عشق عتيبه
12-27-2007, 03:23 AM
اعلم أن الخوف من الله تعالى على مقامين: أحدهما الخوف من عذابه، والثاني الخوف منه: فأما الخوف منه فهو خوف العلماء وأرباب القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الهيبة والخوف والحذر المطلعين على سر قوله تعالى: ويحذركم الله نفسه [آل عمران: 102] وأما الأول فهو خوف عموم الخلق، وهو حاصل بأصل الإيمان بالجنة والنار، وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، وضعفه بسبب الغفلة وضعف الإيمان، وإنما تزول أيضا بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم ومشاهدة أحوالهم؛ فإن فاتت المشاهدة فالسماع لا يخلو من تأثير.
وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو المخوف، أعني أن يخاف الحجاب عنه ويرجو القرب منه. وهذه خشية العلماء، قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر:28] ولعموم المؤمنين أيضا حظ من هذه الخشية، فإذن من ارتقى إلى ذروة المعرفة وعرف الله تعالى خافه بالضرورة فلا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف، فمن عرف الله تعالى عرف أن يفعل ما يشاء ولا يبالي، ويحكم ما يريد ولا يخاف.
فخطر الخاتمة وعسر الثبات يزيدان نيران الخوف اشتعلاً ولا يمكنانها من الانطفاء، وكيف يؤمن تغير الحال وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأن القلب أشد تقلبًا من القدر في غليانها، وقد قال مقلب القلوب عز وجل: إن عذاب ربهم غير مأمون [المعارج: 28] فأجهل الناس من أمنه وهو ينادي بالتحذير من الأمن، ولولا أن الله لطف بعباده العارفين إذ روح قلوبهم بروح الرجاء لاحترقت قلوبهم من نار الخوف. فأسباب الرجاء رحمة لخواص الله، وأسباب الغفلة رحمة على عوام الخلق من وجه؛ غذ لو انكشف الغطاء لزهقت النفوس وتقطعت القلوب من خوف مقلب القلوب. قال بعض العارفين: لو كانت الشهادة [أي في سبيل الله] على باب الدار والموت على الإسلام [أي دون شهادة مع أنه أقل درجة] عند باب الحجرة لاخترت الموت على الإسلام، لني لا أدري ما يعرض لقلبي بين باب الحجرة وباب الدار، وكان أبو الدرداء يحلف بالله ما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه عند الموت إلا سلبه وكان سهل يقول: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: وقلوبهم وجلة [المؤمنون: 60].
ولما احتضر سفيان جعل يبكي ويجزع، فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك، فقال: أو على ذنوبي أبكي لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا.
وكان سهل يقول: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر.
فإذا كان خوف العارفين مع رسوخ أقدامهم وقوة إيمانهم من سوء الخاتمة فكيف لا يخافه الضعفاء.
ولسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت مثل البدعة والنفاق والكبر وجملة من الصفات المذمومة، ولذلك اشتد خوف الصحابة من النفاق حتى قال الحسن: لو أعلم أني بريء من النفاق كان أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس. وما عنوا به النفاق الذي هو ضد اصل الإيمان بل المراد به ما يجتمع مع اصل الإيمان فيكون مسلمًا منافقًا، وله علامات كثيرة. قال صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، وإن كانت فيه خصلة منهن ففيه شعبة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر" وفي لفظ آخر: "وإذا عاهد غدر".
وقد فسر الصحابة والتابعون النفاق بتفاسير لا يخلو عن شيء منه إلا صدّيق، إذ قال الحسن: إن من النفاق اختلاف السر والعلانية، واختلاف اللسان والقلب، واختلاف المدخل والمخرج، ومن الذي يخلو عن هذه المعاني؟ بل صارت هذه الأمور مألوفة بين الناس معتادة ونسي كونها منكرًا بالكلية، بل جرى ذلك على قرب عهد بزمان النبوة، فكيف الظن بزماننا! حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقًا إني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات، وكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر. وقال بعضهم: علامة النفاق أن تكره من الناس ما تأتي مثله، وأن تحب على شيء من الجور، وأن تبغض على شيء من الحق. وقيل من النفاق: أنه مدح بشيء ليس فيه أعجبه ذلك. وقال رجل لابن عمر رحمه الله: إنا ندخل على هؤلاء الأمراء فنصدقهم فيما يقولون، فإذا خرجنا تكلمنا فيهم، فقال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان حذيفة يقول: إنه يأتي على القلب ساعة يمتلئ بالإيمان حتى لا يكون للنفاق فيه مغرز إبرة، ويأتي عليه ساعة يمتلئ بالنفاق حتى لا يكون للإيمان فيه مغرز إبرة. فقد عرفت بهذا أن خوف العارفين من سوء الخاتمة، وأن سببه أمور تتقدمه، منها البدع ومنها المعاصي، ومنها النفاق، ومتى يخلو اعبد عن شيء من جملة ذلك!
قال بعضهم لبعض العارفين: إني أخاف على نفسي النفاق، فقال : لو كنت منافقًا لما خفت النفاق، فلا يزال العارف بين الالتفات إلى السابقة والخاتمة خائفًا منهما
مختصر من كتاب ( المستخلص فى تزكية الأنفس).ـ للشيخ سعيد حوى - رحمه الله
وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو المخوف، أعني أن يخاف الحجاب عنه ويرجو القرب منه. وهذه خشية العلماء، قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر:28] ولعموم المؤمنين أيضا حظ من هذه الخشية، فإذن من ارتقى إلى ذروة المعرفة وعرف الله تعالى خافه بالضرورة فلا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف، فمن عرف الله تعالى عرف أن يفعل ما يشاء ولا يبالي، ويحكم ما يريد ولا يخاف.
فخطر الخاتمة وعسر الثبات يزيدان نيران الخوف اشتعلاً ولا يمكنانها من الانطفاء، وكيف يؤمن تغير الحال وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأن القلب أشد تقلبًا من القدر في غليانها، وقد قال مقلب القلوب عز وجل: إن عذاب ربهم غير مأمون [المعارج: 28] فأجهل الناس من أمنه وهو ينادي بالتحذير من الأمن، ولولا أن الله لطف بعباده العارفين إذ روح قلوبهم بروح الرجاء لاحترقت قلوبهم من نار الخوف. فأسباب الرجاء رحمة لخواص الله، وأسباب الغفلة رحمة على عوام الخلق من وجه؛ غذ لو انكشف الغطاء لزهقت النفوس وتقطعت القلوب من خوف مقلب القلوب. قال بعض العارفين: لو كانت الشهادة [أي في سبيل الله] على باب الدار والموت على الإسلام [أي دون شهادة مع أنه أقل درجة] عند باب الحجرة لاخترت الموت على الإسلام، لني لا أدري ما يعرض لقلبي بين باب الحجرة وباب الدار، وكان أبو الدرداء يحلف بالله ما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه عند الموت إلا سلبه وكان سهل يقول: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: وقلوبهم وجلة [المؤمنون: 60].
ولما احتضر سفيان جعل يبكي ويجزع، فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك، فقال: أو على ذنوبي أبكي لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا.
وكان سهل يقول: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر.
فإذا كان خوف العارفين مع رسوخ أقدامهم وقوة إيمانهم من سوء الخاتمة فكيف لا يخافه الضعفاء.
ولسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت مثل البدعة والنفاق والكبر وجملة من الصفات المذمومة، ولذلك اشتد خوف الصحابة من النفاق حتى قال الحسن: لو أعلم أني بريء من النفاق كان أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس. وما عنوا به النفاق الذي هو ضد اصل الإيمان بل المراد به ما يجتمع مع اصل الإيمان فيكون مسلمًا منافقًا، وله علامات كثيرة. قال صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، وإن كانت فيه خصلة منهن ففيه شعبة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر" وفي لفظ آخر: "وإذا عاهد غدر".
وقد فسر الصحابة والتابعون النفاق بتفاسير لا يخلو عن شيء منه إلا صدّيق، إذ قال الحسن: إن من النفاق اختلاف السر والعلانية، واختلاف اللسان والقلب، واختلاف المدخل والمخرج، ومن الذي يخلو عن هذه المعاني؟ بل صارت هذه الأمور مألوفة بين الناس معتادة ونسي كونها منكرًا بالكلية، بل جرى ذلك على قرب عهد بزمان النبوة، فكيف الظن بزماننا! حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقًا إني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات، وكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر. وقال بعضهم: علامة النفاق أن تكره من الناس ما تأتي مثله، وأن تحب على شيء من الجور، وأن تبغض على شيء من الحق. وقيل من النفاق: أنه مدح بشيء ليس فيه أعجبه ذلك. وقال رجل لابن عمر رحمه الله: إنا ندخل على هؤلاء الأمراء فنصدقهم فيما يقولون، فإذا خرجنا تكلمنا فيهم، فقال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان حذيفة يقول: إنه يأتي على القلب ساعة يمتلئ بالإيمان حتى لا يكون للنفاق فيه مغرز إبرة، ويأتي عليه ساعة يمتلئ بالنفاق حتى لا يكون للإيمان فيه مغرز إبرة. فقد عرفت بهذا أن خوف العارفين من سوء الخاتمة، وأن سببه أمور تتقدمه، منها البدع ومنها المعاصي، ومنها النفاق، ومتى يخلو اعبد عن شيء من جملة ذلك!
قال بعضهم لبعض العارفين: إني أخاف على نفسي النفاق، فقال : لو كنت منافقًا لما خفت النفاق، فلا يزال العارف بين الالتفات إلى السابقة والخاتمة خائفًا منهما
مختصر من كتاب ( المستخلص فى تزكية الأنفس).ـ للشيخ سعيد حوى - رحمه الله