الريان
05-19-2010, 12:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التَّعْرِيفُ :
- زَمْزَمُ - بِزَايَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ - اسْمٌ لِلْبِئْرِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ثَمَانٍ وَثَلاثُونَ ذِرَاعًا . تهذيب الاسماء واللغات
وَسُمِّيَتْ زَمْزَمُ لِكَثْرَةِ مَائِهَا ، يُقَالُ : مَاءُ زَمْزَمَ وَزُمْزُومٍ إِذَا كَانَ كَثِيرًا ، وَقِيلَ : لاجْتِمَاعِهَا ؛ لأَنَّهُ لَمَّا فَاضَ مِنْهَا الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَتْ هَاجَرَ لِلْمَاءِ : زَمَّ زَمَّ ، أَيْ : اجْتَمِعْ يَا مُبَارَكُ ، فَاجْتَمَعَ فَسُمِّيَتْ زَمْزَمُ ، وَقِيلَ : لأَنَّهَا زَمَّتْ بِالتُّرَابِ لِئَلا يَأْخُذَ الْمَاءَ يَمِينًا وَشِمَالا ، فَقَدْ ضَمَّتْ هَاجَرُ مَاءَهَا حِينَ انْفَجَرَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ وَسَاحَ يَمِينًا وَشِمَالا فَمُنِعَ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهُ ، وَرُوِيَ : " لَوْلا أُمُّكُمْ هَاجَرُ حَوَّطَتْ عَلَيْهَا لَمَلأَتْ أَوْدِيَةَ مَكَّةَ " أخرجه البخاري
وَلِزَمْزَمَ أَسْمَاءٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ ، مِنْهَا : طَيِّبَةٌ ، وَبَرَّةٌ ، وَمَضْنُونَةٌ ، وَسُقِيَا اللَّهِ إِسْمَاعِيلَ ، وَبَرَكَةٌ ، وَحَفِيرَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَوُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ " بِأَنَّهَا " طَعَامُ طُعْمٍ ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ " .
وَزَمْزَمُ هِيَ بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، الَّتِي سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمُّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَقَامَتْ إِلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى وَتَسْتَغِيثُهُ لإِسْمَاعِيلَ ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الأَرْضِ فَظَهَرَ الْمَاءُ .
الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِزَمْزَمَ :
أ - الشُّرْبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، لأَنَّ " النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ " . أخرجه البخاري
وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ : " إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ " زَادَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ : " وَشِفَاءُ سُقْمٍ "
وَيُسَنُّ لِلشَّارِبِ أَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، أَيْ يُكْثِرَ مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى يَمْتَلِئَ ، وَيَرْتَوِيَ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ رِيًّا ، لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ : " آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ "
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ فِي سَائِرِ الأَحْوَالِ ، لا عَقِبَ الطَّوَافِ خَاصَّةً ، وَأَنَّهُ يُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ .
ب - آدَابُ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ :
لِلشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ آدَابٌ ، عَدَّهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ السُّنَنِ أَوِ الْمَنْدُوبَاتِ أَوِ الْمُسْتَحَبَّاتِ ، مِنْهَا : مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قَالَ : مِنْ زَمْزَمَ : قَالَ : فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي ؟ قَالَ : فَكَيْفَ ؟ قَالَ : إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَنَفَّسْ ثَلاثًا مِنْ زَمْزَمَ ، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى .
وَمِنْهَا : أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْبَيْتِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتَنَفَّسُ مِنْ زَمْزَمَ ، وَيَنْضَحُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ ، وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ شُرْبِهِ ، وَيَشْرَبُهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَيَقُولُ عِنْدَ شُرْبِهِ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " أخرجه ابن ماجه
وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا - وَيَذْكُرُ مَا يُرِيدُ دِينًا وَدُنْيَا - اللَّهُمَّ فَافْعَلْ ذَلِكَ بِفَضْلِكَ ، وَيَدْعُو بِالدُّعَاءِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدْعُو بِهِ إِذَا شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ وَهُوَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا ، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ .
وَنَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ شُرْبَ مَاءِ زَمْزَمَ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ كَذَلِكَ ، بَلْ يُحْتَمَلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إِلَى الْغَيْرِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ إِنْسَانٌ بِقَصْدِ وَلَدِهِ أَوْ أَخِيهِ مَثَلا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ إِذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ . نهاية المحتاج
وَنَصَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْجُلُوسُ عِنْدَ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ ، وَقَالُوا : إِنَّ مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ " ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ " أخرجه البخاري
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَمُعَارِضٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ : ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا فَعَلَ - أَيْ مَا شَرِبَ قَائِمًا - لأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ رَاكِبًا . قتح البارىء
ج - نَقْلُ مَاءِ زَمْزَمَ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ ؛ لأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يَزُولُ فَلا يَعُودُ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَحَمْلُهُ إِلَى الْبِلادِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنِ اسْتَشْفَى . رد المحتار ، كشاف القناع
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ " عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ " ، وَرَوَى غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ وَكَانَ يَصُبُّهُ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ .
" وَأَنَّهُ حَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهْدَى سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ " رواه الطبراني وغيره
وَفِي تَارِيخِ الأَزْرَقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْجَلَ سُهَيْلا فِي إِرْسَالِ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاوِيَتَيْنِ .
صَحِيحٌ ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي ، وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ .
وَفِي اسْتِعْمَالِ مَاءِ زَمْزَمَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَفِي إِزَالَةِ الْخَبَثِ تَفْصِيلٌ .
هـ - فَضْلُ مَاءِ زَمْزَمَ :
فِي فَضْلِ مَاءِ زَمْزَمَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السَّقَمِ " .
أَيْ أَنَّ شُرْبَ مَائِهَا يُغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَيَشْفِي مِنَ السَّقَامِ ، لَكِنْ مَعَ الصِّدْقِ ، كَمَا وَقَعَ لأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَقَامَ شَهْرًا بِمَكَّةَ لا قُوتَ لَهُ إِلا مَاءَ زَمْزَمَ ، وَرَوَى الأَزْرَقِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : تَنَافَسَ النَّاسُ فِي زَمْزَمَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْ كَانَ أَهْلُ الْعِيَالِ يَفِدُونَ بِعِيَالِهِمْ فَيَشْرَبُونَ فَيَكُونُ صَبُوحًا لَهُمْ ، وَقَدْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَوْنًا عَلَى الْعِيَالِ ، قَالَ الْعَبَّاسُ : وَكَانَتْ زَمْزَمُ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ شُبَاعَةَ .
قَالَ الأَبِيُّ : هُوَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ طَعَامًا وَشَرَابًا ، وَحَكَى الدَّيْنَوَرِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثِ " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " . فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثْتَنَا فِي مَاءِ زَمْزَمَ صَحِيحًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ الرَّجُلُ : فَإِنِّي شَرِبْتُ الآنَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ عَلَى أَنَّكَ تُحَدِّثُنِي بِمِائَةِ حَدِيثٍ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : اقْعُدْ ، فَقَعَدَ فَحَدَّثَهُ بِمِائَةِ حَدِيثٍ . وَدَخَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ زَمْزَمَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : < مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ > اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَمَاءُ زَمْزَمَ شَرَابُ الأَبْرَارِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : صَلُّوا فِي مُصَلَّى الأَخْيَارِ وَاشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الأَبْرَارِ ، قِيلَ : مَا مُصَلَّى الأَخْيَارِ ؟ قَالَ : تَحْتَ الْمِيزَابِ ، قِيلَ : وَمَا شَرَابُ الأَبْرَارِ ؟ قَالَ : مَاءُ زَمْزَمَ وَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ شَرَابٍ .
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ : إِنَّ حِكْمَةَ غَسْلِ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِيَقْوَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُؤْيَةِ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ؛ لأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ مَاءِ زَمْزَمَ أَنَّهُ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُسْكِنُ الرَّوْعَ . شفاء الغرام.. .
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَبَرِحَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا " .
هذا ما تم اعداده وايراده وجمعه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التَّعْرِيفُ :
- زَمْزَمُ - بِزَايَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ - اسْمٌ لِلْبِئْرِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ثَمَانٍ وَثَلاثُونَ ذِرَاعًا . تهذيب الاسماء واللغات
وَسُمِّيَتْ زَمْزَمُ لِكَثْرَةِ مَائِهَا ، يُقَالُ : مَاءُ زَمْزَمَ وَزُمْزُومٍ إِذَا كَانَ كَثِيرًا ، وَقِيلَ : لاجْتِمَاعِهَا ؛ لأَنَّهُ لَمَّا فَاضَ مِنْهَا الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَتْ هَاجَرَ لِلْمَاءِ : زَمَّ زَمَّ ، أَيْ : اجْتَمِعْ يَا مُبَارَكُ ، فَاجْتَمَعَ فَسُمِّيَتْ زَمْزَمُ ، وَقِيلَ : لأَنَّهَا زَمَّتْ بِالتُّرَابِ لِئَلا يَأْخُذَ الْمَاءَ يَمِينًا وَشِمَالا ، فَقَدْ ضَمَّتْ هَاجَرُ مَاءَهَا حِينَ انْفَجَرَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ وَسَاحَ يَمِينًا وَشِمَالا فَمُنِعَ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهُ ، وَرُوِيَ : " لَوْلا أُمُّكُمْ هَاجَرُ حَوَّطَتْ عَلَيْهَا لَمَلأَتْ أَوْدِيَةَ مَكَّةَ " أخرجه البخاري
وَلِزَمْزَمَ أَسْمَاءٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ ، مِنْهَا : طَيِّبَةٌ ، وَبَرَّةٌ ، وَمَضْنُونَةٌ ، وَسُقِيَا اللَّهِ إِسْمَاعِيلَ ، وَبَرَكَةٌ ، وَحَفِيرَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَوُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ " بِأَنَّهَا " طَعَامُ طُعْمٍ ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ " .
وَزَمْزَمُ هِيَ بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، الَّتِي سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمُّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَقَامَتْ إِلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى وَتَسْتَغِيثُهُ لإِسْمَاعِيلَ ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الأَرْضِ فَظَهَرَ الْمَاءُ .
الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِزَمْزَمَ :
أ - الشُّرْبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، لأَنَّ " النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ " . أخرجه البخاري
وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ : " إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ " زَادَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ : " وَشِفَاءُ سُقْمٍ "
وَيُسَنُّ لِلشَّارِبِ أَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، أَيْ يُكْثِرَ مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى يَمْتَلِئَ ، وَيَرْتَوِيَ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ رِيًّا ، لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ : " آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ "
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ فِي سَائِرِ الأَحْوَالِ ، لا عَقِبَ الطَّوَافِ خَاصَّةً ، وَأَنَّهُ يُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ .
ب - آدَابُ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ :
لِلشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ آدَابٌ ، عَدَّهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ السُّنَنِ أَوِ الْمَنْدُوبَاتِ أَوِ الْمُسْتَحَبَّاتِ ، مِنْهَا : مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قَالَ : مِنْ زَمْزَمَ : قَالَ : فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي ؟ قَالَ : فَكَيْفَ ؟ قَالَ : إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَنَفَّسْ ثَلاثًا مِنْ زَمْزَمَ ، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى .
وَمِنْهَا : أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْبَيْتِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتَنَفَّسُ مِنْ زَمْزَمَ ، وَيَنْضَحُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ ، وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ شُرْبِهِ ، وَيَشْرَبُهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَيَقُولُ عِنْدَ شُرْبِهِ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " أخرجه ابن ماجه
وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا - وَيَذْكُرُ مَا يُرِيدُ دِينًا وَدُنْيَا - اللَّهُمَّ فَافْعَلْ ذَلِكَ بِفَضْلِكَ ، وَيَدْعُو بِالدُّعَاءِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدْعُو بِهِ إِذَا شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ وَهُوَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا ، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ .
وَنَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ شُرْبَ مَاءِ زَمْزَمَ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ كَذَلِكَ ، بَلْ يُحْتَمَلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إِلَى الْغَيْرِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ إِنْسَانٌ بِقَصْدِ وَلَدِهِ أَوْ أَخِيهِ مَثَلا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ إِذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ . نهاية المحتاج
وَنَصَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْجُلُوسُ عِنْدَ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ ، وَقَالُوا : إِنَّ مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ " ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ " أخرجه البخاري
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَمُعَارِضٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ : ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا فَعَلَ - أَيْ مَا شَرِبَ قَائِمًا - لأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ رَاكِبًا . قتح البارىء
ج - نَقْلُ مَاءِ زَمْزَمَ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ ؛ لأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يَزُولُ فَلا يَعُودُ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَحَمْلُهُ إِلَى الْبِلادِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنِ اسْتَشْفَى . رد المحتار ، كشاف القناع
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ " عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ " ، وَرَوَى غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ وَكَانَ يَصُبُّهُ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ .
" وَأَنَّهُ حَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهْدَى سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ " رواه الطبراني وغيره
وَفِي تَارِيخِ الأَزْرَقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْجَلَ سُهَيْلا فِي إِرْسَالِ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاوِيَتَيْنِ .
صَحِيحٌ ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي ، وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ .
وَفِي اسْتِعْمَالِ مَاءِ زَمْزَمَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَفِي إِزَالَةِ الْخَبَثِ تَفْصِيلٌ .
هـ - فَضْلُ مَاءِ زَمْزَمَ :
فِي فَضْلِ مَاءِ زَمْزَمَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السَّقَمِ " .
أَيْ أَنَّ شُرْبَ مَائِهَا يُغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَيَشْفِي مِنَ السَّقَامِ ، لَكِنْ مَعَ الصِّدْقِ ، كَمَا وَقَعَ لأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَقَامَ شَهْرًا بِمَكَّةَ لا قُوتَ لَهُ إِلا مَاءَ زَمْزَمَ ، وَرَوَى الأَزْرَقِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : تَنَافَسَ النَّاسُ فِي زَمْزَمَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْ كَانَ أَهْلُ الْعِيَالِ يَفِدُونَ بِعِيَالِهِمْ فَيَشْرَبُونَ فَيَكُونُ صَبُوحًا لَهُمْ ، وَقَدْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَوْنًا عَلَى الْعِيَالِ ، قَالَ الْعَبَّاسُ : وَكَانَتْ زَمْزَمُ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ شُبَاعَةَ .
قَالَ الأَبِيُّ : هُوَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ طَعَامًا وَشَرَابًا ، وَحَكَى الدَّيْنَوَرِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثِ " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " . فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثْتَنَا فِي مَاءِ زَمْزَمَ صَحِيحًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ الرَّجُلُ : فَإِنِّي شَرِبْتُ الآنَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ عَلَى أَنَّكَ تُحَدِّثُنِي بِمِائَةِ حَدِيثٍ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : اقْعُدْ ، فَقَعَدَ فَحَدَّثَهُ بِمِائَةِ حَدِيثٍ . وَدَخَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ زَمْزَمَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : < مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ > اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَمَاءُ زَمْزَمَ شَرَابُ الأَبْرَارِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : صَلُّوا فِي مُصَلَّى الأَخْيَارِ وَاشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الأَبْرَارِ ، قِيلَ : مَا مُصَلَّى الأَخْيَارِ ؟ قَالَ : تَحْتَ الْمِيزَابِ ، قِيلَ : وَمَا شَرَابُ الأَبْرَارِ ؟ قَالَ : مَاءُ زَمْزَمَ وَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ شَرَابٍ .
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ : إِنَّ حِكْمَةَ غَسْلِ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِيَقْوَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُؤْيَةِ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ؛ لأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ مَاءِ زَمْزَمَ أَنَّهُ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُسْكِنُ الرَّوْعَ . شفاء الغرام.. .
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَبَرِحَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا " .
هذا ما تم اعداده وايراده وجمعه .