احمد العتيبي
12-27-2009, 07:48 AM
منذ متى تبكي الحِجاره..؟!
بقلم: أنس أبوسعده – هولندا
إبتعدت عنها عدة سنوات لظروف قاهرة.. لم استطع زيارتها ولا حتى المرور منها.. إفتقدتها كثيراً وإفتقدت للاحساس الذي كان ينتابني حين أدخل ضواحيها ومداخلها.. قداسة، روحانية، جمال آخاذ.. وبرغم المسافة القصيرة التي تربطها بمدينة رام الله وحواجز الاحتلال التي كانت تؤرّق الزوار والحجاج القادمين اليها، الاّ أنها كانت بحق زيارة خاصة.. كانت وعلى الاقل بالنسبة لي وفي كل مره بمثابة إسراء جديد مع فارق التشبيه لتراب مقدس ومدينة مقدسة.. وحين تدخل الى الحرم القدسي من أحد أبوابه الموزعة على سور المدينة القديم يخيّل اليك وكأنك تتلمس خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى ساحة البراق، المكان الذي ربط به وسيلته الالهية للوصول الى اولى القبلتين وثالث الحرمين ليصلي بالانبياء إماماً.. هناك وفي تلك البقعة التي باركها الله منذ أقدم الازمان، تلاحظ تقاطر الحضارات والامم للسيطرة على هذه المدينة المقدسة والصراع المستميت للحفاظ على طابعها الذي يمثل هذه الحضارة أو تلك.. حتى أضحت مدينة " القدس" وبأسمائها المختلفة مثالاً لمدنية التنوع الحضاري والتاريخي، ورموز هذا التنوع يتمثل بالآثار التاريخية والمعالم التي شيدتها هذه الحضارات والتي يقدر عمرها بالآف السنين... ولعل كنيسة القيامة والمسجد الاقصى ومسجد عمر وغيرها من الكنائس والمساجد لأكبر دليل على هذا التنوع ..
بعد عدة أعوام من ذلك الانقطاع، سنحت الفرصة لي لزيارة هذه المدينة المباركه.. ورغم ما يواجه القاصدين لزيارتها من مصاعب لدخولها من تفتيش دقيق على أبوابها والتدقيق على الحواجز المنصوبة على الطريق الواصلة اليها، دخلتها وكان ذلك قبل بداية الانتفاضة الثانية بقليل.. كانت تلك الزيارة الآخيرة لي ..! مشيت على أرصفتها.. ودخلت من "باب العامود" الى أزقتها العتيقة.. كان كل شئ يشير الى عروبتها: بيوتها الحجرية، أسواقها الممتلئة بالباعة العرب، حتى بائع السوس والتمر الهندي بلباسه التراثي تجده بين المارة ينادي على مشروبه..! وهناك على رفوف المحلات الصغيرة تتكدس المصنوعات التراثية والهدايا التذكارية لهذه المدينة ومعالمها التاريخية.. أكملت المسير ورغم المحاولات الجاده للاحتلال بطمس هذا الجو الروحاني للمكان بتواجد جنود الاحتلال في كل مكان تقريباً، وبكتابة بعض العبارات بالعبرية أو رص بعض الصور والاعلام الا أن الطابع العام بقي عربياً خالصاً.. وصلت على مشارف قبة الصخرة وصعدت على الدرج الموصل اليها، فزادت دقات قلبي تسارعاً لاطل على هذه التحفة الفنية بقبتها الذهبية... وظهر لي المسجد الاقصى المبارك في الركن المواجه لها.. إنتابني الاحساس الذي تحدثت عنه آنفاً، لكن هذه المره إختلط هذا الاحساس بشئ من المرارة..!! لقد رأيت المسجد يبكي..!! فعلاً يبكي..! لقد رأيت في حياتي إمهات تبكي فقدانها لأبنائها أو لاهانة من محتل.. رأيت حتى رجالاً يبكون لعجزهم عن منع هدم منزل عائلته أو لفقدانهم لعزيز.. أما أن تبكي الحجارة فهذا لا يمكن تصوره..! لقد وجدت حجارة المسجد شاحبة وكالحة آيلة للسقوط...! رأيت مرافقه وأرضيته قديمة يملؤها الصدأ..! أحسست المكان يملؤه الحزن..! أهذا هو مسرى النبي؟ أهذه هي قبلة المسلمين الاولى؟ نظرت الى المحيط والاحياء المقابله له.. وجدتها كلها ما دامت لسكان من غير العرب جديدة جميلة تبدو عليها الرفاهية والاهتمام.. ولعلمي المسبق بالحفريات ومنع الصيانة لهذه الاماكن المقدسة من الاحتلال وصلت الفكرة.. فالهدف واضح وهو ازالة هذه المقدسات من الوجود لكي لا تبقى رمزاً يتعلق المؤمنون به.. يستطيع الاحتلال بعده تثبيت الواقع كما يريد.. ليس في الاماكن المقدسة لدى المسلمين فقط وإنما للمسيحيين أيضاً.. وليس للاماكن المقدسة فقط بل أيضاً للوجود العربي في هذه المدينة: للمدارس بإغراقها بالمخدرات وحبوب الهلوسة وغيرها.. لكل نظام المعيشة الذي يمس الانسان العربي هناك من فرض الضرائب الباهظة، عدم منح تصاريح البناء وغيرها.. كل الوقائع والتصرفات وعلى مدى سنيين الاحتلال الماضية تؤكد ذلك..
" القدس" في خطر.. كنائسها، مساجدها، مدارسها، بنيانها العربي، ترابها، أرضها، معالمها التاريخية، شوارعها مستهدف.. شعبها العربي مستهدف.. بحاجة الى هبة عربية وعالمية إسلامية مسيحية شاملة ليس من المحيط الى الخليج فقط وإنما من اقصى الدنيا الى اقصاها.. بحاجة لسفراء دعم من شخصيات إعتبارية إسلامية من كل المذاهب ومسيحية من كل الطوائف لانقاذ مدينتكم المقدسة.. لم يخل العالم بعد من شخصيات لها تأثير على الانسان المسلم والمسيحي ليهبوا هبة رجل واحد لوقف الحرب الخفية والمعلنة ولإنقاذ القدس من الضياع، وأبناءها الاصليين من التهجير، لمقدساتها من الهدم، وتاريخها القديم من النسيان.. بحاجة لاعلان القدس عاصمة إستثنائية ليس لفلسطين وحدها بل لكل دول العالم العربي والاسلامي.. بحاجة أن نسأل ونحاول أن نعرف منذ متى تبكي الحجارة بهذه الحرارة في قدسنا العربية...!! كيف نكفكف دموعها لتنهض من جديد..
بقلم: أنس أبوسعده – هولندا
إبتعدت عنها عدة سنوات لظروف قاهرة.. لم استطع زيارتها ولا حتى المرور منها.. إفتقدتها كثيراً وإفتقدت للاحساس الذي كان ينتابني حين أدخل ضواحيها ومداخلها.. قداسة، روحانية، جمال آخاذ.. وبرغم المسافة القصيرة التي تربطها بمدينة رام الله وحواجز الاحتلال التي كانت تؤرّق الزوار والحجاج القادمين اليها، الاّ أنها كانت بحق زيارة خاصة.. كانت وعلى الاقل بالنسبة لي وفي كل مره بمثابة إسراء جديد مع فارق التشبيه لتراب مقدس ومدينة مقدسة.. وحين تدخل الى الحرم القدسي من أحد أبوابه الموزعة على سور المدينة القديم يخيّل اليك وكأنك تتلمس خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى ساحة البراق، المكان الذي ربط به وسيلته الالهية للوصول الى اولى القبلتين وثالث الحرمين ليصلي بالانبياء إماماً.. هناك وفي تلك البقعة التي باركها الله منذ أقدم الازمان، تلاحظ تقاطر الحضارات والامم للسيطرة على هذه المدينة المقدسة والصراع المستميت للحفاظ على طابعها الذي يمثل هذه الحضارة أو تلك.. حتى أضحت مدينة " القدس" وبأسمائها المختلفة مثالاً لمدنية التنوع الحضاري والتاريخي، ورموز هذا التنوع يتمثل بالآثار التاريخية والمعالم التي شيدتها هذه الحضارات والتي يقدر عمرها بالآف السنين... ولعل كنيسة القيامة والمسجد الاقصى ومسجد عمر وغيرها من الكنائس والمساجد لأكبر دليل على هذا التنوع ..
بعد عدة أعوام من ذلك الانقطاع، سنحت الفرصة لي لزيارة هذه المدينة المباركه.. ورغم ما يواجه القاصدين لزيارتها من مصاعب لدخولها من تفتيش دقيق على أبوابها والتدقيق على الحواجز المنصوبة على الطريق الواصلة اليها، دخلتها وكان ذلك قبل بداية الانتفاضة الثانية بقليل.. كانت تلك الزيارة الآخيرة لي ..! مشيت على أرصفتها.. ودخلت من "باب العامود" الى أزقتها العتيقة.. كان كل شئ يشير الى عروبتها: بيوتها الحجرية، أسواقها الممتلئة بالباعة العرب، حتى بائع السوس والتمر الهندي بلباسه التراثي تجده بين المارة ينادي على مشروبه..! وهناك على رفوف المحلات الصغيرة تتكدس المصنوعات التراثية والهدايا التذكارية لهذه المدينة ومعالمها التاريخية.. أكملت المسير ورغم المحاولات الجاده للاحتلال بطمس هذا الجو الروحاني للمكان بتواجد جنود الاحتلال في كل مكان تقريباً، وبكتابة بعض العبارات بالعبرية أو رص بعض الصور والاعلام الا أن الطابع العام بقي عربياً خالصاً.. وصلت على مشارف قبة الصخرة وصعدت على الدرج الموصل اليها، فزادت دقات قلبي تسارعاً لاطل على هذه التحفة الفنية بقبتها الذهبية... وظهر لي المسجد الاقصى المبارك في الركن المواجه لها.. إنتابني الاحساس الذي تحدثت عنه آنفاً، لكن هذه المره إختلط هذا الاحساس بشئ من المرارة..!! لقد رأيت المسجد يبكي..!! فعلاً يبكي..! لقد رأيت في حياتي إمهات تبكي فقدانها لأبنائها أو لاهانة من محتل.. رأيت حتى رجالاً يبكون لعجزهم عن منع هدم منزل عائلته أو لفقدانهم لعزيز.. أما أن تبكي الحجارة فهذا لا يمكن تصوره..! لقد وجدت حجارة المسجد شاحبة وكالحة آيلة للسقوط...! رأيت مرافقه وأرضيته قديمة يملؤها الصدأ..! أحسست المكان يملؤه الحزن..! أهذا هو مسرى النبي؟ أهذه هي قبلة المسلمين الاولى؟ نظرت الى المحيط والاحياء المقابله له.. وجدتها كلها ما دامت لسكان من غير العرب جديدة جميلة تبدو عليها الرفاهية والاهتمام.. ولعلمي المسبق بالحفريات ومنع الصيانة لهذه الاماكن المقدسة من الاحتلال وصلت الفكرة.. فالهدف واضح وهو ازالة هذه المقدسات من الوجود لكي لا تبقى رمزاً يتعلق المؤمنون به.. يستطيع الاحتلال بعده تثبيت الواقع كما يريد.. ليس في الاماكن المقدسة لدى المسلمين فقط وإنما للمسيحيين أيضاً.. وليس للاماكن المقدسة فقط بل أيضاً للوجود العربي في هذه المدينة: للمدارس بإغراقها بالمخدرات وحبوب الهلوسة وغيرها.. لكل نظام المعيشة الذي يمس الانسان العربي هناك من فرض الضرائب الباهظة، عدم منح تصاريح البناء وغيرها.. كل الوقائع والتصرفات وعلى مدى سنيين الاحتلال الماضية تؤكد ذلك..
" القدس" في خطر.. كنائسها، مساجدها، مدارسها، بنيانها العربي، ترابها، أرضها، معالمها التاريخية، شوارعها مستهدف.. شعبها العربي مستهدف.. بحاجة الى هبة عربية وعالمية إسلامية مسيحية شاملة ليس من المحيط الى الخليج فقط وإنما من اقصى الدنيا الى اقصاها.. بحاجة لسفراء دعم من شخصيات إعتبارية إسلامية من كل المذاهب ومسيحية من كل الطوائف لانقاذ مدينتكم المقدسة.. لم يخل العالم بعد من شخصيات لها تأثير على الانسان المسلم والمسيحي ليهبوا هبة رجل واحد لوقف الحرب الخفية والمعلنة ولإنقاذ القدس من الضياع، وأبناءها الاصليين من التهجير، لمقدساتها من الهدم، وتاريخها القديم من النسيان.. بحاجة لاعلان القدس عاصمة إستثنائية ليس لفلسطين وحدها بل لكل دول العالم العربي والاسلامي.. بحاجة أن نسأل ونحاول أن نعرف منذ متى تبكي الحجارة بهذه الحرارة في قدسنا العربية...!! كيف نكفكف دموعها لتنهض من جديد..