلكِ في الشوارع ليل ..نهار .
قلت لهما : في الشوارع اشرف و ارحم من غيري . ثم قلت لهما : قبل ان يفتح أحدكما فمه . انتظراني فقط دقائق و سأعود لكما سريعاً . سأحضر لكما أغراض لأهلكما شحنت في أغراضي بالغلط . ثم دخلت إلى البيت مسرعة و انتقيت لهما من الأشرطة و الصور أقلها حدة و تجريح .
خرجت فلم أجدهما . سرت باتجاه بيت احدهما و قرعت الباب . خرج لي وقال: ماذا تريدين ؟!
قلت له : أريد أمكِ .
قال لي : هل جئتِ لكي تشتكي إليها ؟!
قلت له : لا ..و لكني أريدها لكي تسمع ما يدور , و تعذرك بعدها بما ستقوم .
ثم قام بمناداة أمه على أنه لا يهمه شيء ولا تفرق معه مثقال ذرة . حضرت الأم و كان أسلوبها غير لائق بأم على الإطلاق مع فواصل التأفف . ثم قالت لي : نعم ..
قلت لها : نعم الله عليكِ . و عدلي أسلوبكِ معي .
قالت لي : خير إن شاء الله ..ما الذي أتى بكِ إلينا ؟!
قال لها ولدها : جاءت من أجل أن تشتكي عليَّ .
قلت لها : خذي هذا تذكار بسيط . هذا شريط لابنتكِ مع صورة رائعة . والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته .
ثم نادتني يا ابنتي ..يا أمل ..انتظري …توقفي .
لوحت لها بيدي وقلت : وما خفي كان أعظم .
* و أول خطوة على عتبة المنزل أجد في وجهي " شراب الخردة " زهراء .
قلت لها : السلام عليكم ورحمة الله و بركاته . . ما الذي يوقفكِ على الباب ؟!
قالت لي : و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته . أين كنتِ ؟! لقد كنا نبحث عنكِ .
قلت لها : تبحثين عني على الباب !!
قالت : أنتظر أحمد فلقد انتابني شعور بالقلق عليه .
قلت لها : متى خرج ؟
قالت لي : قبل ساعة ..لا قبل ربع ساعة .
قلت لها : أجمل قلق على الباب . انتظريه حتى يأتي و بمشيئة الله يطلقكِ بالثلاث دون رجعه , و هو يموت و نرتاح منكِ و منه .
* و أول لمحة منها لنور سيارته . غيرت أسلوبها و كلامها .
ومع دخول أحمد قالت لي : أقول لكِ أين كنتِ لقد انتابني شعور القلق و الخوف عليكِ . تردين عليَّ و تقولين لي : هذا ليس من شأنكِ ؟ ومن تكونين أصلاً لتسأليني ؟
ضحكت وقلت لها : القمر له وجهان : أبيض و أسود . و أنتِ رأيتني كالبدر في ليلة تمامه . و لم تريني بعد في ليلة الخسوف .


ثم قالت لأحمد : سمعتها بنفسك . ماذا تقول ؟
قلت لها : أنا لست الدكتورة أحلام . استيقظي من السبات فأنا أمل .
أمل التي كانت قبل قليل في بيت صديقتها تهاني ثم بيت جارنا فلان …………………..
ثم قالت لي : سأرافقكِ أينما ذهبتِ ؟
قلت لها : رافقيني فهو خيراً لك . و لكني أخشى عليكِ من نظرات الرجال وغزلهم فهم لم يقاومون حسنك وبهاءكِ كمثل عمي منصور .
قال أحمد : كفى أنتِ وهي . كل واحدة منكما تدخل إلى غرفتها .
ثم نظرت إليَّ نظرة حاقدة تعلن الحرب حاملة الويل و الوعيد .
* دخلت غرفتي لأنهي عملي في قراءة التقارير لأفهم مضمونها . و بدأت أدون الأهداف و أضع الخطط في الهجوم .
رتبت كل الأدلة و التقارير في الجيوب السرية للصندوق . فلقد صممته من عدة أدراج و طبقات . و كان الفاصل سميك جداً بين درج و آخر . وبدل الحشو الخشبي كنت أضع أربعة و عشرين شريطاً من دورين . و يكون الفاصل فارغ من الداخل مغلق من جميع النواحي و الطبقة العليا تسحب من الجنب دون ان يشعر احد و هكذا . و بعد انتهائي من التنظيمات . حاولت حمل الصندوق و لكنه أصبح ثقيل الوزن .
فكرت و فكرت حتى نمت من شدة التفكير .
* وفي اليوم التالي بعد صلاة الظهر بحثت عن الجاسوسين و ترقبت حضورهما من المدرسة حتى جاءا .
أشرت لهما بيدي وقلت : تعالا .
قالا : أهلاً يا زعيمة ..ماذا حدث ؟!
قلت : أهلا بكما يا أفراد العصابة . لم يحدث شيء على الإطلاق و لكني أريد مساعدتكما في إيجاد كرتون في حجم ثلاجة صغيرة .
قالا : هذه بسيطة ..متى تريدينه ؟
قلت : لو كان الآن لكان أفضل .
قالا : حسناً ..أذهبي إلى البيت و نحن سنحضره لكِ .
قلت : شكراً لكما ..فو الله أنتما نعم الرجال .
عدت و انتظرتهما . فما هي إلا دقائق حتى جاءا بالكرتون . قمنا بوضع الصندوق في الكرتون ثم قمت بإلصاقه جيداً و حملناه إلى بيت تهاني .
كان الوقت مناسباً لوجود أحمد في الدوام .
سلمت تهاني الصندوق , وسلمت قلبي معه .
فتحت الصندوق لها لتنظر ما بداخله فوجدت شهاداتي و أوراقي مع قليل من القطع الذهبية .
سألتني و قالت : الصندوق ليس به أشياء كثيرة ومع هذا هو ثقيل .. كيف ذلك ؟!
قلت لها : هذا الصندوق تصميم ن خشب فاخر و أصلي . . " خشب دمياطي "
ثم قلت لها : خذي هذه مفاتيحه . اجعليها معكِ .
قالت لي : لا ..خذيها و في أي وقت احتجتِ شيء منه أو وضع آخر . تعالي ..فالبيت بيتكِ .
شكرتها على حسن معاملتها و نبل أخلاقها . ثم قلت لها : استودعكِ الله الذي لا تضيع ودائعه .
قالت لي : إلى أين تغادرين ؟!
قلت لها : إلى البيت .
قالت لي : هذا وقت الغذاء . ومن العار تركتِ دون ان تتغذي معنا .
قلت لها : و الله لا أقدر فأمي بمفردها . و في الباب ينتظران أبناء الجيران لإيصالي .
قالت لي : ليس لكِ أعذار .
قلت في نفسي " الله من البلاء ..ورطة "
قلت لها : اسمعيني و افهميني أنا لم أتي في هذا الوقت المحرج و الحار إلا للشديد القوي . لقد اشتغلت حالة أمجد لذلك حضرت به . فأرجو ان تسمح لي في الانصراف .
قالت لي : أنا أسفه . ل أكن أعلم . كان الله في العون .
ثم ودعتها و تفرق أفراد العصابة و ذهب كل منا إلى بيته .
* و أول خطوة في بلاط الصالة وجدت زهراء . نهضت و أخذت دورة كاملة حولي مع نظرة ازدراء من تحت لفوق . وقالت لي : لقد أتصل أحمد و سأل عنكِ . فقلت له : ليستِ هنا . أخبريني أين كنتِ ؟
قلت لها : أتودين معرفة مكان تواجدي ؟!
قالت لي : نعم .
قلت لها : عند أمك . على فكرة تسلم عليكِ و تقول لكِ : كيف مفعول السحر مع أمجد ؟!
قالت لي : والله أمجد تعب و مرض و أنا عند أهلي . وليس لي أي ذنب .
قلت لها : أشكركِ . ورفعت أصبعيّ السبابة و الوسطى كعلامة للنصر و التحدي في ذات الوقت . ثم دخلت غرفتي و تركتها تتكلم مع نفسها حتى رجع أحمد من العمل .
ومن أول دخوله أطلقت الصواريخ أرض ـ جو ..و المدرعات و المدفعيات في معركة الشك و الوسواس . ثم استدعتني زهراء للتحقيق و الاستجواب . وقالت لي : انهضي فأخيكِ يريدك ؟
قلت لها : ان دخلت مرة أخرى دون طرق الباب أو الاستئذان كسرت رقبتك . الآن اغربي عن وجهي وقولي : لبغلك ..أقصد ..بعلك . حسناً لحظة وسوف تحضر . وان وددتِ ان تقولي له قالت لي : ساعة فلا مشكلة قولي . ( تقلقلت أسنانكِ وضروسك ) .
* مكثت قليلاً استرق السمع لهما . فسمعت زهراء تشكي وتبكي وتقول له : أنا خائفة ..و أخشى عليها الضياع . فأمل فتاة طيبة و ساذجة .
هنا خرجت لها وقلت : و دجاجة !
نظر إليَّ أحمد نظرة لا توصف قد تكون احتقار وقد تكون رعب و إرهاب قد تكون … و قد تكون …هي مزيج من عدة نظرات قاتلة .
ثم قال لي : أين كنتِ ؟
ردت عليه زهراء وقالت له : لقد قالت لي عند أمي .
قلت في نفسي " أنتِ من جماعة خذوهم بالصوت لا يغلبوكم "
ثم قال لي : لماذا تلتزمين الصمت ؟! ..أخبريني أين كنتِ ؟
قلت له : ألم تخبرك زهراء في هذه الثانية بأنني كنت برفقتها عند أمها ؟!
قالت له زهراء : أنا لم أقل هي التي قالت .
قال لي : أجيبيني أين كنتِ ؟
قلت له : كنت عند تهاني
قال لي : و لماذا لم تخبريني ؟!
قلت له : أخبرت أمي و وافقت .
قال لي : لماذا ذهبت في هذا الوقت ..وقت الظهرية ؟!
قلت له : لقد قمت بمساعدتها . فهي تقوم بإعداد دورة لتحفيظ القران الكريم . " سورة البقرة "
شهقت زهراء و تغير لونها و ارتبكت ثم قالت : هناك أماكن و دور متخصصة للحفظ و الدورات الدراسية لأحكام التجويد . فاذا أردتِ سجلي هناك ، و لا حاجة لكِ بتهاني ودورتها . و في آخر المطاف مصير البنت الزواج .
ثم سألتني وقالت : لماذا لم تقبلي بأي عريس من الذين يتقدمون لكِ حتى الآن ؟!
قلت لها : الزواج قسمة و نصيب . و كل إنسان يأخذ نصيبه في هذه الدنيا .
ثم قالت : والله ..أخي " علي " دائماً يقول لي : لو كان أحمد يوافق و يزوجني أخته " أمل " . سأصبح أسعد إنسان .
فقلت له : الرأي ليس رأي أحمد فقط . فهناك رأي أمها و رأيها .

قلت لها : سأسجل في حلقة للحفظ و احصل على شهادة . أفضل من الذهاب والإياب عند تهاني دون شهادة .
فقالت لي زهراء : دائماً نتكلم عنكِ وعن أخلاقكِ وجمالكِ حتى أشغلتِ تفكير أخي .
قلت في نفسي : " أنا أغير الموضوع وهي تعيد وتزيد فيه "
قلت لها : هل ستحفظين القران معي ؟!
قالت لي : تصدقين بان " علي " يردد على لسانه اذا تزوجكِ سيقول لكِ : الماء و الخضرة و الوجه الحسن .
قلت لها : حسن يا حسن … و أنا أقول له : أين الماعز يا بيتر ؟! ـ
فيرد عليَّ : هنا يا هايدي ..أفلام كرتون .." هايدي الجميلة ..هايدي اللطيفة " .
قلت لها : أقول ..خيراً لكِ ان تعدي لزوجكِ الغذاء و اشتري لأخيكِ ماعز . و أنا سأعد الطعام لأمي و أنظر إلى ماذا تحتاج .
ثم تحركت حاملة الطعام باتجاه غرفة أمي و تركتهما .
قرعت الباب فقالت : أمي ..أدخلي يا أمل .
قلت لها : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..يا أحلى قمر .
قالت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. يا أجمل فتاة .
ثم قلت لها : كيف عرفتِ إنها أنا من تطرق الباب ؟!
قالت لي وهي تضحك : قلب الأم .
قلت لها : يا عسل ..اعترفي !
ضحكت وقالت : الله يسعدكِ ويهنئك ..أعترف !
حاضر ..سأعترف لكِ .
أولاً : لا أحد يطرق بابي و يسأل عني باستمرار غيرك . أما الباقون فلا حياة لمن تنادي .
قلت لها : و ثانياً ؟!
قالت : ثانياً : لقد سمعت حديثكم نتيجة أصواتكم المرتفعة .
اسمعيني يا أمل …لن يحبكِ أحداً في هذه الدنيا أكثر مني . ابتعدي عن زهراء و أحفظي عليكِ لسانك . و أعلمي ان الذي لا يخاف الله يخاف منه .
قلت لها : الذي لا يخاف الله يخاف عليه . لأن الله عزيز ذو انتقام . و الله يحق الحق ولو بعد حين .
قالت لي : ألست أمكِ ؟! أليس لي حقاً عليكِ ؟! إلا تسمعي كلامي و تنفذي نصحي ؟!
قلت لها : بلى ..لك كل الحق بل أنتِ الحق كله . وطلباتكِ أوامر .
ثم قالت لي : عاهديني بالله على ذلك .
قلت لها : بدون عهد فكلمتي سيفاً على رقبة كل عدو .
ثم أعادت تكرار طلبها بالمعاهدة .
وللأسف عاهدتها .
و بدأ يدب الأمن و الاستقرار في أرجاء البيت من ناحيتي مع محاولات مكثفة من زهراء لانحرافي .

* و من طرق الانحراف ..
قالت لي زهراء :
1ـ أنتِ جميلة ..متعلمة و مثقفة و ألف واحد يتمناكِ .
قلت لها : قديمة ..و الذين يتمنوني مليون ..غيري غيرها .
2ـ محاولة نجلاء أن تعرفني بأصدقائها و إيقاعي معهم .
3 و 4 و 5 ………..في محاولات مستمرة و طرق فاشلة دائمة لمدة سنة .

وفي خلال هذه السنة جاءت لزيارتنا إيمان وهي تحمل طفلها الجميل . و قد أسمته " وسيم " . لقد كنت دائمة الانشغال مع إيمان و حبيب خالته " وسومي " .
حتى في يوم من الأيام كنت العب مع وسيم .
سمعت إيمان زهراء وهي تتحدث من خلف الباب الخلفي مع الجار عثمان عني .
ثم حضرت إيمان لتخبرني بما سمعت . فقالت لي : لقد كانت زهراء تقول له : أنها ذكية جداً . و لم استطيع إقناعها بشيء . و لو ان أحد أخذ شيء منها بالقوة فهي لن تسكت و ستفضح الجميع .
قال لها : و بالقبول و الرضا !
قالت له : هي دائماً تقول : لحم المرأة غالي . لابد ان تحرق العالم من شأنه . و لا تفرط فيه لأحد حتى لو كان حبيب و غالي .
قال لها : ما الذي يغريها ؟! إلا تحتاج للمال ..لملابس ..لأي شيء كمثل الفتيات ؟!
قالت له : هي قنوعة و عزيزة نفس . لا تقبل ان تأخذ شيئاً من أحد . حتى الصدقة التي تدفع لوجه الله تعالى ..لا تقبلها !!!
قال لها : ألم تجسِ نبضها في الحب و العلاقات ؟!
قالت له : بلى . حتى نجلاء سألتها وقالت لها : لو أحببتِ في يوم ما و سلبكِ حبيبكِ أعز ما تملكين ..ماذا تفعلين ؟!
قالت لها : أبحث عنه حتى أجده . و أخرجه حتى لو كان في بطن أمه .
قالت لها نجلاء : و تفضحين نفسكِ ؟!
قالت لها : أفضح نفسي مع كلب واحد خيراً لي من أن أعيش العمر كله تحت رحمة عشرين ألف كلب . أو إنني اعتزل الناس . أو أصبح مجنونة . و هو يعيش مرتاح البال و أنا ادفع الثمن .
لا ..و الله لن يعيش و أموت أنا .
قال لها : هل جربتِ معها صداقة البنات " الحب و الإعجاب " ؟!
قالت له : جربنا . وقالت لهن : هذا ليس حب . بل هذا بديل عن الحب . " شذوذ جنسي " و أخذت تشرح لهن :
هو انجذاب مركزين للمخ للجنسين من نفس النوع . " إناث " .." امرأتين " .
لذلك عندما تتزوج أحدهما يكون الزواج فاشل و لا تستطيع الاستمرارية . لأن مخها يرسل إشارات بالرفض و يريد المركز الذي كان معه في السابق ..أو مركز آخر و لكن من نفس الجنس .
و بالطبع عارضوها وقالوا لها : هناك من تتوب و تستمر حياتها .
ردت وقالت لهن : من تاب تاب الله عليه . سبحانه يبدل السيئات حسنات . و الإنسان التائب التوبة الصادقة يضع نفسه تحت رحمة الله و يكون قريب من الله حتى اذا دعاء الله قال له : لبيك ..لبيك ..لبيك ..ثلاث مرات .
ثم قال لها الجار عثمان : و الحل ؟!
قالت له زهراء : هناك حل واحد يقضي عليها ابد الدهر .




قال لها : ما هو ؟! أغيثيني به بسرعة .


قالت له : سنزوجها بالإكراه .


قال لها : وماذا استفدنا ؟!


قالت له : نجلاء تعرف شلة من الشباب ذو المراكز العالية و المناصب . هم الذين سينتقون لها زوج المستقبل .


قال لها : زوج المستقبل ! ـ زهراء كيف حالكِ ؟ هل حرارتك اليوم مرتفعة ؟!


قالت له :أصبر حتى انهي كلامي و أنت الحكم .


قال لها : أكملي حديثكِ الشجي .


ضحكت وقالت له : الزوج الذي سيختارونه لها زوجاً بلا شخصية .


قال لها : أتقصدين شخصيته ضعيفة ؟!


قالت له : لا ...ليس لديه أي نوع من الشخصيات .


قال لها : لم أفهم .


قالت له : ألم أقل لك انتظر حتى انهي كلامي ؟!


سكت و استرسلت زهراء في حديثها و الوصف .


وقالت له : العريس الذي اختاروه لها لا يستطيع حماية نفسه . لذلك سينفذ ما يطلب منه بالحرف الواحد . وهم الذين سيدفعون له المهر .


قال لها : هل مازال بكِ عقل ؟! هل نسيتِ بأن شخصيتها قوية و صعبة المنال ؟!


قالت له : أنت ليس لديك أدنى صبر و مع ذلك سأخبرك .


لقد خططنا للقيام بمؤامرة ضدها عند أخيها لترفض ويرغمها عليه خشية الفضيحة . و لا تنسى أنت لك دور كبير في تحطيمها .


قال لها : انني أتمنى ذلك اليوم الذي تقع فيه تحت قدميّ .


قالت له : ليس أكثر مني .


ثم قالت لي إيمان انني اخشى عليكِ منهم . تعالي نسافر و نهرب من هنا و اسكني معي .


قلت لها : و أمك ؟


قالت لي : بدون شك أمي معنا .


قلت لها : تعلمين شدة تمسك أمكِ بهذا البيت و مدى حبها له . لم يبقى لهذه المسكينة غير الذكريات فجميع أبناءها تلاشوا وخاصة ً الرجال .


قالت لي : إلى متى تضحين ؟!


قلت لها : لا تقولي ذلك ..أنا لست ضحية ولن أكون . هذه أمي و لو قالت لي : ضعي رأسكِ في الأرض ووطأته بقدمها لقبلتها .


ثم قالت لي : ماذا ستفعلين مع الأشرار ؟


ضحكت وقلت لها : لكل حادث حديث . ثم تركتها و ذهبت توضأت وصليت ركعتين " أبث فيها شكواي لله رب العالمين " .


و اتجهت إلى غرفة أمي و جلست أمازحها و ألاطفها .


ثم قالت لي : ما الذي توارينه يا أمل ؟ما الذي يغور في قاعكِ يا بئر ؟


قلت لها : لا شيء غير همي في كسب رضاكِ و برك .


قالت لي : الله يرضى عليك دنيا و آخرة .


قلت لها : بدعواتك هذه لن اهزم و لن اقهر .


ثم ارتميت بين أحضانها و نمت .


* و استمرينا على هكذا في وئام و هدوء . و استمريت في مراقبة الحدث اللعين في المؤامرة الجائرة حتى ظهرت بوادرها .


لقد أحضرت نجلاء أخت الطعم " منال " معها إلى بيتنا لتعرفها بنا أو بالأحرى تعرفها بي .


* عائلة " منال " طبقة أقل من كادحة ..عائلة فقيرة جداً .


و مع ذلك فيها من التكبر و التغطرس ما الله به عليم . و بصورة أدق ليسوا من مستوانا الاجتماعي والمادي .


لا مال ...لا جمال ..لا ثقافة ..لا تعليم ..لا شيء يوصف ليذكر .


كان اختيارهم للعريس محكم بضوابط واضحة الأثر و المعالم .


تكررت زيارات منال لنا بالطبع مع تكرار إيصال أخيها " سعد " لها . ليكون تواجده في الحي ليس غريب .


* حفرت الحفرة و لم يتبقى شيء سوى دفعي فيها .


و جاء اليوم المحتوم ..جاء اليوم الذي قالت فيه زهراء لأحمد : لقد أخبرتني منال برغبة أخيها سعد بالارتباط بأمل و الزواج منها .


صرخ أحمد وقال لها : كيف تجرؤ على مثل هذا القول ؟! إلا تعرف نحن من نكون .


قالت له زهراء : هدأ من روعك ..كل إنسان له حق ان يخطب في أي بيت ..و لأهل البيت الحق في القبول أو الرفض .


قال لها : اسكتِ ..قبحكِ الله ما أقبح قولك .


قالت له : ولكنه سيدفع المهر الذي تطلبون .


قال لها : اسكتِ و إلا فأنتِ طالق بالثلاث .


غضبت زهراء منه و طلبت إيصالها لذويها .


و بالفعل قام بإيصالها و مكث هناك لمدة يومين معها . ولم يأتي إلينا إلا و هو حامل بين أضلاعه الموافقة و القبول .


ليبدأ السؤال المعتاد لكل فتاة عن رأيها حول المتقدم لها ..حول الخطيب .


لقد تقدم أهل فلان ........لخطبتكِ لولدهم فلان .........فما رأيك ؟


و بين معمعة الأحداث و صراعها ...أقدم على هذه الخطوة أحمد و سألني خوفاً منه على إرغامي . إرغام فتاة يتيمة على الزواج بالإكراه .


كان مشهد لا ينسى فالكل مجتمع منتظر الرد . منتظرين ردي المتوقع بالرفض . ليقوم أحمد بضربي و إرضاء غرور زهراء و إشباع رغبتها بالانتصار .


و لكن حدث ما لم يكن بالحسبان و انقلبت الأحداث إلى أهوال بردي عليه : بالموافقة .


فطبع على وجهه زهراء صدمة قاتلة مما جعلها تعض أناملها و شفاها .



* والمسكينة أمي التي لم تجد ما تقوله غير : هل حقاً ستتزوجين هذا ؟!
* و إيمان التي تلف و تدور من حولي و تقول : أمل تتزوج هذا ! كيف ذلك ؟! ..و الناس و الجيران ماذا سيقولون ؟!
ثم قال لها أحمد : هذا ليس من شأنكِ و لا من شأن غيرك . هي حرة ومن حقها ان تختار .
* عاصفة هوجاء عصفت بنا في ذلك اليوم . لم أتحمل نظرة الحزن في عيني أمي فقلت لهم : أريد ان اذهب إلى بيت تهاني .
قالت لي أمي : لا تخبريها بشيء حتى تفكري جيداً .
ابتسمت وقلت لها : أمرك .
قالت لي : الله يحرصكِ و يحميك من شر كل حاسد .
خرجت لكي تهدأ العاصفة و لكنها خرجت معي . لأجد الجار عثمان و معه ابنه " حسين " يقفان أمامي ليقول كل منهما للآخر : مبارك عليك ...و لكنك أصبحت بلا نظر ..ألم تختار غير هذا ؟!
سكت منه وواصلت سيري و استمر هذا الحال في خروجي ودخولي حتى أقيمت حفلة الخطبة .
لتعلن إيمان لي بان افسخ الخطبة و تخيريني بينه و بين أخوتنا .
قلت لها : مادمت وضعتي الخيار و المقارنة فأنا لا أريدكِ و لا أريد أخوتك .
قالت لي : ترفضيني و ترفضي أخوتي من أجل هذا . ثم انفعلت و لم تتحكم في زمام لسانها لتقول : ما السر الذي جعلكِ توافقين ؟! أكيد هناك شيء خفي فيما بينكما .
ثار الدم في جسدي و أحسست بغليانه و فقدت أعصابي وقمت بضربها من كل حد وصوب . كنت أضربها بلا رحمة و أقول لها : ألست أنتِ من أخبرتني بهذه المؤامرة و اليوم تقولين أخفي سراً !
قاتلك الله و قاتل شيطانكِ المنصب في تفكيرك .
ثم اتصلت بزوجها ليسعفها إلى المستشفى . حضر فهد و بعد رؤية حالتها قال لي : أليس في قلبكِ رحمة ؟
قلت له : لا تزيد حرفاً واحداً معي .
قال لي : سأخذها و لن ترين وجهها بعد اليوم .
قلت له : فراقكم عيد .." شدت ما ردت " .
ثم حمل حقائبها و غادرا .
و بعد مغادرتهما خرجت للفناء و الغضب يمتلكني لأقوم بقلع الأشجار و الحفر في التراب و الرمال . ثم جاءت زهراء وقالت لي : حرام عليكِ ما فعلته بأختك .
التفت و نظرت لها بطرف عيني ثم عدت للحفر .
ثم قالت لي : منال أخت خطيبك " سعد " ستحضر اليوم لزيارتنا .
ضحكت و ضحكت حتى سأل الدمع من عيني .
قالت لي : ما الذي يضحككِ ؟!
قلت لها : منال هذه كل يوم محضرة .." مشرفة " عندنا .
قالت لي : و ماذا في هذا ؟! فهي تأتي مشتاقة لرؤيتكِ فجمالكِ يبهر .
قلت لها : كنت أريد تصديقكِ و لكن قلبي رفض لأنه يمقتكِ .
قالت لي : تمقتينني .!
قلت لها : لا و لكني أمازحكِ ..اسمعيني اذا حضرت منال أخت " عريس الغفلة سعيدان " استقبليها فوق في بيتكِ .
قالت لي : و لماذا ؟!
قلت لها : من أجل ان اخذ راحتي معها في الكلام ..و كما تعرفين هنا أمي لا تفارقني عندما تحضر فلا أعرف محادثتها .
قالت لي : هذا فقط ..من عيوني .
قلت لها : تسلم عيونكِ ..عيونك لها الكحل .
و قلت في نفسي " الله يفقعها ..عيون فأر حتى عيون الفأر أحلى بها لمعة و أوسع " .
ثم قالت لي : ما بكِ تنظرين إليَّ ؟!
قلت لها : سبحان الله عيونكِ ..عيونك جميلة فيها بريق ولمعان غريب .
قالت لي : كيف لمعان ؟!
قلت لها : تلمع ..!
ثم نفضت التراب من عليَّ و هي تتكلم و تسأل عن عيونها تركتها و دخلت لاغتسل و أنام .
و لكني لم استطع النوم من كثرة التفكير و انتظار حضور شفرة المؤامرة " منال " .
وعند اقتراب موعد حضورها خرجت انتظرها في الفناء . و بعد دقائق دخلت لتجدني أمامها .
قالت لي : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..كيف حالك ؟
قلت لها : و عليكم السلام ..بخير الحمد لله .
ثم قالت : ما بكِ حزينة ؟!
قلت لها : لست حزينة . . و لكني مللت من جلسة البيت . ما رأيكِ نذهب إلى بيتكم ؟ . فأنتِ لديكِ أخوات كثر ستكون جلسة رائعة .
قالت لي : و لكن أهلكِ لن يوافقوا .
قلت لها : بل على العكس . مادمت معكِ سيؤيدون .
قالت لي : انتظري سأتصل بـ " سعد " أو " أيمن " لكي يأتي و يأخذنا .
قلت لها : تفضلي و اتصلي من الداخل .
قالت لي : شكراً لك ..معي جوال سأتصل منه , وأنت ادخلي و هاتي عبايتكِ .
قلت في نفسي " على شدة الفقر الذي يعيشونه إلا الكماليات متوفرة لديهم ...دنيا "! .
دخلت و ناديت على " العنزة " زهراء وقلت لها : أنا سأذهب مع منال اذا سألت أمي أو أحمد أخبريهم ..لا تنسي يا حلوة العيون اللامعة .
و بالطبع كانت تسكت على ذلك و تقول انني عند تهاني .
و تكررت هذه العملية فكلما أردت الخروج اتصلت على منال .
* درست وضعهم جيداً , وعرفت بأن سعداً له علاقة بفتاة تدعى / أمنة . لقد كانت تحبه و مازالت .

و لقد كان بيت منال و أهلها في الشارع الثاني المقابل لبيت أهل عبد الله و كان لهم بابان . و كنت اخرج من الباب الثاني محاولة الحصول على عبد الله بحجة انني ازور بنت جيرانهم " سهام " .
وفي كل مرة تقابل بالفشل . لقد قال لي أخو عبد الله : " تزوجي سعد فأنه طيب " .
قلت في نفسي " أنت لا تعلم شيء و لا تدري انني في داخل دائرة تحيطها النيران "
و مع ذلك لم ايأس و استمريت في مواصلة البحث . حتى جاءت في يوم من الأيام أمنة عندنا في البيت لتقص قصتها و حبها لسعد . وقطعت لها على نفسي وعداً انها ستتزوجه و اتفقت معها عليه . اتفقنا على ان تنفذ جميع ما أقوله لها .
* و من جانب آخر لقد كانت زهراء سعيدة بكل هذا على اعتقاد منها انني سقطت في الحفرة و لم يبقى غير الردم .
كثفت ذهابي و إيابي على ان التقي ثانية واحدة بعبد الله و لكن دون جدوى . و في آخر محاولة التي كانت بعد فترة طرقت الباب و تنحيت في إحدى الزوايا فتح لي طفل صغير اسمر البشرة . ومن شدة الصدمة في عمق المفاجأة نظرت إلى الأعلى ثم إلى النخلة التي كانت في فناء بيت عبد الله وقلت في نفسي من أين سقطت هذه التمرة ؟! ثم سرت و تركته .
رجعت إلى بيت منال و الحزن يسكنني مات الأمل ..مات كل شيء و مت معهم .
و كان سعد في انتظاري فقال لي : أين ذهبتِ ؟!
قلت له : بيت سهام .
قال لي : أنتِ تكذبين .
قلت له : و أنت ما شأنك ؟!
قال لي : لماذا ذهبتِ إلى بيت فلان ..........اعترفي . لقد شاهدتكِ بنفسي .
نظرت له نظرة تعالي من خلف النقاب . وقلت في نفسي " واخذ في نفسه مقلب " .
لم يحتمل نظراتي وقام وصفعني و اخذ يصرخ و يبكي و تصرف كتصرفات المجانين .
قلت له : أقسم بالله ان رفعت يدك مرة أخرى كسرتها لك .
و بعدها حملت نفسي وعدت إلى البيت سيراً على الاقدام . وقتها عرفت معنى المرارة و أخذت ابكي و ابكي دون ان اشعر بمن حولي وانني في الشارع . و قبل وصولي إلى البيت جففت دمعي .
دخلت غرفتي جلست أضحك ضحكة هسترية ضحكة مجنونة في ظلام حالك وفجأة سقط الدمع فسألت نفسي و أنا أتذكر رسمك ..أتذكر كلماتك ..هل مت ؟!
هل مات النبض فمات الحب ؟!
أين أنت مني اليوم ؟َ!
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني لنفسي طرفة عين ..يا رب أرحمني .
و من شدة معاناتي المستمرة و عذابي الذي لا ينقطع قررت الانتقام من كل من أساء لي زوراً وبهتان .
ابتدأت بالجيران كنت أنتظر إلى بعد زواج البنت المقصود استهدفها . و أذهب للأم حاملة أسلحة الدمار لتدميرها و سحقها .
كنت أشاهد نظرات الانكسار في أسلوب العطف و الاسترحام و لكن دون جدوى . كنت أقول للأم لن أرحمكم اليوم و أنتم على باطل , لأنكم لم ترحموني و أنا على حق .
فترد عليَّ : يا ابنتي ..ارحمينا ..دعي ابنتي تعيش و لا تحطمي مستقبلها . لو علم زوجها سوف يطلقها . ثم تنحني وتقبل يديَّ و قدميَّ .
كنت استلذ و استمتع بهذا العذاب . و عشت فترة زمنية أعيش الظلم و الجبروت . وهكذا أصبحت حياتي الجديدة .
و في تلك الفترة جاءت أمنة من أجل موضوعها مع " سعد " . اتفقت معها على التالي :
بان تعيد ذكريات الماضي معه . و تعاود عليه الاتصال دون ان تتحدث معه بحرف واحد وان تفتح له الاشعار التي كان يحبها سابقاً . و طبعاً رقمها سوف يظهر لديه . و في نفس اللحظة اتصل أنا و ابدأ بمشاكل الشك والغيرة حتى يمل مني و من اتصالي .
ثم سألتني : هل هذه الطريقة ينتج منها فائدة أو نتيجة ؟! قلت لها : توكلي على الله تعالى .
و اذا اتصل عليكِ و حاول محادثكيِ رد عليه بلطف و لا تصديه . ..كوني رقيقة و عاقلة .
جلسنا على هذا الحال لمدة من الزمن معقولة تقريباً شهر حتى دبت المشاكل و تفاقمت و تحقق فيها الهدف .

* طويت صفحة " سعد " و أرسلتها لأمنة مع نصيحة و تحذير في آخرها ..
لقد حصلتِ على ما تريدين , و لكن لكي ابرأ ذمتي اتجاهكِ نتيجة حسن ظنكِ بي في طلب المساعدة ..أعلمي بأن " سعد " ليس الرجل الذي يعتمد عليه و لا حلم لأي فتاة . و أنتِ لك حرية الاختيار و القرار . " اللهم بلغت اللهم فأشهد " .
لم تكن أمنة تخفي عني شيئاً . فلقد كانت توافيني بأخبارها خطوة بخطوة حتى أقدم " سعد " على خطبتها و تحديد موعد إتمام الزفاف . و لشدة فرحتها تطلب مني الحضور متناسية بأن وجودي قد يفسد كل شيء و يعيده .
قمت بالتهاني و التبريكات وقلت لها : دعي ما حدث سراً بيننا في الوصل أو في البعد . ثم بترت علاقتي بها إلى الأبد .
* ولكن لم تسكت زهراء و الجار عثمان على هذا الوضع . و قاما برسم خطة التشكيك و التجريح . زهراء من داخل البيت و الجار عثمان من الخارج لتكون عملية التنفيذ كالآتي :
كانت زهراء تشكك فيَّ عند أخي أحمد و لا أعلم ماذا تقول له بالتحديد . و لكني كنت اشتف و استنتج من تصرفاته و نظراته لتعلن رفض وقص أخوتي له . حتى جاء اليوم الذي قالها صريحة : أنتِ محرمة عليَّ في حياتي و مماتي إلى يوم الدين .
كنت أتمنى أن يصدق معي القول ويخبرني بما تقول لأرد عليها و أردعها . ولكن للأسف سار حذوها .
* تجرعت كأس المرارة و شربته بغصاته حتى أعلنت كسره .
كنت اروح عن نفسي بإطلاق آهاتي عند صديقتي و أختي التي لم تلدها أمي " تهاني " . لتعرض عليَّ ذات يوم الالتزام بقولها : أنتِ فيك خير كثير . محافظة على صلواتك و قول الأذكار و عباتك على الرأس لا ينقصك شيء غير شيء بسيط وهو لبس القفاز و الجوارب .
* أخذتني الحمية و الغيرة وقلت لها : أنا ملتزمة و كانت كلمة لم أكن اقصد معناها .
و أصبحت كثيرة الذهاب إلى بيت تهاني مما أعطى الجار عثمان مساحة أوسع لمزاولة هجومه لانكساري .
قبل لبس القفاز و الجوارب كان يجمع من الأهل و الأصدقاء ومن هم على شاكلته ليقولون لبعضهم البعض : يا أخي لقد تركه ..ماذا يريد به ..ثم يغنون ........أزعل ...............أحسن عمرك ما رضيت ..و الكثير ..الكثير .
وبعد لبس القفاز و الجوارب يقولون : لقد أصبح مطوع ..اسلم ..كان الجرح يتسع في أعماقي لأنهم يهاجموني في ديني ..أحببت الالتزام ففيه عرفت معنى حب الله لي وحبي له . حتى وددت الجهاد إلى ان قالت لي إحدى الأخوات الداعيات : ليس كل شيء عبادة فالعلم أولاً . العلم في أمور الدين . لأنه قد ينتكس الإنسان أو يفتر في عبادته و لكن عندما يكون متعلم يرجعه عقله .
و بالفعل أخذت النصيحة سلاح و بدأ الهدوء يسكنني وأسكنه . و كنت أسكت وأقول : حسبي الله و نعم الوكيل .
* و استمرت المعركة المثلثية الثلاثية الأضلاع التي تدور بيني و بين زهراء و الجار عثمان .
إلى ان قررت في يوم أن أنزع القفاز و الجوارب . وبالفعل قمت بهذه الخطوة الجريئة مع مراعاة أمور ديني و المحافظة عليها . فكانت ردت الفعل من الجار عثمان و الذين معه غير السخرية اللاذعة و فرحة لا يضاهيها فرحة .
اعتقاداً منهم أنها الانتكاسة و انتظارهم لما بعدها . و لكن الذي حدث بعد ذلك لم يكن ليسرهم . لقد كثر عدد الخطاب مع اختلاف مراكزهم و أوضاعهم الاجتماعية . كنت أوافق في ذات الليلة لأقهر زهراء و أكذب أقوالها الباطلة وفي الصباح أرفض طبعاً بعد صلاة الاستخارة .
لقد كان بعض الخطاب من شلة أصدقاء نجلاء . لأنهم لم يجدوا حلاً معي أو طريق اليَّ غير الزواج . و البعض الآخر من معرفتي لأهلهم .
* واستمر الحال إلى فترة أصبحت لا أعي فيها شيء . هذه الفترة قامت بقصها عليَّ صديقتي تهاني وقالت : لقد تغيرتِ بالكلية في تصرفاتكِ و معاملتك للآخرين . كنتِ شديدة العصبية لا تقبلين من أحد كلمة واحدة صغيراً كان أم كبيراً . و لم نستطع السيطرة عليكِ إلا من خلال القران .
قلت لها : القران !
قالت لي : أجل القران . لقد كنا نجتمع في بيتكم للقراءة عليكِ بالاتفاق مع أمكِ . لأنكِ لم تعودي تحضرين ، و ان حضرتي قليلاً تهربين .
و في يوم شاءت الأقدار ان تكتشف الأمور ويظهر المستور . و في هذا اليوم كثفنا عليكِ القراءة و كالمعتاد بدأتِ بالنعاس والتمايل استعداداً منكِ للهرب. و لكن هذه المرة لم تستطيعي لأننا قمنا بربطكِ قبل القراءة .
وبعد سنة من المعاناة في الصمت الشديد نطق واعترف الجني المسلط عليك بكل شيء . لقد قال أهوال و ليس أحاديث و أقوال .
قال : الذي سلطه و أرسله الساحر فلان ........الذي يسكن في ................. و السحر من " أم زهراء زوجة أخيك " وهو مدفون في الفناء عند المكان الذي تجلسين به دائماً ..مكان الأشجار .
سألناه : عن سبب السحر .
قال : إن زهراء تكرهها و تكرهه جميع أهل البيت وأن زواجها بأخيها من أجل المال .
قلنا له : لماذا تكرهها ؟!
قال : لأنها لم تنصاع لما تريد منها حتى تحقق مأربها في بيع البيت ..و سكت .
ثم واصلنا القراءة .
حتى قال : إني أحبها .................
قلت له : كيف تحبها ؟! و أنت جعلتها تهيم على وجهها في الشوارع و سببت لها الأذى الكثير ..جعلت سمعتها على لسان الناس .
قال : حتى تكون لي وحدي و أتزوجها .
قلت له : تتزوجها ؟! كيف و أنت مخلوق من نار وهي من طين .
ثم كثفنا و واصلنا القراءة و عرضنا عليه الإسلام .
في البداية لم يوافق ان يعتنق الإسلام لأنه كان يخشى الساحر .
فقلت له : يا عبد الساحر . و مع المحاولات و تذكيره بالله تعالى و ان الجزاء في الآخرة .
حتى نطق وقال : سأسلم .
قلت له : أسلم وقول الشهادتين ..قل : اشهدوا ان لا اله الا الله و اشهدوا ان محمد رسول الله .
ثم اسلم وقال : اشهدوا ان لا اله الا الله و اشهدوا ان محمد رسول الله
قلنا بعده : لا اله الا الله ..الله اكبر ..الله اكبر .
ثم خرج من جسدكِ بكل هدوء معاهداً لنا بعدم الرجعة . و ذهبنا لمكان السحر وقمنا بالحفر و أخرجناه ثم وضعناه في ماء مقرئ و سدر لابطال مفعوله بإذن الله .
نظرت لها وكان رأسي يترنح من شدة هول ما تقول . وقلت لها : ماذا وجدتم ؟!
ابتسمت لي و ضغطت على شفتيها مع تحريك رأسها بالرفض . بأنها لا تود ان تقول .
كررت سؤالي : ماذا وجدتم ؟
قالت لي : مصره ؟
قلت لها : أجل ..فوق ما تتصورين .
قالت لي : وجدنا أوراق مدفونة مختلفة في الشكل و المضمون . منها على هيئة عقد مكونة من ورقتين طوليتين .
الورقة الثانية : عادية مكتوب فيها سورة الفاتحة مع التحريف ........." الحمد لله رب العاملين و ليس العالمين " . استغفر الله العظيم و أتوب إليه .
و الثالثة : مكتوبة بالمقلوب و العكس .



و الرابعة : عبارة عن اشكال و رسومات مثل رسمة للثعبان مع شكل شبكة موزع عليها أحرف معينة من أحرف الهجاء و أرقام . و العقرب ..خاتم ..." أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و مما يصنعون " .
* ثم نهضت قبل ان تنهي كلامها .
فقالت لي : إلى أين تذهبين ؟!
قلت لها : إلى رأس الحية " زهراء " ألقنها درساً طيلة عمرها لن تنساه .
قالت لي : تمهلي و اجلسي ..فهي ليست هنا .
قلت لها بصوت عالي و حاد في انفعالي : أين هي تلك اللعينة ؟!
قالت لي : أخفضي من صوتكِ ..فبيتكم يعج بالنسوة .
فلت لها : نسوة ! لماذا ؟!
قالت لي : أنتِ إنسانة مؤمنة و شخصيتكِ قوية . وهذه الدنيا دار فناء و كلنا زائلون .
قلت لها : ما المصيبة التي توارين ؟!
قالت لي : والله ..صدق ربي سبحانه عندما اسماها مصيبة .
قلت لها : لا تلعبين بأعصابي و أخبريني بسرعة .
قالت لي : أخوكِ " أمجد " يرحمه الله .
قلت لها : أمجد مات !
قالت لي : كلنا لها .
قلت لها : متى حدث ذلك ؟ و كيف لم أشعر بشيء ؟!
قالت لي : لقد وجدته أمكِ جاثي على الأرض في غرفته . في ذات اللحظة التي كتب الله لكِ و مّن عليكِ بالشفاء .
سقطت على الأرض وقلت لها : واحد يرحل و الآخر يولد .
قسماً بربي لأجعلكِ يا زهراء الف و فوق رأسه همزة .
قالت لي تهاني : استغفري ربكِ فالموت حق .
قلت : استغفر الله العظيم .
قالت لي : وبالنسبة لزهراء فقد أخذت جزاءها . و جنت الشر الذي زرعته لينقلب السحر على الساحر .
قلت لها : لم أفهمكِ ..فسري لي أكثر .
قالت لي : من كثرة قراءة القران . لقد كان الجني المسلط عليكِ عندما يستحضر يضرب في زهراء بشكل غير طبيعي . و كانت هي تخاف منه و لا تستطيع الإفصاح فتقول أنكِ : مجنونة .
حتى في يوم أخذكِ أخوكِ " زوجها " إلى مستشفى الطب النفسي " المصحة النفسية " . وقالوا له : انكِ مريضة نفسياً و لديكِ ازدواجية في الشخصية . و كلام طبي يطول قوله و لا أعرف تفسيره .
قلت لها : يعني الآن أنا مجنونة . و ان قمت بقتلها ليس لأهلها حق ولا باطل عندي .
قالت لي : استغفري و قولي الحمد لله . و لا تجازين احداً بعمله . دعيه وحده سبحانه المقتص العادل لكل مظلوم ..سبحانه و تعالى .
قلت : أستغفرك ربي و أتوب إليك ...اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك .
و عدت لحالتي الطبيعية في الحياة الجديدة ناسية و متناسية جميع الآلام و الآهات . حياة في حب الله تعالى ومع الله بالرفقة الطيبة " تهاني " و بقية الأخوات .
* حياة جميلة صافية كصفاء السماء مليئة بالخيرات . بها القمر لإنارة الطريق , و بها الليل ليكون لنا ستار وسكون و لباس للكون . و المطر وما ينتج عنه من نعم ..استجابة دعاء ..نبات و ثمار للطعام و الزينة ..طبيعة خلابة ..سبحانك ربي ما أجملك و ما أجمل خلقك .
* تحملت مسؤولية أمي وذاتي في جميع الأمور . و كافحت من أجل ان أقول هاأنا مازلت موجودة في الوجود .
وبعد عدة سنوات على هذا الحال ما بين الرحيل و الترحال . رحيل إلى الذات و الأعماق مع ترحال الصمود أمام قسوة و تغيرات الأنام . ...وجدت ضالتي ( وجدت عبد الله ) .
لقد شاهدته بالصدفة في احدى الأسواق . لقد كنت على الرصيف وكان هو على الرصيف الآخر و يفصل بيننا شارع " سكة " . حاولت عبر الشارع في " سرعة البرق " في أسرع وقت ممكن لمحادثته و الاطمئنان عليه . و أول ما وطأت قدمي على الرصيف الثاني اذا بامرأة تنزل من سيارته و تحط قدمها على ذات الرصيف الموجود هو به . تنحيت عنه و تجاوزته لمواصلة طريقي .
وفي اثناء سيري بدأت احدث نفسي و أقول : ما الذي جعلني أفكر مجرد تفكير في إيقافه و السؤال عنه و عن حاله ؟!
حتى وصلت إلى البيت فقلت : ما هذا الهراء الذي تقولينه و تفعلينه ...أنسيه .
* وبعد شهور في ذات السنة وجدته و أيضا لم استطع محادثته غير هذه المرة أختلف الأمر . فلقد قابلت عيناي عينيه بحديث صامت مني و لا أعتقد بأنه عرفني . إلا انني شعرت بالسعادة بنظرته التي عانقت الهدب و العيون .
* وبعد أشهر وجدته وحيداً في احدى المحلات كان قريباً مني لم استطع محادثته خجلاً منه . ثم نظرت إليه رفعت الغطاء عن عيني وقلت بهما وبحركة شفاتي ..تمتمت بـاسمه " عبد الله " .
نظر إليَّ بصمت فيه تساؤلات و استنكارات . ثم بدأت اسأله كيف حالك ..و كيف حال أهلك ..و سألت عنهم بالاسم فرداً ..فرداً حتى عن زوجته . دون ان اشعر بما أقول .
كان يرد عليَّ : الحمد لله كلهم طيبين .
ثم قلت له : مع السلامة .
قال لي : انتظري ..أوصلك للمنزل .
قلت له : لا ..شكراً .
قال لي : معكِ جوال .
قلت له : الآن لا ..هو في البيت موجود .
قال لي : ( أمل ) ..و كتب رقمه لي وقال اتصلي بي .
أخذت الرقم و لا أعرف كيف أخذته .
و أول وصولي للبيت اتصلت . و تحدثت معه الساعات في مكالمات عن حياتنا الماضية و إعادة الذكريات البريئة .
حتى عرفت انه لم يكن يعلم بتفاصيل سؤالي عنه في الماضي فلم يكن يخبره أخوه .
و فجأة و في عذب الكلام صارحني برغبته في الزواج مني .
قلت له : ما الذي جعلك تفكر في هذا ؟!
قال لي : و كيف تريديني ان أفكر ؟ من زمان و أنا أتمناكِ لي .
أنتِ فرحة عمري , و أنتِ نبض الروح .
لم أظن ان يحصل مثل هذا . لقد كان تفكيري منصب في الاطمئنان عليه فقط .
تطورت الأحداث و رجع الحب كما كان بل أكثر من السابق . تناسيت كل شيء مؤلم و جارح . . نسيت حتى كونه متزوج .
مقابل ذلك لم يكن يمنعني من الاتصال به أو إرسال الرسائل في أي وقت . لم يجرحني بالحديث عن زوجته قط لا من قريب و لا من بعيد . بالرغم انني أقرب من ذاته لذاتي .
كان يحكي لي كل شيء . يحكي كل الذي يضايقه و أغلب كلامه بعيونه . كنت أحس بان الحزن الذي يسكنه هو أنا . لذلك كان من السهل لي معرفة ما يواريه عني خوفاً على شعوري .." أحبه " .
لقد كان لا يفارقني باتصاله حتى في يوم حصل له ظرف طارئ فلم يتصل ولم يرد عليَّ اتصالي . فقمت و أرسلت له الرسائل الاستفزازية التالية :
1ـ أحسست أنك لا تريد رؤيتي فرحلت من حيث أتيت ..سأحتفظ بكرامتي و أنت بغيابك .

الــولــيــد
06-05-2010, 09:56 PM
قالت لي : هذا كله بسبب هذا المسن المغفل .
قلت لها : من ..و ما قصته ؟!
قالت لي : انه رجل متزوج في سن والدي أو أقل بقليل . يقول انه يحبني .
قلت لها : هل يريد ان يتزوجكِ ؟!
قالت لي : أتزوجه ؟! ماذا افعل به ؟! أتريدني ان ادفن شبابي معه ؟!.
قلت لها : و ما الذي تريدينه منه ؟!
قالت لي : وظيفة ـ مال ـ هدايا .
قلت لها : وهو ؟!
قالت لي : هو. الله يحفظه لزوجته و اولاده .
ثم قالت دعينا نتفق .
قلت لها : في ماذا ؟!
قالت لي : انا سأخبركِ بكل شيء و لكني ساعديني .
قلت لها : قولي ..و ان كنت اقدر فسأقوم بما في وسعي .
قالت لي : الآن سأتصل عليه و أنت اسمعي ساكتة .
نظرت لها و سكت .
اتصلت و تكلمت معه ثم بدأ يحذرها مني . و يخبرها بتفاصيل الخطة و سير المؤامرة و طلب منها ان تسكت حتى انتهاء المهمة .
أشارت إليها و قلت لها : لماذا ؟! فأنا لم افعل له شيء .
قالت لي : ألم اقل لك بأنه مغفل .
قلت لها : أقسم بالله ليس لي يد في موضوع صندوقكِ .
ثم أخبرتني بكل شيء و طلبت مني التزام الصمت حتى حضر من المنطقة ................... المرء الذي تحبه لخطبتها .
هذا المرء الذي كان المسن ينصحها بعدم الارتباط و الزواج به لأنه يتعاطى المخدرات " الحشيش " . و الغريب إنها تقول : ينصحني و لا ينصح نفسه .
قلت لها : ينصح نفسه في ماذا ؟!
قالت لي : هو يعتقد النساء مغفلات و لا يعلمن شيء عن الرجال .
تدرين بان هذا الناصح يتعاطي المسكر ..يشرب حتى الثمالة .." يكسر القارورة من النصف " .
قلت لها : كيف علمتِ ؟!
قالت لي : لا تنسي انني كنت أعيش في المنطقة ..........وهي منطقة منفتحة و علاقاتي كثر فمن السهل عليَّ كشف مثل هذا .
قلت لها : أعوذ بالله ..ثم سألتها : هل سبق لكِ ان تعاطيتِ شيء ؟!
ضحكت وقالت لي : وهل أنا مجنونة ؟!
و استمر الكلام حتى غادرت إلى دارها .
وقفت وقفة عظيمة مع كلامها وقوة أسلوبها في الإقناع و سألت نفسي :
1ـ كيف استطاعت الضحك على خمسة في ذات المكان ؟!
2ـ كيف استطاعت الضحك على رجل متزوج و عمره في الخمسين وله علاقات غير شرعية .." علاقات محرمة " و لم يستطيع كشفها ؟!
3ـ محاولته للاضرار بي عن طريق وضع طعم لي وهو صديقه" كفخ لايقاع بي " .
4ـ كيف تجرأ على مثل هذا التفكير الدنيء ..كيف نسي خوف الله لينتقم من فتاة لم تقترف في حقه شيء . فتاة يتيمة . متناسين قوله تعالى : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) .

* ودارت الأيام و السنوات و أصبحت نجلاء أم طفلين ، و لكنها لم تقطع زيارتها لنا . فكلما نزلت من تلك المنطقة وجاءت لزيارة أهلها زارتنا .و مازال ذلك المسن تعرفه كاسبير لوقت الحاجة .
حتى في سنة من السنوات لم تقبل بالعودة مع زوجها لترغمه بعد ذلك على النقل و السكن معها في بيت أهلها . و بعد أشهر بدأت حالته الصحية في تدهور ملحوظ لجميع الناس . لقد أصبح كأخي امجد . لتطلق عليه زوجته مسمى مجنون .
والسبب في هذا الجنون كثرة التعاطي ..ليحق لها بعد ذلك الطلاق و الانفصال . و اخراج الاسبير المخزن للاستفادة منه. لقد حان موعده . لم تكن تخفي عني شيء عنه . حتى في يوم من الأيام أخبرتني بان ابنه تعرض لمحاولة اغتصاب ..تحرش جنسي .
قلت لها : لا اله الا الله .
ثم قالت لي : لقد هاج هو و أهله على الذين حاولوا مجرد محاولة على الإساءة لولده .
نظرت لها نظرة استغراب وقلت لها : لماذا تضحكين ؟!
قالت لي : و ماذا تريديني ان أفعل ؟! . اذا كان الأب فاسد ..فاسق ..( الله يمهل و لا يهمل ) .
ثم انفجرت تضحك و تضحك .
قلت لها : هل أنتِ مجنونة ؟!
قالت لي : المضحك انه التزم ثم انتكس ورجع أسوء من الأول .
قلت لها : أعوذ بالله منكِ ..الله لا ولاكِ على مسلم .
ثم وقفت وقالت لي : الحياة علمتني ان أعيش مع القذارة ..ان اسكت وابتسم من أجل ان اخذ المال و أدوس على كل شيء وأولهم قلبي .

*و ما بين مغامرات نجلاء و محاولاتهم في إيقاعي و سعي في العثور على عبد الله . تحدث أحداث غريبة ..قاتلة خالية من الضمير و الإنسانية لتغيرني و تقلب مساري رأساً على عقب .

من الاحداث الغريبة القاتلة ............
* تعطلت سيارة أحمد ليجد ابن الجار عثمان " حسين " ليساعده في محاولة اصلاح السيارة و لكن دون فائدة ..ثم عرض حسين على أحمد إيصاله . فشكره و ركب معه . لقد كنت اسمعهما و في انتظار مغادرتهما لأستطيع التحرك إلى أحد بيوت الجيران .. ولكن المشهد حفظ في الذاكرة ..مشهد قاتل لكل قلب مسلم .
في اثناء تحركهما كنت أقف على البوابة أول خطوة مع التفاتي إذا بالجار عثمان متجه إلى الباب ليتلعثم و لا يعلم ماذا يقول ..غير سؤاله عن أحمد .
أحمد الذي يركب مع حسين ابنه ...الذي لم يتجاوز الشارع بعد . نظرت في وجهه و احتقرته و قلت في نفسي " خيانة " . ثم ذهبت إلى بيت الجيران و لم أكن مرتاحة البال فعدت بعد دقائق إلى المنزل . و عاد بعدي أحمد بلحظات ليطلب من أمي المال .
فردت عليه : لم يبقى معي شيء لأعطيك إياه .
وقال لها : هذا ليس من شأني .. أعطيني نقوداً أو اجعليني أبيع البيت و اخذ نصيبي من الميراث .
قالت له : البيت لن يباع مادمت على قيد الحياة . هذا البيت الذي بنيته مع أبوك طوبة ..طوبة ..
قال لها : بنتيه ..بنتيه ..
كلمة منه و كلمة منها إلى ان قالت له : أنت أصبحت بلا رأي ..رأيك و شورك برأي امرأتك .
* وهنا بدأ هو و بدأت أنا ...
قال لي : لو كان فيك خيراً كان خيرك لنفسك .
قلت له : فيَّ الف خير و أحسن من زوجتك .
قال لي : ما تقصدين ؟! من الذي يسب زوجتي ؟!
قلت له : لا أحد يسبها و لا أحد يطيقها . زوجتك المصون تقول : بان لديك عاهة و لا تستطيع الإنجاب من يوم الحادث .
قال لي : أنا ! .. و كيف هي اليوم حامل ؟!
قلت له : انتظر نتفاهم .
تحرك مسرعاً و هو يسب و يلعن . و قال لي : أقلبي وجهكِ . وخرج .
ثم قالت لي أمي : لماذا قلتِ ذلك ..لماذا جرحتيه ؟!
قلت لها : ينجرح أو حتى يموت . فالموت أشرف لمن في حالاته ....نساء استغفلوا جميع الرجال و الرجال يصدقون ..أليس الرجال قوامين على النساء بما فضل الله .
أين نحن نعيش ؟! هل نحن في غابة ؟! الجار يخون جاره ...أليسوا مسلمين ؟! ألم يشهدوا أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله .
قالت لي أمي : يا ابنتي انني أخاف عليكِ ..أخاف انهم يحقدون ؟!
قلت لها : قسماً بربي لأجعلنهم تحت أقدامي خاضعون .
قالت لي : لا تفعليها من أجلي .
قلت لها : سأحرق الأخضر و اليابس ..و أنت لا شأن لكِ بي بعد اليوم ..انتبهي لنفسكِ .
ثم أخذ أحمد زهراء لبيت أهلها و هناك أدت القسم ثم اتصلت و تكلمت لتدافع عن نفسها بألفاظ لا تقولها امرأة عاقلة ..متزوجة لبنت شابة وليست متزوجة . و كنت أعلم بان أحمد يسترق السمع من السماعة الثانية .
قلت لها : هذا ليس من شأني ..و ما قلته إلا الحقيقة . و المفروض هو أقرب إنسان لك يكون فاهمكِ , و لكنه مغفل .. أتسمعني يا أحمد أعلم انك على الخط وقفلت السماعة في وجهها .
* وبعد إغلاق السماعة حضر المسكون أمجد و جنيته لتقوم بتصرفاتها المعتادة . و لكن في هذه المرة لم اخف و لم أهرب .
قلت له و لها : ان حاولت اعتراض طريقي أو لحاقي فسأقتلك .
و لكن تلك الجنية العاصية ..الفاسدة لم تأبه بتهديدي وكانت تظن أنه مجرد هراء .
*و بدأت المعركة بالألسن ثم الأيادي إلى ان أمسكت قطعة حديده و أحدثت في رأس أمجد جرحاً غائراً . و في هذه اللحظة دخل أحمد ليفصل بيننا و يضربني . لقد وجدها فرصة للانتقام مني .
أخذ أحمد أمجد للمستشفى ليعود به بتسع غرز .
ثم قال لأمي : لقد طلقت زهراء .
قالت له أمي : كيف عدت من هناك بهذه السرعة ؟!
قال لها : لم أذهب بعد . لقد اتصلت بكم من بيت الجار عثمان , وزهراء هناك عند زوجته شيخة و سأخرج الآن لإيصالها لأهلها . و أمجد سوف ينام للصباح نتيجة الإبرة المنومة .
قلت في نفسي " نومة أهل الكهف " .
خرج أحمد ثم ارتديت عبايتي و خرجت بعده .
قلت في نفسي لعليَّ أجد اليوم عبد الله ..فلقد اختلف موعد خروجي عن السابق .
و في اثناء سيري على الرصيف اقتربت مني سيارة فاذا بسائقها يطلق عبارات الغزل . وكانت بيدي قنينة ماء باردة و لم أشرب منها بعد . التفت إليه و رميتها في وجهه . أوقف سيارته و فتح الباب يريد النزول لضربي .
قلت له : انزل ..أرني رجولتك فاليوم يا أما قاتل أو مقتول .
بدأ يسب . قلت له : هل هذا شارع أمك لتمنعني من العبور ؟! ـ و ان عدت و سببت سأجعل حذائي ينظف أسنانك بدون معجون . و صرخت بصوت عالي وقلت له : اغرب عن وجهي فمثلك لا يعد رجلاً في قائمة الرجال .
ثم شغل سيارته و ذهب . وواصلت إلى ان وصلت بيت عبد الله طرقت الباب خرج لي أخوه . سألت عنه . قال لي : لم يعد يأتي لزيارتنا من زمن .
قلت له : أخبره انني أريده في أمر هام .
قال لي : بصراحة أنسيه فهو الآن متزوج وهو يحب زوجته . . أنسيه .
عدت حاملة وصيته لي بالبعد و النسيان . و عند اقترابي من بيتنا قلت في نفسي " أذهب للسوبر ماركت لاشتري بعض الاغراض " ..كنت أحس بمن يراقبني و يتتبع خطواتي . سرت بهدوء و غيرت اتجاهي لأكتشف من الذي يلحقني و ما السبب في لحاقي ؟!
فتواريت خلف جدار مبنى كبير . فاذا هما اثنان من أولاد الجيران الصغار .
بعد اكتشافي لهما ظهرت للأنظار و عبرت الشارع ووقفت على الرصيف ثم ناديتهما فحضرا يركضان . سألتهما و قلت : لماذا تلحقاني ؟!
الاول سكت و الآخر نكر ..فما كان جزاء النكران عندي إلا ان صفعته أمام الملأ حتى سأل الدمع . و مسكته بيده إلى بيته و أخبرت أهله و قاموا بتوبيخه . و ذهبت إلى بيت أهل الثاني وقبل ان اطرق الباب . أخذ يقبل يدي و يقول لي : أنا أخوكِ الصغير ..سأخبركِ بالحقيقة و لكن لا تشتكي لوالدي .
قلت له : قل .
قال اللذين أرسلنا هما ياسر أبن ............. وأنور .................. وقالا لنا : نلحق بكِ و سوف يعطينا نقود .
سألته : ما السبب ؟!
قال : لا أعلم .
قلت له : ستنطق و الا ضربتك .
قال لي : والله لا أعلم ..و لكن الذي قالاه ..بأنكِ أميرة لا تعطين وجه لأحد .
قلت له : سأعطيك نقود أنت وصاحبك بشرط ان تنفذا ما أقوله لكما .
قال لي : من عيوني ..أنتِ تاج على رأسي و أخدمك بدون مال .
قلت له : اجمع لي اخباراً عنهما ووافيني في أي وقت .



اتفقنا ثم عدت إلى البيت لأجد أمامي ذلك الشاب الذي يساعدني بالا شرطه و الصور حاملاً ظرفاً جديداً . وقام برميه أمام الباب . قلت له : توقف ...
قال لي : أرجوك لا تسألين من أكون ؟
قلت له : ومن قال لك بأنني سأسألك من أنت ؟
قال لي : أنا تحت أمرك الآن فيما تريدين .
قلت له : يا أخي في الله ..أكمل معروفك معي و أعطيني معلومات كاملة عن الذي يدور في الأشرطة وما مناسبات الصور .
قال لي : لم أفهمكِ . وضحي أكثر ..وضحي ما تقولين .
قلت له : أريد تواريخ و أيام لكل شريط و الساعة . و متى تم تصوير الصور و أين ؟ . أحتاج منك تقارير .
قال لي : أنا أعطيك الأشرطة و الصور لحماية نفسك من غدر الزمن .
قلت له : الزمن لا يغدر احد , و لكنهم أصحاب القلوب المريضة ..الضعيفة هم الذين يغدرون . و اذا كنت صادقاً معي في حماية نفسي أعد لي التقارير و لا تنسى الإكثار من النسخ .
قال لي : سأقدم لك التقارير في أسرع وقت .
قلت له : الله يحفظك و يستر عرضك . ثم غادر و تركني مع الظرف الجديد .
* دخلت إلى غرفتي و يدي على قلبي خوفاً من المفاجأات و الصدمات . ثم فتحت الظرف لأفتح معه جلسة الاستماع . و أخذت من كل شريط جزئية . " من كل بحر قطره " . كوكتيل من الأسرار الأسرية و المشاكل العائلية و الضحك والبكاء و النكت و السب و الغزل بدرجاته و أنواعه .
_عائشة بنت الجيران أسمها المستعار سوسن . أفلام كرتون .." سوسن أنت يا روحي تعالي ..سوسن " .
_نجلاء صديقة زهراء اسمها المستعار في هذا الشريط انهار .." انهار ـ أودية ـ سيول " و الكثير ..الكثير و على الدنيا السلام . و بعد رحلة الإنصات و الاستماع أصدرت قراراً حاسماً و قطعي بان اشغل المكينة ..الجمجمة في جميع أمور حياتي .
* و أول نتيجة كانت لذلك القرار بان أحفظ جميع الأدلة بعيداً عن البيت . ان ابحث عن مكان امن . و لقد فكرت و توصلت إلى حل و أطلقت عليه مسمى الأرشيف .
رتبت أفكاري ووضعت خططي ثم نمت .
وفي الصباح الباكر نهضت ثم اغتسلت وصليت الفجر و بعدها أعددت الإفطار لي ولأمي و جلست أتحدث معها إلى أن قالت لي : لقد عاد أحمد متأخراً و أخذ مفتاح شقة أمجد لتأجيرها و الاستفادة منها . و أنتِ تعلمين ان راتب ابوكِ الله يرحمه و يغفر له لم يعد يكفينا .
قلت لها : لم يعد يكفينا نحن ! . قولي : لم يعد يكفي زهراء و أهلها .
المهم أفعلوا ما تريدون دون اخباري بشيء .
قالت لي أمي : يا ابنتي هذه هي الحياة و البيوت لا تخلو من المشاكل .
قلت لها : أنتِ مسكينة .
ثم قالت لي : نسيت أخبركِ لقد أعاد أحمد زهراء .
قلت لها : كيف ؟! بالأمس طلقها و بالأمس أرجعها !.
قالت لي : لقد كان في حالة غضب و احتسب الطلاق على انه طلقة واحدة .
قلت لها : الله يرسل لها بطلقة رصاصة تخترق رأسها و تأخذ عمرها .
قالت لي أمي : حرام عليكِ ..أدعي لأخيك المسلم بخير ..قولي : الله يهديها .
قلت في نفسي " هذه ماذا أقول لها " ؟!
قلت لها : يهدي الجميع .
انتظرت معها حتى اقتربت الساعة من موعد فتح الأسواق . ثم قلت لها : سأذهب للمستوصف و سأعود سريعاً .
قالت لي : سأتى معكِ ؟
قلت لها : أين تأتي معي و أثرت مشكلة و خرجت .
اتجهت إلى محلات الخشب و الالمومنيوم و طلبت منه ان يصنع لي صندوق قوي بمواصفات معينة على ان يكون جاهزاً في خلال يومين على الأكثر ثم أعطيته العربون و عدت إلى البيت .
قالت لي أمي : أين العلاج ؟!
قلت لها : لم أذهب إلى المستوصف .
قالت لي : إلى أين ذهبتِ ؟!
قلت لها : لم اذهب إلى مكان . لقد كنت جالسة في الفناء " الحوش " .
و بدأت بكذبة صغيرة حتى أصبح الكذب يسري في دمي ..مني و فيني .
ثم قالت لي أمي : لقد اتصلت أختكِ " إيمان " . تسلم عليكِ وتسأل عنكِ . وتقول قريباً سوف تأتي لزيارتنا .
قلت لها : ماذا تريد ؟!
قالت لي : زيارتنا .
قلت لها : ألم أخبرها مراراً و تكراراً بان لا تأتي حتى اذن لها ؟!
قالت لي : لقد اشتقت لها و أريد رؤيتها .
قلت لها : ان جاءت دون اذني كسرت رجلها .
قالت لي : كيف تمنعينها من بيت والدها ؟!
قلت لها : لا أعرف والدها و لا جدها .
قالت لي : أنتِ لست أمل ؟! أنت مجنونة !
أثارت غضبي كلمة مجنونة و أخرجت شياطيني لأقوم بتحطيم كل شيء أمامي ثم أخلد للنوم .
* و أصبحت حياتي بين مشاكل وعراك و خصام وسارت في هذا الاتجاه . إلى ان جاء اليوم الذي سكن فيه شقة أمجد أناس طيبون . تعرفنا عليهم كانوا أسرة مكونه من أب و أم و شابين و ثلاث بنات . و كانت البنت الكبرى في سني و مخطوبة لأبن عمها . تعددت الزيارات و قويت روابط العلاقات و هدأت الأوضاع نسبياً .
* حتى جاء اليوم الذي حضر فيه الجواسيس و العملاء . الصبيان لموافتي بالاخبار .
فقالا: ياسر سيتزوج من أبنت فلان ............بمهر زهيد . و هو يشرب الخمر و أهله يعلمون بذلك ويقومون بالتستر عليه .
فقلت لهما : و أنور ؟
سكتا قليلاً ثم قال أحدهما : أخبركِ و لكن لا تضربيني .
قلت له : قل فلن أضربك .
قال : أنور يقول بأنه يعرفكِ و يقابلكِ في فناء البيت .
قلت له : ماذا ؟!
ثم قال لي : لقد تابعناه و عرفنا من التي تعرف عليها .
قلت في نفسي " الله يستر ..لا تكون المجنونة زهراء " .
قلت له : من ؟
قال : أبنت الساكن الجديد عندكم .
ابتسمت و ضحكت فمن كثر الصدمات مات الإحساس .
ثم قالا : انتبهي لنفسكِ ..و مشيا .
* وبعد هذه الكلمات التحذيرية بترت علاقتي بها ..بترت حتى علاقتي بروحي .
و في اليوم الثاني سمعنا زفه غريبة عجيبة . زفة من السوبر ماركت إلى باب البيت . لقد كان الأولاد و البنات ومن ضمنهم الجاسوسين يرددون الأهازيج و الأغنيات و يقولون : عاشوا ..والله عاشوا ...و عرفنا الموضوع " الدعوة " ..يا سيدي عرفنا ..الحب قطع القلوب ...( زفوا العروسة زفوها من السوبر لبيت أبوها ) .



نظرت من الباب الخلفي و قمت بمناداة الجاسوسين لأسألهما ماذا حدث ؟!
قالا : لقد أنفضح أنور و اكتشفت حقيقة أمره .
قلت : ماذا حدث ؟!
قالا : لقد كنا نراقبه كالمعتاد ومعنا شلتنا و أصدقائنا و شاهدناه و هو يتكلم مع " حنان " و يغازلها ثم أعطاها مئة ريال .
قلت لهما : لماذا فضحتما البنت ..أنسيتم ابأنها بنت و فوق ذلك هي مرتبطة " مخطوبة " ؟!
قالا : تستحق و يستحق معها أنور لأنهما ظالمان . كان يتستر عليها باسمكِ .
و نحن وعدناكِ بأننا أخوة لكِ لذلك كشفناه .
قلت : لا اله الا الله ...بنفس السلاح الذي أراد قتلي به قتل به .
ثم قالا لي و هما يضحكان نحن في الخدمة يا أختنا الكبيرة .
ضحكت لهما و قلت : سنشكل عصابة في المستقبل .!
قالا : اتفقنا .. يا زعيمة . ثم لوحا بيدهما للرحيل .
ثم دخلت إلى الصالة لأجد أمي تشاهد الصلاة في التلفاز ..سألتني : ماذا يجري في الخارج ؟!
قصصت لها الموضوع من الألف إلى الياء . ثم قالت لي : ماذا افعل ؟! هل أخبر أمها ؟!
قلت لها : لا تخبري أمها و لا أباها .قولي لهم : بان ابنتي و زوجها سيأتيان و ليس لدي مكان أضعهما فيه . وان أمل لا تكشف على زوج أختها ..
صعدت أمي السلالم و أنا معها حتى وصلت الدور الثاني و طرقت الباب . ثم أخبرتهم بما قلت لها . ثم سأل أمي أخو حنان الكبير سلطان . هل صدر ما يضايقكم منا ؟! هل هناك شيء يا خالة ..أخبريني ..أرجوكِ .
قالت له : لا ..يا ابني رعاك الله وحماك . و نزلت مسرعه ليتقاطر الدمع من مقلتها لصعوبة أسئلته في عدم إجابتها .
* لمحت في عينيه نظرة الذكاء و الحنكة . و بالفعل لم تخوني نظرتي له . فلقد اكتشف الحقيقة . و أوسع أنور أنواع الضرب و صنوف العذاب و أدخله السجن على أنه لص ..سارق .
و بعدها قلت لأمي سأذهب إلى السوق .
قالت لي : ومن سيخرج معكِ ؟!
قلت لها : سأخذ أي ولد من أبناء الجيران .
قالت لي : في رعاية الله و حفظه .
ثم سرت إلى ان وصلت إلى محل الخشب و الالمومنيوم وقلت له : أين الصندوق ؟ و أعطيته الفاتورة .
قال لي : لقد تأخرتِ عن موعدك . الآن نحن في الأسبوع الثاني .
قلت له : اسمعني الصندوق مصنوع لي و مقابله ستأخذ نقودك فلا تتفلسف عليَّ لأني لن أزيد ريالاً واحد .
سكت ثم نظر إليًَ و قال : خذيه وهاتي بقية النقود .
وعدت به و الفرحة تغمرني كأنني في العيد . و قمت بالترتيب و التنظيم ووضعت كل شريط مع صوره . لم يتبقى سوى المخبأ الذي أويه فيه .
جلست أفكر لابد من مكان آمن . لا احد يصل إليه و لا يشك به . و في اثناء جلسة التفكير .. دقت أمي على الباب . لتقول لي : لقد حضرت صديقتكِ تهاني .
قلت لها : تهاني !! تهاني من ؟!
قالت لي : صديقتكِ المطوعة.. زميلتكِ أيام الدراسة .
أغلقت الصندوق بإحكام . و فرحت ومن كثر الفرحة كاد قلبي ان يخرج من بين أضلعي لاحتضانها . خرجت إليها مسرعة و قمت بالترحيب بها و معانقتها فلقد اشتقت لها كثيراً .
و بدأت تسألني عن اخباري و اسألها عن اخبارها إلى ان قالت لي : لقد انتقلنا من بيتنا القديم إلى بيت جديد قريب من بيتكم . لقد أصبحنا جارتين . و سأقوم بدورة لتحفيظ القران الكريم ..لسورة البقرة تحديداً . . ابتداء من الغد .
آمل ان تأتي فجميع البنات يودون رؤيتكِ .
قلت لها : أكيد .
قالت لي : قولي ان شاء الله .
قلت : ان شاء الله .
ثم جلست قليلاً و استأذنت لأنها مشغولة بترتيبات الغد .
و بعد خروجها أخبرت أمي برغبتي في الذهاب للحفظ فوافقت .
و في اليوم الثاني استعديت و اتجهت إليهن فوجدت جميع الصديقات من ضمنهن " نورة " بنت العم محمد و الخالة زينب . ولقد أصلحن الصديقات بيننا العلاقات المنقطعة لتعود كما هي في الاتصالات و الزيارات .
إلى ان جاء اليوم الذي اتصلت فيه نورة لتخبرني بزواج احدى الصديقات .
فقلت لها : لا استطيع الذهاب فكما تعرفين حالة أمجد و أحمد ليس موجوداً هنا .
قالت لي : اطلبي الاذن من أمكِ و استعدي لأمر و أخذكِ معي .
قلت لها : سأخبر أمي ثم أرد لكِ باتصال .
قالت لي : تمام ..في أمان الله .
قلت لها : في حفظ الرحمن .
أخبرت أمي و أخذت منها الاذن بالموافقة . ثم اتصلت و أخبرت نورة . وبعد ذلك أخذت استعد حتى جاءت لأخذي معها . كانت سهرة جميلة ورائعة . كانت أول سهرة أرقص فيها و انبسط . أحسست فيها بان صداقتنا و أخوتنا رجعت كما كنا في السابق .
و بعد انتهاء حفل الزفاف عدنا إلى بيتهم لنعيد الذكريات . ثم صلينا الفجر و فطرنا ثم نمنا .
و لكني استيقظت فجأة فشاهدت أخا " نورة " يقف على باب الغرفة مبتسماً بابتسامة مريبة فشعرت بالخوف . ثم عدت للنوم ..كنت أظن انني احلم . ثم استيقظت قرب الظهر على أصوات مرتفعة إلى ان سمعت قول أخيها : لقد خطبوا أختي و تركوها مع ألفاظ القذف و السب . لم أعي جميع ما يقولون و لم اشك واحد في المئة بأنني أنا المقصودة .
لقد كنت في وضع و حالة لا أحسد عليها . فلقد قمت بعد ان تبولت لا أرديا مع نزيف شديد للدورة الشهرية . اعتذرت لهم على ذلك . فردت عليَّ الخالة زينب : بلطف . وقالت : لعله البرد أو الخوف . و انتهى الموضوع على خير .
و لكن صورة أخيها مازالت تطاردني في منامي . أصبحت احلم به حلم واحد متكرر يومياً حتى ضاقت به نفسي و اختنقت .
هذا الحلم " هو نفس رؤيتي له في بيتهم ...كنت أشاهد أخو نورة واقف على باب الغرفة و يبتسم ابتسامة مريبة " . لم احتمل هذا الحلم فأخبرت به تهاني . و قامت تهاني بالاتصال على إحدى مفسري الأحلام ..و أخبرته بالحلم ..ثم سألني اذا توضأت قبل النوم . كان يسأل و أنا أجيب ..حتى أخبرته كل شيء حدث بالتفصيل في ذلك اليوم باليقظة والحلم .
قال لي : اللهم لك الحمد ..الله يحبك فانجاك .
فرحت بكلامه إلى ان قال لي : لا تنامي إلا في بيتكم بين اهلك .
ثم قلت له : لماذا؟!
قال لي : رحمة الله أنقذتك من غدر كان سيقع بكِ وبشرفكِ . البول و الدورة الشهرية كانت سبب لنجاتك و نتيجة خوفكِ منه . لقد أقيظك الله لتشاهديه ليخافك . ثم قال : و نعم الحافظ أنت يا الهي .. و أغلق الخط .
قلت لتهاني : أنا أعيش في عالم خاص بالمجرمين ..المنافقين ......( اللهم رحمتك أرجو ) .


ثم قالت لي تهاني : هدئي من روعكِ . قوله تعالى : ((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)) صدق الله العظيم .
قلت لها : لا اله إلا الله .
ثم طبطبت على كتفي و قالت لي : ابكي لكي ترتاحي و تزيلي ما علق بالنفس .
قلت لها : لا ..و ربي الذي رفع سبع وانزل سبع لن تسقط دمعة واحدة من أجل هؤلاء الرعاع وسفلة القوم . هؤلاء الضفادع البشرية الذين يقطنون المستنقعات المائية و الوحل ..سيأتي اليوم الذي أجعلهم فيه يبكون و يتوسلون و يرجون .
اليوم لهم يضحكون , وغداً في الميدان سينهزمون .
ثم قالت لي : قولي حسبي الله و نعم الوكيل .
قلت : حسبي الله و نعم الوكيل .
* هنا اشتغل عقلي و أرسل لي إشارة تقول : لم تجدي مكان أمناً أفضل من عند تهاني لوضع الصندوق .
ثم قلت لها : أريد منكِ خدمة .
قالت لي : أخدمكِ برمش عيني بما يقدرني الله عليه ..فأنتِ أختي .
قلت لها : لدي صندوق و فيه اخبي ذهبي و أوراقي الثبوتية و الدراسية . و أود أن أحفظه عندكِ .
قالت لي : و بيتكم ؟!
قلت لها : أنتِ تعلمين بحالة أمجد جيداً و أخشى عليها منه .
قالت لي : لكِ ذلك , و لكن بشرط .
قلت لها : اشرطي كما تشائين .
قالت لي : بان تجعليني أنظر لمحتواه .
قلت لها : قبلت شرطكِ . وسأدعكِ تنظرين بداخله و تفحصين مكنونه .
ثم قالت لي : متى ستحضرينه ؟
ابتسمت لها وقلت : في أقرب فرصة . ثم طلبت منها أن تسمح لي بالانصراف . لأن أمي تمكث وحيدة .
فأذنت لي وقالت : الله معكِ .
قلت لها : الله معنا جميعاً .
* ثم سلكت أقصر الطرق للوصول إلى بيتنا و قبل وصولي بقليل ظهر لي ذلك الشاب المساعد ومعه ظروف كثيرة . أنه يحمل التقارير .
قال لي : انتظري . خذي ما طلبته مني .
قلت له : الله يجزيك كل خير ..و ألف شكر لك . ثم سألته وقلت : كيف تعرف موعد خروجي و دخولي إلى المنزل مع اختلاف الأزمنة ؟!
قال لي : أراقب حتى تجمعني بكِ الصدفة .
قلت له : لكن هذا أمر شاق و متعب " مرهق " .
قال لي : هل معكِ جوال ؟
قلت له : لا ..و لم أقتنع به طيلة عمري .
قال لي : و لكنه مفيد وسوف يساعدنا كثيراً في عملية الإيصال و الإيداع .
قلت له : و لكني لا أستطيع …..!
قال لي : أعلم بالذي تودين قوله . لا تشغلكِ مسائلة الماديات .. أنا سأشتري لكِ جهاز و شريحة " كرت " .
قلت له : توقف .. ماذا تظني ؟! متسوله !
قال لي : لا ..ما عدا الله ان أظن مثل ذلك . فقط استخدميه ثم أعيديه .
* و في خلال الحوار و الجدل ظهر اثنان من شباب الجيران ليظنا السوء و ان هناك شيء ما بيننا .
قلت له : أذهب الآن .
قال لي : و أنتِ ؟!
قلت له : أفهم الكلام و أرحل .
و أخذ الشبان بإطلاق التعليقات السخيفة .." نحن أولى ـ نحن أبناء الحي … الأقربون أولى بالمعروف …. جارك أولى بالشفعة ( الجدية " العنزة " لا تحب التيس البلدي " الداخلي " تحب التيس الخارجي ) و……… و……….و……....
و كانت المفاجأة في ردي عليهما بقولي : بالفعل أنتما تيسان . تعلمان لماذا ؟ لأنكما تنظران لأهالي الغير بمعدل ما يقومن به أهلكما .
و ثارت الثائرة بنار الغيرة و الحمية و قالا : احترمي نفسكِ . فأهلنا لا يغادرن بيوتهن . و لسن كمثلكِ في الشوارع ليل ..نهار .
قلت لهما : في الشوارع اشرف و ارحم من غيري . ثم قلت لهما : قبل ان يفتح أحدكما فمه . انتظراني فقط دقائق و سأعود لكما سريعاً . سأحضر لكما أغراض لأهلكما شحنت في أغراضي بالغلط . ثم دخلت إلى البيت مسرعة و انتقيت لهما من الأشرطة و الصور أقلها حدة و تجريح .
خرجت فلم أجدهما . سرت باتجاه بيت احدهما و قرعت الباب . خرج لي وقال: ماذا تريدين ؟!
قلت له : أريد أمكِ .
قال لي : هل جئتِ لكي تشتكي إليها ؟!
قلت له : لا ..و لكني أريدها لكي تسمع ما يدور , و تعذرك بعدها بما ستقوم .
ثم قام بمناداة أمه على أنه لا يهمه شيء ولا تفرق معه مثقال ذرة . حضرت الأم و كان أسلوبها غير لائق بأم على الإطلاق مع فواصل التأفف . ثم قالت لي : نعم ..
قلت لها : نعم الله عليكِ . و عدلي أسلوبكِ معي .
قالت لي : خير إن شاء الله ..ما الذي أتى بكِ إلينا ؟!
قال لها ولدها : جاءت من أجل أن تشتكي عليَّ .
قلت لها : خذي هذا تذكار بسيط . هذا شريط لابنتكِ مع صورة رائعة . والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته .
ثم نادتني يا ابنتي ..يا أمل ..انتظري …توقفي .
لوحت لها بيدي وقلت : وما خفي كان أعظم .
* و أول خطوة على عتبة المنزل أجد في وجهي " شراب الخردة " زهراء .
قلت لها : السلام عليكم ورحمة الله و بركاته . . ما الذي يوقفكِ على الباب ؟!
قالت لي : و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته . أين كنتِ ؟! لقد كنا نبحث عنكِ .
قلت لها : تبحثين عني على الباب !!
قالت : أنتظر أحمد فلقد انتابني شعور بالقلق عليه .
قلت لها : متى خرج ؟
قالت لي : قبل ساعة ..لا قبل ربع ساعة .
قلت لها : أجمل قلق على الباب . انتظريه حتى يأتي و بمشيئة الله يطلقكِ بالثلاث دون رجعه , و هو يموت و نرتاح منكِ و منه .
* و أول لمحة منها لنور سيارته . غيرت أسلوبها و كلامها .
ومع دخول أحمد قالت لي : أقول لكِ أين كنتِ لقد انتابني شعور القلق و الخوف عليكِ . تردين عليَّ و تقولين لي : هذا ليس من شأنكِ ؟ ومن تكونين أصلاً لتسأليني ؟
ضحكت وقلت لها : القمر له وجهان : أبيض و أسود . و أنتِ رأيتني كالبدر في ليلة تمامه . و لم تريني بعد في ليلة الخسوف .


ثم قالت لأحمد : سمعتها بنفسك . ماذا تقول ؟
قلت لها : أنا لست الدكتورة أحلام . استيقظي من السبات فأنا أمل .
أمل التي كانت قبل قليل في بيت صديقتها تهاني ثم بيت جارنا فلان …………………..
ثم قالت لي : سأرافقكِ أينما ذهبتِ ؟
قلت لها : رافقيني فهو خيراً لك . و لكني أخشى عليكِ من نظرات الرجال وغزلهم فهم لم يقاومون حسنك وبهاءكِ كمثل عمي منصور .
قال أحمد : كفى أنتِ وهي . كل واحدة منكما تدخل إلى غرفتها .
ثم نظرت إليَّ نظرة حاقدة تعلن الحرب حاملة الويل و الوعيد .
* دخلت غرفتي لأنهي عملي في قراءة التقارير لأفهم مضمونها . و بدأت أدون الأهداف و أضع الخطط في الهجوم .
رتبت كل الأدلة و التقارير في الجيوب السرية للصندوق . فلقد صممته من عدة أدراج و طبقات . و كان الفاصل سميك جداً بين درج و آخر . وبدل الحشو الخشبي كنت أضع أربعة و عشرين شريطاً من دورين . و يكون الفاصل فارغ من الداخل مغلق من جميع النواحي و الطبقة العليا تسحب من الجنب دون ان يشعر احد و هكذا . و بعد انتهائي من التنظيمات . حاولت حمل الصندوق و لكنه أصبح ثقيل الوزن .
فكرت و فكرت حتى نمت من شدة التفكير .
* وفي اليوم التالي بعد صلاة الظهر بحثت عن الجاسوسين و ترقبت حضورهما من المدرسة حتى جاءا .
أشرت لهما بيدي وقلت : تعالا .
قالا : أهلاً يا زعيمة ..ماذا حدث ؟!
قلت : أهلا بكما يا أفراد العصابة . لم يحدث شيء على الإطلاق و لكني أريد مساعدتكما في إيجاد كرتون في حجم ثلاجة صغيرة .
قالا : هذه بسيطة ..متى تريدينه ؟
قلت : لو كان الآن لكان أفضل .
قالا : حسناً ..أذهبي إلى البيت و نحن سنحضره لكِ .
قلت : شكراً لكما ..فو الله أنتما نعم الرجال .
عدت و انتظرتهما . فما هي إلا دقائق حتى جاءا بالكرتون . قمنا بوضع الصندوق في الكرتون ثم قمت بإلصاقه جيداً و حملناه إلى بيت تهاني .
كان الوقت مناسباً لوجود أحمد في الدوام .
سلمت تهاني الصندوق , وسلمت قلبي معه .
فتحت الصندوق لها لتنظر ما بداخله فوجدت شهاداتي و أوراقي مع قليل من القطع الذهبية .
سألتني و قالت : الصندوق ليس به أشياء كثيرة ومع هذا هو ثقيل .. كيف ذلك ؟!
قلت لها : هذا الصندوق تصميم ن خشب فاخر و أصلي . . " خشب دمياطي "
ثم قلت لها : خذي هذه مفاتيحه . اجعليها معكِ .
قالت لي : لا ..خذيها و في أي وقت احتجتِ شيء منه أو وضع آخر . تعالي ..فالبيت بيتكِ .
شكرتها على حسن معاملتها و نبل أخلاقها . ثم قلت لها : استودعكِ الله الذي لا تضيع ودائعه .
قالت لي : إلى أين تغادرين ؟!
قلت لها : إلى البيت .
قالت لي : هذا وقت الغذاء . ومن العار تركتِ دون ان تتغذي معنا .
قلت لها : و الله لا أقدر فأمي بمفردها . و في الباب ينتظران أبناء الجيران لإيصالي .
قالت لي : ليس لكِ أعذار .
قلت في نفسي " الله من البلاء ..ورطة "
قلت لها : اسمعيني و افهميني أنا لم أتي في هذا الوقت المحرج و الحار إلا للشديد القوي . لقد اشتغلت حالة أمجد لذلك حضرت به . فأرجو ان تسمح لي في الانصراف .
قالت لي : أنا أسفه . ل أكن أعلم . كان الله في العون .
ثم ودعتها و تفرق أفراد العصابة و ذهب كل منا إلى بيته .
* و أول خطوة في بلاط الصالة وجدت زهراء . نهضت و أخذت دورة كاملة حولي مع نظرة ازدراء من تحت لفوق . وقالت لي : لقد أتصل أحمد و سأل عنكِ . فقلت له : ليستِ هنا . أخبريني أين كنتِ ؟
قلت لها : أتودين معرفة مكان تواجدي ؟!
قالت لي : نعم .
قلت لها : عند أمك . على فكرة تسلم عليكِ و تقول لكِ : كيف مفعول السحر مع أمجد ؟!
قالت لي : والله أمجد تعب و مرض و أنا عند أهلي . وليس لي أي ذنب .
قلت لها : أشكركِ . ورفعت أصبعيّ السبابة و الوسطى كعلامة للنصر و التحدي في ذات الوقت . ثم دخلت غرفتي و تركتها تتكلم مع نفسها حتى رجع أحمد من العمل .
ومن أول دخوله أطلقت الصواريخ أرض ـ جو ..و المدرعات و المدفعيات في معركة الشك و الوسواس . ثم استدعتني زهراء للتحقيق و الاستجواب . وقالت لي : انهضي فأخيكِ يريدك ؟
قلت لها : ان دخلت مرة أخرى دون طرق الباب أو الاستئذان كسرت رقبتك . الآن اغربي عن وجهي وقولي : لبغلك ..أقصد ..بعلك . حسناً لحظة وسوف تحضر . وان وددتِ ان تقولي له قالت لي : ساعة فلا مشكلة قولي . ( تقلقلت أسنانكِ وضروسك ) .
* مكثت قليلاً استرق السمع لهما . فسمعت زهراء تشكي وتبكي وتقول له : أنا خائفة ..و أخشى عليها الضياع . فأمل فتاة طيبة و ساذجة .
هنا خرجت لها وقلت : و دجاجة !
نظر إليَّ أحمد نظرة لا توصف قد تكون احتقار وقد تكون رعب و إرهاب قد تكون … و قد تكون …هي مزيج من عدة نظرات قاتلة .
ثم قال لي : أين كنتِ ؟
ردت عليه زهراء وقالت له : لقد قالت لي عند أمي .
قلت في نفسي " أنتِ من جماعة خذوهم بالصوت لا يغلبوكم "
ثم قال لي : لماذا تلتزمين الصمت ؟! ..أخبريني أين كنتِ ؟
قلت له : ألم تخبرك زهراء في هذه الثانية بأنني كنت برفقتها عند أمها ؟!
قالت له زهراء : أنا لم أقل هي التي قالت .
قال لي : أجيبيني أين كنتِ ؟
قلت له : كنت عند تهاني
قال لي : و لماذا لم تخبريني ؟!
قلت له : أخبرت أمي و وافقت .
قال لي : لماذا ذهبت في هذا الوقت ..وقت الظهرية ؟!
قلت له : لقد قمت بمساعدتها . فهي تقوم بإعداد دورة لتحفيظ القران الكريم . " سورة البقرة "
شهقت زهراء و تغير لونها و ارتبكت ثم قالت : هناك أماكن و دور متخصصة للحفظ و الدورات الدراسية لأحكام التجويد . فاذا أردتِ سجلي هناك ، و لا حاجة لكِ بتهاني ودورتها . و في آخر المطاف مصير البنت الزواج .
ثم سألتني وقالت : لماذا لم تقبلي بأي عريس من الذين يتقدمون لكِ حتى الآن ؟!
قلت لها : الزواج قسمة و نصيب . و كل إنسان يأخذ نصيبه في هذه الدنيا .
ثم قالت : والله ..أخي " علي " دائماً يقول لي : لو كان أحمد يوافق و يزوجني أخته " أمل " . سأصبح أسعد إنسان .
فقلت له : الرأي ليس رأي أحمد فقط . فهناك رأي أمها و رأيها .

قلت لها : سأسجل في حلقة للحفظ و احصل على شهادة . أفضل من الذهاب والإياب عند تهاني دون شهادة .
فقالت لي زهراء : دائماً نتكلم عنكِ وعن أخلاقكِ وجمالكِ حتى أشغلتِ تفكير أخي .
قلت في نفسي : " أنا أغير الموضوع وهي تعيد وتزيد فيه "
قلت لها : هل ستحفظين القران معي ؟!
قالت لي : تصدقين بان " علي " يردد على لسانه اذا تزوجكِ سيقول لكِ : الماء و الخضرة و الوجه الحسن .
قلت لها : حسن يا حسن … و أنا أقول له : أين الماعز يا بيتر ؟! ـ
فيرد عليَّ : هنا يا هايدي ..أفلام كرتون .." هايدي الجميلة ..هايدي اللطيفة " .
قلت لها : أقول ..خيراً لكِ ان تعدي لزوجكِ الغذاء و اشتري لأخيكِ ماعز . و أنا سأعد الطعام لأمي و أنظر إلى ماذا تحتاج .
ثم تحركت حاملة الطعام باتجاه غرفة أمي و تركتهما .
قرعت الباب فقالت : أمي ..أدخلي يا أمل .
قلت لها : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..يا أحلى قمر .
قالت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. يا أجمل فتاة .
ثم قلت لها : كيف عرفتِ إنها أنا من تطرق الباب ؟!
قالت لي وهي تضحك : قلب الأم .
قلت لها : يا عسل ..اعترفي !
ضحكت وقالت : الله يسعدكِ ويهنئك ..أعترف !
حاضر ..سأعترف لكِ .
أولاً : لا أحد يطرق بابي و يسأل عني باستمرار غيرك . أما الباقون فلا حياة لمن تنادي .
قلت لها : و ثانياً ؟!
قالت : ثانياً : لقد سمعت حديثكم نتيجة أصواتكم المرتفعة .
اسمعيني يا أمل …لن يحبكِ أحداً في هذه الدنيا أكثر مني . ابتعدي عن زهراء و أحفظي عليكِ لسانك . و أعلمي ان الذي لا يخاف الله يخاف منه .
قلت لها : الذي لا يخاف الله يخاف عليه . لأن الله عزيز ذو انتقام . و الله يحق الحق ولو بعد حين .
قالت لي : ألست أمكِ ؟! أليس لي حقاً عليكِ ؟! إلا تسمعي كلامي و تنفذي نصحي ؟!
قلت لها : بلى ..لك كل الحق بل أنتِ الحق كله . وطلباتكِ أوامر .
ثم قالت لي : عاهديني بالله على ذلك .
قلت لها : بدون عهد فكلمتي سيفاً على رقبة كل عدو .
ثم أعادت تكرار طلبها بالمعاهدة .
وللأسف عاهدتها .
و بدأ يدب الأمن و الاستقرار في أرجاء البيت من ناحيتي مع محاولات مكثفة من زهراء لانحرافي .

* و من طرق الانحراف ..
قالت لي زهراء :
1ـ أنتِ جميلة ..متعلمة و مثقفة و ألف واحد يتمناكِ .
قلت لها : قديمة ..و الذين يتمنوني مليون ..غيري غيرها .
2ـ محاولة نجلاء أن تعرفني بأصدقائها و إيقاعي معهم .
3 و 4 و 5 ………..في محاولات مستمرة و طرق فاشلة دائمة لمدة سنة .

وفي خلال هذه السنة جاءت لزيارتنا إيمان وهي تحمل طفلها الجميل . و قد أسمته " وسيم " . لقد كنت دائمة الانشغال مع إيمان و حبيب خالته " وسومي " .
حتى في يوم من الأيام كنت العب مع وسيم .
سمعت إيمان زهراء وهي تتحدث من خلف الباب الخلفي مع الجار عثمان عني .
ثم حضرت إيمان لتخبرني بما سمعت . فقالت لي : لقد كانت زهراء تقول له : أنها ذكية جداً . و لم استطيع إقناعها بشيء . و لو ان أحد أخذ شيء منها بالقوة فهي لن تسكت و ستفضح الجميع .
قال لها : و بالقبول و الرضا !
قالت له : هي دائماً تقول : لحم المرأة غالي . لابد ان تحرق العالم من شأنه . و لا تفرط فيه لأحد حتى لو كان حبيب و غالي .
قال لها : ما الذي يغريها ؟! إلا تحتاج للمال ..لملابس ..لأي شيء كمثل الفتيات ؟!
قالت له : هي قنوعة و عزيزة نفس . لا تقبل ان تأخذ شيئاً من أحد . حتى الصدقة التي تدفع لوجه الله تعالى ..لا تقبلها !!!
قال لها : ألم تجسِ نبضها في الحب و العلاقات ؟!
قالت له : بلى . حتى نجلاء سألتها وقالت لها : لو أحببتِ في يوم ما و سلبكِ حبيبكِ أعز ما تملكين ..ماذا تفعلين ؟!
قالت لها : أبحث عنه حتى أجده . و أخرجه حتى لو كان في بطن أمه .
قالت لها نجلاء : و تفضحين نفسكِ ؟!
قالت لها : أفضح نفسي مع كلب واحد خيراً لي من أن أعيش العمر كله تحت رحمة عشرين ألف كلب . أو إنني اعتزل الناس . أو أصبح مجنونة . و هو يعيش مرتاح البال و أنا ادفع الثمن .
لا ..و الله لن يعيش و أموت أنا .
قال لها : هل جربتِ معها صداقة البنات " الحب و الإعجاب " ؟!
قالت له : جربنا . وقالت لهن : هذا ليس حب . بل هذا بديل عن الحب . " شذوذ جنسي " و أخذت تشرح لهن :
هو انجذاب مركزين للمخ للجنسين من نفس النوع . " إناث " .." امرأتين " .
لذلك عندما تتزوج أحدهما يكون الزواج فاشل و لا تستطيع الاستمرارية . لأن مخها يرسل إشارات بالرفض و يريد المركز الذي كان معه في السابق ..أو مركز آخر و لكن من نفس الجنس .
و بالطبع عارضوها وقالوا لها : هناك من تتوب و تستمر حياتها .
ردت وقالت لهن : من تاب تاب الله عليه . سبحانه يبدل السيئات حسنات . و الإنسان التائب التوبة الصادقة يضع نفسه تحت رحمة الله و يكون قريب من الله حتى اذا دعاء الله قال له : لبيك ..لبيك ..لبيك ..ثلاث مرات .
ثم قال لها الجار عثمان : و الحل ؟!
قالت له زهراء : هناك حل واحد يقضي عليها ابد الدهر .




قال لها : ما هو ؟! أغيثيني به بسرعة .


قالت له : سنزوجها بالإكراه .


قال لها : وماذا استفدنا ؟!


قالت له : نجلاء تعرف شلة من الشباب ذو المراكز العالية و المناصب . هم الذين سينتقون لها زوج المستقبل .


قال لها : زوج المستقبل ! ـ زهراء كيف حالكِ ؟ هل حرارتك اليوم مرتفعة ؟!


قالت له :أصبر حتى انهي كلامي و أنت الحكم .


قال لها : أكملي حديثكِ الشجي .


ضحكت وقالت له : الزوج الذي سيختارونه لها زوجاً بلا شخصية .


قال لها : أتقصدين شخصيته ضعيفة ؟!


قالت له : لا ...ليس لديه أي نوع من الشخصيات .


قال لها : لم أفهم .


قالت له : ألم أقل لك انتظر حتى انهي كلامي ؟!


سكت و استرسلت زهراء في حديثها و الوصف .


وقالت له : العريس الذي اختاروه لها لا يستطيع حماية نفسه . لذلك سينفذ ما يطلب منه بالحرف الواحد . وهم الذين سيدفعون له المهر .


قال لها : هل مازال بكِ عقل ؟! هل نسيتِ بأن شخصيتها قوية و صعبة المنال ؟!


قالت له : أنت ليس لديك أدنى صبر و مع ذلك سأخبرك .


لقد خططنا للقيام بمؤامرة ضدها عند أخيها لترفض ويرغمها عليه خشية الفضيحة . و لا تنسى أنت لك دور كبير في تحطيمها .


قال لها : انني أتمنى ذلك اليوم الذي تقع فيه تحت قدميّ .


قالت له : ليس أكثر مني .


ثم قالت لي إيمان انني اخشى عليكِ منهم . تعالي نسافر و نهرب من هنا و اسكني معي .


قلت لها : و أمك ؟


قالت لي : بدون شك أمي معنا .


قلت لها : تعلمين شدة تمسك أمكِ بهذا البيت و مدى حبها له . لم يبقى لهذه المسكينة غير الذكريات فجميع أبناءها تلاشوا وخاصة ً الرجال .


قالت لي : إلى متى تضحين ؟!


قلت لها : لا تقولي ذلك ..أنا لست ضحية ولن أكون . هذه أمي و لو قالت لي : ضعي رأسكِ في الأرض ووطأته بقدمها لقبلتها .


ثم قالت لي : ماذا ستفعلين مع الأشرار ؟


ضحكت وقلت لها : لكل حادث حديث . ثم تركتها و ذهبت توضأت وصليت ركعتين " أبث فيها شكواي لله رب العالمين " .


و اتجهت إلى غرفة أمي و جلست أمازحها و ألاطفها .


ثم قالت لي : ما الذي توارينه يا أمل ؟ما الذي يغور في قاعكِ يا بئر ؟


قلت لها : لا شيء غير همي في كسب رضاكِ و برك .


قالت لي : الله يرضى عليك دنيا و آخرة .


قلت لها : بدعواتك هذه لن اهزم و لن اقهر .


ثم ارتميت بين أحضانها و نمت .


* و استمرينا على هكذا في وئام و هدوء . و استمريت في مراقبة الحدث اللعين في المؤامرة الجائرة حتى ظهرت بوادرها .


لقد أحضرت نجلاء أخت الطعم " منال " معها إلى بيتنا لتعرفها بنا أو بالأحرى تعرفها بي .


* عائلة " منال " طبقة أقل من كادحة ..عائلة فقيرة جداً .


و مع ذلك فيها من التكبر و التغطرس ما الله به عليم . و بصورة أدق ليسوا من مستوانا الاجتماعي والمادي .


لا مال ...لا جمال ..لا ثقافة ..لا تعليم ..لا شيء يوصف ليذكر .


كان اختيارهم للعريس محكم بضوابط واضحة الأثر و المعالم .


تكررت زيارات منال لنا بالطبع مع تكرار إيصال أخيها " سعد " لها . ليكون تواجده في الحي ليس غريب .


* حفرت الحفرة و لم يتبقى شيء سوى دفعي فيها .


و جاء اليوم المحتوم ..جاء اليوم الذي قالت فيه زهراء لأحمد : لقد أخبرتني منال برغبة أخيها سعد بالارتباط بأمل و الزواج منها .


صرخ أحمد وقال لها : كيف تجرؤ على مثل هذا القول ؟! إلا تعرف نحن من نكون .


قالت له زهراء : هدأ من روعك ..كل إنسان له حق ان يخطب في أي بيت ..و لأهل البيت الحق في القبول أو الرفض .


قال لها : اسكتِ ..قبحكِ الله ما أقبح قولك .


قالت له : ولكنه سيدفع المهر الذي تطلبون .


قال لها : اسكتِ و إلا فأنتِ طالق بالثلاث .


غضبت زهراء منه و طلبت إيصالها لذويها .


و بالفعل قام بإيصالها و مكث هناك لمدة يومين معها . ولم يأتي إلينا إلا و هو حامل بين أضلاعه الموافقة و القبول .


ليبدأ السؤال المعتاد لكل فتاة عن رأيها حول المتقدم لها ..حول الخطيب .


لقد تقدم أهل فلان ........لخطبتكِ لولدهم فلان .........فما رأيك ؟


و بين معمعة الأحداث و صراعها ...أقدم على هذه الخطوة أحمد و سألني خوفاً منه على إرغامي . إرغام فتاة يتيمة على الزواج بالإكراه .


كان مشهد لا ينسى فالكل مجتمع منتظر الرد . منتظرين ردي المتوقع بالرفض . ليقوم أحمد بضربي و إرضاء غرور زهراء و إشباع رغبتها بالانتصار .


و لكن حدث ما لم يكن بالحسبان و انقلبت الأحداث إلى أهوال بردي عليه : بالموافقة .


فطبع على وجهه زهراء صدمة قاتلة مما جعلها تعض أناملها و شفاها .



* والمسكينة أمي التي لم تجد ما تقوله غير : هل حقاً ستتزوجين هذا ؟!
* و إيمان التي تلف و تدور من حولي و تقول : أمل تتزوج هذا ! كيف ذلك ؟! ..و الناس و الجيران ماذا سيقولون ؟!
ثم قال لها أحمد : هذا ليس من شأنكِ و لا من شأن غيرك . هي حرة ومن حقها ان تختار .
* عاصفة هوجاء عصفت بنا في ذلك اليوم . لم أتحمل نظرة الحزن في عيني أمي فقلت لهم : أريد ان اذهب إلى بيت تهاني .
قالت لي أمي : لا تخبريها بشيء حتى تفكري جيداً .
ابتسمت وقلت لها : أمرك .
قالت لي : الله يحرصكِ و يحميك من شر كل حاسد .
خرجت لكي تهدأ العاصفة و لكنها خرجت معي . لأجد الجار عثمان و معه ابنه " حسين " يقفان أمامي ليقول كل منهما للآخر : مبارك عليك ...و لكنك أصبحت بلا نظر ..ألم تختار غير هذا ؟!
سكت منه وواصلت سيري و استمر هذا الحال في خروجي ودخولي حتى أقيمت حفلة الخطبة .
لتعلن إيمان لي بان افسخ الخطبة و تخيريني بينه و بين أخوتنا .
قلت لها : مادمت وضعتي الخيار و المقارنة فأنا لا أريدكِ و لا أريد أخوتك .
قالت لي : ترفضيني و ترفضي أخوتي من أجل هذا . ثم انفعلت و لم تتحكم في زمام لسانها لتقول : ما السر الذي جعلكِ توافقين ؟! أكيد هناك شيء خفي فيما بينكما .
ثار الدم في جسدي و أحسست بغليانه و فقدت أعصابي وقمت بضربها من كل حد وصوب . كنت أضربها بلا رحمة و أقول لها : ألست أنتِ من أخبرتني بهذه المؤامرة و اليوم تقولين أخفي سراً !
قاتلك الله و قاتل شيطانكِ المنصب في تفكيرك .
ثم اتصلت بزوجها ليسعفها إلى المستشفى . حضر فهد و بعد رؤية حالتها قال لي : أليس في قلبكِ رحمة ؟
قلت له : لا تزيد حرفاً واحداً معي .
قال لي : سأخذها و لن ترين وجهها بعد اليوم .
قلت له : فراقكم عيد .." شدت ما ردت " .
ثم حمل حقائبها و غادرا .
و بعد مغادرتهما خرجت للفناء و الغضب يمتلكني لأقوم بقلع الأشجار و الحفر في التراب و الرمال . ثم جاءت زهراء وقالت لي : حرام عليكِ ما فعلته بأختك .
التفت و نظرت لها بطرف عيني ثم عدت للحفر .
ثم قالت لي : منال أخت خطيبك " سعد " ستحضر اليوم لزيارتنا .
ضحكت و ضحكت حتى سأل الدمع من عيني .
قالت لي : ما الذي يضحككِ ؟!
قلت لها : منال هذه كل يوم محضرة .." مشرفة " عندنا .
قالت لي : و ماذا في هذا ؟! فهي تأتي مشتاقة لرؤيتكِ فجمالكِ يبهر .
قلت لها : كنت أريد تصديقكِ و لكن قلبي رفض لأنه يمقتكِ .
قالت لي : تمقتينني .!
قلت لها : لا و لكني أمازحكِ ..اسمعيني اذا حضرت منال أخت " عريس الغفلة سعيدان " استقبليها فوق في بيتكِ .
قالت لي : و لماذا ؟!
قلت لها : من أجل ان اخذ راحتي معها في الكلام ..و كما تعرفين هنا أمي لا تفارقني عندما تحضر فلا أعرف محادثتها .
قالت لي : هذا فقط ..من عيوني .
قلت لها : تسلم عيونكِ ..عيونك لها الكحل .
و قلت في نفسي " الله يفقعها ..عيون فأر حتى عيون الفأر أحلى بها لمعة و أوسع " .
ثم قالت لي : ما بكِ تنظرين إليَّ ؟!
قلت لها : سبحان الله عيونكِ ..عيونك جميلة فيها بريق ولمعان غريب .
قالت لي : كيف لمعان ؟!
قلت لها : تلمع ..!
ثم نفضت التراب من عليَّ و هي تتكلم و تسأل عن عيونها تركتها و دخلت لاغتسل و أنام .
و لكني لم استطع النوم من كثرة التفكير و انتظار حضور شفرة المؤامرة " منال " .
وعند اقتراب موعد حضورها خرجت انتظرها في الفناء . و بعد دقائق دخلت لتجدني أمامها .
قالت لي : السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..كيف حالك ؟
قلت لها : و عليكم السلام ..بخير الحمد لله .
ثم قالت : ما بكِ حزينة ؟!
قلت لها : لست حزينة . . و لكني مللت من جلسة البيت . ما رأيكِ نذهب إلى بيتكم ؟ . فأنتِ لديكِ أخوات كثر ستكون جلسة رائعة .
قالت لي : و لكن أهلكِ لن يوافقوا .
قلت لها : بل على العكس . مادمت معكِ سيؤيدون .
قالت لي : انتظري سأتصل بـ " سعد " أو " أيمن " لكي يأتي و يأخذنا .
قلت لها : تفضلي و اتصلي من الداخل .
قالت لي : شكراً لك ..معي جوال سأتصل منه , وأنت ادخلي و هاتي عبايتكِ .
قلت في نفسي " على شدة الفقر الذي يعيشونه إلا الكماليات متوفرة لديهم ...دنيا "! .
دخلت و ناديت على " العنزة " زهراء وقلت لها : أنا سأذهب مع منال اذا سألت أمي أو أحمد أخبريهم ..لا تنسي يا حلوة العيون اللامعة .
و بالطبع كانت تسكت على ذلك و تقول انني عند تهاني .
و تكررت هذه العملية فكلما أردت الخروج اتصلت على منال .
* درست وضعهم جيداً , وعرفت بأن سعداً له علاقة بفتاة تدعى / أمنة . لقد كانت تحبه و مازالت .

و لقد كان بيت منال و أهلها في الشارع الثاني المقابل لبيت أهل عبد الله و كان لهم بابان . و كنت اخرج من الباب الثاني محاولة الحصول على عبد الله بحجة انني ازور بنت جيرانهم " سهام " .
وفي كل مرة تقابل بالفشل . لقد قال لي أخو عبد الله : " تزوجي سعد فأنه طيب " .
قلت في نفسي " أنت لا تعلم شيء و لا تدري انني في داخل دائرة تحيطها النيران "
و مع ذلك لم ايأس و استمريت في مواصلة البحث . حتى جاءت في يوم من الأيام أمنة عندنا في البيت لتقص قصتها و حبها لسعد . وقطعت لها على نفسي وعداً انها ستتزوجه و اتفقت معها عليه . اتفقنا على ان تنفذ جميع ما أقوله لها .
* و من جانب آخر لقد كانت زهراء سعيدة بكل هذا على اعتقاد منها انني سقطت في الحفرة و لم يبقى غير الردم .
كثفت ذهابي و إيابي على ان التقي ثانية واحدة بعبد الله و لكن دون جدوى . و في آخر محاولة التي كانت بعد فترة طرقت الباب و تنحيت في إحدى الزوايا فتح لي طفل صغير اسمر البشرة . ومن شدة الصدمة في عمق المفاجأة نظرت إلى الأعلى ثم إلى النخلة التي كانت في فناء بيت عبد الله وقلت في نفسي من أين سقطت هذه التمرة ؟! ثم سرت و تركته .
رجعت إلى بيت منال و الحزن يسكنني مات الأمل ..مات كل شيء و مت معهم .
و كان سعد في انتظاري فقال لي : أين ذهبتِ ؟!
قلت له : بيت سهام .
قال لي : أنتِ تكذبين .
قلت له : و أنت ما شأنك ؟!
قال لي : لماذا ذهبتِ إلى بيت فلان ..........اعترفي . لقد شاهدتكِ بنفسي .
نظرت له نظرة تعالي من خلف النقاب . وقلت في نفسي " واخذ في نفسه مقلب " .
لم يحتمل نظراتي وقام وصفعني و اخذ يصرخ و يبكي و تصرف كتصرفات المجانين .
قلت له : أقسم بالله ان رفعت يدك مرة أخرى كسرتها لك .
و بعدها حملت نفسي وعدت إلى البيت سيراً على الاقدام . وقتها عرفت معنى المرارة و أخذت ابكي و ابكي دون ان اشعر بمن حولي وانني في الشارع . و قبل وصولي إلى البيت جففت دمعي .
دخلت غرفتي جلست أضحك ضحكة هسترية ضحكة مجنونة في ظلام حالك وفجأة سقط الدمع فسألت نفسي و أنا أتذكر رسمك ..أتذكر كلماتك ..هل مت ؟!
هل مات النبض فمات الحب ؟!
أين أنت مني اليوم ؟َ!
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني لنفسي طرفة عين ..يا رب أرحمني .
و من شدة معاناتي المستمرة و عذابي الذي لا ينقطع قررت الانتقام من كل من أساء لي زوراً وبهتان .
ابتدأت بالجيران كنت أنتظر إلى بعد زواج البنت المقصود استهدفها . و أذهب للأم حاملة أسلحة الدمار لتدميرها و سحقها .
كنت أشاهد نظرات الانكسار في أسلوب العطف و الاسترحام و لكن دون جدوى . كنت أقول للأم لن أرحمكم اليوم و أنتم على باطل , لأنكم لم ترحموني و أنا على حق .
فترد عليَّ : يا ابنتي ..ارحمينا ..دعي ابنتي تعيش و لا تحطمي مستقبلها . لو علم زوجها سوف يطلقها . ثم تنحني وتقبل يديَّ و قدميَّ .
كنت استلذ و استمتع بهذا العذاب . و عشت فترة زمنية أعيش الظلم و الجبروت . وهكذا أصبحت حياتي الجديدة .
و في تلك الفترة جاءت أمنة من أجل موضوعها مع " سعد " . اتفقت معها على التالي :
بان تعيد ذكريات الماضي معه . و تعاود عليه الاتصال دون ان تتحدث معه بحرف واحد وان تفتح له الاشعار التي كان يحبها سابقاً . و طبعاً رقمها سوف يظهر لديه . و في نفس اللحظة اتصل أنا و ابدأ بمشاكل الشك والغيرة حتى يمل مني و من اتصالي .
ثم سألتني : هل هذه الطريقة ينتج منها فائدة أو نتيجة ؟! قلت لها : توكلي على الله تعالى .
و اذا اتصل عليكِ و حاول محادثكيِ رد عليه بلطف و لا تصديه . ..كوني رقيقة و عاقلة .
جلسنا على هذا الحال لمدة من الزمن معقولة تقريباً شهر حتى دبت المشاكل و تفاقمت و تحقق فيها الهدف .

* طويت صفحة " سعد " و أرسلتها لأمنة مع نصيحة و تحذير في آخرها ..
لقد حصلتِ على ما تريدين , و لكن لكي ابرأ ذمتي اتجاهكِ نتيجة حسن ظنكِ بي في طلب المساعدة ..أعلمي بأن " سعد " ليس الرجل الذي يعتمد عليه و لا حلم لأي فتاة . و أنتِ لك حرية الاختيار و القرار . " اللهم بلغت اللهم فأشهد " .
لم تكن أمنة تخفي عني شيئاً . فلقد كانت توافيني بأخبارها خطوة بخطوة حتى أقدم " سعد " على خطبتها و تحديد موعد إتمام الزفاف . و لشدة فرحتها تطلب مني الحضور متناسية بأن وجودي قد يفسد كل شيء و يعيده .
قمت بالتهاني و التبريكات وقلت لها : دعي ما حدث سراً بيننا في الوصل أو في البعد . ثم بترت علاقتي بها إلى الأبد .
* ولكن لم تسكت زهراء و الجار عثمان على هذا الوضع . و قاما برسم خطة التشكيك و التجريح . زهراء من داخل البيت و الجار عثمان من الخارج لتكون عملية التنفيذ كالآتي :
كانت زهراء تشكك فيَّ عند أخي أحمد و لا أعلم ماذا تقول له بالتحديد . و لكني كنت اشتف و استنتج من تصرفاته و نظراته لتعلن رفض وقص أخوتي له . حتى جاء اليوم الذي قالها صريحة : أنتِ محرمة عليَّ في حياتي و مماتي إلى يوم الدين .
كنت أتمنى أن يصدق معي القول ويخبرني بما تقول لأرد عليها و أردعها . ولكن للأسف سار حذوها .
* تجرعت كأس المرارة و شربته بغصاته حتى أعلنت كسره .
كنت اروح عن نفسي بإطلاق آهاتي عند صديقتي و أختي التي لم تلدها أمي " تهاني " . لتعرض عليَّ ذات يوم الالتزام بقولها : أنتِ فيك خير كثير . محافظة على صلواتك و قول الأذكار و عباتك على الرأس لا ينقصك شيء غير شيء بسيط وهو لبس القفاز و الجوارب .
* أخذتني الحمية و الغيرة وقلت لها : أنا ملتزمة و كانت كلمة لم أكن اقصد معناها .
و أصبحت كثيرة الذهاب إلى بيت تهاني مما أعطى الجار عثمان مساحة أوسع لمزاولة هجومه لانكساري .
قبل لبس القفاز و الجوارب كان يجمع من الأهل و الأصدقاء ومن هم على شاكلته ليقولون لبعضهم البعض : يا أخي لقد تركه ..ماذا يريد به ..ثم يغنون ........أزعل ...............أحسن عمرك ما رضيت ..و الكثير ..الكثير .
وبعد لبس القفاز و الجوارب يقولون : لقد أصبح مطوع ..اسلم ..كان الجرح يتسع في أعماقي لأنهم يهاجموني في ديني ..أحببت الالتزام ففيه عرفت معنى حب الله لي وحبي له . حتى وددت الجهاد إلى ان قالت لي إحدى الأخوات الداعيات : ليس كل شيء عبادة فالعلم أولاً . العلم في أمور الدين . لأنه قد ينتكس الإنسان أو يفتر في عبادته و لكن عندما يكون متعلم يرجعه عقله .
و بالفعل أخذت النصيحة سلاح و بدأ الهدوء يسكنني وأسكنه . و كنت أسكت وأقول : حسبي الله و نعم الوكيل .
* و استمرت المعركة المثلثية الثلاثية الأضلاع التي تدور بيني و بين زهراء و الجار عثمان .
إلى ان قررت في يوم أن أنزع القفاز و الجوارب . وبالفعل قمت بهذه الخطوة الجريئة مع مراعاة أمور ديني و المحافظة عليها . فكانت ردت الفعل من الجار عثمان و الذين معه غير السخرية اللاذعة و فرحة لا يضاهيها فرحة .
اعتقاداً منهم أنها الانتكاسة و انتظارهم لما بعدها . و لكن الذي حدث بعد ذلك لم يكن ليسرهم . لقد كثر عدد الخطاب مع اختلاف مراكزهم و أوضاعهم الاجتماعية . كنت أوافق في ذات الليلة لأقهر زهراء و أكذب أقوالها الباطلة وفي الصباح أرفض طبعاً بعد صلاة الاستخارة .
لقد كان بعض الخطاب من شلة أصدقاء نجلاء . لأنهم لم يجدوا حلاً معي أو طريق اليَّ غير الزواج . و البعض الآخر من معرفتي لأهلهم .
* واستمر الحال إلى فترة أصبحت لا أعي فيها شيء . هذه الفترة قامت بقصها عليَّ صديقتي تهاني وقالت : لقد تغيرتِ بالكلية في تصرفاتكِ و معاملتك للآخرين . كنتِ شديدة العصبية لا تقبلين من أحد كلمة واحدة صغيراً كان أم كبيراً . و لم نستطع السيطرة عليكِ إلا من خلال القران .
قلت لها : القران !
قالت لي : أجل القران . لقد كنا نجتمع في بيتكم للقراءة عليكِ بالاتفاق مع أمكِ . لأنكِ لم تعودي تحضرين ، و ان حضرتي قليلاً تهربين .
و في يوم شاءت الأقدار ان تكتشف الأمور ويظهر المستور . و في هذا اليوم كثفنا عليكِ القراءة و كالمعتاد بدأتِ بالنعاس والتمايل استعداداً منكِ للهرب. و لكن هذه المرة لم تستطيعي لأننا قمنا بربطكِ قبل القراءة .
وبعد سنة من المعاناة في الصمت الشديد نطق واعترف الجني المسلط عليك بكل شيء . لقد قال أهوال و ليس أحاديث و أقوال .
قال : الذي سلطه و أرسله الساحر فلان ........الذي يسكن في ................. و السحر من " أم زهراء زوجة أخيك " وهو مدفون في الفناء عند المكان الذي تجلسين به دائماً ..مكان الأشجار .
سألناه : عن سبب السحر .
قال : إن زهراء تكرهها و تكرهه جميع أهل البيت وأن زواجها بأخيها من أجل المال .
قلنا له : لماذا تكرهها ؟!
قال : لأنها لم تنصاع لما تريد منها حتى تحقق مأربها في بيع البيت ..و سكت .
ثم واصلنا القراءة .
حتى قال : إني أحبها .................
قلت له : كيف تحبها ؟! و أنت جعلتها تهيم على وجهها في الشوارع و سببت لها الأذى الكثير ..جعلت سمعتها على لسان الناس .
قال : حتى تكون لي وحدي و أتزوجها .
قلت له : تتزوجها ؟! كيف و أنت مخلوق من نار وهي من طين .
ثم كثفنا و واصلنا القراءة و عرضنا عليه الإسلام .
في البداية لم يوافق ان يعتنق الإسلام لأنه كان يخشى الساحر .
فقلت له : يا عبد الساحر . و مع المحاولات و تذكيره بالله تعالى و ان الجزاء في الآخرة .
حتى نطق وقال : سأسلم .
قلت له : أسلم وقول الشهادتين ..قل : اشهدوا ان لا اله الا الله و اشهدوا ان محمد رسول الله .
ثم اسلم وقال : اشهدوا ان لا اله الا الله و اشهدوا ان محمد رسول الله
قلنا بعده : لا اله الا الله ..الله اكبر ..الله اكبر .
ثم خرج من جسدكِ بكل هدوء معاهداً لنا بعدم الرجعة . و ذهبنا لمكان السحر وقمنا بالحفر و أخرجناه ثم وضعناه في ماء مقرئ و سدر لابطال مفعوله بإذن الله .
نظرت لها وكان رأسي يترنح من شدة هول ما تقول . وقلت لها : ماذا وجدتم ؟!
ابتسمت لي و ضغطت على شفتيها مع تحريك رأسها بالرفض . بأنها لا تود ان تقول .
كررت سؤالي : ماذا وجدتم ؟
قالت لي : مصره ؟
قلت لها : أجل ..فوق ما تتصورين .
قالت لي : وجدنا أوراق مدفونة مختلفة في الشكل و المضمون . منها على هيئة عقد مكونة من ورقتين طوليتين .
الورقة الثانية : عادية مكتوب فيها سورة الفاتحة مع التحريف ........." الحمد لله رب العاملين و ليس العالمين " . استغفر الله العظيم و أتوب إليه .
و الثالثة : مكتوبة بالمقلوب و العكس .



و الرابعة : عبارة عن اشكال و رسومات مثل رسمة للثعبان مع شكل شبكة موزع عليها أحرف معينة من أحرف الهجاء و أرقام . و العقرب ..خاتم ..." أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و مما يصنعون " .
* ثم نهضت قبل ان تنهي كلامها .
فقالت لي : إلى أين تذهبين ؟!
قلت لها : إلى رأس الحية " زهراء " ألقنها درساً طيلة عمرها لن تنساه .
قالت لي : تمهلي و اجلسي ..فهي ليست هنا .
قلت لها بصوت عالي و حاد في انفعالي : أين هي تلك اللعينة ؟!
قالت لي : أخفضي من صوتكِ ..فبيتكم يعج بالنسوة .
فلت لها : نسوة ! لماذا ؟!
قالت لي : أنتِ إنسانة مؤمنة و شخصيتكِ قوية . وهذه الدنيا دار فناء و كلنا زائلون .
قلت لها : ما المصيبة التي توارين ؟!
قالت لي : والله ..صدق ربي سبحانه عندما اسماها مصيبة .
قلت لها : لا تلعبين بأعصابي و أخبريني بسرعة .
قالت لي : أخوكِ " أمجد " يرحمه الله .
قلت لها : أمجد مات !
قالت لي : كلنا لها .
قلت لها : متى حدث ذلك ؟ و كيف لم أشعر بشيء ؟!
قالت لي : لقد وجدته أمكِ جاثي على الأرض في غرفته . في ذات اللحظة التي كتب الله لكِ و مّن عليكِ بالشفاء .
سقطت على الأرض وقلت لها : واحد يرحل و الآخر يولد .
قسماً بربي لأجعلكِ يا زهراء الف و فوق رأسه همزة .
قالت لي تهاني : استغفري ربكِ فالموت حق .
قلت : استغفر الله العظيم .
قالت لي : وبالنسبة لزهراء فقد أخذت جزاءها . و جنت الشر الذي زرعته لينقلب السحر على الساحر .
قلت لها : لم أفهمكِ ..فسري لي أكثر .
قالت لي : من كثرة قراءة القران . لقد كان الجني المسلط عليكِ عندما يستحضر يضرب في زهراء بشكل غير طبيعي . و كانت هي تخاف منه و لا تستطيع الإفصاح فتقول أنكِ : مجنونة .
حتى في يوم أخذكِ أخوكِ " زوجها " إلى مستشفى الطب النفسي " المصحة النفسية " . وقالوا له : انكِ مريضة نفسياً و لديكِ ازدواجية في الشخصية . و كلام طبي يطول قوله و لا أعرف تفسيره .
قلت لها : يعني الآن أنا مجنونة . و ان قمت بقتلها ليس لأهلها حق ولا باطل عندي .
قالت لي : استغفري و قولي الحمد لله . و لا تجازين احداً بعمله . دعيه وحده سبحانه المقتص العادل لكل مظلوم ..سبحانه و تعالى .
قلت : أستغفرك ربي و أتوب إليك ...اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك .
و عدت لحالتي الطبيعية في الحياة الجديدة ناسية و متناسية جميع الآلام و الآهات . حياة في حب الله تعالى ومع الله بالرفقة الطيبة " تهاني " و بقية الأخوات .
* حياة جميلة صافية كصفاء السماء مليئة بالخيرات . بها القمر لإنارة الطريق , و بها الليل ليكون لنا ستار وسكون و لباس للكون . و المطر وما ينتج عنه من نعم ..استجابة دعاء ..نبات و ثمار للطعام و الزينة ..طبيعة خلابة ..سبحانك ربي ما أجملك و ما أجمل خلقك .
* تحملت مسؤولية أمي وذاتي في جميع الأمور . و كافحت من أجل ان أقول هاأنا مازلت موجودة في الوجود .
وبعد عدة سنوات على هذا الحال ما بين الرحيل و الترحال . رحيل إلى الذات و الأعماق مع ترحال الصمود أمام قسوة و تغيرات الأنام . ...وجدت ضالتي ( وجدت عبد الله ) .
لقد شاهدته بالصدفة في احدى الأسواق . لقد كنت على الرصيف وكان هو على الرصيف الآخر و يفصل بيننا شارع " سكة " . حاولت عبر الشارع في " سرعة البرق " في أسرع وقت ممكن لمحادثته و الاطمئنان عليه . و أول ما وطأت قدمي على الرصيف الثاني اذا بامرأة تنزل من سيارته و تحط قدمها على ذات الرصيف الموجود هو به . تنحيت عنه و تجاوزته لمواصلة طريقي .
وفي اثناء سيري بدأت احدث نفسي و أقول : ما الذي جعلني أفكر مجرد تفكير في إيقافه و السؤال عنه و عن حاله ؟!
حتى وصلت إلى البيت فقلت : ما هذا الهراء الذي تقولينه و تفعلينه ...أنسيه .
* وبعد شهور في ذات السنة وجدته و أيضا لم استطع محادثته غير هذه المرة أختلف الأمر . فلقد قابلت عيناي عينيه بحديث صامت مني و لا أعتقد بأنه عرفني . إلا انني شعرت بالسعادة بنظرته التي عانقت الهدب و العيون .
* وبعد أشهر وجدته وحيداً في احدى المحلات كان قريباً مني لم استطع محادثته خجلاً منه . ثم نظرت إليه رفعت الغطاء عن عيني وقلت بهما وبحركة شفاتي ..تمتمت بـاسمه " عبد الله " .
نظر إليَّ بصمت فيه تساؤلات و استنكارات . ثم بدأت اسأله كيف حالك ..و كيف حال أهلك ..و سألت عنهم بالاسم فرداً ..فرداً حتى عن زوجته . دون ان اشعر بما أقول .
كان يرد عليَّ : الحمد لله كلهم طيبين .
ثم قلت له : مع السلامة .
قال لي : انتظري ..أوصلك للمنزل .
قلت له : لا ..شكراً .
قال لي : معكِ جوال .
قلت له : الآن لا ..هو في البيت موجود .
قال لي : ( أمل ) ..و كتب رقمه لي وقال اتصلي بي .
أخذت الرقم و لا أعرف كيف أخذته .
و أول وصولي للبيت اتصلت . و تحدثت معه الساعات في مكالمات عن حياتنا الماضية و إعادة الذكريات البريئة .
حتى عرفت انه لم يكن يعلم بتفاصيل سؤالي عنه في الماضي فلم يكن يخبره أخوه .
و فجأة و في عذب الكلام صارحني برغبته في الزواج مني .
قلت له : ما الذي جعلك تفكر في هذا ؟!
قال لي : و كيف تريديني ان أفكر ؟ من زمان و أنا أتمناكِ لي .
أنتِ فرحة عمري , و أنتِ نبض الروح .
لم أظن ان يحصل مثل هذا . لقد كان تفكيري منصب في الاطمئنان عليه فقط .
تطورت الأحداث و رجع الحب كما كان بل أكثر من السابق . تناسيت كل شيء مؤلم و جارح . . نسيت حتى كونه متزوج .
مقابل ذلك لم يكن يمنعني من الاتصال به أو إرسال الرسائل في أي وقت . لم يجرحني بالحديث عن زوجته قط لا من قريب و لا من بعيد . بالرغم انني أقرب من ذاته لذاتي .
كان يحكي لي كل شيء . يحكي كل الذي يضايقه و أغلب كلامه بعيونه . كنت أحس بان الحزن الذي يسكنه هو أنا . لذلك كان من السهل لي معرفة ما يواريه عني خوفاً على شعوري .." أحبه " .
لقد كان لا يفارقني باتصاله حتى في يوم حصل له ظرف طارئ فلم يتصل ولم يرد عليَّ اتصالي . فقمت و أرسلت له الرسائل الاستفزازية التالية :
1ـ أحسست أنك لا تريد رؤيتي فرحلت من حيث أتيت ..سأحتفظ بكرامتي و أنت بغيابك .


2ـ طلبي الوحيد ..اذا وافت المنية الأجل سامحني ..و تذكرني ..تذكر ـ قلبي ـ الذي عشقك للنخاع .


ثم رد عليَّ برسالة :


والله العظيم مشغول ..أحبك ..أحبك ..أحبك .


* و بعد انتهائه اتصل عليَّ وقال لي : بربكِ .. إنسانة مثلكِ في رقتها و نعومتها ترسل مثل تلك الرسائل .


قلت له : لماذا لا ترد علي اتصالاتي ؟!


قال لي : مشغول ..يا عمري ..


قلت له : حياتي ..رد عليَّ عندما اتصل بك ثم بعد ذلك انشغل .


ضحك وقال لي : ( أنت الأمل ) .


قلت له : أحبك .


قال لي : احبكِ ..و لكن لا ترسلي مرة أخرى مثل تلك الرسائل .


قلت له :أرسلتها لكي استفزك و تتصل بي . تعلم انني أخاف عليك .و لكني أعدك بعدم إرسال مثل ذلك .


فلقد كان جريء في غزلي بعكسي تماماً فاتفقنا بان الذي أود قوله له أقوم بإرساله عبر رسالة .


و بعد أيام اختفى " عبادي " لم يعد يتصل و لم يعد يستقبل اتصالي و بدأت وسيلة الرسائل :


1ـ اشكي عليك قسوة الأيام و لعنة الحرمان و اشتياق مزق الوجدان و احتياج آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه


احتياج حب سكن الأعماق ..احتاجك لأعيد العمر و أعيش أجمل الأزمان .


2ـ لا أقدر ان أموت مرتين ولكن ..


أقدر ان أحبك في اليوم مره ....................( فقلبي أنت )


3ـ رد يا قلبي عشان قلبي . وقف النبض من دونك دخيل الله ترحمني قبل الموت يرحمني .


4ـ رغماً عني قادني قلبي لأطمئن عليك ..و رغماً عنه قدته لتتصل روحي بروحك ( أحبك )


5ـ سأنتظرك حتى تعود و سأنتظر الموت . ( و لا أدري من الذي سيخطف روحي المعذبة أولاً ) .



بعدها قام و أرسل لي :


1ـ ياللي حبك خلا كل الدنيا حب ..ياللي قربك صحا عمر و صحا قلب .


2ـ آه يا شوق طمئني عليك ( والله أدفع عمري و أشوفك ) .



و آخر رسالة كان فيها موعد حضوره لبيتنا لخطبتي و الزواج ...واجهنا عقبات و صراعات و في سبيل الوصال تحملنا كل ذلك و صمدنا ..


وبالفعل تم لنا ما أردنا بمشيئة الله تعالى و مساعدته .


و كانت حفلة زفافنا من أجمل و أحلى الحفلات . فلقد كانت على أنغام أم كلثوم في أغنية / أمل حياتي .



أنت خلتني أعيش الحب ..وياك ألف حب
كل نظره إليك بحبك ..من جديد و أفضل أحبك .

أنا حبيت في عينك الدنيا ..كل الدنيا حتى عوازلي أو حسادي
كل الناس حلوين ..في عينه حلوين
طول ما عينه شايفه ..الدنيا و انت قصادي





( الحب لمن يحب فيحتاجه ليعطيه )