محمد المقاطي
03-22-2008, 04:51 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية لابد من الإشادة بالتزام حضرة صاحب السمو أمير البلاد بالدستور حين قرر حل مجلس الأمة. وهذه الإشادة لا تأتي في إطار المجاملة للمقام السامي، بل هي إشادة مستحقة كونها أزهقت روح "خفافيش السلطة" الذين سعوا دائما عبر التحريض إلى الدفع نحو تعليق الدستور والعودة إلى الحكم الفردي المطلق وقمع الحريات. فشكرا يا صاحب السمو على الانتصار للدستور. أما "الخفافيش" فنقول لهم عودوا إلى جحوركم وابقوا في الظلام فذلك خير لنا.
كان حل مجلس الأمة مستحقا منذ فترة، فالعلاقات السياسية والأوضاع العامة بلغت مرحلة كان لابد معها من إيقافها تجنبا للتداعيات الخطيرة، فقد كان باديا أن الأمور "فلتت" حين دخلت البلاد في أتون الطائفية المدمرة. بيد أن الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن المسؤول عن تردي الأوضاع العامة في الدولة هو النظام لا مجلس الأمة. فالتوتر الطائفي تسببت فيه المعالجة الحكومية لقضية التأبين، كما أن تردد الحكومة في التعامل مع موضوع زيادة الرواتب وارتفاع الأسعار دفع مجلس الأمة إلى استلام دفة القيادة ومحاولة إدارة الدولة من خلال ممارسة صلاحيات الحكومة التي تفشل دائما في معالجة أي قضية عامة.
على أي حال، دعونا نتحدث عن المستقبل القريب.. عن الانتخابات والحكومة القادمة.. دعونا نتهيئ للدخول في مرحلة جديدة نأمل أن تكون أفضل من السنوات الخمس الماضية. وفي هذا الصدد، على النظام أن يقر، قبل غيره، بأن هناك مشكلة كبرى في أسلوب حكم وإدارة الدولة. إن هذه المشكلة تتجسد في طريقة توزيع المناصب العليا والمناصب الوزارية. فالأسرة الحاكمة تعتمد على نظام "الأقدمية" لا على قاعدة الكفاءة. وتحت هذا النظام جاء تعيين سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد في منصبه. ونظرا لرغبة الشيخ مشعل الأحمد في البقاء خارج دائرة المواجهة السياسية والاعلامية، فقد رفض منصب رئيس مجلس الوزراء حين عرض عليه بعد انتهاء أزمة الخلافة. وجاء تعيين الشيخ ناصر محمد الأحمد كرئيس لمجلس الوزراء بحكم "أقدميته" التي تلي "أقدمية" الشيخ مشعل! كما تم منح الشيخ جابر المبارك منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء بتأثير "الأقدمية" أيضا.
وإذا كنا نعلم يقينا أيضا أن أسلوب الشيوخ في القيام بواجبات وظائفهم لا ينتمي إطلاقا لأي فنون ومدارس الإدارة الحديثة بل يتبع قاعدة "انتظار الأوامر" تحت مظلة الخوف من رد الفعل والغضب القادم من الأعلى، فإن هذا الأسلوب هو الذي جعل الشيخ ناصر المحمد يقول أن موضوع الديوانيات وموضوع زيادة الرواتب "مو بيده". فالشيخ ناصر لم يكن "يحتمي" بصاحب السمو فقط في مواجهة النواب، لكنه كان يخشى التصرف لوحده! ما أريد قوله هنا هو أن التربية السياسية للشيوخ تخلط بين وجوب احترامهم لمن يكبرهم سنا وبين وجوب "الاستئذان" قبل اتخاذ القرارات. وهذا الأمر جعل مؤسسة مجلس الوزراء مجرد واجهة للحكم، ورئيس مجلس الوزراء موظف في قصر الحكم!
إن نظام "الأقدمية" ونظام "الأوامر"، إضافة إلى المركزية الشديدة لا يمكن أن ينتج عنها إدارة كفؤة للدولة، وإذا أرادت الأسرة الحاكمة أن تطور نفسها وتحافظ على حكمها، فعليها أن تتخلى عن قاعدة الأقدمية وأن تقلص هيمنتها على مجلس الوزراء، وأن يمارس هذا المجلس الاختصاصات التي قررها له الدستور فيما يكتفي رئيس الدولة بممارسة سلطاته الدستورية من غير إزعاجه وإشغاله بشؤون مجلس الأمة وقضايا أخرى كزيادة الرواتب وإزالة الدواوين! ومتى ما تخلت الأسرة الحاكمة عن فكرة الهيمنة على كل شيء، ومتى ما تم الفصل بين اختصاصات مجلس الوزراء واختصاصات رئيس الدولة، أصبح من السهل حتما إلزام مجلس الأمة بعدم الخروج عن اختصاصاته. أما تداخل السلطات والاختصاصات بين رئيس الدولة ومجلس الوزراء ومجلس الأمة، فإن النتيجة الحتمية لها هي الفوضى التي تشهدها البلاد حاليا.
ومن جهة أخرى ما يزال النظام يصر على "انتقاء" الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة تحت تأثير معايير شخصية بحتة، فالنظام يحرص على اختيار وزراء لا يمانعون إطلاقا في مصادرة سلطاتهم الدستورية.. وزراء لا يهمهم سوى الحصول على المنصب.. وزراء يتمتعون بشخصيات ضعيفة يسهل اندماجهم في الفكر السياسي للشيوخ.. وزراء لا يمانعون في تلقي الأوامر.. والمشكلة أن النظام لا يدرك أن هذه النوعية من الوزراء يشكلون عبئا عليه، فهو يضطر إلى استهلاك هيبته ومكانته وقدراته للدفاع عنهم.
إن النظام في الكويت منهك.. نعم فهو مبتلى باختياراته، وحل مجلس الأمة جاء في الواقع نتيجة لهذه الاختيارات. إن نظام "الأقدمية" ونظام "الأوامر والمركزية" لا يصلحان أبدا لإدارة شؤون الدولة.
إن على النظام أن يعترف.. إن على النظام أن يقر بأن مشاكل الكويت هي نتاج غياب الكفاءة في إدارة شؤون الدولة، و"ما في داعي نقص على روحنا"، فالخلل الرئيسي ليس في مجلس الأمة ولا في وسائل الإعلام.. إن الخلل الرئيسي يكمن في أسلوب الحكم والإدارة.. في المركزية وفي نقص أو غياب الكفاءة. وإذا كان حل مجلس الأمة خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، فإن المطلوب هو خطوات كبيرة في نطاق الأسرة الحاكمة، أفكارها وأسلوبها وكفاءة من تسند لهم مناصب عامة.
ومن هنا فإنني أناشد جميع المرشحين في الانتخابات القادمة أن يسعوا إلى ملامسة الجرح.. عليهم أن يتحدثوا مع الناخبين حول وضع الحكم والأسرة الحاكمة.. عليهم أن يوصلوا رسالة الشعب الكويتي الذي بات القلق يتحكم به من مستقبله.. عليهم أن يقولوا للأسرة الحاكمة بوضوح شديد أنه ما لم تتطور أساليب الحكم والإدارة فستظل الكويت تندفع نحو الهاوية.. عليهم أن يقولوا للأسرة الحاكمة أننا نحبكم ونسعى لدعم حكمكم وفقا للدستور لا وفقا لهواكم.. عليهم أن يطالبوا الأسرة الحاكمة بأن تفسح المجال أمام الكفاءات من الشيوخ كي يقوموا بمسؤولياتهم تجاه الدولة وتجاه الحكم ذاته.. عليهم أن يعلنوا رفضهم لمركزية القرار.. عليهم أن يطالبوا بتسيد مشروع الدولة على مشروع الحكم.. عليهم إبلاغ الأسرة الحاكمة أن العلة في أفكار بعضهم وقدراته.. عليهم أن يقولوا للأسرة الحاكمة أن الحكم أصبح على المحك، وما لم تقر الأسرة الحاكمة بمسؤوليتها عما آلت إليه الأمور، وما لم تسعى الأسرة الحاكمة إلى تطوير قدراتها فإن الدولة ستواصل انحطاطها.
إن الشعار الأهم والمستحق للانتخابات القادمة هو شعار إصلاح أوضاع أسرة الصباح.. فإدارة الدولة تحتاج كفاءة وقدرة ولا يكفي الانتماء إلى ذرية مبارك الصباح أو الانتماء إلى هذا الفرع أو ذاك من الذرية.. فلنقل للأعور أنه أعور بلا مجاملة. و "لا تقصون على روحكم"!
إن الدول لا تدار بالأقدمية!
محمد عبدالقادر الجاسم
تنويه: هذه الآراء تعبر عن رأي الكاتب ولاتمثل رأي الموقع او اي مؤسسة او جهة اخرى
.
في البداية لابد من الإشادة بالتزام حضرة صاحب السمو أمير البلاد بالدستور حين قرر حل مجلس الأمة. وهذه الإشادة لا تأتي في إطار المجاملة للمقام السامي، بل هي إشادة مستحقة كونها أزهقت روح "خفافيش السلطة" الذين سعوا دائما عبر التحريض إلى الدفع نحو تعليق الدستور والعودة إلى الحكم الفردي المطلق وقمع الحريات. فشكرا يا صاحب السمو على الانتصار للدستور. أما "الخفافيش" فنقول لهم عودوا إلى جحوركم وابقوا في الظلام فذلك خير لنا.
كان حل مجلس الأمة مستحقا منذ فترة، فالعلاقات السياسية والأوضاع العامة بلغت مرحلة كان لابد معها من إيقافها تجنبا للتداعيات الخطيرة، فقد كان باديا أن الأمور "فلتت" حين دخلت البلاد في أتون الطائفية المدمرة. بيد أن الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن المسؤول عن تردي الأوضاع العامة في الدولة هو النظام لا مجلس الأمة. فالتوتر الطائفي تسببت فيه المعالجة الحكومية لقضية التأبين، كما أن تردد الحكومة في التعامل مع موضوع زيادة الرواتب وارتفاع الأسعار دفع مجلس الأمة إلى استلام دفة القيادة ومحاولة إدارة الدولة من خلال ممارسة صلاحيات الحكومة التي تفشل دائما في معالجة أي قضية عامة.
على أي حال، دعونا نتحدث عن المستقبل القريب.. عن الانتخابات والحكومة القادمة.. دعونا نتهيئ للدخول في مرحلة جديدة نأمل أن تكون أفضل من السنوات الخمس الماضية. وفي هذا الصدد، على النظام أن يقر، قبل غيره، بأن هناك مشكلة كبرى في أسلوب حكم وإدارة الدولة. إن هذه المشكلة تتجسد في طريقة توزيع المناصب العليا والمناصب الوزارية. فالأسرة الحاكمة تعتمد على نظام "الأقدمية" لا على قاعدة الكفاءة. وتحت هذا النظام جاء تعيين سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد في منصبه. ونظرا لرغبة الشيخ مشعل الأحمد في البقاء خارج دائرة المواجهة السياسية والاعلامية، فقد رفض منصب رئيس مجلس الوزراء حين عرض عليه بعد انتهاء أزمة الخلافة. وجاء تعيين الشيخ ناصر محمد الأحمد كرئيس لمجلس الوزراء بحكم "أقدميته" التي تلي "أقدمية" الشيخ مشعل! كما تم منح الشيخ جابر المبارك منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء بتأثير "الأقدمية" أيضا.
وإذا كنا نعلم يقينا أيضا أن أسلوب الشيوخ في القيام بواجبات وظائفهم لا ينتمي إطلاقا لأي فنون ومدارس الإدارة الحديثة بل يتبع قاعدة "انتظار الأوامر" تحت مظلة الخوف من رد الفعل والغضب القادم من الأعلى، فإن هذا الأسلوب هو الذي جعل الشيخ ناصر المحمد يقول أن موضوع الديوانيات وموضوع زيادة الرواتب "مو بيده". فالشيخ ناصر لم يكن "يحتمي" بصاحب السمو فقط في مواجهة النواب، لكنه كان يخشى التصرف لوحده! ما أريد قوله هنا هو أن التربية السياسية للشيوخ تخلط بين وجوب احترامهم لمن يكبرهم سنا وبين وجوب "الاستئذان" قبل اتخاذ القرارات. وهذا الأمر جعل مؤسسة مجلس الوزراء مجرد واجهة للحكم، ورئيس مجلس الوزراء موظف في قصر الحكم!
إن نظام "الأقدمية" ونظام "الأوامر"، إضافة إلى المركزية الشديدة لا يمكن أن ينتج عنها إدارة كفؤة للدولة، وإذا أرادت الأسرة الحاكمة أن تطور نفسها وتحافظ على حكمها، فعليها أن تتخلى عن قاعدة الأقدمية وأن تقلص هيمنتها على مجلس الوزراء، وأن يمارس هذا المجلس الاختصاصات التي قررها له الدستور فيما يكتفي رئيس الدولة بممارسة سلطاته الدستورية من غير إزعاجه وإشغاله بشؤون مجلس الأمة وقضايا أخرى كزيادة الرواتب وإزالة الدواوين! ومتى ما تخلت الأسرة الحاكمة عن فكرة الهيمنة على كل شيء، ومتى ما تم الفصل بين اختصاصات مجلس الوزراء واختصاصات رئيس الدولة، أصبح من السهل حتما إلزام مجلس الأمة بعدم الخروج عن اختصاصاته. أما تداخل السلطات والاختصاصات بين رئيس الدولة ومجلس الوزراء ومجلس الأمة، فإن النتيجة الحتمية لها هي الفوضى التي تشهدها البلاد حاليا.
ومن جهة أخرى ما يزال النظام يصر على "انتقاء" الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة تحت تأثير معايير شخصية بحتة، فالنظام يحرص على اختيار وزراء لا يمانعون إطلاقا في مصادرة سلطاتهم الدستورية.. وزراء لا يهمهم سوى الحصول على المنصب.. وزراء يتمتعون بشخصيات ضعيفة يسهل اندماجهم في الفكر السياسي للشيوخ.. وزراء لا يمانعون في تلقي الأوامر.. والمشكلة أن النظام لا يدرك أن هذه النوعية من الوزراء يشكلون عبئا عليه، فهو يضطر إلى استهلاك هيبته ومكانته وقدراته للدفاع عنهم.
إن النظام في الكويت منهك.. نعم فهو مبتلى باختياراته، وحل مجلس الأمة جاء في الواقع نتيجة لهذه الاختيارات. إن نظام "الأقدمية" ونظام "الأوامر والمركزية" لا يصلحان أبدا لإدارة شؤون الدولة.
إن على النظام أن يعترف.. إن على النظام أن يقر بأن مشاكل الكويت هي نتاج غياب الكفاءة في إدارة شؤون الدولة، و"ما في داعي نقص على روحنا"، فالخلل الرئيسي ليس في مجلس الأمة ولا في وسائل الإعلام.. إن الخلل الرئيسي يكمن في أسلوب الحكم والإدارة.. في المركزية وفي نقص أو غياب الكفاءة. وإذا كان حل مجلس الأمة خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، فإن المطلوب هو خطوات كبيرة في نطاق الأسرة الحاكمة، أفكارها وأسلوبها وكفاءة من تسند لهم مناصب عامة.
ومن هنا فإنني أناشد جميع المرشحين في الانتخابات القادمة أن يسعوا إلى ملامسة الجرح.. عليهم أن يتحدثوا مع الناخبين حول وضع الحكم والأسرة الحاكمة.. عليهم أن يوصلوا رسالة الشعب الكويتي الذي بات القلق يتحكم به من مستقبله.. عليهم أن يقولوا للأسرة الحاكمة بوضوح شديد أنه ما لم تتطور أساليب الحكم والإدارة فستظل الكويت تندفع نحو الهاوية.. عليهم أن يقولوا للأسرة الحاكمة أننا نحبكم ونسعى لدعم حكمكم وفقا للدستور لا وفقا لهواكم.. عليهم أن يطالبوا الأسرة الحاكمة بأن تفسح المجال أمام الكفاءات من الشيوخ كي يقوموا بمسؤولياتهم تجاه الدولة وتجاه الحكم ذاته.. عليهم أن يعلنوا رفضهم لمركزية القرار.. عليهم أن يطالبوا بتسيد مشروع الدولة على مشروع الحكم.. عليهم إبلاغ الأسرة الحاكمة أن العلة في أفكار بعضهم وقدراته.. عليهم أن يقولوا للأسرة الحاكمة أن الحكم أصبح على المحك، وما لم تقر الأسرة الحاكمة بمسؤوليتها عما آلت إليه الأمور، وما لم تسعى الأسرة الحاكمة إلى تطوير قدراتها فإن الدولة ستواصل انحطاطها.
إن الشعار الأهم والمستحق للانتخابات القادمة هو شعار إصلاح أوضاع أسرة الصباح.. فإدارة الدولة تحتاج كفاءة وقدرة ولا يكفي الانتماء إلى ذرية مبارك الصباح أو الانتماء إلى هذا الفرع أو ذاك من الذرية.. فلنقل للأعور أنه أعور بلا مجاملة. و "لا تقصون على روحكم"!
إن الدول لا تدار بالأقدمية!
محمد عبدالقادر الجاسم
تنويه: هذه الآراء تعبر عن رأي الكاتب ولاتمثل رأي الموقع او اي مؤسسة او جهة اخرى
.