الــولــيــد
03-12-2008, 05:08 PM
قمم وأعماق
* من أشهر أنواع (الفوبيا)، التى يعرفها العامة، من كثرة الحديث عنها، فى الروايات وأفلام السينما، (فوبيا) المرتفعات..
ومن الطبيعى للغاية أن يخشى الإنسان المرتفعات، وأن يشعر بالقلق وعدم الأمان، إذا ما وقف فى منطقة مرتفعة، بحيث تبدو الأشياء ويبدو الأشخاص تحته فى أحجام صغيرة دقيقة..
ومن الطبيعى أيضاً أن ينتابه الخوف، إذا ما وقف على حافة مرتفعة، أو طرف بناية شاهقة..
ولكن ماذا لو أنه يصاب بهلع رهيب، إذا أطل من شرفة مرتفعة مؤمَّنة، أو حتى عبر زجاج سميك قوى ومصفَّح؟!..
هنا يصبح الخوف من المرتفعات مرضياً، ومتجاوزاً لكل الحدود الطبيعية والمألوفة، والمعروفة..
والمصابون بمرض (فوبيا) المرتفعات، يشعرون بدوار عنيف، وفقدان تام للاتزان، وترتجف أطرافهم، وتتيبَّس، وقد تعجز سيقانهم عن حملهم أيضاً، إذا ما تواجدوا فى مكان مرتفع، أو حتى شاهدوا صورة تم التقاطها من مكان مرتفع..
وفى واحدة من الاختبارات النفسية، تم وضع المريض فى حجرة خاصة، فى الطابق الأرضى، وتم عرض صورة كبيرة، على أرضية الحجرة، تم التقاطها من أعلى ناطحة سحاب، وعلى الرغم من أن المريض يدرك جيِّداً موقعه، وأن ما يراه مجرَّد صورة، فقد انتابته المشاعر نفسها، التى تنتابه فى البنايات المرتفعة، وارتجف إلى حد الهلع، وانهار تماماً، وهو يصرخ صرخات رهيبة، انخلعت لها قلوب من حوله..
المسألة ليست مرتفعات ومنخفضات إذن، وإنما هى مشكلة نفسية عويصة، ترتبط بالشعور، أو بالعلاقة البصرية، بين المخ والجسد..
ولقد أجرى العلماء تجاربهم على حالات من المصابين بهذا الخوف الرهيب من كل المرتفعات، بأن عصبوا أعينهم، وجعلوهم يسيرون فوق سطح شديد الارتفاع، فلم يعان سبع وثمانون فى المائة منهم أية مشكلات، إلا بعد رفع العصابة، وإدراكهم أنهم فوق قمة مرتفعة..
ولقد دعت هذه التجربة إلى دراسة العصب البصرى، والأذن الداخلية للمصابين بمرض (فوبيا) المرتفعات، لبحث ما إذا كانت له علاقة بأيهما، وجاءت النتيجة تشير إلى هذا الاحتمال، بنسبة سبعة وخمسين فى المائة، مما جعل من العسير الجزم بصحته من عدمها!!..
وهناك حالة خاصة جداً، توقف عندها الباحثون طويلاً، من حالات (فوبيا) المرتفعات الفائقة، وهى حالة ظل صاحبها يصاب بذلك الهلع الفائق طوال الوقت، دون أن يفلح أى علاج فى تخليصه منه، وهو يصر دوماً على أنه سيلقى حتفه سقوطاً من ارتفاع عال يوماً ما..
وطوال حياته، حرص ذلك المريض دوماً على تجنب المرتفعات، فلم يسافر يوماً بطائرة، ولم يقم أو يعمل فى أى مكان مرتفع إطلاقاً..
وعلى الرغم من هذا، فقد سقط هذا المريض فجأة، فى حفرة أرضية، بلغ عمقها ثمانية عشر متراً، فلقى مصرعه فى الحال!..
لقد سقط إذن من ارتفاع كبير، فى أعماق الأرض!..
ويا لها من مفارقة!!..
والمفارقة هنا تقودنا إلى نوع آخر من أنواع (الفوبيا)، يعتبر عكس (فوبيا) المرتفعات تماماً، وإن كان بعض العلماء يعتبرونه مجرَّد اشتقاق من هذه (الفوبيا) نفسها، على نحو آخر..
إنه (فوبيا) الأعماق..
وفى هذه (الفوبيا)، يرتجف المريض ويرتعد، عند مواجهة حفرة عميقة، أو بئر سحيقة، ولا يجرؤ حتى على النظر إليها، وينتابه شعور دائم بأنه لو تطلَّع إليها، فسيقسط فيها حتماً..
والفريق الذى يتصوَّر أن هذا مجرَّد اشتقاق من (فوبيا) المرتفعات يرى أن المريض هنا يخشى المسافات البعيدة، سواء أكانت من مكان مرتفع أو منخفض، أو أنه لا يستطيع التطلَّع إلى أية مسافات رأسية طويلة، بأى حال من الأحوال..
ولكن التجارب العملية ترفض هذا المنطق، فى كثير من الأحيان، إذ أن معظم الحالات المصابة بالخوف المرضى من الأعماق، لم تعان من الأمر نفسه مع المرتفعات، وفى حالات أخرى، تلازم هذا مع ذلك، ولكن الأعراض اختلفت فى الحالتين، فكانت أكثر عنفاً فى الأعماق، منها فى المرتفعات..
والفريق المؤمن بانفرادية (فوبيا) الأعماق، يرى أن سببها يعود إلى ربطها دوماً بالموت والقبور، ورؤيتها تسبِّب الهلع للمريض، لأنه يتصوَّر أنه يرى قبره بعينه، وأن جثمانه سيرقد يوماً ما فى حفرة كهذه، ويهال عليه التراب!!..
ولأن البشر يخشون الموت بطبيعتهم، ويكرهون فقدان كل متع الحياة، فإن عقولهم الباطنة تبغض القبور، وتعكس هذا البغض على العقل الواعى، فى شكل (فوبيا) الأعماق!..
و(فوبيا) الأعماق مثلها مثل (فوبيا) المرتفعات، ذات منشأ نفسى بحت، بحيث لا يشترط تواجد الشخص فى حفرة عميقة بالفعل، وإنما يكفى الإيحاء له بهذا، أو حتى إخباره بضرورة أن يفترض هذا، حتى يصاب بكل الأعراض، دون أى اختلاف..
وككل أنواع (الفوبيا)، يختلف الأمر من مريض إلى آخر، فبعض المرضى يصاب بالهلع من الأماكن شديدة العمق، والبعض الآخر لا يمكنه حتى التواجد فى قبو منزل، أو فى أى طابق تحت مستوى الأرض..
وبعض المرضى يمكنه أن ينتبه، حتى وهو مغمض العينين، إلى أنه قد تجاوز مستوى الأرض، والبعض الآخر لا يمكن أن يدرك هذا، إلا لو تم إبلاغه به، والنوع الأوَّل هو الذى يثير انتباه واهتمام العلماء أكثر، لأنه يمتلك حاسة نادرة، لابد من دراستها، والبحث عن أسبابها، ونتائجها، ووسائل توجيهها والاستفادة منها..
تماماً كحاسة تحديد الاتجاهات، والتى يملكها بعض البشر، دون البعض الآخر، وتتفاوت قوتها بين من يملكونها، على نحو يستحق الاهتمام والدراسة بالفعل، فبعض الناس يمكنهم تحديد الاتجاهات بدقة، حتى لو أغمضت عينيه، وسرت به عبر غابة شاسعة، فى مسار شديد التعرُّج والتعقيد، بل ويمكنهم الإشارة بأصابعهم نحو نقاط بعينها، فى دقة مدهشة، لو طُلب منهم هذا.. والبعض الآخر يمكنه الاتجاه نحو الشمال المغنطيسى بدقة مدهشة، تفوق دقة البوصلة نفسها، دون أية معرفة سابقة بمكان تواجدهم!!..
ولكن هذه قصة أخرى..
دعنا هنا نركز أبحاثنا حول (الفوبيا) بأنواعها المختلفة، وتفرعاتها العجيبة، وتعقيداتها وأعراضها اللا نهائية..
وما تحدَّثنا عنه يعتبر الأنواع الشهيرة فقط من (الفوبيا)، والتى يمكن أن تتواجد فى البشر، على نحو غريزى أو مكتسب، والتى تتشارك فيها أعداد كبيرة من الناس، ولكن هناك أنواع أخرى من (الفوبيا) لا حصر لها، وكلها أنواع مكتسبة، نشأت بسبب واقعة بعينها، أو موقف أثار رعب الإنسان وفزعه، فى مرحلة أوَّلية من حياته، وتبدو غامضة ومحيِّرة، بالنسبة لعلماء النفس والدارسين، وخاصة عندما ترتبط بأشياء عادية أو مألوفة، أو يمكن تواجدها فى كل مكان، كالسجائر مثلاً، أو القدَّاحات، أو الأقداح الزجاجية، أو أنواع سيارات بعينها، أو حتى الملاعق والأشواك الفضية..
وهناك امرأة، ظلت طيلة عمرها تصاب بهلع مرضى من عبور أى طريق تعبره السيارات، وعندما تم تحليلها نفسياً، ودفعها إلى العودة بذاكرتها إلى سنوات طفولتها الأولى، تبيَّن أنها قد شاهدت، وهى فى الثالثة من عمرها حادثة سير، لسيارة مسرعة، أصابت طفلاً فى العاشرة من عمره، وقذفت به إلى حديقة منزل بعيد، لينزف حتى الموت..
وعندما تقدَّمت هى فى العمر، طرح عقلها الواعى الموقف كله فى بقعة مظلمة من مخها، ولكنه لم ينجح فى محوه من عقلها الباطن، الذى يستعيد المشهد سراً، كلما حاولت عبور الطريق، فتصاب بالفزع والهلع، وتتصوَّر أن سيارة ما ستصدمها، كما فعلت بذلك الطفل من قبل، وستلقى مصرعها مثله..
وعندما تم التوصُّل إلى السبب الحقيقى لمشكلتها، والتعامل معه بالحرفية اللازمة، انتهت القضية، وتصالح عقلها الواعى مع عقلها الباطن، ولم تعد تخشى عبور الطرقات..
وهذا الحديث يقودنا إلى الجولة الأخيرة والفصل الختامى، من هذه الدراسة، الخاصة بمختلف أنواع (الفوبيا)..
الفصل الذى لا يتحدَّث عن المشكلة، وإنما عن الحل..
عن مواجهة (الفوبيا)، ووسائل التعامل معها، وعلاجها،
* من أشهر أنواع (الفوبيا)، التى يعرفها العامة، من كثرة الحديث عنها، فى الروايات وأفلام السينما، (فوبيا) المرتفعات..
ومن الطبيعى للغاية أن يخشى الإنسان المرتفعات، وأن يشعر بالقلق وعدم الأمان، إذا ما وقف فى منطقة مرتفعة، بحيث تبدو الأشياء ويبدو الأشخاص تحته فى أحجام صغيرة دقيقة..
ومن الطبيعى أيضاً أن ينتابه الخوف، إذا ما وقف على حافة مرتفعة، أو طرف بناية شاهقة..
ولكن ماذا لو أنه يصاب بهلع رهيب، إذا أطل من شرفة مرتفعة مؤمَّنة، أو حتى عبر زجاج سميك قوى ومصفَّح؟!..
هنا يصبح الخوف من المرتفعات مرضياً، ومتجاوزاً لكل الحدود الطبيعية والمألوفة، والمعروفة..
والمصابون بمرض (فوبيا) المرتفعات، يشعرون بدوار عنيف، وفقدان تام للاتزان، وترتجف أطرافهم، وتتيبَّس، وقد تعجز سيقانهم عن حملهم أيضاً، إذا ما تواجدوا فى مكان مرتفع، أو حتى شاهدوا صورة تم التقاطها من مكان مرتفع..
وفى واحدة من الاختبارات النفسية، تم وضع المريض فى حجرة خاصة، فى الطابق الأرضى، وتم عرض صورة كبيرة، على أرضية الحجرة، تم التقاطها من أعلى ناطحة سحاب، وعلى الرغم من أن المريض يدرك جيِّداً موقعه، وأن ما يراه مجرَّد صورة، فقد انتابته المشاعر نفسها، التى تنتابه فى البنايات المرتفعة، وارتجف إلى حد الهلع، وانهار تماماً، وهو يصرخ صرخات رهيبة، انخلعت لها قلوب من حوله..
المسألة ليست مرتفعات ومنخفضات إذن، وإنما هى مشكلة نفسية عويصة، ترتبط بالشعور، أو بالعلاقة البصرية، بين المخ والجسد..
ولقد أجرى العلماء تجاربهم على حالات من المصابين بهذا الخوف الرهيب من كل المرتفعات، بأن عصبوا أعينهم، وجعلوهم يسيرون فوق سطح شديد الارتفاع، فلم يعان سبع وثمانون فى المائة منهم أية مشكلات، إلا بعد رفع العصابة، وإدراكهم أنهم فوق قمة مرتفعة..
ولقد دعت هذه التجربة إلى دراسة العصب البصرى، والأذن الداخلية للمصابين بمرض (فوبيا) المرتفعات، لبحث ما إذا كانت له علاقة بأيهما، وجاءت النتيجة تشير إلى هذا الاحتمال، بنسبة سبعة وخمسين فى المائة، مما جعل من العسير الجزم بصحته من عدمها!!..
وهناك حالة خاصة جداً، توقف عندها الباحثون طويلاً، من حالات (فوبيا) المرتفعات الفائقة، وهى حالة ظل صاحبها يصاب بذلك الهلع الفائق طوال الوقت، دون أن يفلح أى علاج فى تخليصه منه، وهو يصر دوماً على أنه سيلقى حتفه سقوطاً من ارتفاع عال يوماً ما..
وطوال حياته، حرص ذلك المريض دوماً على تجنب المرتفعات، فلم يسافر يوماً بطائرة، ولم يقم أو يعمل فى أى مكان مرتفع إطلاقاً..
وعلى الرغم من هذا، فقد سقط هذا المريض فجأة، فى حفرة أرضية، بلغ عمقها ثمانية عشر متراً، فلقى مصرعه فى الحال!..
لقد سقط إذن من ارتفاع كبير، فى أعماق الأرض!..
ويا لها من مفارقة!!..
والمفارقة هنا تقودنا إلى نوع آخر من أنواع (الفوبيا)، يعتبر عكس (فوبيا) المرتفعات تماماً، وإن كان بعض العلماء يعتبرونه مجرَّد اشتقاق من هذه (الفوبيا) نفسها، على نحو آخر..
إنه (فوبيا) الأعماق..
وفى هذه (الفوبيا)، يرتجف المريض ويرتعد، عند مواجهة حفرة عميقة، أو بئر سحيقة، ولا يجرؤ حتى على النظر إليها، وينتابه شعور دائم بأنه لو تطلَّع إليها، فسيقسط فيها حتماً..
والفريق الذى يتصوَّر أن هذا مجرَّد اشتقاق من (فوبيا) المرتفعات يرى أن المريض هنا يخشى المسافات البعيدة، سواء أكانت من مكان مرتفع أو منخفض، أو أنه لا يستطيع التطلَّع إلى أية مسافات رأسية طويلة، بأى حال من الأحوال..
ولكن التجارب العملية ترفض هذا المنطق، فى كثير من الأحيان، إذ أن معظم الحالات المصابة بالخوف المرضى من الأعماق، لم تعان من الأمر نفسه مع المرتفعات، وفى حالات أخرى، تلازم هذا مع ذلك، ولكن الأعراض اختلفت فى الحالتين، فكانت أكثر عنفاً فى الأعماق، منها فى المرتفعات..
والفريق المؤمن بانفرادية (فوبيا) الأعماق، يرى أن سببها يعود إلى ربطها دوماً بالموت والقبور، ورؤيتها تسبِّب الهلع للمريض، لأنه يتصوَّر أنه يرى قبره بعينه، وأن جثمانه سيرقد يوماً ما فى حفرة كهذه، ويهال عليه التراب!!..
ولأن البشر يخشون الموت بطبيعتهم، ويكرهون فقدان كل متع الحياة، فإن عقولهم الباطنة تبغض القبور، وتعكس هذا البغض على العقل الواعى، فى شكل (فوبيا) الأعماق!..
و(فوبيا) الأعماق مثلها مثل (فوبيا) المرتفعات، ذات منشأ نفسى بحت، بحيث لا يشترط تواجد الشخص فى حفرة عميقة بالفعل، وإنما يكفى الإيحاء له بهذا، أو حتى إخباره بضرورة أن يفترض هذا، حتى يصاب بكل الأعراض، دون أى اختلاف..
وككل أنواع (الفوبيا)، يختلف الأمر من مريض إلى آخر، فبعض المرضى يصاب بالهلع من الأماكن شديدة العمق، والبعض الآخر لا يمكنه حتى التواجد فى قبو منزل، أو فى أى طابق تحت مستوى الأرض..
وبعض المرضى يمكنه أن ينتبه، حتى وهو مغمض العينين، إلى أنه قد تجاوز مستوى الأرض، والبعض الآخر لا يمكن أن يدرك هذا، إلا لو تم إبلاغه به، والنوع الأوَّل هو الذى يثير انتباه واهتمام العلماء أكثر، لأنه يمتلك حاسة نادرة، لابد من دراستها، والبحث عن أسبابها، ونتائجها، ووسائل توجيهها والاستفادة منها..
تماماً كحاسة تحديد الاتجاهات، والتى يملكها بعض البشر، دون البعض الآخر، وتتفاوت قوتها بين من يملكونها، على نحو يستحق الاهتمام والدراسة بالفعل، فبعض الناس يمكنهم تحديد الاتجاهات بدقة، حتى لو أغمضت عينيه، وسرت به عبر غابة شاسعة، فى مسار شديد التعرُّج والتعقيد، بل ويمكنهم الإشارة بأصابعهم نحو نقاط بعينها، فى دقة مدهشة، لو طُلب منهم هذا.. والبعض الآخر يمكنه الاتجاه نحو الشمال المغنطيسى بدقة مدهشة، تفوق دقة البوصلة نفسها، دون أية معرفة سابقة بمكان تواجدهم!!..
ولكن هذه قصة أخرى..
دعنا هنا نركز أبحاثنا حول (الفوبيا) بأنواعها المختلفة، وتفرعاتها العجيبة، وتعقيداتها وأعراضها اللا نهائية..
وما تحدَّثنا عنه يعتبر الأنواع الشهيرة فقط من (الفوبيا)، والتى يمكن أن تتواجد فى البشر، على نحو غريزى أو مكتسب، والتى تتشارك فيها أعداد كبيرة من الناس، ولكن هناك أنواع أخرى من (الفوبيا) لا حصر لها، وكلها أنواع مكتسبة، نشأت بسبب واقعة بعينها، أو موقف أثار رعب الإنسان وفزعه، فى مرحلة أوَّلية من حياته، وتبدو غامضة ومحيِّرة، بالنسبة لعلماء النفس والدارسين، وخاصة عندما ترتبط بأشياء عادية أو مألوفة، أو يمكن تواجدها فى كل مكان، كالسجائر مثلاً، أو القدَّاحات، أو الأقداح الزجاجية، أو أنواع سيارات بعينها، أو حتى الملاعق والأشواك الفضية..
وهناك امرأة، ظلت طيلة عمرها تصاب بهلع مرضى من عبور أى طريق تعبره السيارات، وعندما تم تحليلها نفسياً، ودفعها إلى العودة بذاكرتها إلى سنوات طفولتها الأولى، تبيَّن أنها قد شاهدت، وهى فى الثالثة من عمرها حادثة سير، لسيارة مسرعة، أصابت طفلاً فى العاشرة من عمره، وقذفت به إلى حديقة منزل بعيد، لينزف حتى الموت..
وعندما تقدَّمت هى فى العمر، طرح عقلها الواعى الموقف كله فى بقعة مظلمة من مخها، ولكنه لم ينجح فى محوه من عقلها الباطن، الذى يستعيد المشهد سراً، كلما حاولت عبور الطريق، فتصاب بالفزع والهلع، وتتصوَّر أن سيارة ما ستصدمها، كما فعلت بذلك الطفل من قبل، وستلقى مصرعها مثله..
وعندما تم التوصُّل إلى السبب الحقيقى لمشكلتها، والتعامل معه بالحرفية اللازمة، انتهت القضية، وتصالح عقلها الواعى مع عقلها الباطن، ولم تعد تخشى عبور الطرقات..
وهذا الحديث يقودنا إلى الجولة الأخيرة والفصل الختامى، من هذه الدراسة، الخاصة بمختلف أنواع (الفوبيا)..
الفصل الذى لا يتحدَّث عن المشكلة، وإنما عن الحل..
عن مواجهة (الفوبيا)، ووسائل التعامل معها، وعلاجها،